الظروف الحالية والعقود المبرمة مع الخطباء لشهر رمضان 1441 هجرية
سؤال لسماحة د. الحجة الشيخ أحمد الماحوزي
ما هو رأي سماحتكم في حكم العقود المبرمة لمجالس شهر رمضان مع الخطباء في ظلِّ الظروف الحالية[1] خصوصًا أنَّ البدائل متوفرة عبر قنوات التواصل؟
الجواب:
بسمه تعالى
إذا كان العقدُ المُبرمُ بين الخطيب والمأتم مشروطًا بحضور المستمعين؛ فالمشروطُ عدمٌ عندَ عدمِ شَرْطِه، أمَّا إذا أُبرِم العقدُ من دون هذا الشرط فيجب على المأتم الالتزام بتعهده وعقده، لقوله تعالى: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[2] ولا يجوز شرعًا في فقه آل الرسول (عليهم السَّلام) نقض العقود. نعم إذا اعتذر الخطيب عن القراءة فهو وشأنه.
على أنَّه يمكن للخطيب في ظروفنا هذه وهي ليست ظلامية للغاية أن يقرأ في المأتم مع وجود جماعة قليلة من إدارة المأتم - خمسة أو أكثر بقليل - متباعدون مع أخذ الوقاية فيستفيد الحاضر في المأتم والسامع له من خارج المأتم.
والحمد لله رب العالمين
الشيخ أحمد الماحوزي
11 شعبان 1441 هجرية
5 أبريل 2020 ميلادية[3]
.................................
[1] - تعليق من كتابات: ظهر في نهاية العام 2019 للميلاد (فايروس) أُطلِق عليه (covid-19/ corona) وانتشر في أرجاء المعمورة ما دفع الجهات الرسمية في الكثير من دول العالم إلى فرض قوانين تمنع الاجتماعات تجنبًا لانتشار العدوى.
[2] - سورة المائدة 1
[3] - تتميمًا للفائدةِ فيما أجاد فِيه سماحة الأستاذ (حفظه الله تعالى) من بيان المدرك فهاهنا عدة تنبيهات:
1- الإجارة من العقود اللازمة المتقومة بالطرفين ولا يصح التفاسخ فيها من طرف واحد كما حرر في محله من عمومات الأدلة قرآنًا وسنةً كآية: أوفوا بالعقود. وقاعدة: المؤمنون عند شروطهم. وما عليه سيرة العقلاء بأنَّ العقد شريعة المتعاقدين وشموله للإجارة.
وادَّعى غارسُ الحدائق (قدس سره) إجماع علماء الخاصة والعامة عليها.
وقد عرَّفها بعض الأعلام: بانها عقد ثمرته تمليك المنفعة بعوض معلوم.
2- لمَّا أنْ كانت الإجارة من العقود اللازمة؛ فهل يجب فيها انحصار ألفاظ منقولة شرعًا معهودة لغةً، وكذا اشتراط العربية حتى في الإعراب والبناء والإيجاب والقبول ووقوع القبول على الفور؟
المشهور على وجوب ذلك.
ناقش في الوجوب جملةٌ من محققي المتأخرين كما ينقل صاحب الحدائق (رحمه الله برحمته الواسعة) وتبنى مذهبهم بقوله: أنَّه لا دليل شرعًا على أزيد من الألفاظ الدالة على الرضا من الجانبين بتلك المعاملة كيف اتفق في هذا الموضع وغيره.
أقول: قوله قدس: "كيف اتفق" يشمل ما نحن فيه كسؤال رئيس المأتم للخطيب: هل توافق على قراءة ليالي شهر رمضان لعام عندنا هذا العام١٤٤١بأجرة كذا من الدنانير؟
فأجاب الخطيب: بنعم. فقد تمَّ عقد الإجارة؛ فهو بمثابة الإيجاب والقبول هاهنا.
أو نحو: تعال عندنا هذا العام بكذا دينار فقال: إن شاء الله تعالى.
وحينها: لا يجوز لأحدهما فسخ الإجارة من طرف واحد للزوم، وعلى رئيس المأتم الالتزام بدفع الأجرة بحسب الاتفاق، وعلى الخطيب الالتزام بالخطابة المعهودة من المقدمة والموضوع والخاتمة.
ولو تمَّ إدخال شروط سائغة في البين على الخطيب كالالتزام بساعة دون زيادة ونحوه كعدم التطرق للأحداث السياسية مثلًا وجب الالتزام كذلك.
3- هل يجب كتابة العقد والإشهاد عليه أم يجوز منعًا للتنازع فيما لو طرأ طارئ؟
لم أرى بحسب التتبع من أوجب ذلك، ولكن ربَّما جاز بحسب عمومات كتابة الدين، ويحتاج إلى تنقيح كي لا يدخل في معضلة القياس أو الاجتهاد مقابل النص أو مقابلته. والأفضل الكتابة.
هذا في الأجواء الطبيعية، أمَّا في الأجواء غير الطبيعية كالحرب - لا قدَّر الله - أو السجن أو انتشار الوباء والمنع القهري من جرائه فيمكن تصوير المسألة على عدة أنحاء:
- إمكان التفصي بأسلوب يصدق عليه عنوان التعزية؛ كالبث المباشر مع إمكانية حضور الخطيب الحسينية، فهاهنا
يستحق الأجرة لصدق عنوان التعزية والندبة حتى مع عدم الحضور الفعلي للمستمع.
- عدم وجود مخلص، فلو قيل باستحقاقه أجرة ولو أدون مما تمَّ الاتفاق عليه، أو حتَّى كاملة لو تمَّ الاتفاق على التعويض منه لحين زوال الظرف القاهر مراعاة لوضعه المادي.
- استحقاقه الأجرة كاملة مع الظرف القهري لعدم تسببه الفعلي، وبه يحكم العقلاء، وخصوصًا إذا كان من سيرته الوفاء وهو قول متين وكرم الحسين (عليه السَّلام) لا يحدُّه سقف ولا أقل من أنَّه خادمه على طول الخط وفي السراء والضراء.
- أن يعتاض الخطيب عن الحسينية بأهل بيته لإقامة التعزية والرثاء عما تمَّ الاتفاق عليه احتياطا.
والمهم في الأمر أن لا يخرج عنوان (التلبس) عن الخطيب والخطابة ولو قيل برفع الخصوصية للمكان، أعني الحسينية، في مثل المقام، أقصد الظرف المانع، كان حسنًا ولا يخلُّ ذلك بقداستها كما قد يتصور البعض؛ فالقداسة ثابتةٌ قبل وفي وبعد، وماهي إلَّا أيام وتنجلي المحنة وتعجّ بأوتادها أهل البيت (عليهم أفضل الصلوات وأزكى التحيات) بحضورهم الفعلي والناعي الموفق والمعزي الواعي.
وعلى أرباب المآتم والقائمين عليها تفهم وضع وظرف الخطباء الحرج، فلطالما لبوا نداء الحسين (عليه السلام) في السرِّ والعلن، وقد أفنوا زهرات شبابهم في خدمته وخدمة شيعته، والمأمول منهم الوصول لصيغة توافقية تحفظ ماء وجوههم، وبعيدًا عن إهانتهم، فهم شريحة لها وزنها وفيهم العلماء والفضلاء.
وختامًا: إنَّ في المحن والبلاءات تظهر معادن الرجال والتواصي بالحق والصبر. ولنكن عند مستوى المسئولية ولا تشط بنا الأهواء. ولنكن لأهل بيت العصمة والطهارة زينًا ولا نكون عليهم شينًا.
وصلَّى الله وسلم على سيدنا محمَّد وعلى آله سادة العالم.
سيد جميل المصلي
وانفتل القلم من ركوعه وسجوده في سحر ليلة الثالث عشر من شهر شعبان المظفر من عام١٤٤١ هج
١٤:٤:٢٠٢٠ للميلاد