- من عاميّ المذهب إلى واحد من كبار فقهاء الشيعة الإمامية.
- أنفق على العلم والحديث تركة أبيه كلها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار.
- المحدّث الميرزا النوري: هو من عيون الطائفة، ورئيسُها وكبيرها، جليل القدر عظيم الشأن، واسع الرواية ونقّادها ونقّاد الرجال.
- المحدّث الشيخ عباس القمّي: العيّاشي، الشيخ الأجلّ أبو النضر السَّلَميّ السمرقندي، ثقةٌ صدوق، له كتب كثيرة تزيد على مئتَي مصنَّف، منها كتاب التفسير.
العياشي ت (320 ه)
اسمه:
محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي، أبو النضر السمرقندي، المعروف بالعياشي (...ـ حدود 320هـ). وقد ورد في بعض الروايات بعنوان: محمد بن مسعود بن محمد = محمد بن مسعود العياشي.
أقوال العلماء فيه:
قال النجاشي: "محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السلمي، السمرقندي، أبو النضر المعروف بالعياشي: ثقة، صدوق، عين من عيون هذه الطائفة، وكان يروي عن الضعفاء كثيرًا، وكان في أول أمره عامي المذهب، وسمع حديث العامة فأكثر منه، ثم تَبَصَّر وعاد إلينا، وكان حديث السن، سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضال، وعبدالله بن محمد بن خالد الطيالسي، وجماعة من شيوخ الكوفيين، والبغداديين، والقميين".
قال الشيخ الطوسي: "محمد بن مسعود العياشي، من أهل سمرقند، وقيل: إنه من بني تميم، يكنى أبا النضر، جليل القدر، واسع الأخبار، بصير بالروايات، مطلع عليها. وقال في رجاله في باب من لم يرو عنهم عليهم السلام: "محمد بن مسعود بن محمد بن عياش السمرقندي، يكنى أبا النضر، أكثر أهل الشرق علمًا وفضلًا، وأدبًا، وفهمًا، ونبلًا في زمانه، صَنَّفَ أكثر من مائتي مصنف، ذكرناها في الفهرست، وله مجلس للخاص ومجلس للعام، رحمه الله".
نبذه من حياته:
من كبار فقهاء الشيعة الإمامية، وجهابذة الفكر الإسلامي، كان أوحد دهره في غزارة العلم، وأكثر أهل الشرق علمًا وفضلًا وأدبًا وفهمًا، وكانت داره مرتعًا لطُلَّاب علوم أئمة أهل البيت - عليهم السلام - وتَخَرَّج عليه فطاحل العلماء كالكشي وغيره، وانتشرت كتبه في نواحي خراسان، وكان لها شأن من الشأن، وهذا يكشف عن وجود مدرسة فقهية وحديثية هناك بالإضافة إلى مدرستي الكوفة وبغداد، وكان واسع الأخبار، بصيرًا بالروايات، مضطلعًا بها، جليل القدر، كريم النفس.
رُوِيَ أنَّه أنفق على العلم والحديث تَرِكَةَ أبيه كلها، وكانت ثلاثمائة ألف دينار.
وَرَوَى عن: جعفر بن أحمد، وحمدويه، ومحمد بن نصير، وعبد الله بن محمد بن خالد الطيالسي، وجماعة من شيوخ الكوفيين والبغداديين والقميين. وروى له الشيخ الطوسي في كتابيه (التهذيب) و(الاستبصار) خمسة وعشرين موردًا من الروايات.
بقي هنا شيء: وهو أنَّ ظاهر عبارة النجاشي المتقدمة.. سمع أصحاب علي بن الحسن بن فضال: أنَّ محمد بن مسعود لم يسمع علي بن الحسن بن فضال نفسه، وهذا لا يتم، فإنَّ محمد بن مسعود روى عن علي بن الحسن في الكشي ما يقرب من سبعين موردًا، وقال الكشي في ترجمة علي بن الحسن بن فضال، وجماعة آخرين: سألت أبا النضر محمد بن مسعود عن جميع هؤلاء، فقال: أمَّا علي بن فضال: فما رأيت فيمن لقيت بالعراق وناحية خراسان أفقه ولا أفضل منه.
آثاره:
صَنَّف العياشي كتبًا كثيرة تزيد على مائتي كتاب، في شتى العلوم، كالفقه والحديث والتفسير والكلام والسير وغير ذلك، منها: الطهارات الكبير، الصلاة، الصوم، الزكاة، المناسك، النكاح، الطلاق، التجارة والكسب، الذبائح، القضاء وآداب الحكم، المواريث، المسح على القدمين، التفسير المشهور، سيرة أبي بكر، سيرة عمر، سيرة عثمان، البشارات، التوحيد والصفة، الإيمان، فرض طاعة العلماء، البداء، ودلائل الأئمة، وغيرها.
مؤلَّفاته:
قال ابن النديم: كتب حيدر بن محمد بن نعيم (من تلاميذ العيّاشي) إلى أبي الحسن العدوي كتابًا في آخره: نسخة ما صنّفه العيّاشي.. وذكر أن كتبه مئتانِ وثمانية كتب، وأنه ضاع منها سبعة وعشرون كتابًا، وذكر أسامي 181 كتابًا.
ومن كتبه تلك:
ابتداء فرض الصلاة، إثبات المسح على القدمين الأجوبة المسكتة، احتجاج المعجزة، الأذان، الاستخارة، إمامة عليّ بن الحسين عليهما السّلام ـ ولعلّه في ردّ الكيسانيّة ـ، الأنبياء والأئمّة، الأوصياء، باطن القراءات، البَداء، البشارات، التقية، التنزيل ـ لعلّه فيما نزل من القرآن في أهل البيت عليهم السّلام، الجهاد، الرؤيا، سيرة أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية من رواية أهل السنّة، فضائل القرآن، محاسن الأخلاق، المزار، المساجد، الملاحم، مكّة والحرم.. ثمّ تفسيره المعروف بـ(تفسير العيّاشي).
تفسيره:
للأسف.. لم يصل إلينا إلاّ قسمٌ منه، وكان هذا التفسير عند الحاكم الحسكاني النيسابوري (ت بعد 470 هـ) وقد جعله من مصادر كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل) في موارد الآيات النازلة في أهل البيت عليهم السّلام، نقل منه نحوًا من ثلاثين حديثًا بهذه العبارة: أبو النضر العياشي في تفسيره..
كما كان عند الشيخ ابن شهرآشوب فنقل منه في كتابه (مناقب آل أبي طالب)، كذا كان عند السيّد ابن طاووس فنقل منه في بعض مؤلّفاته، وذكره الشيخ الكفعمي من جملة مصادر كتابه (جُنّة الأمان الواقية ـ المشتهر بـ: المصباح)، وقال الشيخ المجلسي: رأينا منه نسختين قديمتين.
ومنذ عصر الشيخ المجلسي إلى عصرنا هذا.. بقي تفسير العياشي من مصادر كتب الحديث والتفسير، فأخذ عنه: الفيض الكاشاني في (تفسير الصافي)، والسيّد هاشم البحراني في (تفسير البرهان) و(غاية المرام)، والشيخ الحر العاملي في (إثبات الهداة)..
ولأنّ العياشي كان من العلماء المعروفين، لذا حذف الأسانيد للاختصار وشهرة الروايات، وتخفيفًا على المُراجع، كما فعل ابن شُعبة الحرّاني في (تحف العقول)، والشريف الرضي في (نهج البلاغة). وقيل: إنّ تفسير العياشي كانت رواياته مسندة، فاختصره بعض النُّسّاخ بحذف الأسانيد.
وأخيرًا مع تقريض السَّيد محمد حسين الطباطبائي صاحب (تفسير الميزان) حيث قال فيه: إنّ أحسن ما ورثناه من ذلك (أي التفاسير الروائية) كتاب التفسير المنسوب إلى شيخنا العيّاشي رحمه الله، وهو الكتاب القيمّ الذي تلقّاه علماء هذا الشأن ـ منذُ أُلِّف إلى يومنا بما يقرب من أحد عشر قرنًا ـ بالقبول، من غير أن يُذكَر بقدح، أو يُغمَض فيه بَطرْف.
وأمّا مؤلّفه، فهو الشيخ الجليل أبو النضر العياش التميمي الكوفي السمرقندي، من أعيان علماء الشيعة وأساطين الحديث والتفسير بالرواية. أجمَع كلُّ مَن جاء بعده من أهل العلم على جلالة قدره وعلوّ منزلته وسعة فضله، وأطراه علماء الرجال متسالمين على أنَّه ثقةٌ عينٌ صدوق في حديثه.
وفاته:
توفي في حدود سنة عشرين وثلاثمائة[1].[2]
....................................
[1] - ينظر: معجم رجال الحديث ج18/ رقم الترجمة 11795، وموسوعة طبقات الفقهاء ج4/462
[2] - حاشية المُصلِّي: أقول: هناك عظماء لم ينالوا حظهم من التعريف والترجمة إلا كصبابة الإناء كشيخنا العياشي طاب رمسه بالرغم من اشتهار تفسيره في أرجاء الدنيا وعدّه مصدرًا وقلمًا تخلو منه تفاسير الإمامية.
وبالفعل فإن ترجمته قدس سره من لدن الأعلام كشيخنا صاحب المستدرك نور الله تربته ومن جاء من بعده، فهو عيال عليه فيها عبرة واعتبار سواء في رحلة البحث عن الحق والحقيقة وما يصاحبها من بلاء وابتلاء.
بلاءٌ: ونعني به محنة البحث عن الحق وترك القناعات الفكرية السابقة وهي محنة فكرية قلما يُوفق لها من قذف الله في قلبه نور الهداية وتحتاج من الباحث إلى الصبر والأناة ثم الشجاعة في تحديد الموقف النهائي من رحلة البحث.
وابتلاءٌ: ونعني به ملازمات وضرائب الوصول الى الحقيقة من المحيط والبيئة واستعمال العنف والترهيب الفكري وفرض المقاطعة الاجتماعية للخط المخالف بل تعدّيه لتفعيل الإرهاب العملي إلى حد التصفية الجسدية ومصادرة الأموال والنفي خارج البلاد.
إن في القراءات المتأمَلة للعظماء ومنهم المُترجَم له قدس الله نفسه الزكية دروس لنا نحن ممن يتلبس بالعنوان (طالب علم) تشحذ فينا همة الصبر على البحث عن الحقائق العلمية ومغالبة طوفان الصعاب.
ويجمُل بنا أن نجري عملية إسقاط عكسية إلى زمكان شيخنا العياشي عليه الرحمة من أجل تزكية النفس والنَفَس الطويل لبلوغ غاية الحقيقة وخصوصًا في قطف جنيّ ثمار المعارف العلمية، حتَّى وإن كَلَّفنا ذلك خسارة المال والعقار بل مفارقة الأصحاب. وأن تكون عندنا جرأة المخالفة مع التسلح بالدليل لا بالادعاء.
لقد كان الفقر مصنع الرجال ومنه انقدحت شرارة السير على ذات الشوكة العلمية. وكذلك الزهد في المقام الدنيوي وبازار الألقاب!
ثم الرجوع القهقرى ودراسة أوضاعنا.. إنَّنا نملك من التسهيلات ما لم يملكوا.. ظروفهم السياسية والاجتماعية الصعبة لا تقارن بنا!
لا اريد الإطناب هنا حول هذا المنعطف؛ فمعظمنا قد قرأ وعايش من محن الزمان ما فيه مُعتَبر.
هم: وصلوا وكان زمانهم العلمي خيرَ زمانٍ وكان الإنتاج غزيرًا.
ونحن!! ... مع هذا الفرز:
الأصولية والأخبارية.. وصفوف من الاصطفافات والتكتلات والتحزبات والتخندقات، والمرجعية الخانعة الصامتة والمرجعية القيادية.. ولاية الفقيه المطلقة وولاية الفقيه الحسبية.. الموالاة والمعارضة.. تولي القضاء وحرمة القضاء.. كادر الأئمة حلال وكادر الأئمة حرام.. والأوقاف الجعفرية.. جواز الدخول في عمل السلطان وحرمة الدخول..
تناحراتنا في قم والنجف كذلك استسلفناها هنا في البحرين العامرة بالعلم والعلماء!
هل تعلمون لماذا لا ينبغ لنا فقيه واحد فارد كما كان عظماء في كل محلة وقرية (انظر لؤلؤة البحرين لشيخنا المحدث البحراني غارس الحدائق قدس سره وأنوار البدرين في ترجمة علماء القطيف والإحساء والبحرين للشيخ علي البلادي قدس سره)؟
لا تعليق لديّ وليس من صفاتي وديدني الخطاب الانفعالي في جزئيات تعتبر قنابل موقوتة في الواقع العلمائي عندنا خصوصا وفي البيت الشيعي عمومًا.
نعود مجدَّدًا لصاحب الترجمة مولانا العياشي طاب ثراه ونتأمل في زمكان جهاده العلمي وأنه كان قريبًا من عصر النص، وهذا يعطينا دلالة على التلقي بالوسائط القليلة في مسألة الاتصال بالأسانيد القريبة من المعصوم عليه السلام وعدم الحاجة الى قواعد عقلية تقع في طريق اقتناص الحكم الشرعي. هذا في الحقل الفقهي.
أما في الحقل التفسيري للكتاب العزيز فمرجعه في ذلك هو النص المعصومي "وإن قيل في حقه أنه أكثر من الرواية عن الضعفاء أو العامة" وقد خرّج العلماء هذه النسبة بتأويلات يحسن الرجوع اليها.
الظاهر والله أعلم مما حدى به إلى انتهاج هذا الطريق لوجود ظهورات مدّعاة في ألسنة روايات معصومية ذامّة ومانعة من تفسير القرآن بالرأي.
انظر: كلام وتصور ومعالجة صاحب الحدائق قدس سره لهذا المطلب في ج١ المقدمات.
على أية حال.. لسنا الآن بصدد تقييم تفسيره القيم ولكننا نجزم بأن ليس عليه بأس فيما انتهج وله الفضل والمنة علينا إذ حفظ لنا تراث المعصوم التفسيري وأن كل من جاء بعده ونهج نهجه هو عيال عليه وهي مهمة ليست بالسهلة كما يتصورها بعض السذج في مقام تقييمه للتفسير بقوله: مجرد جمع ليس إلا! غافلًا أو لقلة فهم بأنَّ شيخنا العياشي عليه الرحمة لا يقصر باعه العلمي عن تفسير يقام له ويقعد؛ كيف وهو كما مر عليك في ترجمته متضلع في كثير من العلوم الآلية وإن حُسِبَ على مدرسة المحدّثين.
ولعل إعراضه عن المنهجية السائدة في زمانه في تفسير القرآن ربما يكون مردّها إلى معرفته بما يكتنفها من خطورة وجرأة فيما لا نص فيه أو إلى طعنه في الأسس والمباني التي تتكئ عليها تلك المناهج وخصوصًا أنه كان يومًا ما ابن مدرسة الرأي قبل انفتاح بصر بصيرته بنور الولاية العلوية ولما قد يتخلل من أسبقيات وإسقاطات عامية على خطة تفسيره وهو مُؤَيِّدٌ ليس ببعيد ويعدّ منقبة ومزيد تقوى وورع على المجازفة من أجل لقب علمي من هنا وهناك.
ملاحظة لا بدَّ منها للأمانة العلمية: المتن لستُ بصاحبه.
والحاشية من جهدي المتواضع الذي أسأل الله العلي القدير أن يجعله هدية وفي ميزان شيخنا العياشي قدس الله نفسه الزكية لما قدّم من ألطاف وإفاضات.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله هداة العالم.
وكتبه:
السَّيد جميل المصلي
مساء يوم ليلة قدر العارفين١٤٤١ هجري
١٦:٥:٢٠٢٠ ميلادي