تتفق كلمة سائر المدارس الإسلامية على القول بالشفاعة -في خطها العريض- كمعتقد جاء الحديث عنه في الكتاب والسنة على تنوع مصادرها، ثم يختلفون في بعض تفريعات المسألة فيذهب البعض إلى القول بأن مستحقي الشفاعة هم التائبون عن إتيان الكبائر من الذنوب، ويذهب البعض الآخر إلى أنها خاصة بالمطيعين الذين تلوثت أوراق صحائفهم باللمم من المعاصي.
وبرغم أن الاعتقاد بالشفاعة قد صار مع توالي الحقب المفضي إلى نضوج الفكر العقائدي أكثر من مسلمات أهل القبلة كافة إلا أن ثمة شبهات قد طرحت في المقام -رأى بعض المحققين- أن مرجعها قياس الشفاعة الواردة في نصوص الشريعة إلى الشفاعة التي عند الناس والتي تعني الوساطة والقفز على الكفاءة والاستحقاق في كثير من الأحيان.
ومما طرح في المقام من شبهات أن التفضل بالشفاعة على بعض المذنبين دون البعض الآخر منهم يعد ترجيحا بلا مرجح للفريق الأول؛ وذلك بعد بداهة أن كل العصاة قد قاموا من خلال إتيان الذنب بحقيقة واحدة وهي التجاوز على حرمات الله تعالى.
وقد أجاب متكلمونا عن الشبهة الآنفة بعدة أجوبة نكتفي في هذه العجالة بتقرير اثنتين منها:
الأول: صحيح أن عامة المذنبين قد جاؤوا بحقيقة واحدة من خلال تعديهم على حرمات المولى تعالى؛ إلا أنها حقيقة ذات مراتب مشككة متمايزة في الشدة، فليست النظرة المحرمة على درجة واحدة من القبح عقلا وفي لسان الشارع مع الفاحشة، فالتواطؤ المزعوم بين كافة المعاصي مُنتَفٍ، وبانتفائه لا يكون نيل بعض العصاة للشفاعة دون البعض الآخر ترجيحا بلا مرجح للفريق الأول على الثاني.
الثاني: تتفاوت الحالة النفسية للعصاة من حيث الجرأة على دخول المساحة التي منع الشارع من دخولها، فبعضهم يرتكب المعصية مصرا متجاهرا غير متأثم -معاذ الله-، بينما يقوم البعض الآخر بتجاوزه وهو يعيش حالة تأنيب ولوم نفسانيين واستتار عن أعين الناس، فهنا صنفان من العصاة لا يرى العقل والعرف تساوي صنيعيهما قبحا حتى تصح دعوى الترجيح بلا مرجح الواردة في الشبهة.
صادق القطان
٢٨ سبتمبر ٢٠٢٠م