بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من لا ينطق عن الهوى، إن هو إلّا وحيٌ يوحى، محمّد المصطفى وعلى آله سادات الورى ومن انحصر في اتّباعهم الهدى، صلاةً نقوى بها على طاعة الله والتّوفيق لنيل مرضاته والفوز بجنّاته، ثمّ اللعن على أهل البدع والطّغيان معطّلي السنن والأحكام حتّى يرضى ذو العزّة والسّلطان.
اعلم أخي المؤمن أنّ من أعظم العطايا الإلهيّة على البشر ما أفاضه علينا ربّ العبّاد من أحكامٍ وقوانين على لسان الأنبياء والأوصياء المرسلين، كيف لا؟ وهو العليم الخبير خالق الخلق الّذي لا تأخذه سنة ولا نوم، فمن البداهة أنّ ما يجيء عنه من تعاليم ليست إلَّا المصلحة المحضة والصّراط الأقوم، انظر في حياتنا، لو أنّك ابتعت بضاعة من صانعها فأرفق معها تعليمات ألن تكون متيقّنًا من أنّ المذكور هو الطّريقة الصّحيحة للاستعمال؟ فإذن صاحب اللّبّ لا يخالفُ ما يأمر به الله، ويلتزم بتعاليمه في كلّ صغيرة وكبيرة، وليست المنّة له في التزامه بل المنّة لله أن أرشدنا للطّريق القويم الذي إن التزمنا به سلكنا في حياتنا التّعاليم الحقّة الّتي لم يخل منها شيء نحتاجه على الإطلاق فعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُغِيرِيَّةِ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ مِنَ السُّنَنِ فَقَالَ عليه السّلام مَا مِنْ شَيْءٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ وُلْدُ آدَمَ إِلَّا وَقَدْ خَرَجَتْ فِيهِ السُّنَّةُ مِنَ اللَّهِ وَمِنْ رَسُولِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا احْتَجَّ عَلَيْنَا بِمَا احْتَجَّ. فَقَالَ الْمُغِيرِيُّ: وَبِمَا احْتَجَّ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السّلام: قَوْلُهُ: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي -حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ- فَلَوْ لَمْ يُكْمِلْ سُنَّتَهُ وَفَرَائِضَهُ وَمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ مَا احْتَجَّ بِهِ.[1]
فمن الأهمّيّة بمكان أن نولي السّنن التي هي تعاليم الله لنا اهتمامًا بالغًا عبر العمل بها لا فقط تعلّمها أو قراءتها كما هو حال الكثير من أهل زماننا، فمن منّا لا يعلم بكون الأذان سنّةً مؤكّدة؟ وفي المقابل استقرأ الواقع وخصوصًا فئات المجتمع غير فئة كبار السّن وانظر كم من عالمٍ لا يعمل بعلمه، وكأنّ آيات سورة الجمعة التي في هذا الصّدد لم تُقرأ علينا، والعجب أنّ المفترض أنّها تتردد علينا كلّ ليلة ويوم جمعة!
أطرق في هذه الوجيزة مسألةً طالما سمعتها تتردد على الألسن في سنّة من سنن الأنبياء (على نبيّنا وآله وعليهم أفضل السّلام) وهي سنّة حمل العصا ففي الفقيه: وقال عليه السلام: "تَعَصَّوا فإنِّها مِن سُنَنِ إخواني النّبيين ..[2]" فإنّه يُقال أنّ السّنّة في حمل العصا لمن كان عمره أربعين وهذا ما لم أقف له على خبرٍ في مصادرنا ولا أثرٍ عند غيرنا[3]، بالرّغم من أن بعض علماء مذهبنا ذكر ذلك، أمثال السيّد مهدي بحر العلوم إذ قال: "وكلّما شدّ الرحال للسفر في أيّامه أو سنواته فارتحل عن هذا العالَم، تناقصت قوّتُه سنةً بعد أُخـري، وضعـف نور سـمعه وبصـره، وانحطّـت قـواه المادّيّة، وازداد ذبول بدنه، إذ انتهت مدّة سفره وإقامته في هذا العالَم في أربعين سنة.
ولذا فقد ورد: مَنْ بَلَغَ الاَرْبَعِينَ وَلَمْ يَأْخُذِ العَصَا فَقَدْ عَصَى. ذلك أنّ العصا علامة السفر، والمسافرُ مندوب إلى حمل عصاه عند سفره. وتأويل العصا هو الاستعداد لسفر الا´خرة والتهيّؤ للرحيل[4]".
وأمّا الموجود في مصادرنا فنصَّ على تعصّي الكبير والصّغير ففي تكملة حديث الفقيه المزبور حيث قال صلّى الله عليه وآله: "تَعَصّوا فإنّها من سٌننِ إخواني النّبيين وكانت بنو إسرائيل الصّغارُ والكبارُ يمشونَ على العَصا حتّى لا يَختالوا في مشيهم."
وأطلق في بقيّة الأحاديث من هذه الحيثيّة كما جاء في الفقيه أيضًا قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "حَمْلُ العصا يَنفي الفقرَ، ولا يجاورهُ شيطانٌ[5]".
وكذلك ما نقله المستدرك عن جامع الأخبار عن النبي صلّى الله عليه وآله، أنّه قال: "من مشى مع العصا في السَّفرِ والحضرِ للتواضعِ، يُكتبُ له بكلِّ خطوةٍ ألفُ حسنةٍ، ومحا عنه ألف سيئة، ورُفعَ له ألف درجة[6]".
وفي مكارم الأخلاق قال: وعنه عليه السّلام قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: "حملُ العصا علامةُ المؤمنِ وسنّةُ الأنبياءِ عليهم السّلام.[7]".
وكذلك فإنّ الفهم المتداول لعبارة: "من بلغ الأربعين ولم يتعصَّ فقد عصى" غير سديد؛ فلو فرضنا وجودها فلا يدلُّ على تقييد حمل العصا بسنِّ الأربعين بل على كراهة تركه عند الأربعين، فتأمّل.
نسأل الله أن يوفّقنا لما يحبّ ويرضى وأن يجعلنا ممّن يستن بسنن أوليائه، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على محمّد وآله الطّاهرين.
السيد علي بن السيّد محمّد بن السيّد علي العلوي
فجر الجمعة ١٣ ربيع الأول المبارك ١٤٤٢هـ
........................................................
[1] بصائر الدّرجات، باب ١٨ من الجزء العاشر، النّوادر في الأئمة وأعاجيبهم، حديث ٥٠
[2] الفقيه ج٢ باب حمل العصا في السّفر، حديث ٤.
[3] - في كشف الخلاف للعجلوني، ج1 ح1025، قال: قال القاري: "وأمَّا حديث من بلغ الأربعين ولم يمسك العصا فقد عصى" فليس له أصل.
[4] كتاب رسالة السير والسلوك، فصل شواهد متنوّعة على خاصيّة عدد الأربعين في فعليّة إيصال القوى وحصول الملكات.
[5] الفقيه ج٢ باب حمل العصا في السّفر، حديث ٢
[6] مستدرك الوسائل ج٨ باب استحباب حمل العصا في السّفر والحضر والصّغر والكبر، حديث ١
[7] مكارم الأخلاق، الباب التاسع في السّفر وما يتعلّق به، الفصل الثّاني في افتتاح السّفر بالصّدقة وغيرها، في العصا، الحديث ٢