اختلف الرجاليون في وثاقة سهل بن زياد وعدمها، على قولين:
الأول: إنه ثقة.
وإليه ذهب الشيخ الطوسي (قُدِّس سرُّه) في رجاله، قال - عندما ذكره في أصحاب الهادي (عليه السَّلام): "سهل بن زياد الآدمي، يكنى أبا سعيد، ثقة، رازي"[1].
القول الثاني: إنه ضعيف.
ذهب إليه الشيخ الكشي، والنجاشي، والطوسي في الفهرست.
قال الكشي (قُدِّس سرُّه): "كان ضعيفاً جداً، فاسد الرواية والمذهب، وكان أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري أخرجه من قم، وأظهر البراءة منه، ونهى الناس عن السماع منه والرواية، ويروي عن المراسيل، ويعتمد المجاهيل"[2].
وقال النجاشي (قُدِّس سرُّه): "سهل بن زياد أبو سعيد الآدمي الرازي، كان ضعيفاً في الحديث غير معتمد، وكان أحمد بن محمد بن عيسى يشهد عليه بالغلو والكذب، وأخرجه من قم إلى الري"[3].
وقال الشيخ الطوسي (قُدِّس سرُّه) في الفهرست: "سهل بن زياد الآدمي الرازي، يكنى أبا سعيد، ضعيف، له كتاب..."[4].
وقال أيضاً في الاستبصار: "وأما الخبر الأول فراويه أبو سعيد الآدمي، وهو ضعيف جداً عند نقاد الأخبار، وقد استثناه أبو جعفر بن بابويه في رجال نوادر الحكمة"[5].
إلا أنه يمكن التأمل في هذه العبارات بعدة أمور:
أما عبارة الكشي (قُدِّس سرُّه) ففيها موضعان للتأمل:
الأول: قوله (يروي المراسيل ويعتمد المجاهيل)، وقد يستدل بهذه العبارة على ضعف سهل. ولكن الإنصاف أن الرواية عن الضعفاء لا توجب نقصاً في الراوي أصلاً؛ لأن رواية الحديث آنذاك ليس مفادها ومعناها أن الراوي يلتزم بما يرويه، وإنما غرض الراوي هو نقل الرواية، والاعتماد على الرواية شيء، والرواية والنقل شيء آخر كما لا يخفى.
الثاني: قوله (كان ضعيفاً جداً، فاسد الرواية والمذهب)، وهذه العبارة قد يستدل بها على القدح في سهل. ولكن الـتأمل يقضي بأن قوله (فاسد الرواية والمذهب) تفسير لقوله (كان ضعيفاً جداً)، وحينئذ تكشف العبارة عن منشأ الحكم بالضعف، وأنه ناشئ من روايته لما هو مخالف لما عليه الناس من الاعتقاد. والحكم بالضعف نتيجة لذلك هو ديدن القميين حيث كانوا يتشددون في قبول الرواية بحيث إذا اشتملت على ما يشم منه رائحة الغلو رفضوها، وكذبوا قائلها، وطردوه كما حدث لبعض الرواة كما لا يخفى على المراجع.
والذي يؤيد هذا الكلام فيما نحن فيه، عطف الكشي خبر إخراج سهل من قم وإظهار البراءة منه، ونهي الناس عن السماع منه على تضعيفه، وهو يشعر بأن المناط في نهي الناس عن السماع منه هو روايته لما يعتقد أنه خلاف ما عليه القوم آنذاك من عقائد.
وإلا لو كان السبب الرئيس لطرده هو كونه يروي المراسيل في الفقه مثلاً دون العقائد، للزم من ذلك أن يطردوا الكثير من الرواة، بل العلماء أيضاً لأنهم رووا المراسيل في كتبهم.
مع أن الإنصاف أن رواية الأخبار التي كان أهل قم يعتقدون أن فيها غلواً، لا يقدح في الراوي؛ ذلك لأن كثيراً من الأمور التي كانوا في ذلك الزمان يعتقدون أنها من الغلو، صارت في هذه الأيام من المسلمات العقائدية التي لا يقبل النزاع فيها.
وعليه فلا دلالة لهذه العبائر على القدح في سهل.
وهذا الكلام ينطبق على عبارة الشيخ النجاشي أيضاً؛ فإنها ظاهرة في أن السبب في إخراج سهل من قم إلى الري هو شهادة أحمد بن محمد بن عيسى عليه بالغلو.
والظاهر أن الكذب في عبارة أحمد بن محمد بن عيسى راجع إلى ذلك أيضًا، وأن رواياته المخالفة لما يعتقد به القميّون هي السبب في اتهامه بالكذب؛ لأنهم يرون أن ما يرويه والحال ذلك إنما يرويه كذبًا وافتراءً على الأئمة (عليهم السلام). فلابد حينئذ من صرف هذه اللفظة عن ظاهرها، وحملها على المعنى الذي ذكرناه.
ويشهد لذلك أنه لو كان سهل معروفاً بالكذب لتناقل أصحاب الكتب الرجالية ذلك؛ لأن مثل هذه الصفات مما يهتم بنقلها الرجاليون، مع أننا لا نجد ذلك إلا في عبارة أحمد بن محمد بن عيسى التي نقلها النجاشي (قُدِّس سرُّه).
وأما قول النجاشي (كان ضعيفًا في الحديث غير معتمد)، فإن كان المراد بها هو أنه يروي عن الضعفاء، فقد تقدمت الإجابة على ذلك، وإن كان مراده ما يرجع إلى رواية ما يُعتقد مخالفته للمشهور من عقائد الناس، فقد تقدمت أيضاً الإجابة عليه.
وأما ما ذكره الشيخ الطوسي (قُدِّس سرُّه) في الاستبصار فظاهره أنه مبني على أمر اجتهادي، لا حسي، ويتضح ذلك بالتأمل في قوله (وهو ضعيف جداً عند نقاد الأخبار).
فلا يبقى من العبائر إلا عبارتا الشيخ في رجاله وفهرسته، فإن لم نقل بتساقطهما لتصادمهما، فلا أقل أنه يمكن أن ينسحب ما تقدم في مناقشة التضعيفات إلى ما ذكره الشيخ في (الفهرست)؛ لأنه يحتمل احتمالا قوياً أن يكون مستند التضعيف هو ما ذُكر في عبارات القوم، وقد تقدمت مناقشتها، وحينئذ يبقى قول الشيخ في (كتاب الرجال) بلا معارض.
والحاصل أنه لم يتم من العبارات المتقدمة ما يدل على القدح في سهل بن زياد.
فإذا عرفت هذا الكلام أقول: يمكن القول بوثاقة سهل بن زياد، والاعتماد على روايته - مضافاً إلى توثيق الشيخ (قُدِّس سرُّه) الصريح - عن طريق استكشاف اعتماد الشيخ الكليني (قُدِّس سرُّه) عليه، وذلك بأن يقال: إنه بعد ملاحظة كتاب الكافي وجدنا أن ثلث الكتاب تقريباً مروي عن طريق سهل بن زياد الآدمي، وذلك لا محالة يكشف عن اعتماد الكليني على رواياته عملاً، وهو كاشف عن وثاقته. هذا مضافاً إلى إكثار الأجلاء من الرواية عنه الذي يكشف عن اعتمادهم على رواياته، كما لا يخفى على المراجع.
ودعوى كون روايات سهل كلها محفوفة بالقرائن الخارجية المفيدة للاطمئنان ممنوعة؛ لأن ذلك متصور في عدد قليل من الروايات، لا في ثلث الكتاب. وبعبارة أخرى: إن احتفاف ثلث روايات كتاب الكافي المروية عن طريق سهل - أي أكثر من ألف رواية - بالقرائن الخارجية مع ضعفها السندي بعيد جداً.
فالقول بوثاقة سهل هو الأقرب إلى الصواب.
-----------------------------
[1] - رجال الشيخ الطوسي: 416
[2] - مجمع الرجال: ج3 / 179
[3] - رجال النجاشي: ج 1 / 417
[4] - مجمع الرجال: ج 3 / 179
[5] - الاستبصار فيما اختلف من الأخبار: ج 3، في ذيل الحديث 935