تقريرات: درس (الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة) - الشيخ الحرُّ العاملي (قدِّس سرُّه) {8}.
الأستاذ: السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي.
المقرِّر: محمود أحمد سهلان العكراوي.
فوائد رجالية ودرائية:
أسانيد روايات الفصول المهمة:
نتعرَّض هنا إلى مجموعةٍ من أسانيد روايات الكتاب بما يتناسب مع درسنا، ونبدأ من الباب الثاني من أبواب الكلِّيات المتعلقة بأصول الدين وما يناسبها:
الرواية الأولى:
محمَّد بن يحيى العطَّار: أبو جعفر من مشايخ الكليني، وهو ثقة، عين، وجهٌ من وجوه الشيعة.
أحمد بن محمَّد: مشترك، وورد هذا الاسم فيما يزيد على سبعة آلاف رواية، وهو في هذه الرواية أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري القمِّي، بدليل روايته عن الحسن بن محبوب، وهو ثقة.
الحسن بن محبوب: ثقة.
العلاء بن رزين: من الذين التزموا محمَّد بن مسلم، وكان من تلامذته، وهو ثقة، وفقيهٌ أخذ فقاهته من أستاذه محمَّد بن مسلم، وروى عن أبي عبد الله (عليه السلام).
محمَّد بن مسلم: ثقة، من أجل الأصحاب.
فائدة:
قال الكليني (رضوان الله عليه): (حدَّثني)، ويوجد فرقٌ بين قول صاحب المجمع الحديثي (حدَّثني) وقوله (أخبرني)، فنستفيد من الأول أنه التقى بمن روى عنه، أمَّا الثانية فهي إجازةٌ مكتوبةٌ في الرواية دون لقاءٍ بينهما، وتكون عادةً بشفاعة رجلٍ آخر.
الرواية الثانية:
محمَّد بن الحسن: مشتركٌ بين كثيرين.
سهل بن زياد: قالوا بضعفه، وغلوه، ووصِفَ بالكذب وغير ذلك من الأوصاف المُسقِطة للعدالة فضلًا والوثاقة، كما وأنَّه ممَّن طردهم أحمد بن محمَّد بن عيسى من قم، بل قال السيد الخوئي (رحمه الله) أنَّ ضَعْفه شيءٌ لا نتوقَّف فيه. بالرغم من كل ذلك إلَّا أنَّ الأكابر قد أكثروا الرواية عنه، وساق بعض الأعلام مجموعة من الأمارات على بطلان ما رُمي به، بل على إثبات وثاقته، ومن ذلك رواياته عن ثلاثة من الأئمة، وهم الجواد والهادي والعسكري (عليهم السَّلام)، ورواية الأجلَّة عنه، وكونه من مشايخ الإجازة.
وكيف كان، فإنَّ الكثير من روايات سهل تُصحَّح للتواتر أو الاستفاضة أو عمل الأصحاب، أو غير ذلك ممَّا يعرض في مقام البحث والنظر.
بن أبي نجران: هو عبد الله، ثقة.
العلاء بن رزين: مرَّ الكلام فيه، ولكن نلاحظ أن الرواية المنقولة هنا في الفصول المهمَّة سقط منها محمَّد بن مسلم، ولكنه لا يضر بالسند، فالافتراق بين الروايتين هو في العلاء بن رزين، أي فيمن روى عنه. ونحتمل هنا احتمالين: فإما أن تكون روايةً أخرى، وإما أن تكون روايةً واحدةً بسندين مختلفين، فنحتاج للتحقيق في ذلك، خصوصًا في جانب التحمُّل والأداء، ويحتمل أيضًا أن يكون الخلل من النُّسَّاخ، مع ملاحظة أننا لا نحتاج للترجيح دائما، مع ذلك فالعلاء بن رزين قد نقل الرواية عن محمَّد بن مسلم في الكافي ولم يسقط من الرواية، فالخلل كما يبدو في نقل الشيخ الحرِّ العاملي.
ملاحظة:
يبدو أن الشيخ الحرَّ العاملي (رحمه الله) إذا قال: (نحوه) فهو يقصد القرب من معناه، وإذا قال: (مثله) فهو يقصد نفس النص تماما، وهي مسألةٌ نحتاج لتتبعها.
تنبيهات:
الأول: إن من يشتغل بالرجال تحقيقًا وتدقيقا، لا يملك وقتًا للخروج للنزهة، فإن وقته لا يكفيه لمباشرة عمله، فهو عملٌ جبارٌ يحتاج إلى جهودٍ كبيرة، وذهنيةٍ نبيهة، وذهنياتٍ صافية، فما قام به المحقِّقون في الرجال من أمثال السيد الخوئي والأردبيلي (رضوان الله عليهما) عملٌ عظيمٌ جدا، ولا يسع المنصف إلا أن يشكر الله تعالى أن قيَّض للدين أمثال هؤلاء لحمايته، فهذه الأعمال التي قاموا بها دون الأجهزة الحديثة كلها من أجل أن يوفِّروا لنا هذه المادة الجاهزة، ينبغي أن نشكرها ولا نُنكر هذه الجهود ونستصغرها.أع
الثاني: الأخطاء عند الشيخ الحرِّ العاملي (رضوان الله عليه) في كتبه ليست قليلةً في الأسناد والمتون، حتى قال فيه المحقِّق البحراني أنه كثير التحبير وقليل التدقيق، لكن هذا لا يعني ضعفه في التدقيق والتحقيق، لأن المتتبِّع لمؤلفاته يشعر وكأن الشيخ الحرَّ كان في سباقٍ مع الزمن، وأن الدين في خطر، وأن مشاريعه إن لم يقم بها قد لا يتصدى أحدٌ غيره لأدائها، وبالتالي لم يكن يملك الوقت الكافي لأداء كل هذه الأعمال مع التحقيق والتدقيق فيها، فإن الشيخ الحرَّ عظيم التدقيق بخلاف ما قيل فيه.
الثالث: عندما نبحث ونتتبَّع مسألةً ما، فلا بدَّ أن ننظر في أقوال الأكابر فيها، فإن كلامهم لا يُتجاوز من غير تدقيقٍ وتحقيق، حتى وإن كانت عندنا بعض القرائن على خلاف كلامهم، لا بدَّ أن نسعى في التدقيق حتى يتحقَّق لنا الاطمئنان.
الرابع: لا يصح من طالب العلم ترك دراسة أيِّ علمٍ يحتاجه بسبب عدم الإقبال عليه، فإن كان عدم الإقبال على مادةٍ ما لإشكالٍ مع العلم، ولم نتمكن من إيجاد حلٍّ فعلى الطالب ترك السلك الحوزوي بأكمله، أو أن يجد له حوزةً لا تدرِّس هذا العلم، لأن حضورك دون إقبالٍ يؤدي لتقدم الركب عليك فتبقى متخلفًا عنه، فتضطر في المستقبل للمناقشة وإبداء الرأي في هذا العلم رغم أنك لا تتقنه، وهي مشكلةٌ عظيمة، تؤدي للإفساد، وهي مسألةٌ راجعةٌ للنظام العام، في النهاية لا يمكن أن أقطع أن ما أنا عليه هو الحق وهو الصحيح، وبالتالي قد أكتشف خطئي أو تتغير آرائي في المستقبل، وما دمت متخلفًا عن الركب في بعض المواد المهمة في هذا السلك، تتعقد المسألة حينها فلا يمكن الرجوع وتأخذ الإنسان العزة، أما لو كنت قد درست هذا العلم فلا إشكال حينها.
وبالتالي ينبغي لطالب العلم إتقان مجموعةٍ من العلوم، وإن تفوَّق في واحدٍ على غيره، وسيصل إلى نقطةٍ تختصر عليه الوقت بعد ضبطه للعديد من العلوم، بخلاف ما لو أغرق في علمٍ ما وترك العلوم الأخرى، فإنه قد يتعرَّض لضياع الوقت في حال توجُّهه للبحث في مسألةٍ ما مع فقدانه لبعض العلوم التي يحتاجها.
الخامس: نحن قطعًا لا نرى السند معيارًا لقبول الرواية، وإنما نعتبره قرينةً فقط، أما نظرنا في كلِّ الرواة لأننا نحتاج للناقل، فلو كان الراوي المباشر عن الإمام صادقا، فهو لا يكفي، لاحتمال أن يكذب عليه من روى عنه، لذلك نحتاج أن ننظر في كلِّ رجال السند، وهذه المسألة راجعةٌ لدقةٍ فلسفيةٍ يأتي الكلام عليها، ولبُّها أن المتن مظروفٌ يحتاج لظرفٍ كي يكون موجودا.
السادس: قليلًا ما تتحدث كتب الرجال في أحوال الرجال، فالأغلب الأعم لا نعلم بأحوالهم، إلا ما وردت فيهم نصوصٌ عن أهل البيت (عليهم السلام)، وبالتالي نحتاج لمراجعة رواياتهم بعد النظر في كتب الرجال للتعرف على أحوالهم بشكلٍ أفضل، فالنظر في رواياتهم يعطينا بعض القرائن عن أحوالهم، وبالنتيجة نحن لا نحكم على الرواية من كتب الرجال وفقط، بل نحن نستفيد منها في أحد مقامات البحث لا أكثر، مع تأكيدنا على أن النظر في الأسناد يوقفنا على الكثير من الحقائق، واحدةٌ منها هي بعض موارد التقية.
السابع: عندما أكون في مورد البحث والتأليف، لا بدَّ أن أكون بعيدًا عن الضغوط وردود الأفعال، وإلا سيكون ما أنتهي إليه متأثرًا كثيرًا بهذه الضغوط، ومما وقع تحته علماؤنا بشكلٍ كبيرٍ الاتهامات من الفِرق الأخرى، فشكَّلت ضغطًا كبيرًا علينا، والحال أن المخالفين كانوا في حال ارتياحٍ تامٍّ حال كتابة علومهم ومؤلفاتهم، بينما كان علماؤنا تحت ضغوطٍ وتهديداتٍ مختلفة، فكان أثر ذلك واضحًا في بعض مؤلفات علمائنا وهو أمرٌ طبيعيٌّ بالنظر للظروف المحيطة بهم، ومن ذلك تكثَّر الاتهام بالغلو لبعض الرجال للوقوع تحت ضغوطات واتهامات المخالفين.
عِدد الشيخ الكليني:
نرى أن الشيخ الكليني (رحمه الله) عندما يقول: (عدةٌ من أصحابنا)، فإنه يريد الإشارة إلى أن له عدة طرقٍ إلى هذه الرواية على نحو التعيين، ونستبعد أن هذا الفعل منه كان مراعاةً للاختصار، مع احتمال كون الاختصار فائدةً ثانويةً عَرَضِّية.
إن تكثَّر الطرق يفيدنا في الوثوق بالحديث؛ لأننا نقول -مثلًا- فلانٌ الكذاب روى عن رجل، وفي نفس الوقت روى ثلاثةُ ثقاتٍ عن نفس الرجل الذي روى عنه الكذاب، فلا يكون أثرًا حينها للكذاب، لأن كذبه لن يكون معتبرًا في المقام، وفي صورةٍ أخرى يروي أربعة كذابين عن رجلٍ واحدٍ نفس الرواية بالنص نفسه، أو أنهم يروون عن رجلٍ واحد رواياتٍ متعددة، وبالتالي إن أثبتنا تواطؤهم على الكذب فهو، وإلا فالرواية تكون قوية، بل نقدمها حتى على الصحيحة الواحدة عند التعارض، لأن نقلهم نفس النص يفيدنا أنهم لم يكذبوا في خصوص هذا النقل. في الواقع هذه الحالة التي ذكرناها هي ما نسميه بالاستفاضة، ويمكن نفي الإمكان العقلي وتصحيح ما قلناه بحساب الاحتمالات وإن كنا لا نحتاجه هنا.
المُرتَكَز في اتصال السند:
إن طلب اتصال السند في الحقيقة راجعٌ إلى رؤيةٍ فلسفيةٍ وإن لم يُصرَّح بها، والوجه في هذا أن المطلوب من اتصال السند هو المحافظة على وجود النص المنقول، فقول الإمام (عليه السلام) تحمَّله أحد الرواة، فكان القول مظروفًا وصَدرُ الراوي ظرفا، بلا واسطةٍ بين الإمام والراوي، وذلك لنحرز أن المظروف قد حمله ظرف، ولو انعدم الظرف لكان المظروف وهو القول عدمًا لأنه بحاجةٍ إلى ظرفٍ يحمله كأي ممكنٍ آخر، بالتالي -على هذا المسلك- نقول لو روى ضعيفٌ عن ثقةٍ نحكم بضعف الرواية، وذلك لأن هناك راوٍ يُحتمل أن يكون ثقةً أو غير ثقة، فيكون حكمه حكم العدم لعدم إحراز النقل الصحيح، ومن هنا ألحقوا قسم المُرسَل بالضعيف.
إذن بحسب هذه الرؤية فإننا نحرز وجود هذه الرواية من خلال اتصال السند وانتقالها عبر الثقات.
س: لماذا ننقل نفس الرواية بعدَّة طرق؟
إن نقل الرواية نفسها عن عدة طرقٍ نريد منه جبر الضعف الذي قد يعرض على سند الرواية، فالأسناد يعرض عليها الضعف حتى لو كانت متصلةً بثقات، وتعدد الطرق مما نحصل الوثوق بالصدور من خلاله، وهذه قرينةٌ من القرائن التي اعتمدها المتقدمون وما زالت موجودةً لم تُفقد، ونحن نقول أن القرائن التي قيل أنها فُقِدت موجودةٌ في نفس كتب الأصحاب الروائية.
ملاحظة:
الكتب التي لم تُحفظ في كتبٍ أخرى، إما أنها لم تكن مهمةً فلم تلقَ الاهتمام ففُقدت، وإما أن الإمام المنتظر (عجَّل الله فرجه) يتدخل ليُخفيها لمصلحة الأمة، وذلك لأنه يتكفل بإزالة الزوائد وتتميم الناقص.
س: من هو أول من تعرَّض لعدد الشيخ الكليني؟ ولماذا؟
إنَّ أول من تعرَّض لعِدد الشيخ الكليني (قدِّس سره) بحسب تتبعنا القاصر هو العلَّامة الحلي (قدِّس سره) في فوائد الخلاصة، وقال أنه وجد أسماء العِدد في كتابٍ للشيخ الكليني، وذلك كان بين القرنين السابع والثامن الهجري، أي ما يقرب من أربعة قرونٍ بعد رحيل الشيخ الكليني، فينقدح بطبيعة الحال سؤالٌ في أذهاننا، وهو: لماذا لم يتساءل أحدٌ قبل العلَّامة (رحمه الله) عن العِدَّة؟
الجواب: أُثيرَ هذا الأمر في زمن العلَّامة لطريقته وطريقة أستاذه ابن طاووس (رحمهما الله) في التعامل مع الأسناد، فللعلوم مقتضياتٌ، ومنها تبلور البحث السندي في زمنهما، فتساءلوا عن كيفية التعاطي مع عِدد الشيخ الكليني.
وقد تميَّز المتقدمون من العلماء بأمرٍ في غاية الأهمية، وهو خلو كتبهم من الحشو، حتى إن المطالب البلاغية والأدبية لا تجدها ظاهرةً في البحوث العلمية، وإن كنت لتراها ففي ما يناسبها من تصنيفاتٍ ومؤلفات، بخلاف ما نحن عليه اليوم فكلامنا على نحو ما اعتدناه من المبالغات وزيادة البيان وما شابه.
الشيخ الكليني (رضوان الله عليه) كان عارفًا بمقام الرواية وتحمُّلها ونقلها، فيعلم بخطر المقام، ومن جاء بعده يعرف أنه إذا قال كلمةً كقوله: (رضي الله عنه)، أو قوله: (عِدَّةٌ من أصحابنا)، فهو يعنيها، وما قام بهذا الاختصار إلا لأنه يخاطب من يفهم لغته، لذلك لم يتحدَّثوا في عِدده.
إنما بَدَأَتْ هذه التدقيقات بعد تنويع الحديث، ونشأت الحاجة للتعاطي مع عِدد الكليني ومرسلات الصدوق وغيرها من الظواهر في الكتب الحديثية.
وهنا توجد دعوى -في خصوص عِدد الشيخ الكليني- مفادها أن أبا جعفرٍ محمَّد بن يحيى العطار موجودٌ في كل العِدد، ولو ثبت هذا ثبتت صحة كل الروايات عن العِدد لأنه ثقة، ويستدلون بقول الشيخ الكليني في الرواية الأولى: "عِدَّةٌ من أصحابنا، منهم محمَّد بن يحيى"، فقالوا بجريانها في باقي العِدد، وبالتالي لا نحتاج حتى لكلام العلَّامة الحلي في ذكر المراد من العدَّة.
العِدَّة الأولى: عن أحمد بن محمَّد بن عيسى الأشعري القمي:
1/ أبو جعفرٍ محمَّد بن يحيى العطار القمِّي: ثقة.
2/ علي بن موسى بن جعفر الكمنداني: أو الكُمَيذاني، وهو مجهول.
3/ أبو سليمان داود بن كورة القمي: مجهول.
4/ أبو علي أحمد بن إدريس بن أحمد الأشعري القمي: ثقة، فقيهٌ في أصحابنا، كثير الحديث.
5/ علي بن إبراهيم بن هاشم القمي: أبو الحسن، ثقةٌ في الحديث، ثبت، معتمدٌ صحيح المذهب، سمع فأكثر، وصنَّف كتبا، وأضرَّ في وسط عمره.
استطراد، في إبراهيم بن هاشم:
أمَّا والده إبراهيم بن هاشم، فقد ذكروه لكنهم لم يوثِّقوه صريحا، وهو أول من نقل حديث الكوفيين إلى قم، فهل كان عدم توثيقه مقصودا؟ أم أن ما يدعو لتقرير الوثاقة لم يكن موجودًا عندهم؟ وإن لم يوثَّق فهل اختُبر ولم ينجح؟ أم أن تتبعهم لم ينته بهم لتحصيل وثاقته من عدمها؟ وهذا لا ينفي الوثاقة كما هو واضح، فننتقل لمراحل أخرى، وننظر في الأمارات والقرائن، ونحلل.
ونحن نعلم أن قم فيها تشددٌ في قضايا الحديث، وإبراهيم بن هاشم لم يذهب لقمٍّ محدِّثًا وحسب، بل نشر حديث الكوفيين في قم، وهذه قرينةٌ قويةٌ تدخل في التحليل ونضمها مع باقي القرائن، وقد نستفيد منها الوثاقة.
نقدٌ رجالي:
وهنا لدينا نقدٌ مباشرٌ لاستعمال كلمة (ثقة)، ويحتاج لمقدمة، هي: أن من يدَّعي أنه لا يتأثر بغيره فهو جاهل، وهذه المسألة فيها دراساتٌ علميَّة، وتنويع الحديث كان عن تأثُّرٍ بالمخالفين، لكن المطلوب أن نحسب إلى أي مدى كان هذا التأثُّر، وممَّا تأثَّرنا به كلمة (عدل)، وعلم الرجال أصله هو (علم الجرح والتعديل)، والمقصود بالتعديل إثبات عدالة الراوي، واشترطوا في تعريفهم للحديث الصحيح أن ينقل الحديث العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه دون شذوذٍ أو علَّة، فجئنا واشترطنا بالإضافة لما ذكروه أن يكون الراوي إماميا، فوقعنا في ورطة، فعندما نبحث في كتب الرجال لا نجد لفظ عدلٍ فيها، فيقولون ثقة، ولكن ثقةٌ في ماذا؟ مطلقًا أم في الحديث؟ فإن ثبتت وثاقته في الحديث فلا داعي للنظر في كونه إماميًا أو لا، وعليه لا بدَّ أن يُعلم حاله في الرواية، وهو غير معهودٍ من علماء الرجال، أعني التتبع بهذه الدقة، وإن قلنا ثقة مطلقا، فلا يعني هذا أنه كان ضابطًا للحديث، فأيهما تقصدون بالثقة؟ ثم اعتبروا التوثيق ميزان الصحة، ولكننا عند تحرير المسألة لا نجد الأمر واضحا.
العِدَّة الثانية: عن أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي:
1/ علي بن إبراهيم بن هاشم: وقد مرَّ في العِدَّة الأولى، وهو ثقة.
2/ علي بن محمَّد بن عبد الله بن أُذينة: مجهول، وقيل أنه ابن بنت البرقي.
3/ أحمد بن عبد الله بن أُميَّة: من مشايخ الكليني، مجهول، ويمكن توثيقه على مبنى وثاقة مشايخ الإجازة.
4/ علي بن الحسين السعد آبادي: لم يوثَّق، وهو معلِّم ومؤدِّب أبي غالبٍ الرازي، وهو أيضًا من رواة كامل الزيارات، ويمكن توثيقه بالتوثيقات العامة.
وقيل أن هذه العِدَّة تشمل سبعة رجال، وأضافوا العطَّار، ومحمَّد بن جعفر، والحميري.
العِدَّة الثالثة: عن سهل بن زياد:
1/ أبو الحسن علي بن محمَّد بن أبان الرازي: المعروف بعلَّان الكليني، وقيل أنه خال الشيخ الكليني، ثقة، عين، قُتِل بطريق مكة، بعد خروج التوقيع من الصاحب بأن يتوقَّف هذا العام عن الذهاب للحج، لكن هذا لا يقدح بوثاقته.
2/ أبو الحسن محمَّد بن أبي عبد الله الأسدي: وأبو عبد الله هو جعفر بن محمد نزيل الري، وهو ثقة، لكنه يروي عن الضعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه.
3/ محمَّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمي: صاحب بصائر الدرجات، وهو أعظم من أن يوثَّق، كان وجهًا في أصحابنا القميين.
4/ محمَّد بن عقيل الكليني: مجهول.
العِدَّة الرابعة: عن جعفر بن محمَّد بن الحسن بن علي بن فضال:
1/ أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عمران بن أبي بكر الأشعري القمي: ثقة، من مشايخ الكليني، وقد روى عنه كثيرا.
ولم يُذكر غيره، وفيه الكفاية، ولم يرد عن هذه العِدَّة غير روايةٍ واحدة.
فوائدٌ من عِدَد الشيخ الكليني:
1/ أغلب من روى عنهم سهل بن زيادٍ هم من الثقات أو المجهولين، ونسبة الضعاف ممَّن روى عنهم منخفضة، وكذلك حال البرقي.
2/ البحث في الرواة يمكن أن يوقفنا على بعض ملامح شبكةٍ للرواة من خلال النظر في الفئات التي يروي عنها كلُّ واحدٍ من الرجال محل النظر ]أحمد بن محمَّد بن عيسى - سهل بن زياد - أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي[.
3/ قد نتمكن من اكتشاف بعض مناهج الرواة من خلال النظر فيمن يروون عنهم، بالإضافة إلى ما هو مذكورٌ في كتب الرجال.
4/ وبالنظر فيمن رووا عنهم قد نقف على أن بعضهم لا يروون إلا عن الثقات، فنقف على منهجهم في نقل الرواية، ولكنَّ الواقع أن من يروون عنهم عبارةٌ عن خليطٍ من الثقات والضِّعاف والمجاهيل، حتى أحمد بن محمَّد بن عيسى روى عن الضِّعاف، فنقف أمام احتمالاتٍ متعددة، وبالتالي نبحث في قولهم أنه لا يروي عن الضِّعاف، ويكون مثل هذا مفتاحًا للبحث، وهل كان الراوي ينظر في ضعف الراوي أم في ضعف المتن؟
5/ كلُّ علمائنا الكبار المتقدمين رووا عن الضِّعاف، فماذا نستفيد من هذا؟ ومن أين جئنا بأن السند لا بدَّ أن يكون صحيحا؟ وأين نجد لها واقعًا في غير البخاري ومسلم؟
6/ العالم من أصحابنا الذي كان يروي رواياتٍ صحيحةٍ هو الشيخ النجاشي (رضوان الله عليه)، وذلك لأنه كتب كتاب الرجال، وأنه لم ترِدْهُ الروايات ثمَّ حقَّقها، بل كان يسعى بنفسه ويسأل عن مصدر الرواية، وهذا العامل الذي جعله هكذا، ومع ذلك نُوقِشت نقولات الشيخ النجاشي من جهة كونها حسيةً أو حدسيةً أو غير ذلك.
7/ البحث الثبوتي مهمٌّ جدًّا لوضع الموازين، وضبط البحث الثبوتي في جميع المسائل مهم، لكن إذا كان من أجل البحث الإثباتي فقط فهو غير صحيحٍ ولا يصحِّح سلوك الباحث، أمَّا إذا كان من أجل أن يكون عندك أسلوب تفكيرٍ وحياة، فهو حينها يساعدك على إرجاع الفروع إلى أصولها، حتى في أبسط الأمور، وهو -أي البحث الثبوتي- يعتمد على تصورِّك للمسألة لا أن يرتكز تصوُّرك على فهم غيرك لها حتى لو كان عالما، فيكون الإطار هو الثبوت، وكلمات العلماء بمثابة المُرشِد والموجِّه.