اعلم -أيدك الله- أن الروايات على أقسام فمنها: السُنَّة، وهي قول النبي (صلَّى الله عليه وآله) (في) غير حكاية الكتاب أو فعله غير العادي أو تقريره أو ما يحكي أحدها حديثًا نبويًّا أو غيره أو ما يحكي قول المعصوم أو فعله أو تقريره، وما لا ينتهي إليه ليس حديثاً عندنا معاشر الشيعة.
والخبر: يطلق تارة على ما يرادف الحديث، وتارة على ما يُقابل الإنشاء وهو من أنواع الكلام، ما له نسبة في الخارج تطابقه أو لا تطابقه، فصدقه مطابقتها له سلباً أو إيجاباً، وكذبه أو عَدمُها كذلك على المشهور.
والخبر المتواتر: وهو خبر جماعة بنفسه يفيد القطع بصدقه لا بالقرائن الخارجية، ولا بالضرورة، وشبهة البراهمة واهية وشرطه بلوغ روايته في طبقاته حداً يأمن من تواطيهم على الكذب واستنادهم إلى الحسَّ، ولا حصر لأقلهم واشتراط دخُول المعصوم فيهم افتراء علينا.
نعم يشترط في القطع عدم سبق شبهة في اعتقادنا في تعينه، كما وقع للكفار في معجز النبيَّ (صلَّى الله عليه وآله) وللمخالفين في نصه على الوصي.
ومنه الآحاد: ولا يفيد بنفسه إلا الظَّنّ، إلّا أنَّ مراتب الظَّنّ الحاصلة منه مختلفة، وتُخرجه القرائن عن محض الظَّنّ إلى مراتب العلم، سواء كان رواية عدل أو فاسق أو مجهول الحال، والمنازع مباهت؛ لأنَّهُ لا ريب في أن مؤدّى الخبر الصدق والقرائن رافعة لاحتمال النقيض فيفيد القطع ويجوز التعبد بخبر الآحاد عقلاً بإجماعنا معاشر الإماميَّة.
وهل يجوز شرعاً؟ ظاهر المرتضى وابن زهرة وابن ادريس وابن البرّاج منعه وفاقاً لأكثر المتقدمين، وقال به المتأخرون، وهو الأظهر لقوله تعالى: إذا {جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}.
وقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ}.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ}.
وما عُلم بالشياع من سيرة الأصحاب أصحاب الأئمَّة (عليهم السَّلام)، وعملهم بأوامر أئمَّتهم من تدوين أخبار الآحاد، وضبطها، وتصحيحها، وذلك يقضي العمل بمقتضاها، وبالجملة يكفيك ما ورد من متواتر الأخبار الواردة عن أئمَّتنا الأبرار الشاهد بأمرهم لخواص شيعتهم بالأخذ بأحاديثهم، والعمل بمقتضاها خصوصاً إذا كان الراوي من ثقاتهم من غير تقيّد بانضمام شيء آخر مما يفيد العلم إليه في ثبوت المطلوب، وآيات الكتاب تنادي بصحة ذلك فصارت الدعوى بحمد الملك الجليل قطعية الدليل، واضحة السبيل وبه ترجيح الرِد على المولى السَّيِّد المرتضى في دعواهُ.
إنْ من الضَّروريَّات عند الفرقة المحقَّة إنكار الاعتماد في العمل على أخبار الآحاد، كيف وقد عمل جلّ الأصحاب من القدماء في أصولهم والفروع، إنَّما هو على هذه الأخبار المدوّنة في كُتبهم التي بعضها محفوف بقرائن الصِّحَّة، وذلك بعدما اتعبوا الأنفس في تحصيلها من البلدان، وهجروا في جمع شواردها الأولاد والنسوان، واكحلوا الأعين في تصحيحها وتنقية طرقها بإثْمِد السَّهر، واتعبوا في تزكية رواتها الأبدان فشكر الله سعيهم.
وأمّا وَجهُ الدَّلالة في الآيتين المتقدمتين هو: أنَّه معه علّق وجوب التبين على مجيء الفاسق بالنبأ فينتفي بانتفائه عملا بمفهوم الشرط والوصف، وعلى صِّحَّة الأول: بشواهد الآيات والأخبار. وصحح الثاني: وجوه الاعتبار ويعضده بعض الآثار وذلك معلوم لمن جاس الديار والنهي من اتباع الظَّنّ، إنَّما هو في الأصول، والتمسك بالبراءة بعده لا وجهَ لَه إذ مبناها على عدم الدَّليل، وتجوز وجود المعارض لا يمنع من العمل به قبل وجوده شهادة الشيخين بصدق خبر ذي اليدين إنْ سلّم فهو لنا لا علينا إذ خبره لا يخرج عن كونه آحاد.
يشترط في العمل بخبر الآحاد أمور منها: أنَّ رواتها مستجمعون للبُلوغ، والعدالة، والعقل، والضبط، ولا يشترط الإيمان وفاقا للشيخ إذ العدالة وحدها حاجزة عن تعمُّدِ الكذب، فلذا عملت الفقهاء بحديث فاسد العقيدة مثل ابن بكير، وسماعة، وبني فضال، وعلي بن حمزة، عثمان ابن عيسى، وليس في آية التَّثبُّت حُجَّة على المنع إذ هو عدل في مذهبه.
فإن قيل: إنَّ الإيمان شرط العدالة!
قلنا: العدالة مطلقاً ليس الإيمان أشرطها، وإلاّ فهو عين المتُنازع فيه، ويتأيد ذلك توثيق العلماء، ولو جامع التوثيق التفسيق لارتفع الوثوق بعدالة أكثر الموثقين من الإماميَّة، والضبط يراد به غلبة الذكر على السهو، ولربمّا أغنت العدالة عن ذكره إذ العدالة تمنع صاحبها عن نقل ما لم يعتمده بالضبط وفيه نظر، وتزكية الراوي في العدل الواحد الإماميّ كافية عندنا، وعليه الشيخ العلامة؛ لأنَّه خبر، ولا يزيد في الاحتياط على أصله، وآية التَّثبُّت مشتملة إذا تعارض الجارح والمعدّل، ولم يكن الجمع كقوله المفيد &: أنَّ محمد بن سنان ثقة.
وقول الشَّيخ: أنَّهُ ضعيف! فالجرح مُقدّم عندهم.
وإن أمكن الجمع كقول ابن الغضائري في داود الرقي: أنَّهُ فاسد المذهب لا يلتفت إليه.
وقول غيره أنَّهُ ثقة وقول الصادق ع أنزلوه منّي منزلة المقداد من رسول الله ‘، فإنَّهُ يُمكن الجمع هنا بأنَّ قول ابن الغضائري فيه بأنَّ ذلك أوّل حالته، وأنَّهُ عدلَ إلى منهج الحق بعدما كان عليه، فلا منافات اذاً بين القولين، وعلى هذا كان شأن جمع من الرواة، وأصحاب الأئمة الهداة، فلا يقدم الجرح على التعديل خصوصاً إذا وجدنا أمارات الترجيح في جانب التعديل، بل بكثرة العدد وشدة الورع.
وانظر ايدك الله تعالى إلى ما ذهب إليه شيخنا العلامة البارع الشيخ عبد علي بن خلف عليه الرحمة في تصحيح تضعيفات ابن الغضائري بالجمع في حال الإمكان! وكلام الشيخ فيه نظر لمن يعرف مسلك ابن الغضائري وان الجمع غير ممكن، وأنه كان يكثر من تضعيف الثقات ويمكن للمنصف غير المكابر أن يرى ذلك.
واعلم أنَّ معرفة صحَّة الأخبار وضعفها على ما صحّ: طريقة ما عليه القدماء وهو ما علم نسبته إلى المعصوم، أمَّا بتواتر أو بقرائن يعلم منها صِحَّتها، ولولا خوف الإطالة لذكرنا جملة منها هاهنا ولا ضرورة بنا إلى قول بحصر ذلك في الاصطلاح الجديد، وإنَّما هو من جملتها وربّما خرج أصحابه في مقام الاستدلال إلى ما عليه القُدماء، وما زعموه من السبب والداعي في وضعه هو ما رووه من اختلاط الصِّحَّة، والأحاديث المكذوبة، واندراس تلك القرائن الموجودة عند القدماء فهو تعليلٌ عليلٌ لا يشفي الغليل من وجوه.
الوجه الأول: أنَّ هذه الأخبار المنقولة لنا قد عرضت على أئمَّتنا (عليهم السَّلام) فصحّحوها لشيعتهم، وميّزوا لهم الصحيح منها من غيره، ووضعوا أصولاً في ذلك كعرضها على الكتاب والسنة، وما عليه إجماعهم، وما خالف منها لأقوال أعدائهم، وذلك لشدَّة حبّهم لشيعتهم، وقوة حرصهم على هدايتهم لدين الحق، وعلى هذا كان دأب العلماء من شيعتهم زيادة ما صدر في زمان الأئمَّة (عليهم السَّلام).
الوجه الثاني: لو سلّم بقاء تلك الأخبار إلى الآن وأردنا تمييزها بهذا الاصطلاح الجديد خاصة لما حصل التَّمييز المطلق بالجرح والتعديل، لأنَّ دسّ تلك الأخبار بطريق الإخفاء والتدليس من أولئك المردة الشياطين جنود ابليس، إذ يُمكن أنْ تُسند تلك الأخبار إلى الثِّقات العُدول، ولربما روى المجروح فاسد العقيدة الخبر الصحيح.
الوجه الثالث: إذا أدّى الحال إلى هذا الإشكال فالرُّجوع في رواة الرَّواية وتصحيح طُرقها إلى الأصول الواردة عن آل الرسول أئمَّة الهدى فإن ذلك أحرى وأنجى.
الوجه الرابع: أنَّ مبنى هذا الاصطلاح وتحققه على صِحَّة الجرح والتَّعديل، وهما يؤخذان من كلام القدماء كالشَّيخ، والصدوق وغيرهما، وهؤلاء العلماء الأجلاء شهدوا بصحَّة ما رووه من أخبار الأئمَّة، وأنَّها مأخوذة من كتب معتمدة عليها المدار بين الشِّيعة، ويؤكد ذلك أنَّهُم رضوان الله عليهم قصدهم فيما جَمَعوه إرشاد الخلق في الأخذ بدين الله فما بالنا نُصدِّق القوم فيما حكموا به من عدالة الراوي، وجرحه، ولا نصدقهم فيما صحَّ لديهم.
الوجه الخامس: أنَّ من جملة ما حداهم إلى وضع هذا الاصطلاح الجديد اختلاف الأخبار، مع أنَّ اختلاف الأخبار بأسباب عديدة منها: التقية.
ومنها: العام والخاص، والمطلق والمقيد، ولَيسَ يحضر هذا في دسّ الأخبار المكذوبة، لما علمت أنَّ المُسبّب بالعام لا يدلُّ على السبب الخاص.
اعلم -أيدك الله تعالى إلى طريق الهداية والصلاح- بأن الأصل في تنوع الحديث إلى الأربعة المشهورة هو العلامة أو شيخه جمال الدين بن طاووس نور الله تعلى مرقديهما.
الأول الصحيح: ما كان رجال سنده كلُّهم إماميين ممدوحين بالوثاقة.
والحسن: ما كان بدونه كلاً أو بعضاً مع توثيق الباقين.
والموثق: غير إماميين، مع توثيق الكل كذلك، والثلاثة مرتبة في القوة، وسوى الثلاثة ضعيف في هذا الاصطلاح.
وأما المتقدمون فالصحيح عندهم هو ما اعتضد بما يوجب الاعتماد عليه من القرائن و الأمارات التي ذكرها الشيخ (قده) في كتاب العدة.
وعلى هذا جرى جملة من أصحابنا المحدثين وطائفة من متأخري المتأخرين كشيخنا المجلسي رحمه الله وجمع ممن تأخر عنه.
وأنواع عمل الرواية ستة: استماع من الشيخ والقراءة عليه، والسَّماع بقراءة الغير، والإجازة، والمناولة والمكاتبة، وأولها أولها، وما يليه أقواها، والبواقي أدناها، والكل مرتب ولا عمل بالمراسيل، إلّا إذا عُلِمَ الإرسال عن ثقة كمثل ابن أبي عمير أو البيزنطي.
مصطلح الغلو عند الرجاليين:
الغلو: استعمال كتابي قرآني. وهو بمعنى الزيادة و الارتفاع.
والغلو في السنة هو نفسه الاستعمال القرآني وبعد ذلك تطور إلى أن أصبح اسمًا لفرقة في زمن أمير المؤمنين تميزت بمذهب عقائدي تميَّز بالغلو، وهو غلو كفري. وإلى هذا اليوم توجد مذاهب مغالية كافرة مثل: العلويين الخصيبية وغيرهم. وهم يتواجدون في تركيا وفي طرطوس في سوريا وغيرها، هؤلاء مغالون.
ومن الطرف السني من المغالين طائفة تسمى (أبو الشوارب) ويتواجدون في سوريا وفلسطين.
غلو هؤلاء كفري، منه: نسبة الصفات الإلهية المختصة به تعالى لأحد البشر، وليس من محدثي الشيعة من روى عن أحد من هذا الصنف إلَّا النادر، وكان ذلك قبل زمان كفره. ولمن أراد فليراجع سلسلة التراث العلوي التي أُخِذَت بعد دولة داعش، والتسرب الذي حصل، وخروج بعضهم ضد النظام. وطُبِعَت في لبنان عن طريق شخصين مهاجرين، وتمت مقارنة الطبعة والنسخ الخطية من الشيخ الأستاذ الشيخ محمد العريبي ووجدها متقاربة جداً، ويظهر أنها صحيحة.
وغلو حديثي: وهو رواية (الضعيف الوضاع) للفضائل العالية والكرامات الغريبة وما لم يعتد أن يكون إلَّا على سبيل الإعجاز، أو تصديق واعتماد من يرويها من الضعفاء، فإنه لا يجوز الكذب على النبي وآله فيما لا يقع، وأما ما يرويه الثقة الجليل الصادق فليس من الغلو، وما يرويه من لا يجزم بكذبه لا يجوز تكذيب ما روى.
وقد قال شيخنا الأستاذ: أنه قد تَكَشَّف لنا بأن الفضل بن شاذان والنجاشي والشيخ الذين يرمون بعض الشخصيات بالغلو، وشخصيات مختلف فيها، وكتب قد اختلف فيها بعد المقارنة يمكن لك أن تعرف مصدر هذا الدس، ونسبتهم للشيعة وأنهم كيف تم منعهم من دخول الكوفة وقم. وقد تحرز عنهم الشيعة ورووا عن جماعة قليلة منهم وبعد ذلك في القرن الثامن أو حتى قبل القرن الثامن بقليل، تداخل التراث الذي يمتلكونه بتراثنا الشيعي لظهور المذاهب الكلامية.
إذن نقول: مذهب عقائدي كافر معروف بكفره عند أهل العصمة عليهم السلام وقد تبرأوا منهم صريحاً.
ويمكن لمن أراد أن يطلع على كل ذلك مراجعة كتاب الهداية الكبرى للخصيبي الذي يقول فيه (علي عزوجل)!
ومن يدافع عن الخصيبي دفاعه لا ينهض له دليل؛ لأنه لا يمكن الدفاع عنهم لصعوبة الموقف.
وفي إحدى هذه النسخ يوجد ذم صريح إلى السفراء الأربعة. ويعتقد بأن الأبواب أعلى من السفراء من هذه الاعتقادات البطالة.
ويوجد مصطلح أخر عند الرواة والمحدثين، وقد برز متأخراً في أيام البرقي وفي أيام شيخنا الكليني رضوان الله تعالى عليهم، (أي في عصر الغيبة الصغرى)، وقد حصل في تلك الحقبة بأنه لا يروى عن كافر مغالى كما هو حال ابن أبي العساكر لم يرو عنه مع أنه كان من الرواة الكبار الذين أكثر من الرواية حتى أنه قيل بأنه وصل إلى الف حديث وقد هجروا روايته ولم يرووا عنه هو وابن عون.
واصبح مصطلحًا قد تداوله المحدثون وأصحاب الرجال (أي رواة الحديث) تراجم الرجال بمصطلح الغلو عند الشيعة، وقد ذكرنا بأنَّه ليس هناك طائفة شيعية مغالية، بل طائفة من الرواة المغالين، وهذا أخذ من الاستعمال اللغوي كما ذكرنا بمعنى الزيادة. انتهى كلامه زيد إكرامه.