السؤال الأول:
يتساءل الشباب: هل عاشوراء الحسين هي مركز فكرنا الجهادي؟
الجواب:
1_ الفكر الجهادي هو فكر التغيير والتصحيح وصناعة الإنسان صناعة متقنة ومتوازنة، وليس فكر الدعوة إلى سفك الدماء وإزهاق الأنفس، والجهاد من أركان الدين، وأما ما ينبغي أن يعلم أنَّ الجهاد في الإسلام قائم على معنى الدفاع حتى الابتدائي منه، فالمجاهدون لا يقاتلون، إنما يقاتلون من قاتلهم ومن خطط لقتالهم، وقتل المشركين لأنهم من خطط للقتل.
2_ إن الحسين (عليه السَّلام) لم يعلن الجهاد، ولو أعلن الجهاد وتخاذل الناس عنه لكان الأمر من أخطر ما يكون دينيا، ومسؤولية يصل إلى الحكم بالارتداد على الكثيرين. انه دعى أفراد معينة ولم يرسل الدعوة مفتوحة للجهاد ضد حكم يزيد لعدم المقتضي، وأن الوصول إلى الهدف سوف يتم عن طريق الإجراءات التي اتخذها الإمام (عليه السَّلام).
3_ يطلق على المناضل والمتحرك في اتجاه الإصلاح مجاهد من باب مجاهدة الفساد وبدل الجهد في الإصلاح، وليس من باب إعلان الجهاد، وكل الأنشطة التي تهدف إلى الإصلاح مقدسة. والمقتول فيه شهيد بكل أحكام الشهادة عندما يكون مصدر الحركة إماما شرعيا أي حاكما شرعيا. بخلاف سائر الشهداء في مواقع النضال فانهم شهداء يعني بحكم الشهداء ولا يأخذوا أحكام الشهداء.
4_ يتضح ذلك من كلام الإمام الحسين (عليه السَّلام) حيث قال:
وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا ظالما ولا مفسدا، ولكن خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي المصطفى أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر.
فالأحرى بنا أن نقول: إن الحسين (عليه السَّلام) مؤسس مفهوم النجاح والوصول، وهو بلوغ الهدف المقدس المطلوب بقبول التضحيات.
وفي الأخبار أن الحسين (عليه السَّلام) خُيِّرَ بين النصر العسكري أو الشهادة، وهذا يعني أنه خير بين الانتصار أو الفتح، فاختار الفتح، كما يعني أن الحسين لو اختار النصر العسكري فإنه لا يعني إزالة حكم يزيد أو حكم الأمويين، ولو استطاع أن يزيل حكم يزيد فلا يعني أنه قضى على الفساد بانتصاره واستيلائه، ولو كان ذلك كله فإنه سوف لن يكون بهذا المستوى العالمي اليوم الذي يتسع اتساعا يرعب النواصب ويخيفهم.
وقولة (عليه السَّلام): من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح.
السؤال الثاني:
يتساءل الشباب: هل معركة كربلاء، معركة عقائدية أم أنها أكبر من ذلك؟ وما هو الأكبر من العقيدة؟
الجواب:
1_ عندما نقول: دين وعقائد فهذا يعني المبادئ والقوانين الحقوقية والنشاط المدني والأداء الحقوقي، والعمل الاجتماعي والسياسي، والنظام الأخلاقي، وقيم الإنسان وكرامته، ومعاشه، وضوابط الحكم والحاكم وآلية الحكومة ودستورها، فليس هناك معركة أكبر من المعركة التي تدور من أجل توضيح وترسيخ هذه المفاهيم، بل لا يوجد شيء آخر غير الدين يجتمع فيه التنظير لكل شيء حتى يكون أكبر أو أصغر.
2_ التركيز على الجانب الديني في النصوص الخاصة بالواقعة: السلام عليكم يا أنصار الله وأنصار رسوله
3_ إيضاح معالم الدين: وقد ورد في الزيارة المأثورة عن الإمام الصادق (عليه السَّلام): "فأعذر في الدعاء وبذل مهجته فيك يستنقذ عبادك من الضلالة والجهالة والعمى والشك والارتياب إلى باب الهدى من الردى". كامل الزيارات.
وكذلك في زيارة الأربعين: "فأعذر في الدعاء ومنح النصح وبذل مهجته فيك لينقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة".
وكذلك الكثير من النصوص فيها إشارات إلى ذلك.
4_ التعريف بالدين وإقامة الحجة: فقد خطب الحسين (عليه السَّلام) وقال في بعض خطبه بعد أن أوضح أهدافه الكبيرة: "ليهلك من هلك عن بينه ويحيا من حيَّ عن بينه".
السؤال الثالث:
يتساءل الشباب: أين تكمن قوة وملحمية كربلاء، هل باعتبارها ملحمة أخلاقية أم أنها ملحمة الدم والسيف؛ أي تحدي بين البطولة والقوة؟
الجواب:
الكلام في نقاط:
1_ إن ملحمة كربلاء من الجهة المقابلة ملحمة دموية وإرهابية مخطط لها ومرسومة، وهذا الأسلوب من أكثر الأساليب فشلا في الحركات الشعبية والرسمية في العالم وفي التاريخ، وعندما يكون الطرف المقابل قد اتخذ تخطيطا فاشلا على المدى المستقبلي، فإنه بطبيعة الحال أن يكون ذلك سر قوة الطرف الآخر، وهو الحسين (عليه السَّلام).
وقد كشف أهل البيت ذلك في أكثر من مشهد، فالكثير من خطب الإمام الحسين (عليه السَّلام) كانت تحذرهم من الفشل وأنهم لن يصلوا إلى غاياتهم، لا الشخصية ولا العامة، كقوله لابن سعد: "إني أرجو أن لا تذوق من بر الري شيئا" وقوله للقوم "ثم تلبثون بعدي كريث ما تركب الفرس فتدور بكم دور الرحى وتقلق قلق المحور. عهد عهده إلي أبي عن جدي".
وقول زينب (عليها السَّلام): "فكد كيدك واسعى سعيك" الخ
2_ إن ملحمة كربلاء من جانب الحسين (عليه السَّلام) هي مكافحة سلمية للظلم بالنصيحة والتفاوض، من أجل التغيير، وليست دموية ولا مسلحة، وإنما السلاح معدات شخصية عند العرب في الحل والترحال، فلا يشكل هاهنا أن الحسين كان مسلحا.
وتكمن هنا قوة إضافية وهي التضحية بالنفس والمال من أجل الأجيال والمستقبل، فها نحن نعيش بركات الحسين (عليه السَّلام)، وإلا فنحن نتخبط كما يتخبط غيرنا.
3_ صدق النظرية وقوة التطبيق: ففي ذلك نصوص تدل على ذلك وعلى سلمية أهل البيت في مواقفهم المعارضة والرافضة للفساد.
أمثال: دعونا نصلي
أمهلونا سواد هذه الليلة
على أي شيء تقاتلوني
اصبروا حتى أعظكم وأنصحكم بما هو حق لكم علي
الأدعية التي توجه بها إلى الله تعالى ومنها الدعاء على الظالمين، وذلك انتصار للمظلومين.
4_ أخلاقيات الحركة: أعلن أن لا يقاتل معنا من كان عليه دين.
وهذا كله من أسرار قوة الإمام الحسين (عليه السَّلام).
وأهم جوانب القوة أنه كان واثقا تماما من النتائج المستقبلية حتى هذه المحطة وهذا البث والتجمعات في عاشوراء وغير عاشوراء هو من ضمن أجندته (عليه السَّلام) وليست من صياغة الصدفة أو التراكمات.
السؤال الرابع:
يتساءل الشباب: لماذا الإمام الحسين هو الإمام الوحيد الذي دخل حربا بعد علي بن أبي طالب؟ وهل تفرده بهذا الموقف يجرح في موقفه؟
الجواب:
أولا _ هل دخل الإمام الحسين حربا؟
أهل البيت رجالها عند الحاجة، ولكنهم يمقتونها ولا يحبون الحرب ولا القتل، فالإمام الحسين أو أيا من أهل البيت (عليهم السَّلام) لم يدخلوا حربا حتى النبي فرضت عليه الحرب فرضا ولم يرغب فيها فالإمام فرضت عليه الحرب من قبل عدوه فرضا فكان لازما عليه الدفاع عن النفس والمال والغير.
ثانيا _ متابعة فقرات المسلسل:
1_ هدد بالقتل في المدينة وجها لوجه من قبل مروان وذلك عندما رفض الدخول في البيعة المعروفة، فخرج من المدينة مع ما له فيها من قوة يضعف أمامها من ينوي مجابهته!
2_ اختياره مكة لما لها من دور في الهدوء والأمان، قد يقول قائل: إنه يعلم أنَّ من يطلبه لن يحترم، الحرم فلماذا ذهب إلى هناك؟
أقول: عليه أن يتبع الإجراءات التي يقرها العرف والدين وليس هناك خيار آخر، ويكون بذلك قد حقَّق ما فيه رضا الله سبحانه وتعالى.
3_ الخروج من مكة حينما اكتشف مخططا لاغتياله فيها وهو أمر أخطر من اغتياله في المدينة.
4_ لم يكن سبب تنقلاته الخوف على نفسه أو الهروب عن المواجهة، وإنما الخوف على الناس وعلى المقدسات وأدلة ذلك كثيرة، فمنها:
لما أشاروا عليه بالبقاء في مكة قال: "إني سمعت من جدي يقول أن للكعبة كبش تنتهك به حرمتها ولا أحب أن أكون أنا ذلك الكبش"
ومنها قوله: "لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض لأخرجوني منه حتى يقتلوني" فكان يعلم مسبقا بأنه مقتول.
ومنها قوله: "وإني أقتل خارج مكة بشبرين"
5_ إنه لم يعلن الجهاد كما مر علينا في الحلقة السابقة
6_ موقفه في كربلاء كان موقفا دفاعيا طبق ما يقتضيه الدين والأخلاق والعرف فكان مدافعا عن النفس بجميع قيمها ونواميسها.
7_ استعداده بأن يكون هو القتيل لا غير وذلك عندما رخص أصحابه وأهل بيته لبقى هو يتفاهم مع القوم بمفرده دون أن يعرض أحدا للخطر، إلا أنهم أبوا ذلك.
السؤال الخامس:
يتساءل الشباب: "ما كنت لأبدأهم بقتال". ألا يعدُ خروج الحسين إعلانَ حربٍ وبدايةً للقتال؟ فلا فرق بين أن ترفض البيعة وأن تعلن الحرب؟
الجواب:
الكلام في الشق الأول من السؤال:
"ما كنت لأبدأهم بقتال" لا تعني أنه قد خرج معلنا للحرب، إنما خرج مصلحا للوضع في تحركات خطيرة على نفسه وكان يدعو الناس لنصرته والوقوف معه في تحقيق أهدافه، وإنه حينما قال: "ما كنت لأبدأهم بقتال" فهذا يعني: إنه صامد على مطالبه الحقة ولن يتنازل عنها ولن يستخدم القتال والعنف من أجلها، ولكنهم فرضوا عليه الحرب وهو رافض لها، فهم إذن يريدون أن يهاجموا الحسين عسكريا فعليه أن يدافع عن نفسه ويحول بينهم وبين ما يريدون، وأقصى وسيلة ممكن أن يحبط عليهم هدفهم أنه يقتل ولا يتنازل، ولا يستسلم، ولا يؤسر، ومع ذلك فإنه لن يبدأهم بالقتال.
كان من أهدافهم أن يبدأ الحسين باستخدام السلاح حتى يكون أمام الناس فتَّاكا قتَّالا خارجا ليقتل الناس لا ليصلح.
الشق الثاني:
إن رفض البيعة هو عينه إعلان للحرب.
هذا خلط بين الإصلاح وبين المواجهات المسلحة باسم الإصلاح، فلو كان رفض البيعة إعلانا للحرب لكان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يرفضه الأقوياء من أهل المنكر إعلانا للحرب كذلك، وعندما يطالب مُطَالِبٌ بحقه وحق غيره فَتُعْلَن الحربُ عليه يعتبر هو المتسبب لأنه طالب بحقه فتسبب بحرب عالمية أو حرب محدودة! هذا يقتضي إقرار الظلم بمبرر احتمال الحرب.
فلا بد من تحديد المفاهيم، فلو دخل عليك سارق بالسلاح فكافحته ودافعت عن بيتك فشهر عليك السلاح، فهل يقال أنك أنت سبب استعمال السلاح ضد نفسك وأنت مخطئ؟
كلا، بل حتى وإن قُتلت فأنت على صواب وأنت شهيد، وإن أصرَّ فقتلته فدمه هدر، هذا منطق القيم. لو لا هذا المنطق لتمادى الظالم في ظلمة وسرقت الاموال ونهبت البيوت.. كل ذلك والناس ينبغي أن يسكتوا بذريعة احتمال الحرب! فلتكن الحرب والفتنة؛ فإن فيها هلاك الظالم.
السؤال السادس:
يتساءل الشباب: هل انتهت صلاحية عاشوراء، ولم تعد رافدا لواقعنا الحضاري والمدني؟
الجواب:
أقول: لو أن واقعة عاشوراء انتهت:
- لتوقف توسع وانتشار فكر أهل البيت واستطاع الناصبة بما يمتلكون من إمكانات وآليات فتاكة تهميشه، ولكان قد انتهى جزء من حركة عاشوراء.
- لاندرجنا إلى حد الانصهار في المشاريع السياسية القائمة كما فعل غيرنا، ولكان قد انتهى جزء آخر.
- لعبدنا الأشخاص كما فعل غيرنا، ولكان قد انتهى الجزء الأكبر من نهضة كربلاء.
- لاحترمنا أعداء الله، واخذنا ديننا من غير الكتاب والعترة، ولكان قد انتهى جزء آخر من نهضة الحسين (عليه السَّلام).
- لاعتقدنا أن عصيان أئمة الكفر كفر، ولكان قد انهار جزء من نهضة الإمام الحسين عليه.
- لاعتقدنا أن طاعة أئمة الفساد صلاح وعصيانهم فساد، ولكان قد انهدَّ ركنٌ آخر من نهضة الإمام (عليه السَّلام).
- لغاب أهل البيت من ثقافتنا وفكرنا وحل محلهم غيرهم، ولكان قد انتهت واقعة كربلاء.
- لانتهت كرامة الإنسان وقيمه وتضحياته في سبيلها، ولكانت قد انتهت واقعة الحسين (عليه السَّلام).
- ولكنَّا قد توقفنا عن ذكر واقعة كربلاء.
غير إن الذي يبرهن على بقاء كربلاء لا يزال راسخا في حياتنا وعقائدنا وشعائرنا، نتوارثه ونعم الإرث أبا عن جد، يضفي علينا عزة وكرامة وهيبة.
حاول من حاول أن يستنقص ذلك ويقنع البسطاء أنه عمل مضحك، ولكنَّه اصطدم بالفشل، وإنِّي أشببه بالذي يقهقه في مجلس عظيم وإذا به ينتبه إلى أنَّه لا أحد غيره قد ضحك فضلًا عن أن يقهقه، فخجل وسحب أذياله مودِّعا، غير إن صاحبنا المعني لم يخجل، ضحك نشازا واستهزأ بأكبر حركة عند الإنسان وأطولها عمرا، واعتبر ذلك من وسائل اضعافها، وقد صدق الخبر عن النبي وهو يواسي ابنته الصديقة الطاهرة (عليها السَّلام)، إذ قال: "يا فاطمة، إنّ نساء أُمّتي يبكون على نساء أهل بيتي، ورجالهم يبكون على رجال أهل بيتي، ويجدّدون العزاء جيلاً بعد جيل في كلّ سنة، فإذا كان القيامة تشفعين أنت للنساء وأنا أشفع للرجال، وكلّ من بكى منهم على مصاب الحسين أخذنا بيده وأدخلناه الجنّة"
فيوم الحسين الذي أصاب أهل البيت بكل أنواع العناء والتعب هو يوم حياة الشعوب، وحرب على الظالمين ويقظة الضمير وصناعة الإنسانية وصياغة الفكر.
وآثار الشهيد في الوجود هي الحياة، فكيف بشهادة الإمام المعصوم ابن فاطمة بنت الرسول (صلَّى الله عليه وآله)؟
السؤال السابع:
يتساءل الشباب: هل تعاطى الحسين (عليه السَّلام) مع قيم الحوار قبل أن يرسل مقاتليه وأبناءه واحدا تلو الآخر للارتجاز والشهادة؟
الجواب:
الحوار في الإسلام:
هناك خلط بين مفردات ثلاث:
التشاور، والحوار، والجدال.
فالتشاور:
والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون
﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾
فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما
أما الحوار فهو الحديث بين طرفين:
فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا اكثر منك مالا وأعز نفرا.
وهناك حوار حسن وحوار سيء، وحوار أدبي وحوار ديني، وحوار سياسي ...
والجدل:
محاولة الإثبات بالدليل والبرهان، وقد يكون فاشلا وقد يكون ناجحا.
يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير.
لم يتعاط الإمام الحسين (عليه السَّلام) بغير الحوار؛ في المدينة مع بني هاشم ومع ابن الزبير، وفي مكة مع عبد الله بن عمر ومع ابن الزبير ومع أخيه محمد، وفي الطريق مع أصحابه، وفي كربلاء مع بن سعد، ويوم العاشر مع القوم جملةً.. وفي خُطبه، وكذا حوار حبيب ابن مظاهر وزهير ابن القين.
السؤال الثامن:
يتساءل الشباب: الأخلاقيات التي قدمها الإمام الحسين، مثل: (رأفته بعدوه.. إذنه لأنصاره بتركه.. رفضه خروج بعض الشباب للقتال مراعاة لذويهم..) كلها تقدمه كمعلم للأخلاق وليس كرجل حرب أو مصلح سياسي، فما هو مفهوم الإمام عن السياسة و الحرب؟
الجواب:
- وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين
تجد الكثير ممن يرون أن الشيعة على ضلال أنَّهم لا يتمنون لهم الهداية التي يتوهمونها بقدر ما يتمنون السوء والهتك، وهذا على مر التاريخ، إلا أن أهل البيت وشيعتهم لم يلوحوا بالقتل، ولا يوجد في مناهجهم وخططهم تصفيات، لا لأفراد ولا لجماعات كغيرهم ممن يجاهرون بذلك علنا دون تورع من شيء، ولكن الذي عند أهل البيت (عليهم السَّلام) هو إنقاذ الناس من الأخطاء وتحريرهم من الضلال وإيضاح الحق لهم، ونحن بحكم تربيتنا الدينية التي ربانا عليها أهل البيت نلتزم متابعة سيرهم الشخصية فيحزننا أن يكون بعض المسلمين ضال أو مضلل.
- أما المفهوم السياسي:
حسب التشخيص الموضوعي لمفردات هذا المفهوم وهو المكون للمفهوم في أذهان الناس القائم على اللا مبالاة بالقيم الإنسانية المنبثقة عن الدين، فهذا هو الذي يسعى أهل البيت (عليهم السَّلام) لتصحيحه بطريقة عملية. فإن أريد به الوصول إلى السلطة بطرقها الشرعية فهو. وإن أريد به الوصول إلى المناصب وفرض السيادة، فهذا هو المفهوم الذي يعارضه أهل البيت (عليهم السَّلام).
كان الإمام علي (عليه السَّلام) حاكما، بايعوه واستجاب بعد أن رفض، وكان رفضه من أجل أن يقول للناس: ليس هذا هو الذي نسعى اليه، إنما نحن نسعى إلى ما قرره الكتاب والسنة، لا غير ذلك.
ثم تم قبوله بعد ذلك من أجل آلية الوصول إلى الإصلاحات حيث انحصر الأمر حينها في قبول الخلافة وإدارة أجهزتها السياسية، لهذا لم يحافظ عليها لنفسه، بل استعملها من أجل الإصلاح حتى وإن جارت الأمة عليه وقتلته.
وفي الوقت الذي كان علي (عليه السَّلام) على رأس الدولة كان يحتقر المنصب الذي لا يسعى صاحبه إلى توظيفه في الإصلاح، وقد دخل عليه ابن عباس وهو يخصف نعلا، فقال ماذا يسوى هذا النعل؟
فقال لا يسوى شيئا يا أمير المؤمنين.
فقال: والله إنه عندي خير من خلافتكم؛ ما لم أقم حقا وأبطل باطلا.
فهو اذا يتكلم عن مشروع اندرج فيه أهل البيت (عليهم السَّلام)، وهو ليس مشروعهم، ولكن لغاية نبيلة كان دخولهم فيه.
ومنه انسحب الحسن (عليه السَّلام) بما يسمى الصلح، ثم كافح الحسين (عليه السَّلام) من أجل الإصلاح.
السؤال التاسع:
يتساءل الشباب: الإمام الحسين تحدث بوضوح عن أسباب معارضته ورفضه للبيعة، وفي الوقت نفسه لا يطلب السلطة لنفسه، إذن هو يطلبها لمن؟
الجواب:
هناك خلط كبير، وهو أن السلطة بالمفهوم المحرف يرفضها أهل البيت (عليهم السَّلام)، حتى وإن شاركوا فيها فإن مشاركتهم من باب: لا يسقط الميسور بالمعسور، وهو أن هذا المشروع لمفهوم السلطة عند جمع كبير من المسلمين أصحب واقعا لا يُتجاوز، ومعالجة هذا الواقع بمعالجة مؤسسات هذه السلطة، فقد مر علينا أن عليا رفضها واعتبرها اداة تعادل قيمتها ما حققت من نتائج، وإن لم تحقق نتائج في اتجاه الحقوق والأخلاق والانجازات المطلوبة فإنها لا تساوي شسع نعله، في حين أن مشروع أهل البيت هو المشروع المقدس، وهو مشروع الوصية من النبي (صلَّى الله عليه وآله)، وتسلسل الأوصياء حتى نصل إلى زمن الغيبة وفيه يقوم الفقهاء بالدور المتيسر لهم، إلى النتيجة التي تحدث عنها القران في قوله تعالى: (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر إن الأرض يرثها عبادي الصالحون).
فالحديث من قبل الإمام الحسين عن سلطة الدين وتصدر الإمامة. وهو الذي يتحدث عنه أهل البيت (عليهم السَّلام).
قال الإمام الحسين (عليه السَّلام): فَلَعَمْرِي، مَا الإمام إلاَّ الحَاكِمُ بِالكِتَابِ، القَائِمُ بِالقِسْطِ، الدَّائِنُ بِدِينِ الحَقِّ، الحَابِسُ نَفْسَهُ عَلَى ذَاتِ اللَهِ، وَالسَّلاَم.
فأهل البيت لا يسعون إلى السيطرة على موارد الثروة طمعا فيها ولا يسعون إلى مواقع التحكم في رقاب الناس.
والحسين (عليه السَّلام) يسعى حسب التخطيط إلى إعادة الأمور إلى ما كانت عليه في عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
أما لمن يطلب الحسين السلطة: فإنه لا يطلبها لأحد، فهو السلطة الفعلية، والحاكم الشرعي طبقا للموازين الدينية وطبقا للعقود الاجتماعية، كعقد الصلح الذي كان بين الإمام الحسن (عليه السَّلام) وبين الشام، فالحسين يدافع عن الحق وهو الجزء الأكبر من مفهوم الحق.