هل الوسائل العلمية الحديث التي تنتهج وتعتمد على مقاييس التجربة تستطيع أن تبطل حقيقة الدين الذي يستند إلى أن الله هو الموجد الأوحد للكون، أما أنها تعجز عن ذلك؟
إذا كان مقياسها هو الميزان التجريبي فهذا يعني أن كل ما لا يكون خاضعا للمقياس التجريبي خارج عن قدرتها ومنها نفس الإيمان فهذا المقياس قاصر قصورا ذاتيا بمقاييسه المادية أن يحكم على بطلان قضايا ذات بعد عقلي أو وجداني محض، نعم كل ما يمكن أن يصل إليه أن يقول أن لا دليل على الوجود بالنسبة إليه وعدم ظفره على الدليل ليس دليلا على عدم الوجود فكثير من الأشياء هي موجودة وإلى الآن العلم لم يكتشفها مع كونها مادية محضه فكيف إذا قلنا بما هو فوق المادة ومقاييسها بل هو خالقها ومبدعها.
قد نعكس الميزان فنقول أن الحقائق الذهنية المحضة لولاها لما استطعنا أن نثبت أي دلالة تجريبية فما ينتج من ميزان التجريب لا يستقيم أمره دون دلالة العقل المستقل عن فعالية التجريب وهو ما يعبر عنه بالمبادئ الأولية للمعرفة، فالميزان التجريبي أصلا في حاجة إلى مقاييس البرهنة العقلية في الدرجة الأولى، مثل قضية استحالة اجتماع النقيضين وهي أصل الأصول العقلية البديهية لولاها لما صحت القبول بأي نتاج علمي تجريبي، وبنفس هذا الأصل البدهي يتأسس أصل الإيمان بأن لكل معلول علة وهي بدورها موصلة للإيمان بالله وموصلة لنفس الإيمان بأن نتائج العلم التجريبي قائمة عليه فلو لم نصدق بأن لكل معلول من علة لما استطعنا أن نؤمن بأن نتاج العلوم التجريبية هو لنفس قضاياه الخاضعة به فكيف لنا أن نحكم بأن الحديد يتمدد بفعل الحرارة إذا لم نؤمن بأن الحرارة علة فاعلة في التمدد المعلولي. ومبدأ أن لكل معلول علة سابق على الميزان التجريبي فكيف يكون التجربة دليل عليه.
إذا هناك ما هو أسبق من الميزان التجريبي لمقياس وجود الأشياء ومن ذلك وجود الله السابق على وجود الماديات كلها.
وجود الله علة لوجود مخلوقاته فكيف يكون المعلول مقياس الأصل على الوجود فهذا قلب للحقيقة. نعم يكون المعلول كاشف عن وجود علته برتبة أسبق من وجوده وهذا ما يعني أن الماديات وكل مقاييسها وميزانها الإثباتي دلالة على وجودها المعلولي الذي يكون خاضع للقضية البدهية على وجود العلة بمرتبة أسبق وأشرف.
مالك درويش
4/7/2020