السؤال العاشر:
يتساءل الشباب: نحن نؤمن بأن الإمام الحسين (عليه السَّلام) ابن النبي الأكرم، وهو قادر على إحداث المعجزات؛ فلماذا لم يستخدم الإعجاز في كربلاء؟ أوليس الإعجاز لمثل هذه الشدائد؟
الجواب:
عندنا:
- ولاية التكوينية.
- إعجاز.
كلاهما يصبان في مجال واحد، وبينهما عموم وخصوص من وجه.
تعريف الولاية التكوينية:
هي ضربٌ من القدرة المعنوية التي يتمتع بها الإنسان بإرادة الله ونتيجة العمل بالتعاليم والأحكام الإلهية.
ويفسرها الحديث القدسي: يا عبدي أطعني تكن مثلي.
تعريف المعجزة:
هي أمرٌ خارِقٌ للعادةِ مقرونٌ بالتحدي مع عدم المعارضة.
وقال الشَّيخ لطف الله الصافي: بأنها خرقُ عادةٍ يأتي بها النبيُّ عند التحدي وطلب القوم منه الآية والمعجزة كما جاء في القرآن الكريم حكاية عن فرعون في محاجته مع النبي موسى على نبينا وآله و(عليه السَّلام): قال إن كنت جئت بآية فات بها ان كنت من الصادقين. فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين.
وليس موردها رفع المعاناة عن الأنبياء والأوصياء. فالمعاناة في مقام إثبات الحق، وكلاهما ثابت للمعصوم ومن ضمن قدراته وإمكانياته المتاحة له من قبل الله تعالى كما ثبتت لآصف بن برخيا ومريم بنت عمران وأمثالهما من أهل العصمة وخلفاء الأنبياء.
أما عن السؤال: فكما يبدو أنَّ المقصود هو: لماذا لم يلتمس الحسين النصر العسكري من أجل النجاة ورفع المعاناة باستخدام القدرات الروحية، وهذا يندرج ضمن الولاية التكوينية حسب ما نجد من التعريف، غير أن الفارق في عالم التطبيق والمقارنة يكاد أن لا يتصوره الإنسان، بل لا يدركه إلا بالنظر والتأمل. وموضوع السؤال هو أقرب للولاية التكوينية منه إلى المعجزة.
أما عن عدم استخدام الحسين لشيء من ذلك، فـ:
أولا: تخاطبُ الأديانُ العقلَ، والحسين أكبر داعية إلى الله تعالى عن طريق مخاطبة العقل، والمعجزة أو استخدام الولاية التكوينية تحسم الموقف أو لا تحسم، ثم يتوقف المشروع عند ذلك عندها.
ثانيا: المعجزة لإثبات الدعوى وليست للدفاع عن النفس في المعارك المصيرية، نعم؛ في حالات نادرة حدثت للأنبياء والقصد منها إثبات النبوة، كنجاة النبي ليلة العقبة.
ويحدثنا التاريخ أن النبي يوم من الأيام في سفرة من أسفاره مع أصحابه نزل واديا وترك له أصحابه شجرة ظليلة يستظل بها، فياتي له رجل من المشركين وقد نام النبي (صلَّى الله عليه وآله) وعلق سيفه بغصن من أغصان الشجرة فاخترط المشرك السيف، فقام النبي من نومه واذا بالرجل أخذ بالسيف وهو يقول: يا محمد، من يمنعني منك؟ فقال النبي (صلَّى الله عليه وآله) فقال (صلَّى الله عليه وآله): الله. فانتفض الرجل وسقط السيف من يده وأخذه النبي (صلَّى الله عليه وآله) وقال: من يمنعني منك الآن يا أعرابي؟ فقال: يا محمد، كن خير من أخذ. فقال النبي: اذهب. فذهب الرجل بعد أن عفى عنه النبي (صلَّى الله عليه وآله) إلى قومه وقال لهم: لقد جئتكم من عند خير الناس.
لاحظ الحدث جيدًا؛ إنه من أجل إثبات شخصية النبي وعظمته المترتب عليه أنه خير الناس وذلك يكفي في إثبات نبوته.
ثالثا: إن الله تعالى قال (أفإن مات أو قتل) يتحدث عن النبي (صلَّى الله عليه وآله)، وهذا يعني أن النبي كذلك قد تكون نهاية حياته بالقتل وهي شبهة موجودة عند المسلمين، وضمن نظام متكامل معين، فإن الله تعالى يدفع عن الأنبياء والأوصياء جرائم المجرمين، ولكن عندما تكون جريمة مجرم ما قد توافقت منا مع نهاية برنامج الحياة عند المعصوم، حينئذ يأخذ قانون العلية مجراه. لو أن المعجزة وحماية الله تعالى للوصي من أجل دفع القضاء عن النفس وتغييره لخلد أول نبي للبشرية ولا داعي لنبوة غيره.
رابعا: لو أن الأنبياء والأوصياء استخدموا المعجزة حتى ينتصروا على غيرهم ووظفوها من أجل أنفسهم لاتخذ الناس النصر علامة للحق، فكل قاتل مُحِقٌّ وكل مقتول باطل، ولاختلَّ نظام الوجود، ولأصبح كل منتصر بالقوة فهو الصح وغيره خطأ، وبالتالي ينتقض الغرض وينتفي التشريع ونعود إلى الغابة.
خامسا: في مجرى إثبات الإمامة لمن لا يعلم، فقد استخدم الإمام الحسين المعجزة مع رجل من بني تميم اسمه عبد الله بن حوزة، قدم على عسكر الحسين (عليه السَّلام) فناداه القوم: إلى اين ثكلتك أمك؟ قال: إني اقدم على رب رحيم وشفيع مطاع. فقال الحسين (عليه السَّلام): من هذا؟ فقيل له هذا ابن حوزة! فقال (عليه السَّلام): الله حزه إلى النار. فاضطرب به فرسه في جدول فوقع وتعلقت رجله اليسرى في الركاب وارتفعت اليمنى وشد عليه مسلم بن عوسجة فضربه على رجله اليمنى فأطارها، فعدى به فرسه فضرب به كل حجر وكل شجر حتى مات وعجل الله بروحه إلى النار.
لاحظ اين استخدم الحسين الولاية التكوينية، أو صنفها بالمعجزة، لرفع شبهة حينما قال بن حوزة لعنه الله وهو يهاجم الإمام لحسين: إني مقبل على رب رحيم وشفيع مطاع! وهذه العبارة قد تضلل الكثيرين، فكان على الإمام (عليه السَّلام) أن يزيل الشك ويثبت للقوم أن دعاءه مستجاب، وذلك جزء من الولاية التكوينية التي يمتلكها المعصومون والأولياء.
السؤال الحادي عشر:
يتساءل الشباب: قد يتفهم الإنسان خروج النساء مع الإمام الحسين، ولكن الرضع، والأطفال، وحتى قتال القاسم بن الحسن وهو لثامنة أمام جيش عتي وعساكر قلوبها من صخر! ألا يعد ذلك زجا بالأطفال في صراع فوق قدرتهم ودفعهم إلى ما لا ذنب لهم فيه؟
الجواب:
أولا: القاسم لا يمكن أن يكون عمره 8؛ حيث إن من استشهاد الإمام الحسن (عليه السَّلام) إلى مقتل الحسين (عليه السَّلام) إحدى عشر سنة، فالقاسم لا يقل عن هذا السن.
ثانيا: اسلفنا في ما مضى أن الحسين كانت حركته سلمية وليس من خياراته الحرب، فإذا قرأنا تحركات الحسين (عليه السَّلام) قراءة سليمة نجد أنه خرج استجابة للشعوب في أكبر الأقطار والذين اعتبروا أنفسهم بلا حكومة، كما ورد في رسائلهم؛ حيث قالوا: وإنه ليس علينا إمام فأقبل لعلَّ الله يجمعنا بك. وإن حركته هذه تعتبر أول تجربة من نوعها، وهي آخر تجربة في فقراتها ومفرداتها وحوادثها، فقد قال: "إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي" وهو إصلاح الأمة من الداخل.
ثالثا: إن الحسين (عليه السَّلام) خاطب أصحابه وأهل بيته جميعا عندما صمم ابن سعد على قتاله وعرض عليهم مغادرة الموقع، وهيأ لهم سبل الخروج، والابتعاد عن الخطر، لأن النتيجة واحدة وهي أنه هو المطلوب فقط لا غيره، وعلى هذا فإن الإمام (عليه السَّلام) لم يزج بأحد لا كبير ولا صغير في معركة القتال.
رابعا: كانت الحرب طبقا للموازين المادية مفاجئة ويعتبر قرارها سريع جدا.
خامسا: بعد أن فرض الحصار على الحسين (عليه السَّلام) أصبح التكليف الشرعي هو الدفاع الذي تشترك فيه جميع الأجناس والطبقات، حتى الصغير القادر على حمل السلاح، مع ذلك أعفاهم الحسين من الدفاع للنتيجة التي يعلمها مسبقا.
فحرب الحسين هي حرب دفاعية عن النفس والعقيدة والدفاع عن العهود والالتزامات.
السؤال الثاني عشر:
يتساءل الشباب: يذكر حديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): "إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبدا"، فما الذي يؤجج هذه الحرارة؟ هل هو مستوى التفظيع الذي طال الإمام الحسين، أم هو قدر الإمام الحسين وسمو شخصيته؟
الجواب:
عن ابن سنان، عن جعفر بن محمد (عليهما السلام)، قال: "نظر النبي (صلَّى الله عليه وآله) إلى الحسين بن علي (عليهما السَّلام) وهو مقبل، فأجلسه في حجره وقال: إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا، ثم قال (عليه السَّلام): بأبي قتيل كل عبرة. قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى.
وقال الحسين كذلك، كما حدث سعد بن عبد الله عن الحسن بن موسى الخشاب عن إسماعيل بن مهران عن علي بن أبي حمزة عن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): قال الحسين بن علي (عليهما السَّلام): "أنا قتيل العبرة؛ لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.
بقاء حرارة العبرة:
بقاء الحرارة وهي العبرة عينها من أجل علاقة النهضة الحسينية الحساسة والماسة بالإيمان، فما تزال باقية ما بقي الإيمان، لذا نجد العناية بعبرة المؤمنين، مع أن غير المؤمن إذا ذكره كذلك يستعبر، ولكن لا على وجه الكل، بل بعض غير المؤمنين، أما فيما يتعلق بالمؤمنين فما ذكره مؤمن إلا استعبر.
ونتيجة هذا: أن الذي يبكي على الإمام الحسين البكاء الواعي الصحيح، لا بكاء التعطف والانكسار فإن ذلك علامة من علامات المؤمن، ومن هنا نعلم أن حدث الحسين من بعض أهدافه تمييز الحبيث من الطيب، والمؤمن من المنافق.
وكانت خطب الإمام الحسين (عليه السَّلام) حافلة بهذا المعنى ويستشهد بقوله (ليحيى من حي عن بينه). وقد حدث عبد الله بن عاصم عن الضحاك بن عبدالله المشرقي قال: فلما أمسى حسين وأصحابه قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون. قال: فمر بنا خيل لهم تحرسنا وإن حسينا ليقرأ: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأنفسهم إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهُمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)، فسمعها رجل من تلك الخيل التي كانت تحرسنا فقال: نحن ورب الكعبة الطيبون ميزنا منكم، قال: فعرفته وقلت لبرير بن حضير: تدري من هذا؟ قال: لا. قلت: هذا ابو حرب السبيعي عبدالله بن شهر وكان مضحاكا بطالا وكان شريفا شجاعا فاتكا، وكان سعيد بن قيس ربما حبسه في جناية. وقال له برير بن حضير: يا فاسق أنت يجعلك الله في الطيبين؟ فقال له: من أنت؟ قال: انا برير بن حضير. قال: إنا لله، عز علي هلكت والله هلكت والله يا برير. قال: يا أبا حرب، هل لك أن تتوب إلى الله من ذنوبك العظام؟ فوالله إنا لنحن الطيبون، ولكنكم لأنتم الخبيثون. قال: وأنا على ذلك من الشاهدين.
السؤال الثالث عشر:
يتساءل الشباب: في مرحلة الأسر وسبي نساء رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، كان الناس يتساءلون: (من هؤلاء الأسيرات؟) وكأنهم لا يعرفونهن ولا يعرفون من أهل أي بيت هن. ألا يشكل ذلك علامة استفهام حول وعي الأمة؟ وهل نفهم من ذلك بأن المجتمع لم يعطِ أهل البيت قيمتهم الحقيقية ولذلك جرى ما جرى؟ وعليه فإن عامة المجتمع مسؤول عن قتل الحسين؟
الجواب:
الشق الاول من السؤال فيما يتعلق بعدم معرفة الأمة لأهل البيت ليس كل الأمة، بل الأمة التي لم تشملها التغطية التوعوية، والذين اقتنعوا بما يبثه الإعلام المناوئ بسبب الجهل، كالشيخ الذي جاء لزين العابدين قائلا: الحمد لله الذب فضحكم! وكلمه زين العابدين وأخبره بالحقيقة، فندم على موقفه وتراجع عنه. ومنهم المنتفعون من الإعلام المضلل والمعلومات المفبركة من أجل إضاعة الحقيقة ومصادرة أهل البيت (عليهم السَّلام). أما علامة الاستفهام حول وعي الأمة فأقول: هناك علامات استفهام كثيرة حول الشعوب التي آمنت بالشام، وعلامات استفهام أكبر حول المتعاونين مع الشام في ترويج مشاريعهم قبال أهل البيت (عليهم السَّلام) والتي بمقتضاها يُهمَّش ذكر أهل البيت (عليهم السَّلام).
قال قائلهم:
فإنّا كتبنا في الآفاق ننهى عن ذكر مناقب علي وأهل بيته، فكف لسانك يا بن عباس وأربع على نفسك (13).
قال: فتنهانا عن قراءة القرآن؟
قال: لا.
قال: فتنهانا عن تأويله؟
قال: نعم.
قال: فنقرأه ولا نسأل عمّا عنى الله به؟
قال: نعم.
قال: فأيّما أوجب علينا قراءته أو العمل به؟ قال: العمل به.
قال: فكيف نعمل به حتى نعلم ما عنى الله بما أنزل علينا؟
قال: سل عن ذلك من يتأوله على غير ما تتأوله أنت وأهل بيتك.
قال: إنما أُنزل القرآن على أهل بيتي فأسأل عنه آل أبي سفيان وآل أبي معيط، واليهود، والنصارى، والمجوس؟!
قال: فقد عَدَلتنا بهم.
قال: لعمري ما أعدلك بهم، إلاّ إذا نهيت الأمة أن يعبدوا الله بالقرآن وبما فيه من أمر ونهي، أو حلال، أو حرام، أو ناسخ، أو منسوخ، أو عام، أو خاص، أو محكم، أو متشابه، وإن لم تسأل الأمة عن ذلك هلكوا واختلفوا وتاهوا.
قال: فاقرؤا القرآن ولا ترووا شيئا مما أنزل الله فيكم وما قال رسول الله، وارووا ما سوى ذلك.
قال ابن عباس: قال الله تعالى في القرآن: يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواهِهِم ويأبى اللهُ إلا أن يتُم نورَه ولو كَره الكافرون
قال: يا بن عباس، اكفني نفسك وكف عني لسانك، وإن كنت لا بد فاعلاً فليكن سراً ولا تسمعه أحداً علانية. ثم رجع إلى منزله.
هذا جانب من التشخيص.
أهل البيت رغم الحملة الممنهجة:
من جانب آخر فالأمر ليس كذلك، إنما هناك تعتيم إعلامي على الحدث بكامله، وعندما تسربت الأخبار بأن الذين قُتِلُوا هم أبناء الرسول دخلت الشام في مرحلة الخطر، ولم تستقر مسيرتهم إلا بالقوة؛ فمسير الركب الحسيني في السبي كان يصحبهم جيشا هائلا وحدثت معارك على الطريق بين الناس والجيش حتى أن في بعض المعارك في الشمال قتل من العسكر حوالي 600 مقاتل على أيدي الجماعات المتصدية للانتقام ممن قتل الحسين.
ولكنَّ الأمر يختلف في دمشق وهي المدينة المنغلقة على ثقافة الحكم فقط، والذين يصدقون ما قاله الإعلام المناوئ، وكان هذا من بعض أهداف حركة الحسين وزينب وهو فتح الشام، فكانت زينب وزين العابدين هذا خيارهم، وفاجئوا أهل الشام بمعارف وأخبار غريبة عليهم، واخترقوا الحواجز المفروضة على الشام. تكلموا بكلام لا يقال في الشام، وأظهروا حقائق مذهلة بالنسبة لهم.
أخيرا أقول: رغم ذلك فإن أهل البيت كانوا أقوى من الدولة.
لما خرج الناس يصلون على الحسين ويلعنون قاتله ويذكرون جده ويصلون عليه، ويقولون: يا قتلة أبناء الأنبياء اخرجوا من ديارنا.
وكذلك في جهينة إذ تحالفت بعض القوى تريد أخذ راس الحسين (عليه السَّلام) من أجل دفنه وفي سيبور؛ فقد حدثت معركة بين أهلها وبين جيش الشام وقتل خمسة من الأهالي كما يقول الدربندي، وقتل 600 من قوات الشام.
وكذلك أهل حماه كان لهم موقف شريف، والكثير من المدن والعواصم كان لها مواقف مشرفة.
السؤال الرابع عشر:
يتساءل الشباب: لماذا قاتل (وهب) المسيحي مع الحسين، وماهي دوافعه؟ ولماذا قبله الحسين؟
الجواب:
عن وهب:
أبوه: هو عبدالله بن عمير الكلبي، كان نصرإنيا فأسلم مع الحسين (عليه السَّلام)، وقتل في كربلاء.
قال أبو مخنف: فرأى القوم بالنخيلة يعرضون ليسرحوا إلى الحسين (عليه السَّلام) فسأل عنهم فقيل له: يسرحون إلى الحسين بن فاطمة بنت رسول الله. فقال: والله لقد كنت على جهادِ أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين. فدخل إلى امرأته فأخبرها بما سمع وأعلمها بما يريد، فقالت له: أصبتَ أصاب اللهُ بك أرشدَ أمورك. افعل وأخرجني معك.
قال: فخرج بها ليلاً حتى أتى حسيناً فأقام معه، فلما دنا عمر بن سعد ورمى بسهم فارتمى الناس خرج يسار مولى زياد وسالم مولى عبيد الله، فقالا: من يبارز؟ ليخرج إلينا بعضكم، فوثب حبيب وبرير، فقال لهما الحسين: أجلسا. فقام عبد الله بن عمير، فقال: أبا عبد الله، رحمك الله، ائذن لي لأخرج إليهما: فرأى الحسين رجلاً آدم طوالا شديد الساعدين بعيد ما بين المنكبين، فقال (الحسين): "إني لأحسبه للأقران قتالاً". اخرج إن شئت. فخرج إليهما فقالا له: من أنت؟ فانتسب لهما، فقالا: لا نعرفك. ليخرج إلينا زهير، أو حبيب، أو برير. ويسار مستنتل أمام سالم، فقال له عبد الله: يا بن الزإنية، وبك رغبة عن مبارزة أحد من الناس؟ أو يخرج إليك أحد من الناس إلا وهو خير منك؟ ثم شد عليه فضربه بسيفه حتى برد، فإنه لمشتغل يضربه بسيفه إذ شد عليه سالم فصاح به أصحابه: قد رهقك العبد! فلم يأبه له حتى غشيه، فبدره بضربة فاتقاها عبد الله بيده اليسرى فأطار أصابع كفه اليسرى، ثم مال عليه فضربه حتى قتله وأقبل إلى الحسين (عليه السلام).
قال: فأخذت أم وهب امرأته عموداً ثم أقبلت نحو زوجها تقول: فداك أبي وأمي، قاتل دون الطيبين ذرية محمد (صلَّى الله عليه وآله). فأقبل إليها يردها نحو النساء، فأخذت تجاذب ثوبه وتقول: إني لن أدعك دون أن أموت معك! فجاء إليها الحسين (عليه السَّلام) وقال: جزيتم من أهل بيت خيرا، ارجعي رحمك الله إلى النساء فأجلسي معهن؛ فإنه ليس على النساء قتال. فانصرفت إليهن.
وقال أبو جعفر: حمل عمرو بن الحجاج الزبيدي على الميمنة فثبتوا له وجثوا على الركب وأشرعوا الرماح فلم تقدم الخيل وحمل شمر على الميسرة فثبتوا له وطاعنوه.
قاتل الكلبي وكان في المسيرة قتال ذي لبد وقتل من القوم رجالاً فحمل عليه هاني بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التيمي من تيم الله بن ثعلبة فقتلاه.
و ذكر الخوارزمي أنه: وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي، و ذكر العلامة المجلسي أن أم وهب وزوجته كانتا معه لدى التحاقه بالإمام الحسين (عليه السَّلام)، وفي بعض المصادر أن زوجة وهب قتلت بعد مقتل وهب في كربلاء، وقال الخوارزمي أن التي قُتِلَت هي أمه. و في بعض المصادر أن اسمه (وهب بن وهب) وأنه كان نصرانيا فأسلم، وفي بعض المصادر الأخرى أنه أُسِرَ؛ كما عن ابن شهر آشوب، و في بعضها الآخر أنه قُتِلَ، وهذا هو المشهور.
لماذا قاتل مع الحسين؟
العائلة كلها تبعت الحسين (عليه السَّلام) ودخلت الإسلام، وللعائلة تاريخ نظالي كما يبدو من قول عبد الله الكلبي، وهو كبيرهم: "واللهِ لقد كنت على جهاد أهل الشرك حريصاً، وإني لأرجو ألا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثوابا عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين".
لا شك أن وهب من المجاهدين ومن أصحاب الضمائر الحية، والفارق الطبقي هو فارق الضمير، لذا نجد نصارى نصروا المظلوم، ونصارى نصروا الظالم؛ فهناك سرجون بن منصور، والاخطل، ومنصور بن سرجون المسمى يوحنا المسيحي وهو صاحب مشكلة خلق القران وناشرها بين المسلمين وهي أكبر فتنة إلى اليوم سفكت بها الدماء وانحرف من انحرف عن الدين. هذه عائلة من نصارى الشام، وتلك عائلة من نصارى الكوفة، فريق في الجنة وفريق في السعير.
اخيرا قد قبل الحسينُ وهبَ لأنه في غاية من النزاهة والنظافة والعفة، والطلب الحقيقة بغض النظر عن وقت إسلامه متى كان، إلا أنه يقتضي أن الإسلام كان في قلبه منذ زمن ونضجت الفكرة في ذهنه نتيجة لحركة الإمام الحسين (عليه السَّلام) على الطغيان، ونداء الحسين بتحرير الإنسان، فأسلم وهب وأبوه وأمه وزوجته، وقُتِلَ هو وأبوه وأمه في كربلاء مع الحسين (عليه السَّلام).