السؤال الخامس عشر:
يتساءل الشباب: ثورة التوابين قامت على أساس (الندامة) التي ضربت في قلوب بعض محبي أهل البيت بعد مقتل الحسين، ألا يعتبر هذا أساس عاطفي بحت ولا يمكن أن تقوم عليه ثورات؟ ولذلك فإن ثورة التوابين لم تحقق شيئا؟
الجواب:
أولا: للناس مصطلحاتهم الشعبية وقد يريدون بالعاطفة التهور، وقد يريدون بها الانفعال الشخصي، وقد يريدون بها الحمية العشائرية، وقد تجتمع كلها.
وهذا كله علاقته مؤثرة على قصد القربى وبالتالي يدخل الخلل على المستوى العبادي وصحة النية في ذلك، ولا تجد ثورة إلا وفيها نسبة كبيرة جدا من هذا الخلل وعدم التخلص من الشوائب حتى الذين قتلوا بين يدي النبي (صلَّى الله عليه وآله) كما في الأخبار.
فاذا لم تكن الغاية هي القضية والإيمان بالهدف، والوصول بالناس إليه، وإلا فالإنسان غايته شخصية إما منفعة، أو حمية، أو غير ذلك.
أما معركة الحسين (عليه السَّلام): فإنها معركة خالصة صافية لم يقتل معه إلا أصحاب المبادئ، وهم يعلمون أن مقاتلهم مؤسسة إنسانية باقية، لولاها لانهار ضمير الإنسان.
ثانيا: العاطفة بمعناها الأخلاقي هي جزء رئيسي من تكوين الإنسان وجبلته وفطرته.
ثالثا: العاطفة بين السلب والايجاب:
تعريف العاطفة:
هي حالة ذهنية كثيفة تظهر بشكل آلي في الجهاز العصبي وليس من خلال بذل جهد مدرك، وتستدعي إما حالة نفسية إيجابية، أو حالة نفسية سلبية، ولذا يستلزم التفرقة بين العاطفة والشعور.
الآثار الإيجابية للعاطفة:
1_ قوة التأثير 2_ البذل والتضحية 3_ الرضا والقبول 4_ الصبر والثبات 5_ الارتباط والتعلق.
وتعجز بعد ذلك عن تحديد مفردات العاطفة أو أنواعها، لأنها تعني كل شي في الإنسان.
رابعا: ثورة الحسين عاطفة حب الإصلاح والخير (اللهم إني أحب المعروف وأنكر المنكر) وكراهية الشر، وذلك حسٌّ عاطفي إيجابي، فهم يتصفون بكل أثر عاطفي إيجابي، وقوة بذل للتضحية ورضا وقبول وصبر، وثبات، وارتباط، وتعلق.
خامسا: ثورة التوابين: مفرداتها متواصلة مع الهدف نفسه وسلوكها مماثل مع فارق كبير في الآثار العاطفية المشروحة سلفا.
سادسا: التوابون تحت هذا العنوان الذي يوحي بأنهم كانوا مقصرين ومتخاذلين ثم ندموا، على الرغم من وجود من يقول ذلك، إلا أن التشخيص الموضوعي لقصتهم في حاجة لدراسة مركزة ومكثفة حتى نتعرف على مقامهم ومراتبهم، خصوصا وإن فيهم من كبار الشيعة الأجلاء كسليمان بن صرد الخزاعي وهو أميرهم، فكيف يمكننا الطعن في نواياهم.
تتعلق تلك الدراسة بعدد أتباع أهل البيت في الكوفة وهو عدد نسبيا قليل، والطابع العام في الكوفة متعدد وكل الأطياف يعتبرون أهل البيت وأتباعهم طرفا آخر، وإمكان التواصل بينهم في تلك الظروف القاسية والصعبة، والذي تسبب عنه صعوبة التنسيق، وصعوبة حصول المعلومات، وإعادة ترتيب الموالين للحسين، فإذا كان ذلك صعبا بعد نكسة حركة مسلم، بل من أصعب الأمور الحصول على معلومة مفيدة على أساسها يتصرف الإنسان أو يتحرك، فذلك في فترة مقتل الحسين أصعب.
أضف إلى ذلك أن المهلة التي مُنحت للحسين غير كافية لنشر المعلومات للناس، ولو وصلتهم المعلومات عن موقع الحسين ونواياه، ونوايا أعدائه لكان من الصعب في هذه الفترة إعداد الفرد نفسه والالتحاق بالحسين (عليه السَّلام).
تقول هناك من التحقوا.. نعم؛ كانت ظروفهم متهيئة، وكانوا بصفتهم الشخصية وعلاقتهم الخاصة مع الإمام، وذلك طبعا يختلف عن محاولة إنجاز قوة منظمة تتبع ضوابط من أجل تحقيق غاية وهدف.
إذا لماذا هم نادمون؟
الندم كان على أنهم لم يتمكنوا، وليس الندم على كونهم تمكنوا ولم يفعلوا، كندم من اجتهد وشد الرحال من أجل الالتحاق بالإمام، ولكن الحدث كان أسرع منه، فلم يصل إلى كربلاء إلا وقد قتل الإمام (عليه السَّلام)، وهذا ضرب من الندم كذلك وهو الأسف. وأيضا ندمهم على عسر المعلومات، والتي بالتالي توفرت لهم بعد فوات الأوان.
وللعلم إن كربلاء كانت محاصرة من كل جهةٍ مسافةً لا تقل عن عشرة كيلومتر.
السؤال السادس عشر:
يتساءل الشباب: (المبدئية)، أو (الثبات على المبدأ) إحدى القيم التي رسخها الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فماذا تعني المبدئية؟ وكيف نقاربها مع مفهوم الوسطية؟
الجواب:
لا زلنا نتلقى الأسئلة ذات البعد الشعبي، فمن خلال صيغة السؤال فإنه يراد من المبدأ هنا المعتقد، وعلى هذا فلا متسع للحديث عن معنى المبدأ.
أولا: المبدأ في المصطلح العام والتبادر الذهني هو العقيدة.
اذا من المؤكد أن الحسين (عليه السَّلام) رسخ مبادئ الإسلام وأوضح مناهجه طبقا للمفاهيم الواضحة والبديهية عنده (عليه السَّلام) كإمام معصوم. وهو معنى المبدئية هنا.
وكذلك معنى المبدئية ضمنا لما نحن بصدده هو رفض الخطأ مهما كلفه هذا الرفض؛ "... ومثلي لا يبايع مثله".
الآن: ما هو المقصود بالوسطية في السؤال؟
ما بين الخطأ والصواب لا يوجد خيار وسطي، ولا بين الحق والباطل، وكذا بين الانتماءات لا يوجد خيار وسطي، لأن الوسطية تعني التقارب.. تعني تنازلات عن ثوابت مذهبية، وهي ذاتها التي أغرقت المجتمع في الانقسامات، فنحن فرقتان مختلفتان، بطبيعة الإنسان يكون متفاوتا في الفهم والقناعات، عندما يدعي أحد الوسطية أصبحت الفرفتان ثلاث، يمين ويسار ووسط!
أما الوسط بمعنى الاعتدال في الخطاب، وعدم التشدد في الخطاب الديني فهذا من أساسيات خط أهل البيت (عليهم السَّلام) وهو الذي دعا إليه الإمام الحسين (عليه السَّلام) حينما حرص على الحوار وكرر دعوته لهم للتفاوض. فهذا هو الذي يدعو اليه الدين (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم).
فما يطلق عليه اليوم الناس وسطية هو تعايش، وهو الذي يطلقون عليه تقارب بين المذاهب، إنما هو تعايش بين أبناء الطوائف وتبادل الاحترام بينهم، مع بقاء القناعات الدينية لا تتغير.
إن أهل البيت (عليهم السَّلام) مبدؤهم احترام الآخرين. ألم يفت أهل البيت لشيعتهم بالصلاة في جماعات المختلفين معهم، بل وحتى المخالفين لهم؟
هذه هي الوسطية التي نتمنى من المسلمين أن يتعلموها، ويتعلموا كيف يحترموا أبناء الطوائف والأديان، وهو احترام الإنسان.
ويقابل هذه الوسطية التطرف في السلوك مع الآخرين من الطوائف والأديان الأخرى، والتعامل معهم بشدة غير مبررة كما نلاحظ من البعض.
أما محاولة الوسطية في الانتماء فهذا ما لا يجوز شرعا، لأنه يعني التنازل عن أمور دينية كثيرة.
نزار قباني له قصيدة فيها بيتان، الأول نظرا لما وراء المفردات وما وراء معإنيها غير ممكن تطبيقه على الحياة وعلى الدين.
اختاري الحب أو اللا حب فجبن ألا تختاري
هذا البيت عند إسقاطه على العلاقات يدعو إلى التطرف، ويرفع شعار من لم يكن معنا فهو علينا.
والبيت الآخر في الصميم، إذ يقول:
لا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار