الإحياء مفهوم قرآني
يقوم على أساس التفكر والعبرة
رائد ميرزا الستري
قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)) سورة يوسف.
عندما ينظر الانسان في قراءة تحليلة إلى مجمل آيات القرآن الكريم، لا يعدو نظره الكمّ الكبير من الآيات التي تركز على قَصص الأقوام الماضية، وكأنّ المولى يريد منّا أن (نكرر) أو (لا نكرّر) ما قاموا به؛ ليكون التكرار نحوٌ من الاقتفاء لما اُثر عن الأقوام السابقة في جوانبه الايجابية، وألاّ نكرر..!! ما وقعوا فيه من أخطاء ومن سلبيات في طريقة حياتهم ومعالجاتهم للأمور.
وهذه المعالجة القرآنية لقصص الأولين ما هي إلاّ إرشاد إلى نكتة مهمة جدا لا ينبغي للإنسان المؤمن أن ينفصل عنها، وهي ما يحكية المولى -عزّ وجل- في قوله تعالى: (قَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ)، في معادلة دقيقة وهي (التفكّرï القصص= العبرة).
كي لا تكون قراءتنا للماضي قراءة استهلاكية، بل قراءة يغلب عليها التحليل والمحاكاة. ذلك أنّ الاستهلاك لا يبني مستقبلا، ولأنّ اللهو والتسلية لا يبني الشموخ والعزّة للأمّة.
إذن قراءة الماضي قراءة ضرورية لا غنى لنا عنها، لما تقدمه من عناصر تساهم في تقويم حياتنا وإصلاح أمورنا، من خلال محاكاة صادقة وواقعية لحياتنا المعاشة.
- الهدف من الاحياء لذكراهم (ع):
من ذلك كله.. يمكننا أن نقول إنّ احياءنا لذكرى أهل البيت(ع) ما هو إلاّ نحوٌ من تتبع القصص، في محاولة منّا لاستلهام العبر من خلال ما عاشه هؤلاء الكبار.
وتمتاز قصص أهل البيت (ع) عن غيرهم بميّزة تفتقدها قصص أخرى، وهذه الميّزة تكمن في أن شخصياتهم شخصيات معصومة من قبل الله، وسِيَرهم، وأدوارهم، سير وأدوار رسمها الله سبحانه وتعالى، لا تحتمل الخطأ.
فلذلك تكون العبرة من قصصهم صافية في وضوحيها، وقوية في عطائها، موصلة إلى محل رضوان الله سبحانه بما لا يجعل للشك موقعا.
روائع الحسن (ع) في الإختلاف والعشرة
الحسن بن علي (عليه وعليه السلام)، الامام المفترض الطاعة بعد والده أمير المؤمنين (ع)، وقد ورد في شأنه الكثير الكثير مما لا يسع المقام لذكره، ولكن لا بأس بأن نذكر لك بعض ما ورد في فضل حبه (سلام الله عليه):
عن رسول الله (ص): (اللهم أحب حسنا وحسينا وأحب من يحبهما) (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني) (من كان يحبني فليحب ابني هذين ، فإن الله أمرني بحبهما).( مشيرا إلى الحسن ( عليه السلام ) - : من أحبني فليحب هذا)
ولا يراد بالمحبة للحسن والحسين (عليهما السلام) التي أراد الرسول (ص) أن يكون عليها المسلمون إلا كمثل قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ..31) آل عمران، أي المحبة التي تحرّك صاحبها نحو المحبوب ليحصل الاتباع له في كلّ ما يقول ويفعل، لا المحبة التي تبقى في القلب فارغة عن العمل.
هكذا هو الامام الحسن (ع)، حلقة في ضمن سلسلة تتصل برسول الله (ص)، في كل الجنبات التي كان يتمتع بها الرسول الاعظم (ص)، سواء الجنبات القيادية أو الاخلاقية أو الشرعية أو غيرها، لأنّ الامامة هي امتداد لخط النبوة بفارق افتقادها للوحي فقط.
روائع الحسن (ع) في الأدب الاجتماعي:
من روائع ما نقل عن النسمة الطاهرة، سبط رسول الله (ص)، كلمات تتلامس مع واقع حياتنا الاجتماعية، لترسم لنا خط الوعي لهذه الأمة في مسارها الاجتماعي فدعونا نقف معها قليلا:
1- كلمات على طريق الوحدة والاجتماع ..
قد تتعدد الآراء..، وقد نختلف فيما بيننا، ولكن عندما نركز على الاختلاف كاختلاف لا ينتج عن ذلك إلا مزيد من مساحات الضعف والهوان للأمة، ولذلك لابد من أن نتحرك نحو الاجتماع والتوحد لأنّها هي منبع قوة هذه الامة وصلابتها يقول (ع): (لم يجتمع قوم قط على أمر واحد إلا اشتد أمرهم، واستحكمت عقدتهم). فالفرقة لا تنتج إلا ضعفا وهوانا.
وقد قال عليه السلام في حديث آخر: (ما تشاور قوم إلا هدوا إلى رشدهم) وهو بذلك يرشدنا إلى الأداة التي تضعنا على الطريق الصحيح، فالالتقاء مع الآخر، والتحاور والتشاور معه من شأنه أن يقرّب وجهات النظر المختلفة، ويضائل من مساحات التباعد.
2- كلمات في التعامل والعشرة..
خلق الله الانسان ميالا للاجتماع ينفر من الوحدة، فلذلك تجده يسارع إلى تكوين الصداقات والعلاقات، ولكي تكون هذه العلاقات في اطارها الاجتماعي الصحيح، لابد من أن نتوافر على أدبها وقانونها، وأول الاداب فيها ما قاله عليه السلام لبعض ولده: (يا بني لا تؤاخ أحدا حتى تعرف موارده ومصادره)
لا تتعجل في الارتقاء بالصداقة إلى عنوان الاخوة، أبقها في دائرة المعرفة حتى تستخبر حال الآخر، وتتعرف على أطباعه وسلوكه، ولابد لك من التركيز على بعض الصفات التي يجب أن تتوافر في الصاحب.
يقول عليه السلام: (اصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدّق قولك، وإن صلت شد صولك، وإن مددت يدك بفضل مدها، وإن بدت عنك ثلمة سدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن سألته أعطاك، وإن سكت عنه ابتداك، وإن نزلت إحدى الملمات به ساءك)
فإذا عرفت أنه على ذلك فآخه ولكن على وفق ما يقول (عليه السلام): (فإذا استنبطت الخبرة ورضيت العشرة فآخه على إقالة العثرة، والمواساة في العسرة). فالاخوة عشرة تشتمل على إقالة عثرة الآخر، فإنّ الانسان قد يخطئ ولكن: (لا تعاجل الذنب بالعقوبة ، واجعل بينهما للاعتذار طريقا).
وكما ترجو من غيرك كل ذلك فهو يرجو منك كل ذلك أيضا فعنه (ع): (صاحب الناس مثل ما تحب أن يصاحبوك به).
عن رسول الله (ص): (من مات على حب آل محمد مات شهيدا).
- الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : من مات على موالاتنا في غيبة قائمنا أعطاه الله أجر ألف شهيد مثل شهداء بدر واحد