تقريرات موجزة: درس (الفصول المهمَّة في أصول الأئمَّة) - الشيخ الحرُّ العاملي (قدِّس سرُّه) {13}.
الأستاذ: السيِّد محمَّد السيِّد علي العلوي.
المقرِّر: محمود أحمد سهلان العكراوي.
أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب 20 - أنَّ الله سبحانه لا يُدرِكه وَهم:
{125} الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن محمَّد بن يحيى، عن أحمد بن محمَّد بن عيسى، عن ابن أبي نجران (نَصر)، عن عبد الله بن سِنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، في قوله تعالى: {لا تُدْرِكُه الأَبْصَار}، قال: إِحاطة الوَهْم، ألا ترى إلى قوله: {قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُم} ليسَ يعني بَصَرَ العيون، {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِه} ليسَ يعني مِنَ البَصَر بعينه {وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا} ]الأنعام: 104[ ليسَ يعني عَمَى العيون، إنَّما عَنَى إِحاطَةَ الوَهْم، كما يُقال: فلانٌ بصيرٌ بالشعر، وفلانٌ بصيرٌ بالفقه، وفلانٌ بصيرٌ بالدراهم، وفلانٌ بصيرٌ بالثياب، الله أعظمُ من أنْ يُرَى بالعين.
الوَهْم: من خَطَرَات القلب، وتوهَّم الشيءَ أيْ تخيَّلَه وتمثَّله.
كيف يتخيَّل ويتمثَّل؟
التخيُّل والتمثُّل هو تركيب صورٍ معيَّنةٍ موجودةٍ في الذهن، وبالنسبة لما نحن فيه -أيْ في ما يخص الله تعالى- أكثر ما نسمعه خصوصًا من الصغار أنَّه كالرجل له لحيةٌ بيضاء طويلة، ولكنْ من أين جاء هذا؟ هذا التوهُّم والتمثُّل جاء لأنَّنا نرى الحكيم والوقور عادةً بهيئةٍ معينة، فنجمع هذه الصور ونتمثَّل الشخصية التي نريد أنْ نحيطَ بها بهذا الشكل.
إِحاطة الوَهْم: أيْ كل الصور التي تريد أنْ تأخذ منها لتشكيل صورةٍ ما، فيُفترض أنْ تكون مُحيطًا بالشيء الذي تريد أنْ تتصوَّره وتتمثَّله، فشرط التوهُّم هو الإحاطة، ولا يمكن الإحاطة بالشيء إلا من خلال مُبرِزاته ومُشخِّصاته، وهي هذه الصور التركيبية.
بصائر: هذه الكلمة وردتْ في الآية ولا يُراد بها بصر العين، والبصائر هي الخُبُرات، والعِلم دون واسطة الجوارح، والتزام القول بالحاجة إلى الجوارح هو من مقولات أهل الدنيا، ولا بدَّ من الحذر منها، ولا بدَّ من معرفة حدود هذه الجوارح.
يبيِّن الإمام أنَّ المراد من البصر في الآيات المطروحة ليس البصر بالعين، ثمَّ يستشهد باستعمالاتنا في مثل قولنا (بصيرٌ بالشعر، وبصيرٌ بالفقه، وبصيرٌ بالدراهم، وبصيرٌ بالثياب)، ونحن لا نعني من البصر هنا بصر العين كما هو واضح، بل المعنى هنا هو الخبير.
{126} الرواية الثانية: وعنه، وعن أحمد بن محمَّد، عن أبي هاشمٍ الجعفري، عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، قال: سألته عن الله هل يُوصَف؟ فقال: أَوَمَا تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قال: أَوَمَا تقرأ قوله تعالى: {لا تُدْرِكُه الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار} ]الأنعام: 103[؟ قلت: بلى، قال: فتعرفون الأبصار؟ قلت: بلى، قال: ما هي؟ قلت: أبصار العيون، فقال: إنَّ أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تُدرِكه الأوهام وهو يُدرِك الأوهام.
السؤال كان عن إمكان الوصف، لكنَّ الإمام (عليه السلام) انتقل للحديث عن البصر، لماذا؟
أجاب (عليه السلام) بنفي الطريق إلى التوصيف، لأنَّ الجوارح وكذا أوهام القلوب لا تُدرِكه تعالى، وأوهام القلوب أكثر من أبصار العيون، ومع ذلك أنت لا تستطيع أنْ تصفه من خلالها، فكيف تريد أنْ تُدركه بالبصر، وبهذه الطريقة أبطل المسألة من رأس.
سؤاله (عليه السلام): "أَوَمَا تقرأ القرآن؟"، هو من نوع الأسئلة التأديبية، وقد كرَّر الإمام (عليه السلام) على السائل مثل هذه التساؤلات، وذلك لأنَّه أراد تنبيهه على قراءة القرآن بتدبُّر، واستعمال هذا الأسلوب لا يكون في كل شيء، وقد استعمله الإمام (عليه السلام) هنا في مسألةٍ خطيرةٍ وهي التوحيد، لكنْ لا يصحُّ استعماله من غير المعصوم مع الناس في كل أمر، ولا بدَّ أنْ يكون استعماله بحكمة.
في ذيل الرواية أجاب الإمامُ (عليه السلام) السائلَ بأنَّ أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون ولا تدرك الله بها، فكيف تدركه بالعين؟ وبالتالي لا تتمكن من وصفه تعالى.
{127} الرواية الثالثة: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، عمَّن ذَكَرَه، عن محمَّد بن عيسى، عن داود بن القاسم، عن أبي هاشمٍ الجعفري، قال: قلتُ لأبي جعفرٍ (عليه السلام): {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَار} ]الأنعام: 103[؟ فقال: يا أبا هاشم، أوهامُ القلوبِ أدقُّ من أبصارِ العيون، أنت قد تُدرِك بوهمكَ الهند والسند والبلدان التي لم تَدخلها ولا تُدرِكها ببصرك، وأوهامُ القلوبِ لا تُدرِكه فكيف أبصارُ العيون؟
بالوهم يمكنك أنْ تتصوَّر البلدان والأشياء التي لم ترَها ما دامت في ذهنك بعض الصور، كما هو الحال مع الشوارع وحركة السير وما شابهها، حيث تتوَّهم الأماكن التي لم تزُرْها من خلال هذا الوهم، ومع هذا لا تتمكَّن من إدراك الله بها، وبالتالي لا يمكن إدراكه تعالى بأبصار العيون.
أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب 21 - أنَّ الله سبحانه لا يُوصَف بكيفيةٍ ولا أينيةٍ ولا حيثية:
{128} الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن عليِّ بن محمد، عن سهل بن زيادٍ أو عن غيره، عن محمَّد بن سليمان، عن عليِّ بن إبراهيم، عن عبد الله بن سِنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: قال: إنَّ الله عظيمٌ رفيعٌ، لا يَقدِر العِباد على صِفته ولا يبلغون كُنْهَ عظمته، ولا تُدرِكه الأبصار وهو يُدرِك الأبصار وهو اللطيف الخبير، ولا يُوصَف بكيفٍ ولا أينٍ ولا حيث، وكيف أَصِفه بالكيف؟ وهو الذي كَيَّف الكيف حتَّى صار كيفا، فعرفتُ الكيف بما كَيَّف لنا من الكيف، أم كيف أَصِفه بالأين؟ وهو الذي أَيَّن الأين حتى صار أينا، فعرفتُ الأين بما أَيَّن لنا من الأين، أم كيف أَصِفه بحيث؟ وهو الذي حَيَّث الحيث حتى صار حيثا، فعرفتُ الحيث بما حَيَّث لنا من الحيث، فالله تعالى داخلٌ في كل مكان، وخارجٌ من كل شيء، لا تُدرِكه الأبصار وهو يُدرِك الأبصار، لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.
الكيف والأين والحيث من العوارض، ولا نحتاج إليها إذا كان المقام لا يحتاج إلى تمايز، وهذه الأمور تمام حقيقتها ليس ما نراه في هذه النشأة، بل هو جانبٌ من جوانبها ظَهَرَ في هذه النشأة.
تتوقَّف المطالب العِلمية في فهمها الصحيح على فهم أصل المسألة، فقد تُضبَط قوانين المسألة لكنْ لا عن تصوُّر، وحينها لا يتمكَّن الضابط من المناقشة أو المحاورة إلا في حدود ما قِيل، وبمجرد أنْ تخرجَ به عمَّا قِيل يتوجَّم ولا يتمكَّن من الكلام، لأنَّه تصوَّر ما قِيل في المسألة لا نفس المسألة، بل فهمه للمسألة إنَّما هو من خلال ما قِيل، ومن أهمِّ الأمور النظر في أصل التفكير في هذه المسألة.
عند الكلام عن العوارض والجوهر مثلًا، نعرِّفهما، فنقول: العَرَض هو الذي لا يوجد إلا في موضوع، والجوهر هو ما لا يحتاج إلى ذلك، ونبدأ الكلام من هنا، نقع في الخلل الذي نُحذِّر منه، فمن أين جاءت هذه النتيجة؟ هل العَرَض لا يوجد إلا في موضوع مُطلقًا؟ أم في نشأةٍ خاصة؟ ومن أين جاء هذا التحليل؟ هكذا ينبغي أنْ نُفكِّر في جلِّ المسائل، ولكنْ بصورةٍ أدنى في الفقه، لأنَّ الفقه أحكامٌ نتعبَّد بها.
العَرَض مسألةٌ تحليلية، حيث جئنا وتصوَّرنا الجسم، وهو الذي يشغل حيِّزًا من الفراغ، فيدخل في حقيقته الطول والعرض والكثافة، ولكنْ ما علاقته بالطاولة مثلًا، فهناك جسمٌ وهناك طاولة، فلهما وجودٌ علميٌّ في الذهن.
في الواقع، المعاني قبل أنْ تكون في الذهن، هي حقائق موجودةٌ في ظرفها غير الجسمي، ولو أَوجدتُها في نفسي دون عوارضها لأثَّرتْ أثرها، ولكنَّ هذا غير ممكنٍ في هذا العالم، ولمَّا نقلنا تلك الحقيقة من ذاك العالم إلى عالمنا الذي صِفَته الجسمية، بمعنى أنَّ ما فيه خارج ذهن الإنسان لا يقع إلا بما يشغل حيِّزًا من الفراغ، فتلك الحقيقة التي في ذاك العالم عندما نأتي بها إلى هذا العالم يكون له ملمسٌ وطعمٌ وغير ذلك، بما يتناسب وهذا العالم، فهذه كلها عوارض عَرَضَتْ على الحقيقة لحاجة هذا العالم إلى ذلك، وهذا كله راجعٌ لشأن هذا العالم، ولو رجعنا لذلك العالم يبقى الشيء كما هو لكنْ تختلف هذه المُشخِّصات في تلك النشأة عن نشأتنا الدنيا، ولا تكون هي نفسها بالضرورة في النشآت الأخرى.
فإذا سُئِلنا عن وجود الله تعالى، وأين هو، وكيف هو، فنُجيب أنَّ هذه الأمور خاصةٌ بالنشآت وما تسألون عنه خالقها، فهذه من خصائص نشآت الوجود، فلا يُسأل بهذه الأسئلة عن الله تعالى.
ما هو الانتزاع؟ الانتزاع إنَّما هو محاولة مطابقة الحقائق الموجودة في الذهن مع الأشياء الخارجية، ولو لم تكن لك هذه المواد المركوزة في الذهن لما تمكَّنت من انتزاع شيء.
أبواب الكلِّيات المتعلِّقة بأصول الدين وما يناسبها - ب 22 - أنَّ الله سبحانه لا يُوصَف بجسمٍ ولا صورة:
{129} الرواية الأولى: محمَّد بن يعقوب، عن عليِّ بن إبراهيم، عن محمَّد بن عيسى، عن يونس، عن محمَّد بن حكيم، عن أبي الحسن (عليه السلام) في حديثٍ، أنَّه سأله عن القول بالجسم؟ فقال (عليه السلام): إنَّ الله لا يُشبِهه شيء.
{130} الرواية الثانية: وعن أحمد بن إدريس، عن محمَّد بن عبد الجبار، عن صفوان بن يحيى، عن عليِّ بن أبي حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنَّه سأله عما رُوي أنَّ الله جسم؟ فقال (عليه السلام): سبحان مَنْ لا يعلم أحدٌ كيف هو إلا هو، ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير، لا يُحدُّ، ولا يُحسُّ، ولا يُجسُّ، ولا تُدرِكه الحواسُّ، ولا يُحيط به شيء، ولا جسمٌ ولا صورةٌ ولا تخطيطٌ ولا تحديد.
{131} الرواية الثالثة: وعن محمَّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن حمزة بن محمَّد، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الجسم والصورة؟ فكتب: سبحانَ مَنْ ليس كمثله شيء، لا جسمٌ ولا صورة.
{132} الرواية الرابعة: وعن محمَّد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمَّد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمَّد بن زيادٍ (زيد)، عن الرضا (عليه السلام) في حديثٍ في توحيد الله، قال: عُرِفَ بغير رؤية، ووُصِف بغير صورة، ونُعِتَ بغير جسم، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
العلاقة مع الله سبحانه وتعالى في المعرفة علاقةٌ عقلية، بعد نفي كل معرفةٍ بالحواس، فيستنطق العقل الفطرة، فالفطرة وجودٌ أعمى يقول بوجود الخالق، لكنَّ نورها هو العقل..
تنبيه:
لا ينبغي أنْ نتأثَّر دائمًا بالمصطلحات فنجعل العقل دائمًا في مقابل النصوص، لذلك نقول دائمًا العقل الكلي أو العقل الذي لا خلاف فيه أو المقابل للجهل، كي لا نقع في هذه المشكلة، وكذا ينبغي الابتعاد عن حالة المصادمة بين العقل والنص، وهكذا.
{133} الرواية الخامسة: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، عمَّن ذكره، عن عليِّ بن العباس، عن أحمد بن محمَّد بن أبي نَصر، عن محمَّد بن حكيم، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) في حديثٍ قال: إنَّ الله لا يُشبِهه شيء، أيُّ فُحشٍ أو خنًا أَعظمُ من قول من يَصِف خالق الأشياء بجسمٍ أو صورةٍ أو بِخِلقةٍ أو بتحديدٍ وأعضاء؟ تعالى الله عن ذلك عُلوًّا كبيرًا.
نجد درجة إنكارٍ عاليةٍ من الإمام (عليه السلام) في قوله: "أيُّ فُحشٍ أو خنًا"! مع أنَّ هذا الإنكار على قومٍ مؤمنين بالله، لكنَّهم وصفوا الله بهذا الوصف، فواجههم الإمام (عليه السلام) بهذا الإنكار الشديد، وقد وقع هؤلاء في مثل هذا الأمر لسببين رئيسيين:
الأول: عدم القدرة على الانعتاق من الدنيا، فلا يُمكِنهم التفكير إلا بمعاييرها وموازينها، فمسألة تجرُّد الله تعالى لا يستطيع أنْ يتصوَّرها.
الثاني: التعامل مع النصوص على أنَّها وافيةٌ بكل المعاني المطلوبة، فلا يوجد لدى من يتعامل بهذه الطريقة شيءٌ اسمه ضيق عبارة، ولا يجعل اعتبارًا للعقل والسليقة ولا لشيءٍ آخر، فتجده في (يد الله فَوَقَ أيديهم) يقول أنَّه تعالى له يدٌ والعياذ بالله، فجمودٌ على النصوص وفقط.
{134} الرواية السادسة: وعن عليِّ بن محمَّدٍ رفعه، عن محمَّد بن الفرج الرُّخَّجي، قال: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عمَّا قال هشام بن الحكم في الجسم، وهشام بن سالم في الصورة؟ فكتب: دعْ عنك حَيرَة الحيران واستعذ بالله من الشيطان، ليس القول ما قال الهشامان.
"أقول: نقل السيد المرتضى وغيره أنَّ تهمة الهشامين بذلك غير صحيحةٍ وأنَّهما بريئان منها، وإنَّما اتَّهمهما العامَّة، وعلى هذا يمكن أنْ يُحمَل قوله (عليه السلام) ليس القول إلخ، أنَّ المراد ليس القول الذي حكيته قول الهشامين".
هذان الرجلان من تلامذة الإمام الصادق (عليه السلام)، بل كان الإمام يُحيل عليهما، ولكنَّ الكلام في التفاصيل، فالإمام موجودٌ معك فلماذا تجتهد من نفسك؟ وقد نقل الحرُّ العامليُّ هنا قول السيد المرتضى وغيره في دفع التهمة عنهما.
تنبيه:
لا بدَّ أنْ نعيَ أنَّ الأصحاب ليسوا معصومين، ولا ينبغي أنْ نتعامل مع مثل هذه الروايات التي تذمُّهم بحساسية، ولا أنْ نُخرِجَ المذموم منهم من الإيمان لبعض أخطائه، فأفضل الأصحاب قد وقعوا في الخطأ، ولا مشكلة عندنا في ذلك، ولا يؤدي بنا هذا إلى مَحقِ كل سيرته.
{135} الرواية السابعة: وعن محمَّد بن أبي عبد الله، عن محمَّد بن إسماعيل، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن عبد الله بن المُغيرة، عن محمَّد بن زياد، عن يونس بن ظَبيان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديثٍ، أنَّه سُئِل عمَّن قال بالجسم؟ فقال: وَيلَه، أما عَلِم أنَّ الجسم محدودٌ متناه؟ والصورة محدودةٌ متناهية؟ فإذا احتمل الحدَّ احتمل الزيادة والنقصان، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقًا، قال: قلت: فما أقول؟ قال: لا جسمٌ ولا صورةٌ وهو مُجسِّمُ الأجسام ومُصوِّر الصور، لم يَتَجَزَّ ولم يَتَنَاهَ ولم يَتَزَايَدْ ولم يَتَنَاقَص، ولو كان كما يقولون لم يَكُنْ بين الخالق والمخلوق فرق، ولا بين المُنشِئ والمُنشَأ، لكنْ هو المُنشِئ، فرقٌ بين مَنْ جَسَّمَهُ وصَوَّرَهُ وأَنْشَأَه، إذ كان لا يُشبِهُه شيءٌ ولا يُشبِه هو شيئًا.
الجسم متناهٍ أيْ هو مقهورٌ بحدوده، فيكون في جهةٍ دون أخرى، وإذا فرضنا أنَّ الخالق محدودٌ فهو يزيد وينقص، وإذا احتمل الزيادة والنقصان يكون مخلوقًا فهو محلٌّ للحوادث، وهو ليس كذلك.
وأراد من قوله (عليه السلام): "مُجَسِّمُ الأجسامِ ومُصوِّرُ الصور"، أنَّه لا جِسمَ قَبلَه ولا صورة قَبلَه لأنَّه مَنْ جَسَّمَ الأجسام وصَوَّرَ الصور.