الحديث عن أنصار الإمام الحسين (ع) ومواقفهم وما نالوه من درجات هو حديث عن واحدة من أجلى ظواهر النصرة للمبدأ التي نقلها لنا التاريخ وذلك لأسباب منها:
١- أنهم إذ أقدموا على نصرة الحسين (ع) ما كان عندهم إذ ذاك شك في الموت بمقدار ذرة، لأنه (ع) أنبأهم بهذا المصير أكثر من مرة، فمن هنا كان إقدامهم على نصرته إقداما خالصا لله تعالى لا تشوبه شائبة طمع أو سمعة أو نحوهما.
٢- أن الروحية التي أقدموا بها على الشهادة كانت روحية العشق والهيام والذوبان إلى الحد الذي جعلهم لا يرون شيئا في الوجود غير الله تعالى وغير محبوبهم الحسين (ع)، وهذا ما تكشف عنه بالإضافة إلى ردود أفعالهم وما صرحوا به أمامه لما أذن لهم بالانصراف ليلة عاشوراء أراجيزهم في ميدان المعركة.
٣- ما جاء عن الإمام الحسين (ع) في موردين هما خطابه لهم ليلة عاشوراء إذ قال كما في الإرشاد للمفيد (رض): "أما بعد فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي"؛ والمورد الثاني هو كلمات التأبين التي كان (ع) يقولها عند مصرع كل واحد منهم.
فبالنظر إلى هذه الأسباب وغيرها كان الحديث عن هؤلاء الأنصار البررة وكما ذكرنا حديثا عن إحدى أجلى ظواهر النصرة للمبدأ في التاريخ، وبالنظر كذلك إلى هذه الأسباب اكتسب الحديث عن هذه الثلة الطيبة أهمية كبيرة في دائرة ما يبحث ضمن نهضة الإمام الحسين (ع)، وسوف يكون الحديث هاهنا في نقاط ثلاث.
النقطة الأولى: مصادر التعرف على أنصار الحسين (ع)
فكيف يمكن لنا التعرف على أنصاره (ع) من حيث عددهم وبطولاتهم وما تمخض لهم من مقامات قربية على إثر ذلك الموقف الذي وقفوه؟ الجواب: يمكن ذلك من خلال الرجوع إلى المصادر التالية:
١- كتب التاريخ: سواء في ذلك منها ما هو عام كتاريخي الطبري وابن الأثير وما هو خاص بتاريخ النهضة الحسينية كمقتل الخوارزمي ومقتل أبي مخنف.
٢- كتب الرجال: أي الكتب التي ألفت لبيان حال رواة الحديث من جهة وثاقتهم وعدمها، ككتب الرجال للنجاشي والطوسي والكشي وكموسوعة (معجم رجال الحديث) للإمام السيد الخوئي.
٣- كتب التراجم: أي الكتب التي ألفت لسرد نبذ من أحوال الشخصيات ذات التأثير في المجتمع، كموسوعة (أعيان الشيعة) للإمام السيد محسن الأمين.
٤- الزيارات الشريفة التي تحدثت عن أنصار الحسين (ع) كزيارة الناحية المقدسة والزيارة الرجبية.
النقطة الثانية: مرجع اختلاف الروايات في عدد أنصار الحسين (ع)
فمن يتتبع هذه الجزئية -عدد الأنصار- في المصادر يجد أن هناك تباينا بينها، إذ ذكر الخوارزمي وهو يتحدث عن تاريخ خروج الحسين (ع) من مكة أن عدد الذين كانوا معه حينذاك اثنان وثمانون رجلا، بينما ذهب المسعودي إلى أن عددهم عند لقاء جيش الحر كان خمسمائة فارس ومائة راجل، وأما الطبري فذكر أن العدد عند لقاء الحر كان خمسة وأربعين فارسا ومائة راجل، إلى غير ذلك مما روي في هذا الصدد، فما هو مرجع هذا التباين في النقل؟ الجواب: يعود ذلك لأسباب منها:
١- اختلاف ظرف التقدير العددي من رواية لأخرى، فبعض الروايات ذكرت العدد حينما خرج الحسين (ع) يوم التروية، وبعضها ذكرته يوم عاشوراء، وبعضها في الطريق إلى العراق.
٢- أن العدد المذكور في بعض المصادر -على الأقل- لم يكن مستندا إلى إحصاء دقيق وتتبع تام، بل كان مستندا إلى المشاهدة والرؤية البصرية التقديرية.
٣- أن بعض المصادر حينما ذكرت عددا معينا فإنها كانت بصدد الحديث عن كل رجال المعسكر الحسيني؛ أي بما يشمل نفس شخص الإمام (ع) وأولاده وأهل بيته، في حين كانت مصادر أخرى بصدد الحديث عن خصوص الأنصار الذين جاؤوا لنصرته، سواء فيهم من التحق به في مكة أو في الطريق أو في كربلاء.
٤- أن بعض المصادر قاست عدد الأنصار على عدد الرؤوس التي تقربت بها القبائل إلى ابن زياد ويزيد، والحال أن عدد الأنصار أكبر من عدد الرؤوس، لأن بعضهم لم يقتل كالحسن المثنى وعقبة بن سمعان.
النقطة الثالثة: بعض مقامات أنصار الحسين (ع)
فقد بينت نصوص الزيارات المختلفة مقامات عدة لهم (رضوان الله عليهم) تطرق لها العلماء بالبيان وهم يشرحون مطالب وكلمات هذه الزيارات، ومن مقاماتهم:
١- أن لهم قدم صدق عند الله تعالى كما جاء في زيارة عاشوراء الشريفة فيما يقوله الزائر في السجود الذي يؤتى به بعد الزيارة، وهذا مقام عظيم بشر القرآن به المؤمنين إذ قال في الآية الثانية من سورة يونس (ع): "وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهمِ".
٢- أنهم فازوا فوزا عظيما بنصرتهم للحسين (ع) كما جاء في إحدى الزيارات المطلقة عن الإمام الصادق (ع)، حيث قال بعد أن بين كيفية زيارة الحسين (ع) وولده علي الأكبر (ع): ثم تقوم فتومئ بيدك إلى الشهداء وتقول: "السلام عليكم، فزتم والله فليت أني معكم فأفوز فوزا عظيما"، وهذا أيضا من المقامات العظيمة التي جاء ذكرها في القرآن في سياق الحديث عن شرائح معينة من أولياء الله، يقول تعالى: "وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، ويقول: "وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"، ويقول أيضا: "فَيُدْخِلُهُمْ رَبُّهُمْ فِي رَحْمَتِهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْمُبِين"، وقد جاء في بعض التفاسير أن الفوز العظيم أرقى درجة من كل من الفوز الكبير والفوز المبين.
٣- مقام الإناخة بقبر الحسين (ع) كما جاء التعبير عنه في عدة زيارات منها زيارة النصف من رجب حيث يسلم الزائر فيها على الأنصار قائلا: "السَّلامُ عَلَى الأرْواحِ المُنيخَةِ بِقَبْرِ أبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلامُ"، والإناخة تستعمل لغة في مثل هذه الموارد بمعنى الإقامة والنزول، وهذا يدل على أن أرواح شهداء كربلاء لا تزال مجتمعة بروح الحسين (ع) مذ نصرته وإلى أن يرث الله الأرض.
صادق القطان
١ أغسطس ٢٠٢١م