لا يمكن معرفة الإمام إلا بمعرفة من سبقه ومن لحقه لأن الأئمة مع الرسول الأكرم صلوات الله عليهم أجمعين عقد متواصل الحلقات مع بعضه البعض.
فالبعض يركز على تاريخ كل إمام وما جرى عليه فيه، وما هي المواقف التي اتخذها نحو الأحداث في ذلك العصر، منهم مناصروه وأصحابه ومنهم مناوؤه وأعداءه. والحقيقة أن هذه المعرفة معرفة ناقصة لا توصلك لأي حقيقة واحد منهم أبدا، وإنما تقربك منهم في معرفة ظاهرية، وهي مع هذا في غاية الأهمية، ولكنها معرفة متوقفة على معرفة سابقة تكون الأساس لفهم زمانهم ومواقفهم فيه.
فدون معرفة أنهم معينون ومصطفون من قبل الله عز وجل وأنهم معصومون بعصمة إلهية حالهم في ذلك حال النبي صلى الله عليه وآله وأنهم منبع العلم ومعدنه ومقياس الهدى وميزانه وإلا ستكون معرفة ناقصة.
هذه معرفة اعتقادية عليها يكون كل بناء لفهم التاريخ وأحداثه الجارية عليهم. فإذا نظرنا للأئمة من دون النظرة الاعتقادية سنكون كأننا نبحث عن قصص في التاريخ لأي شخص جرت عليه أحداث قد تكون مؤسفة محزنة وقد تكون مشوقة مفرحة، وقد تكون مخزن بطولات وصولات أو ذا علم ونباهة وغير ذلك من أمور تكون أشبه بسرد التاريخ في رواية مسرحية.
وهذا فارق كبير بيننا نحن الشيعة الذي إلى اليوم نندب ونجزع على مقتل أبي عبد الله الحسين ورجاله صلوات الله وسلامه عليهم وبين غيرنا، فالحسين يمثل لنا عقيدة عندما نقرأ التاريخ فيه، فيكون تأثيره على جميع حواسنا ومشاعرنا، فالتاريخ حاضر وشاخص بكل تفاصيله وكأننا نراه بأعيننا فيتجدد الحزن وكأنه بالأمس القريب وقعت عاشوراء فنتفجع ألماً وبكاءً ولطما.
هذا هو الفارق بيننا وبين غيرنا عندما يقرأون التاريخ مفرغا عن ركائزه العقائدية، فهم يسأمون من تكراره ونحن نشتاق لتكراره بل نرفع شعارا في التكرار "كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء"، قد يتأثرون بالحدث عند سماعه للوهلة الأولى ثم سرعان ما ينسون المأساة أما نحن فيبقى الحزن شعارا ودثارا، فقد ننسى أعزتنا وتقف العيون عن سكب الدموع عليهم ولكن على الحسين عليه السلام تبقى عيوننا جارية، ولو جمعت دموع عشاق الحسين من أول دمعة سقطت عليه إلى اليوم لشكلت نهرا جاريا من أعظم أنهر الأرض.
فمعرفة الحسين سر من أسرار دوام البكاء
السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي حَلّتْ بِفِنائِكَ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين.
مالك درويش
ليلة العاشر من محرم 1443 هـ