ورد عن شمس الشموس وأنيس النفوس غريب طوس سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا عليه ونبينا الكريم وآله الطاهرين أفضل الصلاة وأزكى السلام قوله: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا" (بحار الأنوار، ج2 ص31، الحديث 13). ونُقل ذات التوجيه عن غيره من الأئمة الطاهرين عليهم السلام، بما يفيد تشديد التأكيد على هذا الأمر، ومن بينهم صادق العترة عليه السلام، حيث سأل الفضيل بن يسار: "يا فضيل، أتجلسون وتتحدثون؟" قال: نعم جعلت فداك، فقال الإمام الصادق عليه السلام: "إن تلك المجالس أحبها، فأحيوا أمرنا، فرحم الله من أحيا أمرنا" (بحار الأنوار، ج44 ص282، الحديث 14).
فكيف يكون إحياء أمرهم عليهم السلام؟ يجيب الإمام الرضا عليه السلام: "يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا"، وهذا وجهٌ رئيس من وجوه الإحياء. فمسألة الإحياء إذن لا تنحصر في موسم محدد، ولا في مجال محدد. نعم، إحياء عاشوراء الحسين عليه السلام هو أبرز مظاهر الإحياء باعتباره تجديداً لأهداف ثورة الإمام الحسين عليه السلام التي كان محورها هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو تجديدٌ تحتاجه الأمة على الدوام لأنه الوسيلة التي شرَّعها المولى عز وجل للتعامل مع الصراع الأبدي بين الحق والباطل. فطالما كان هذا الصراع قائماً، وهو قائم لا محالة حتى قيام الساعة وفناء دار البلاء كمدخل لحياة الخلد التي هي مآل الخلق، كانت الحاجة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة. وهذا الأمر في حد ذاته يفسر جانباً من جوانب وصف الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "وأنا من حسين". إلا أن حصر الإحياء في هذا المظهر أو في هذا الزمن القصير من العام، هو إحياء ناقص لا يرتقي حتى للحد الأدنى من الإحياء الذي أمرنا به أهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
فإذا ما أردنا أن نكون بمستوى المسؤولية المترتبة على انتمائنا إلى خط العترة الطاهرة، فلابد إذن وأن نبذل كل جهد ممكن في سبيل إحياء أمرهم عليهم السلام كما بينوا.. فطلب العلم والاجتهاد في طلبه هو إحياء لأمرهم، والتحلي بالخلق القويم الذي يمثل سيرة النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين عليهم الصلاة والسلام هو إحياء لأمرهم، والصبر والتحمل والسعي لكسب القوت وتوطين النفس على الأذى والالتزام بالقيم والمبادئ مهما بلغت صعوبة الموقف، هو إحياء لأمرهم، والابتعاد عن المتاجرة بالدين باتخاذه بضاعة لإشباع حب الظهور وتحقيق المكانة الاجتماعية أو المكاسب الشخصية، سواء باتخاذه مظهراً تحت عنوان التدين دون أن يكون له امتداد حقيقي في النفس، أو بالنيل منه تحت عنوان النقد، هو إحياء لأمرهم، والتحلي بالمسؤولية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أياً كان موضوعه أو ظروفه هو إحياء لأمرهم.. وعلى ذلك قس.
وفي المقابل فإن صعود المنابر وسرد المواعظ دون تمثلها في الواقع، ليس إحياءً لأمرهم بل هو حرب لهم، واللطم والندب دون أن يكون له انعكاس على سلوك الإنسان ليس إحياءً لأمرهم بل هو حرب لهم، والغناء والتباهي بجمال الصوت وروعة المؤثرات الفنية في ما يعرف بالفيديو كليب تحت عنوان الإنشاد الديني أو الرثاء، ليس إحياءً لأمرهم بل هو حرب لهم، وابتداع البدع التي تحط من قدر الإنسان تحت عنوان التذلل لأهل البيت عليهم السلام ليس إحياءً لأمرهم بل حرب لهم، والجهل بكل أشكاله وعدم التنافس في تحصيل العلم والمعرفة ليس إحياءً لأمرهم بل هو حرب لهم، وعلى ذلك قس. قال الإمام الرضا عليه السلام: "من تعلم العلم ليماري به السفهاء، أو يباهي به العلماء، أو يصرف وجوه الناس إليه ليُرئسوه ويُعظموه فليتبوأ مقعده من النار" (بحار الأنوار، ج2 ص31، الحديث 18)
وخلاصة القول، هي أن إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام إنما يكون من خلال التحرك الواعي والمُمنهج في دائرة المنظومة الفكرية والقيمية للمعصومين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
اللهم ثبتنا على ولاية الطاهرين، واهدنا سواء السبيل، وأحسن خواتيم أعمالنا إلى خير ما تحب وترضى، إنك أنت السميع المجيب، وصلي يا رب وزد وبارك على محمد وآله الطاهرين وارزقنا في الدنيا ولايتهم، وفي الآخرة شفاعتهم وتوفنا على هذا العهد برحمتك يا أرحم الراحمين.