بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمَّد وآله الطيبين الطاهرين
تُطرحُ في السَّاحة العلمية نظرياتٌ، أو أفكارٌ، أو توصيفات تستحقُّ التداول والمناقشة، هي وإن كانت كذلك إلَّا أنَّ منها ما يُؤخذُ إلى منحى قد يكون ذا ضررٍ ثقافي أو فكري على العباد عامِّهم وخاصِّهم. كما وأنَّ منها ما قد استدعاه ظرفٌ معينٌ فكان مناسبًا للمرحلة التي طُرِحَ فيها، ولكنَّه يُستَغلُّ ويُجَيَّر للتوظيفِ في مراحل وظروف أجنبية عنه. وهكذا هي الأطروحات والنظريات والأفكار المُدوَّنة والمنشورة، تبقى مادَّة للمناقشة، والاستفادة الحَسَنة، والاستغلال المُضر.
طَرَحَ[1] الشَّهيدُ الشَّيخ مرتضى مُطَهَّري (1919م – 1979م) نقدًا ومجموعةً من الأفكار التي كان يراها تصحيحيةً وإصلاحيةً فيما يخصُّ قضيَّةَ كربلاء وفهمُ النَّاسِ لما جرى على الإمام الحسين (عليه السَّلام) حقيقةً وغايةً، وما ينبغي أن يكون عليه خطابها التبليغي.
ممَّا قاله (رضوان الله تعالى عليه) تحت عنوان (الحُسَّين -عليه السَّلام- يستشهد ثلاث مرَّات): "إنَّ الإمام الحُسَّين (عليه السَّلام) قد مرَّ بثلاث مراحل في استشهاده، بمعنى آخر إنَّه استشهد ثلاث مرَّات:
المرَّة الأولى، استشهِد على يد اليزيديين، بفقدانه جسده.
والمرَّة الثانية، استشهد من خلال تشويه الأعداء لسمعته، ومقامه، واسمه، لا سيَّما على يد المتوكِّل العبَّاسي.
والمرَّة الثَّالثة، استشهدت أهدافه على يد أهل المنبر الحُسَّيني.
والثَّالثة فقط هي المرحلة العُظمى من مراحل الاستشهاد، والعبارة الشَّهيرة للعقيلة زينب وهي تخاطب يزيد قائلة: "كد كيدك، واسع سعيك ..." تنطبق في الواقع، وتشمل المراحل الثلاث على حدٍّ سواء"[2].
لا شكَّ في أنَّ للفكرة التي يطرحها الشَّيخ مطهري (رحمه الله تعالى) حيثياتها الموضوعية عند المناقشة العلمية، ولكنَّ ما نحن بصدده استدعاه سلوكٌ إسقاطيٌّ تُوَفِّرُهُ فِكْرَةُ وعِبَارَةُ الشَّيخِ (رفع الله درجاته) لكلِّ ناقدٍ، حادٍّ ومتطرِّفٍ، للمنبر. وأقصد به مثلَ ذاك الذي يتَّسم بقطعه الجازم بخرافية وأسطورية الكثير ممَّا يطرحه الخطباء، ويرى أنَّ فيه من المفاسد ما لا يحتمل السكوت!
تتبنَّى هذه الفِئةُ عِبَارَةَ الشَّيخ مرتضى مُطَهَّري (رحمه الله تعالى) وتُسْقِطُهَا في كلِّ حالٍ وظَرفٍ تَرفُضُ فِيهِ حَادِثَةً أو منقولًا تاريخيًّا أو ما شابه ممَّا يُطرح من على المنابر المأتمية، ولسان الحال أنَّ هذا واحدٌ مِنَ العُلمَاء والفلاسفة الشيعة، وها هو يذكر دور أهل المنبر في قتل مبادئ الإمام الحسين (عليه السَّلام)!
ظهرت أضرار استغلال تعبير الشَّيخ (رضوان الله تعالى عليه) من البعض في الإعانة على خلق سلوكٍ مِنَ الجُرْأةِ غَير المَعْهُودَةِ على المنبر. وإنَّنا في هذه المقالة نتوقَّفُ لبحث المسألة طلبًا لتصحيح المسار؛ حيث إن ما وقفنا عليه كَشَفَ عن وجود خلل سطحي تارة، وعميق تارة أخرى، في فهم الواقع، ما أدَّى إلى أحكامٍ خَاطِئَةٍ على طبيعة وواقع الأحداث التاريخية من جهة، وطبيعة المنبر من جهة أخرى، والفهم العام لها.
فنقول:
رؤية الشَّيخ مرتضى مُطهَّري (رضوان الله تعالى عليه):
يرى الشَّيخُ الشهيدُ (رحمه الله تعالى) أنَّ القضيَّةَ الحُسينيَّةَ مَسؤوليةٌ جعلها الله تعالى على عاتق الأمَّة للإصلاح وتحقيق النهضة المرجوَّة.
تُلزِمُ هذه الرؤية بتحرِّي الدقَّة في نقل أحداث كربلاء؛ قال (قُدِّس سرُّه): "إنّ هذه القضية ينبغي عرضها كما هي ودون زيادة أو نقصان؛ لأنّه في حالة أيّ تدخلٍ أو تصرفٍ في اللفظ أو المعنى مهما كان بسيطاً سيرتّب بلا شكّ حرف اتجاه الحادثة عن مسارها، وبالتالي إلحاق الضرر بأُمّتنا بالتأكيد بدلاً من إفادتها منها".
قرأ الشَّيخُ مطهري (رحمه الله تعالى) مقدمات وأحداث كربلاء قراءة انتهت به إلى أنَّ خروجَ الإمام الحسين (عليه السَّلام) حجَّةٌ في وجوب استمرار الخروج لإقامة دولة الحق طلبًا للإصلاح في الأمَّة.
بناء عليه، فلا بدَّ من الدقَّة المتناهية في تحقيق ونقل أحداث كربلاء؛ إذ إنَّ الإخلال بالإنقاص أو الزيادة يُشوِّش المادَّة العلمية التي يُفترض بالعلماء التنظير على أساسها من أجل تكرار الخروج طلبًا للغاية المذكورة. ناهيك عن أنَّ اصطباغَ المنبر بالمبالغات العاطفية المُخرِجة عن موضوعية العاطفة في دعم وتقوية العقل ورُؤاه، من شأنه أن يحرف الفهم الصحيح لكربلاء حرفًا قد يصل إلى درجة النقض لحقيقتها، وبالتالي يكون المنبر في خدمة شيءٍ آخر غير الإمام الحسين (عليه السَّلام) وقيامه في كربلاء.
احتمالٌ موضوعيّ: قد يكون، في حقبة زمنية معينة، لمنبر المأتم الحسيني في خصوص إيران طرحٌ استدعى اتخاذ موقف من بعض العلماء برز منهم سماحة الشَّيخ الشهيد (جعله اللهُ تعالى في عليين) بسبب تدوين رؤاه وآرائه في كتاب أخذ مساحة من الاشتهار، وهو كتاب (الملحمة الحسينية).
ما دعانا لهذا الاحتمال هو أنَّنا لم نجد في منابرنا ما يدعو للتعبير (بالقتل) لمعاني كربلاء، مع عدم الاعتراض على وجود ما يحتاج إلى مراجعة، وهي حاجة دائمة بطيعة الحال.
ينبغي التنبه إلى عدم صحَّة النقض على ما نقول بكثرة الحوادث والوقائع المنفية عند الشَّيخ محمَّد الريشهري (حفظه الله تعالى)، والشَّيخ محمَّد صنقور البحراني (حفظه الله تعالى)، وغيرهما ممَّن نشروا تحقيقاتهم في حوادث كربلاء؛ وذلك لأنَّ البحثَ التحقيقي مسارٌ يسلكُ منهجية خاصَّة يراه الباحثُ المُحقِّق، وليس بالضرورة أن يوافقه فيها غير من الباحثين المُحقِّقين، ولذا نرى أنَّ نفس الحادثة التي ينفيها أحدُ المُحقِّقين يُبتها آخر، ولا غرابة في ذلك طالما التزم الاثنان كلٌّ بمنهجيته العلمية الواضحة في البحث والتحقيق.
إذا ما أخذنا في الاعتبار اختلاف المناهج العلمية في التحقيق والبحث فإنَّنا حينها لن نجد اختلافًا عريضًا في النتائج إلَّا بين المناهج المتطرفة، كمن يلتزم الميزان السندي ولا اعتبار عنده لغيره في مقام الاثبات أو التأييد، ومن يعتبر كلَّ ما ورد في كتاب التاريخ ما لم يقُمْ دَليلٌ واضحٌ صريحٌ على كذبه. وما دون ذلك فالاختلاف يبقى في حدوده الطبيعية، وهذا ما عليه العلماء وأهل النظر.
مسألةُ لسان الحال وذهنيتا الجمهور والعامَّة:
يأتي لسان الحالُ في قبال لسانِ المقال، وبكليهما تتم صورة المراد في المنقول. أمَّا لسان المقال فواضح، وهو ما ينطق به اللسان. أمَّا لسان الحال فهو ما تشهد به القرائن القائمة في الحدث فعلًا.
ربَّما لم تكن شروطٌ وقواعدٌ (لسان الحال) واضحةً عند بعض الشعراء أو الخطباء الكرام، فذهبوا بخيالاتهم بعيدًا عن القرائن الشاهدة، ومن هنا تطرأ مشكلةٌ مع خصوص ذهنيتين، أولاهما ذهنية الجمهور، سواء كان من العامَّة أو الخاصَّة، والثانية ذهنية العامَّة، سواء كانت لفرد أو لجماعة.
أمَّا الأولى فلحاكمية العقل الجمعي، وهو عقل يسلب الفرد قوته التحليلية المستقلة عن الضغط المجموعي في أيِّ اتِّجاه كان، وأمَّا الثانية فلبُعد العقل العامِّي عن الموازين التقييمية غير المشهورة بين العوام، نتيجةً لرأي عام حادِث عن قصد، أو لغير ذلك ممَّا ينتشر سريعًا بين العوام.
هذا مًمهِدٌ رئيسيٌّ لسلوكِ غَيرِ الوَاقِعِيِّ إلى الأذهان والتمكن في مساحة تتحول مع الوقت إلى شيء يشبه الهوية، وهي أشدُّ ما يدافع عنه العقل الجمعي والعامي.
فالمشكلة إذن مُركَّبة، مِنْ فِعلٍ ابتدائي لا تَعَقُّد فِيه، ومِنْ مُسْتَقْبِلٍ ذهنيٍّ سريع الاعتناق والذهاب في تبانيات تفرضها خصوص الطبيعة العاطفية للسان الحال.
واقِعُ العَمَل التحقيقي:
ذلك في مرحلة النظر والتحليل لنفس الأمر، أمَّا عند ملاحظة الواقع الخارجي فمن الواضح أنَّ التحقيق لم يتوقف منذ زمن المعصومين (عليهم السَّلام) إلى يومنا، ودون القارئ الكريم إرشاد شيخنا المفيد (336 – 413 للهجرة) من المتقدمين، واللؤلؤ والمرجان لشيخ النوري الطبرسي (1245 – 1320 للهجرة) من المتأخرين، لا سيَّما تنبيهات الفصل الثاني منه.
فقناعاتنا وأفكارنا المدونة والمُصرَّح بها تدخل تلقائيًا تحت سلطة التقييم والتحقيق، ولا يتوقف ذلك ما دامت الفكرة موجودة بذاتها أو بعد تقيمها وتحقيقها، وتنقيحها، غير أنَّ هذا لا يعني أبدًا إتلاف وإعدام المدونات المشتملة على أخطاء أو ما شابه؛ فما يُكتبُ يقر، ويبقى الاختيارُ اختيار مُطلق المُتَعرِّض للقراءة. ولو أنَّنا نُدقِّق النظر بموضوعية وإنصاف لوجدنا رقابةً يخضعُ لها، بمستوى معين، المنبر؛ لذا نرى أنَّ الخطيب أو الناعي يعتني بإسناد ما يقول إلى مصادر، حتَّى لو كانت ضعيفة أو غير معتبرة، وهذه حيثية مهمَّة ينبغي الانتباه لها وأخذها في الاعتبار.
الحاصل في الواقع الخارجي:
ذكرتُ في مقالات سابقة أنَّ ما يواجهه المنبر المأتمي اليوم هو اعتراضاتٌ ذات مناشئ ثقافية وتوجهات فكرية، والحال أنَّ ما يصحُّ التوقف عنده هو المناقشات في المباني في والمناهج العلمية، والنقد العارض على الموضوع عن تصور وعلم وإحاطة.
لذا، فإنَّ هذه الحالة لا تنتهي ولا تتوقف عند حد؛ حيث إنَّ التغيير في واقع المنبر بحسب ما يراه الشَّيخ مطهري (رفع الله درجاته) سوف يواجه اعتراضات، بنفس المستوى من الشدَّة، يقودها، مثلًا، مَنْ على مباني الشَّيخ محمَّد السند البحراني (حفظه الله تعالى).. وهكذا؛ إذ ما نحن فيه اعتراضات وليس من النقد في شيء[3].
رؤية الشَّيخ الشهيد (رضوان الله تعالى عليه):
إذا اتَّضح ما مر، فإنَّ لعلماء رؤى مغايرة لمثل رؤية الشَّيخ مطهري (رحمه الله تعالى)؛ فهم يذهبون إلى أنَّ الإمام الحسين (عليه السَّلام) لم يخرج (ثائرًا) ولم يكن في كربلاء بداعي تغيير نظام الحكم أو ما شابه إلَّا من خلال بيعة صحيحة قد بيَّنت معالمُها الكتب التي وصلت له (عليه السَّلام) من أهل الكوفة، وتصريحه (عليه السَّلام) بكون خروجه طلبًا للإصلاح في أمَّة جدِّه (صلَّى الله عليه وآله) إنَّما هو بقوَّة الحكم ومقامه؛ أي: أكون خليفة فأطلب الإصلاح ..
ولا يُشكَل بمقولة الخروج طلبًا للحكم والسلطة، ولا بتوقف الإصلاح على الحكم والسلطة؛ فهو إشكال مردود بأنَّ الحكم والسلطة من الأدوات المهمَّة في الإصلاح والتغيير، وطلبهما أمر طبيعي ليكون كلُّ شيء في موضعه. كما وأنَّ الإصلاح والتغيير ممكنان لكلِّ أحد بحسب موقعه والأدوات المتوفرة بين يديه، وبطبيعة الحال فهي تتسع وتقوى لمن يكون في مقام الحكم.
فلرؤية الشَّيخ الشهيد (رفع الله مقامه) تنظيراتها الخاصَّة، ولا يمكن إمضاؤها على غيرها من الرؤى، لا سيَّما المعاكسة لها في خصوص جهة تكرار القيام وإقامة الدولة. وبذلك يتَّضح أنَّ منشأ الخطاب المنبري الذي يطلبه الشَّيخ مطهري (رحمه الله تعالى) هو ضرورة نفي كل ما يُعارض مبادئ وأدبيات النهوض، وفكر وآداب القائم به، ولذلك نجده يقول: "أبكوا البطل، وأقيموا مجالس الرثاء والعزاء للبطل، حتَّى تُوَلِّدُوا إحساسًا بالبطولة والشجاعة في أنفسكم، واجلسوا في رثاء البطل عسى أن تنعكس ظلالُ روحِ البطل على أرواحكم، وتزداد غيرتكم تجاه الحقِّ والحقيقة، وتنذروا أنفسكم للعدالة، وتصبحوا من المقاتلين ضدّ الظلم والظالمين، وتصبحوا أحرارًا وتقدّروا معنى الحرية، اجلسوا في مجالس رثاء الإمام الحسين حتى تعرفوا ما معنى عزّة النفس.. وما معنى الشرف والإنسانية، حتَّى تعرفوا ما معنى كلمة الكرامة"[4].
من الأهمية بمكان الانتباه إلى أنَّ عقيدة الشيعة في الإمام الحسين (عليه السَّلام) أنَّه بطل، وهم يبكونه ويقيمون مجالس العزاء والبكاء على كلِّ كربلاء الحسين (عليه السَّلام) بما فيها البطولة والعزَّة والكرامة، ولكن لا يرى الجميعُ ملازمة بين ذلك وبين أن يقوم الشيعي في وجه الظلم وأن يُقاتل الظالمين.
إذن، هنالك أكثر من نظرية علمية في كربلاء، وإنَّما تقع المؤاخذة في المطالبة بإمضاء مقتضيات وملازمات نظرية على كلِّ ما سواها.
وثمَّة أمر أعرض عن الحديث عنه تحت عنوان خاص، ولكنَّني أذكره عَرَضًا..
إنَّ في تجوُّز الشيخ الشهيد (رفع الله درجاته) بالقتل المعنوي على أيدي العبَّاسيين وبعدهم أهل المنبر خروجًا على شرط من شروط التجوز وهو طغيان الصفة المُتجوَّز بها على غيرها من الصفات بما يصيرُ لها البروز في الأمر المتجوَّز فيه، كما لو تُجوِّز في قصير القامة بالسبعية، وتكون صفة الشجاعة وملازماتها طاغية على قصر قامته ولون بشرته ونسبه وقبيلته، وغير ذلك..
في معاني قضية الإمام الحسين (عليه السَّلام) لا يصحُّ التجوز بكلمة (القتل)؛ للمبالغة المُخرجة عن حدود الموضوعية. نعم، قد يُقال بأنَّها (طُعِنَت) أو (جُرحَت) أو ما نحو ذلك ممَّا يناسب مقام الاعتراض أو النقد.
إنَّ لهذه المبالغة آثارها السيئة، وهي ما أُعرِض عن تناوله في هذه المقالة.
العامَّة والنظريات العلمية:
لا أعني بالعامة المقابل لأهل الاختصاص، وإنَّما أعني من لا يتمكَّن من الاستقلال الذهني عن مِثل قيادة الجمهور، أو الرأي العام، أو التوجُّه الثقافي والفكري بما يفقده الموضوعية في التقييم والنظر.
من سِمات عقلية العامَّة تعلقها بالعناوين واستغلالها في التعبير عن نفسها وما تحمل من توجهات، سواء كانت قناعات أو ما دونها، دون تحقيق ولا تحليل.
لذا؛ فإنَّ المشكلة ليست مع ما طرحه الشَّيخ الشهيد مطهري (رضوان الله تعالى عليه) فحسب، بل هي مع كلِّ رؤية أو رأي لأحد الأكابر من العلماء أو المفكرين.
خلاصة الكلام:
لا يصحُّ لمن يرى أهمية البحث والتحقيق، وضرورة المناقشة والنقد، أن يتصدَّى بالرفض الإقصائي لنظريات ورؤى العلماء من ذوي النظر والفكر، بل المتوقع هو ان يتعامل معها على أنَّها واقع علمي انتجته إعمالات فكرية لعلماء لهم مبانيهم ومناهجهم العلمية، فهي محترمة ولها تقديرها، سواء قبلنا بها أم لا. ولكلِّ صاحب علم وفكر أن يطرح بحوثه وما ينتهي إليه نظره العلمي. ولتُفتح الميادين أمام أهل العلم والتخصص للمناقشات والمحاورات والنقد؛ فهو الطريق الأنجع للبلورة والتصحيح والإنضاج.
أمَّا غير أهل التخصص فمن أهم حقوقهم فتح المجال الكامل لهم ليطرحوا استفهاماتهم وتساؤلاتهم بموضوعية وأدب دون أدنى مصادرة، وبهذا تتضح المشوشات، وتتبين المستغلقات.
نسأل الله تعالى العفو والعافية.
عَنْ يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه (عليه السَّلام)، قَالَ: سَمِعْتُه يَقُولُ:
"مَنْ سَرَّه أَنْ يَسْتَكْمِلَ الإِيمَانَ كُلَّه فَلْيَقُلِ الْقَوْلُ مِنِّي فِي جَمِيعِ الأَشْيَاءِ قَوْلُ آلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا أَسَرُّوا ومَا أَعْلَنُوا وفِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُمْ وفِيمَا لَمْ يَبْلُغْنِي"[5].
........................
[1] - مجموعة محاضرات طُبِعَت في كتاب من ثلاثة أجزاء، هو كتاب (الملحمة الحُسينية)
[2] - الملحمة الحسينية، الأستاذ مرتضى مطهري، ج3 ص65 – الدار الإسلامية للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 1410 للهجرة – 1990 للميلاد
[3] - للوقوف على الفروق بين النقد والاعتراض، راجع مقالة: المنبر.. محاولة لتحرير الأصل في الإشكالات المثارة http://main.alghadeer-voice.com/archives/5812
[4] - الملحمة الحسينية، ج1 ص100
[5] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 1 - ص 391