الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق والمرسلين وعلى آله الذين جعلهم الله حججه على الخلق أجمعين، وله الحمد أن جعلنا من المتمسكين بولاية أمير المؤمنين ومن الذين تشرفوا بأن يكونوا من خدام الحسين، أدامنا الله على ذلك آمين رب العالمين.
إن ما قام به المعصومون من النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الإمام المنتظر(عجل الله فرجه) من أدوار عظيمة لهو جلي وواضح، فإن النهضة الحسينية التي هي مشروع إلهي ممتد من رسالة الأنبياء وحتى ظهور القائم، كانت تحت عناية الباري (عزوجل) ومحفوفة بفيوضات هؤلاء المعصومين الذين كان لكل واحد منهم مجموعة أدوار قاموا بها لإنجاح وإبراز هذه النهضة المباركة، فالمعصومون يشكلون عدة أدوار لهدف واحد ومشروع واحد وهو إعلاء كلمة الله، والأمر بالمعروف النهي عن المنكر، فكان للنبي وآله الأطهار (عليهم الصلاة والسلام) الدور الأبرز في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، من تهيئة ووضع قواعد وتجميع وتعليم للأنصار والفدائيين وغربلة للمنافقين، وإرساء للمبادئ الإلهية وإحياء للذكر وغيرها من الأدوار التي قاموا بها.
وبين يديك بعض مما قدمه المعصومون (عليهم السلام) في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام):
أولا: دور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم):
إن من أهم الأدوار التي أثرت في نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) وأدت إلى نجاحها وسمو أهدافها وسبلها هو دور النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وساهم في بلورتها وتشييدها على قواعد رصينة، ولكون النهضة الحسينية مرتبطة بشكل واسع وكبير برسالة النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو القائل "ما خرجت أشراً ولا بطراً و إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله"([1]) ، فخروج الحسين ونهضته إنما جاءت مكملة لما جاء به النبي ومثبتة لدعائمه ومشيدة لبنائه الذي عبثت فيه أيدي إرهابيّ ذلك الزمان وما سبقه من الأزمان .
فقد اعتنى الرسول من أول يوم بُشر فيه من الباري بقدوم هذا النور الهادي إلى سبيل الله، بتهيئة الساحة لنهضة الحسين الخالدة وتمهيد الطريق لنجاحها وضمان الوصول إلى الهدف السامي وهو إعلاء كلمة الله ودحر كلمة الباطل.
فكانت من كرامات السبط الشهيد (عليه السلام) التي تدل على عناية الله تعالى له وبنهضتة المباركة، أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقبل نصف قرن من مصرعه نوه بمقتله وأخبربه ونعاه وبكاه ، ودعا الصحابة والأُمة تلك اللحظة إلى نصرة أبي عبد الله عليه السلام، وقد روى الحفّاظ والمحدثون جملة من الروايات بلغت حدّ الاستفاضة في ذلك وإليك بعض النماذج التي من خلالها بين كيف أن النبي أخبر وهيأ ودعى للنصرة، ومن ذلك:
ما أخرجه الحاكم في مستدركه: «عن عبد الله بن مسعود، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله، فخرج إلينا مستبشراً، يُعرف السرور في وجهه، فما سألناه عن شيء إلّا أخبرنا به، ولا سكتنا إلّا ابتدأنا، حتى مرت فتية من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلمّا رآهم التزمهم وانهملت عيناه، فقلنا: يا رسول الله، ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه، فقال: إنّا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنه سيلقى أهل بيتي من بعدي تطريداً وتشريداً...»([2])، وقد أخرجه غير واحد من الحفّاظ والمحدثين، منهم ابن ماجة في سننه([3])، والطبراني في معجمه الكبير([4]).
ما أخرجه الطبراني أيضاً في المعجم الكبير بإسناده عن أبي أمامة، أنّ الحسين عليه السلام: «جلس في حِجر النبي صلى الله عليه وآله، فقال جبريل للنبي: إن أُمّتك ستقتل ابنك هذا، فقال النبي صلى الله عليه وآله: يقتلونه وهم مؤمنون بي؟ قال: نعم يقتلونه. فتناول جبريل تربة، فقال: مكان كذا وكذا، فخرج رسول الله قد احتضن حسيناً كاسف البال مهموماً... إلى أصحابه وهم جلوس، فقال: إن أُمّتي يقتلون هذا، وفي القوم أبو بكر وعمر، وكانا أجرأ القوم عليه، فقالا: يا نبي الله، يقتلونه وهم مؤمنون؟! قال: نعم، هذه تربته، فأراهم إياها»([5]).
في هذه الأحاديث إشارة إلى البشارة بالفوز لمن يقف في صف الحسين من جهة، ومن جهة أُخرى إنذار للأُمة وتحذير من القعود عن نصرته عليه السلام. وقد ندم على القعود جمع من الصحابة والتابعين، كما روى المفيد في الإرشاد عن إسماعيل بن زياد، قال: إن علياً عليه السلام قال للبراء بن عازب يوماً: «يا براء، يُقتل ابني الحسين وأنت حي لا تنصره»، فلما قُتِل الحسين بن علي (عليهما السلام) كان البراء بن عازب يقول: صدق ـ والله ـ علي بن أبي طالب، قُتِل الحسين ولم أنصره. ثم يظهر الحسرة على ذلك والندم"([6]).
بالرغم من أن النبي (صلى الله عليه وآله) قد نعى سبطه الشهيد عليه السلام على رؤوس الأشهاد قبل نصف قرن من وقوع الكارثة، وبَشّر اللاحقين بركبه وحَذّر من مغبة عدم نصرته، إلّا أننا نجد أن الصحابة تجاه نهضة الحسين عليه السلام كانوا على ثلاثة أنواع:
1ـ المناصرون، وهم القلّة.
2ـ المعادون المخذّلون.
3ـ الواقفون على التلّ، وهم السواد الأعظم.
فمن الواقفين على التلّ البارزين عبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، والبراء بن عازب، وغيرهم كثير.
ومن المعادين والمخذّلين الذين شركوا في دم السبط الشهيد كشبث بن ربعي، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وعمرو بن الحجاج، والنعمان بن بشير وغيرهم.
وأما الصحابة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فهم الثلة القليلة الذين استُشهدوا مع أبي عبد الله عليه السلام، كأمثال حبيب بن مظاهر ومسلم بن عوسجة وهانئ وعبد الله الحميري، وغيرهم([7]).
ثانياً: دورفاطمة الزهراء(عليها السلام):
{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}([8]).
لقد امتاز الحمل الثاني لسيدة النساء (عليها السلام) بأمور خاصة، بل الفريدة في الحمل الثاني لفاطمة (عليها السلام) لم تشهدها الإنسانية بل لم يعرفها سجلها الحضاري، إذ لم يعهد أن هناك امرأة حملت ثم يقال لها: إن ما تحملين في أحشائك هو غلام وستلدينه ويكبر، لكنه يقتل في أرض فلاة حيث لا ناصر له ولا معين، ثم يمضي الليل والنهار وتراها تعد الساعات لترى هذا المولود وتضمه إلى صدرها، وتبكيه وليدا وقد بكته من قبل جنينا.
حيث لانعلم ماهي أحاسيسها وكيف كانت تنظر إليه وهي عالمة بأن هذا الصدر سوف ستسحقه خيول بني أمية، ولا أدري كيف كانت تسرّح شعره وصورة رأسه المقطوع أمام ناظرها و كيف كانت تلبسه ثيابه وهي تعلم أنه مسلوب الثياب عريانا تحرقه حرارة الشمس في رمضاء كربلاء.
لذلك روي عن الإمام الصادق (عليه السلام ) ــ في الكافي: ج 1، ص 464، البرهان :ج9،ص30 ، كامل الزيارات: ص 55، المناقب لابن شهر: ج 4، ص 46.: "لما حملت فاطمة (عليها السلام) بالحسين جاء جبرائيل إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: إن فاطمة(عليه السلام) ستلد غلاما تقتله أمتك من بعدك، فلما حملت فاطمة الحسين عليه السلام كرهت حمله، وحين وضعته كرهت وضعه".
ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام):«لم تُر في الدنيا أم تلد غلاما تكرهه ولكنها كرهته لما علمت أنه سيقتل، قال وفيه نزلت هذه الآية:{ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ۖ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ }([9])([10]).
فيجيئ السؤال ما هو دور الزهراء(عليها السلام) من نهضة الحسين(عليه السلام) ، والجواب أن دور الزهراء(هليها السلام) هو أهم الأدوار فإنها كانت المنطلق وكانت الشرارة الأولى التي تحرق الظلم والعدوان فقد كانت (عليها السلام) الأولى التي تحرق الظلم والعدوان ققد كانت (عليها السلام) أول ثائرة ضد المخطط الشيطاني المتمثل في إبادة الرسالة الإلهية فكانت (عليها السلام) أول من وقف وأسست لثورة بما لها من معنى وأو من كسر حاجز الخوف ضد الظالمين بمواقفها العظيمة.
فهي كانت التمهيد الأول لنهضة الحسين، عندما خرجت ضد سقيفة بني ساعدة طالبة بالحق الشرعي وهي الولاية مدافعة عن حمى الدين آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر، خارجة للإصلاح في أمة أبيها (عليه الصلاة والسلام).
استطاعت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بثورتها الأولى التي مهدت وأسست من خلالها الطريق الأول للثورات ضد الظلم والإنفلات الأخلاقي الذي نشأ من الخلافات المتعاقبة فظهرت ثورة المسلمين ضد الخليفة الثالث وظهرت نهضة الإمام المجتبى ضد معاوية وظهرت بعد ذلك نهضة الإمام الحسين التي كانت انطلاقة لثورة ونهضة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وكل ما قام به الأئمة من نهضات ضد الظلم والاستكبار حتى خروج القائم (عجل الله فرجه) ما هو إلا من إثر نهضة فاطمة التي كانت البذرة، التي أخرجت هذه النهضة .
ثالثاً: دور الإمام علي (عليه السلام):
إن لكل نهضة أو ثورة أي كانت أهدافها ومشاريعها لابد من التنظيم الجيد ولايكون التنظيم صحيح إلا بوجود ركائز معينه تساعد على نجاح هذه الثورة أو النهضة وتحقيق أهدافها ، ومن أهم تلك الركائز هي:
ــ أن يكون أفراد هذه النهضة متعلمين وفق منظور يهيئهم لإنجاح أي نهضة وتحقيق أهدافها.
ــ أن يكون هناك أفراد أصلاً، فأي نهضة بدون أفراد وحشود لايمكن أن تكون.
فإذا فُقدت إحدى هذه لايمكن نجاح وتحقق أهداف النهضة، فمثلاً لو وجد الأفراد ولم يكونوا متعلمين لآل الوضع إلى الخراب والفوضى، و إذا وجد المتعلمون لكن لم يشاركوا في الثورات والنهضات فإنها لن تحقق المرجوا منها.
وقد كان للإمام علي (عليه السلام) الدور الأعظم والنصيب الأوفر في التجميع والتحشيد للأفراد للمساهمة في المشارك والنجاح لهذه النهضة الحسينية المباركة.
وقد التزم الإمام علي (عليه السلام) بعد تجميع الحشود المناصرة لإبنه بتربيتهم وتعليمهم وتقويتهم وصقلهم في الحروب والمعارك، ومن أولائك عمرو الصائدي وهو أيضاً من أنصار الحسين(عليه السلام)، وبرير وعابس الذي كان من قوم أخلصوا لعلي (عليه السلام) وقد كان يقول فيهم يوم صفين "لو تمت عداتهم ألفاً لعبد الله حق عبادته"([11]) ، ومن أُلائك هانئ بن عروة الذي تربى أحسن التربية على يد علي بن أبي طالب (عليه السلام) وشارك في جميع حروبه، وهو القائل يوم الجمل:
يالك حرباًحثها جمالها يقودها لنقصها ضلالها
هذا علي حوله أقيالها([12])
وأيضاً عمار الدلاني ونافع بن هلال([13]) ومن أصحابه وممن أعتمد عليهم الحسين أشد إعتماد يوم الطف زهير بن القين، الذي أتقن التقية فأصبح أرباب السير ومن كان موجود في زمانه متوهماً ضاناً أنه عثماني الهوى، وماكان عثماني الهوى بل كان شيعياً موالياً والدليل على ذلك أنه لما وقف لنصح القوم وقد كان الإمام (عليه السلام) يرسله إليهم لنصحهم بعد أن يسأم منهم، خاطبه عرزة بن قيس: ماكنت عندنا من شيعة أهل البيت بل كنت عثمانيا، فقال له زهير أفلا تستدل بموقفي هذا أني منهم([14]).
وغيرهم ممن عدهم الإمام وحشدهم وجهزهم أتم الجاهزية في صفين والجمل والنهروان وغيرها من الحروب والمواقف وكان يخبرهم عن يوم الطف، ومن أبنائه كالعباس وإخوانه وأبناء عقيل وغيرهم ممن ناصروا الحسين، وكان يبث في أنفسهم تعاليم الدين والقيم التي بها ظهرت نهضة الحسين بأبهى صورها، الأ مر بالمعروف والنهي عن المنكر والعزة والكرامة ومجابهة الباطل والشهامة والإنسانية.
رابعاً: دور الإمام الحسن(عليه السلام):
إن الدور الذي قام به الإمام علي (عليه السلام) من تحشيد وتجميع الأنصار والقادة والفدائين على طول حياته الشريفة تخلله دخول للمنافقين والمناوئين والمثبطين مع هذا الحشد الفدائي وهذا ديدن كل نهضة وثورة يقوم بها أصحابها، فإننا نرى الجيد والرديء و الفدائي والمبتز الذي لايبحث إلا على المصالح فإذا فقدت المصلحة تنصل وهرب.
ومثال ذلك ماحصل في عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من بروز المنافقين بعد حياته وانقلابهم على أعقابهم وتنصلهم من واجبهم الإسلامي وهو حماية الدين وإطاعة أوامر الرسول.
وقد عادت الكَرة مع علي بن أبي طالب(عليهما السلام) عندما تولى الخلافة فادعيا أنهما يريدان العمرة وماقصدوا إلا الغدرة كما قال(عليه السلام) في خطبته"ولم يكونا يريدان العمرة ، فنقضا العهد وأذنا بالحرب...."([15]).
وعندما نرى سيرة الإمام الحسن (عليه السلام) فإننا نرى وبشكل واضح وملموس تنصل وابتعاد أنصارة وأصحابة عن واجبهم وهو أن يدافعوا عنه ويحموه ويؤازروه، فقد أوضح الإمام ذالك في خطبته كما قال:" ألا إنّ معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة، فإن أردتم الموت رددناه عليه، وحاكمناه إلى الله عز وجل بظبا السيوف، وإن أردتم الحياة قبلنا، وأخذنا لكم الرضا... فناداه القوم من كل جانب: البقيه البقيه، فلما أفردوه ــ أي تركوه وتخلوا عنه ــ أمضى الصلح"([16]).
ومن هنا يتجلى لنا دور الإمام الحسن (عليه السلام) في النهضةالحسينية المباركة، فقد كان أهم دور ولولاه لما نجحت هذه النهضة ولما وصلت لأهدافها المرجوة، ولختلط بين أفرادها الصالح والطالح والفدائي والمنافق، لكن الإمام الحسن (عليه السلام) إستطاع بحنكتة وعلمه تنقية الأصحاب وغربلة المقاتلين حتى تبين بشكل واضح وجلي لكل ذوي البصر والبصيرة من هو المخلص ومن هو الذي يتخلى ولايؤمن بالمبادئ والقيم التي يهدف إليها الإمام (عليه السلام).
ففي خضم هذه الأحداث أخرج لنا الإمام الحسن(عليه السلام) أعداد هائلة من المنافقين والكاذبين الذين ادعوا التشيع لعلي بن أبي طالب (عليهما السلام) وخاضوا معه بعض من الحروب والمعارك، فكشفهم الإمام الحسن(عليه السلام) بمجرد أن اوقعهم في أول إختبار وهو اختبار الصلح الذي وقع فيه كثير من الذين كانوا تشد بهم العزائم ولهم ترجع الأمور، حتى اصبحوا ينادون الإمام بكل قلة وعدم استحياء يامذل المؤمنين ويامسود وجوه المؤمنين، ويامسخم وجه المؤمنين([17])، حتى أصبح الإمام يواجههم ويقول:"ماكنت مذلهم بل أنا معز المؤمنين، وإنما أردت البقاء عليهم"([18]) ، وقال لعلي بن محمد بن بشير الهمداني:"ما أردت بمصالحتي معاويه إلا أن أدفع عنكم القتل عندما رأيت منهم يباطؤ أصحابي عن الحرب ونكولهم عن القتال"([19]).
فقد ضحى الإمام بأهم مايملكه الإنسان في أوساط المجتمع، مكانته وعزته في نظرهم، لكي ينجح المخطط الإسلامي والنهضة الحسينيه، فنقى بذلك المنافقين الذين فضحهم وأبقى على الصفوة الذين بهم استطاع الحسين(عليه السلام) أن ينهض ويثور ضد الكفر والعصيان، ففازوا وسعدوا.
خامساً: دور الحسين(عليه السلام):
لابد من كل قضيه من مبادئ تؤَسس عليها على اختلاف تلك المبادئ في الأصاله والعلميه، ولاشك في أن النهضة الحسينية التي هي قضية إسلامية ومشروع إلاهي ذات مبادئ من القرآن والسنه.
إن الباحث في النهضة الحسينية يجد ان هذه النهضة تستمد قوتها من خلال مبادئ وهي:
ــ المبدأ الأوّل: الارتباط باللّه (عز وجل):
إنّ الارتباط بالله تعالى ذو أهمّية بالغة في كلّ القضايا والنهضات، فهو الهدف الأساس لكلّ قضية، لأن الارتباط بهذا المبدأ له التأثير البالغ على بقية المبادئ، فلو رجعنا إلى قصص القرآن، وبالذات قصص الأنبياء (عليهم السلام)، لوجدنا أنّ قضية كلّ نبيّ تتّسم بهذا المبدأ.
وقد كان ارتباط نهضة الحسين(عليه السلام) بهذا المبدأ ارتباط جلي وواضح فقد كانت حركته (عليه السلام) بدافع والمسؤولية الشرعية والمعاني التي وضعها الله سبحانه وتعالى على عاتق الإنسان المسلم، وهي عن طريق إصلاح الأُمّة عن طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول سبحانه وتعالى: { لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}([20])، وكذلك قوله: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([21])، وقد وُجِدت هذه المعاني في مجموعة من الخُطَب التي ألقاها الإمام الحسين (عليه السلام).
فالناظر إلى ماقاله الإمام(عليه السلام) من تلك الخطب الجليلة كما جاء مما كتبه إلى أخيه محمد بن الحنفيه:" هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب إلى أخيه محمد بن علي المعروف بابن الحنفيّة، أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله جاء بالحق من عند الحقّ، وأنّ الجنّة والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأنّ الله يبعث مَن في القبور، وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي صلى الله عليه وآله، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر" ([22])، يجد أنه(عليه السلام) يؤكد على علة خروجه و هي الإصلاح في الأُمة، وهذا في بقية خطبه ورسائله التي يؤكد فيها على الوظيفة الشرعية وأنه مرتبط بالله وأن نهضته ليست قائمة على أساس آخر.
ــ المبدأ الثاني: المعاني الفطرية والوجدانية للإنسان
إنّ كلّ قضية لا تكون قادرة على النجاح ما لم تكن مبنية على أساس من المعاني التي فطر الله عليها الإنسان، كالحرّية، والكرامة الإنسانية، ورفض الظلم والاضطهاد، إلى غير ذلك، فإن ذلك يمثل عنصراً ثابتاً في حياة الإنسان.
والمتأمِّل في تاريخ الأنبياء وحركتهم يجد أنّ هناك خصوصيتين موجودتين في تحرّكهم في المجتمع مضافاً إلى ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى، وهما:
1ـ رفض الظلم ومقارعته، والدعوة إلى الحقّ والعدل.
2ـ كرامة الإنسان وعزّته وحرّيته الحقيقية.
وهذا جلي وواضح في القرآن الكريم وفي قوله تعالى{الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَه أُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}([23]) ، وهذا المبدأ هو نفسه الذي اتخذه الإمام الحسين(عليه السلام) بل هو من المبادئ البارزة والواضحة المتمثلة في الكرامة والعزة والحرية التي فطر الله الناس عليها.
ويتضح ذلك في خطبته الثانيه يوم العاشر من محرم وهو يعبئ أصحابه للقتال:" ألا وإنّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتيّن: السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت، وحجور طهرت، ونفوس أبيّة، وأُنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام"([24]) ، وقوله (عليه السلام):"فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة والحياة مع الظالمين إلّا برماً"([25]) ، وقوله (عليه السلام) في ساحة المعركة:
«الموت خيرٌ من ركوب العار والعار أولى من دخول النار»([26]).
وقد أتضح ذلك السوك والتأثير في أنصار الحسين(عليه السلام) وأهل بيته وخصوصاً في من كان نفس الحسين(عليه السلام) ذلك الذي كان إبائه وعزته تعلوا كل شيئ حتى وقد عرض عليه الأمان فأبى وقال ألي الأمان وابن رسول الله لاأمان له.
سادساً: دور الأئمة من ولد الحسين:
إن الدور العظيم الذي قام به الأئمّة (عليهم السلام) من بعد إستشهاد الإمام الحسين(عليه السلام) كان مثال للدستور الذي وضعوه لشيعتهم والنتائج التي أخرجتها نهضة الإمان الحسين(عليه السلام) ، من مجابهة للظلم وإنكار للمنكر وأمر بالمعروف وإصلاح بين الناس.
فقد دأب الأئمّة (عليهم السلام) من الإمام السجاد(عليه السلام) إلى الإمام المنتظر(عجل الله فرجه الشريف) إلى أن يطلقوا هذه الأهداف والنتائج عن طريق أمور عديدة أهمها بل أجلها قدراً وأقربها إلى روح وقلب الموالي وهي إقامة مآتم الذكر والعزاء والإحياء لأهداف هذه النهضة الحسينية المباركة.
" أحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا "([27])، بهذا النداء أوعز الأئمّة (عليهم السلام) إلى مواليهم ومحبّيهم أن يُقيموا المجالس التي يُحيا فيها أمرهم، فعن بكر بن محمد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، أنّه قال لفضيل: "تجلسون وتحدّثون؟" قال: "نعم، جعلت فداك"، قال: "إنّ تلك المجالس أحبّها، فأحيوا أمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذَكَرنا أو ذُكِرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر"([28])
وهذا الإحياء لأمرهم عليهم السلام امتاز بأمور عدّة:
ــ إنّها مجالس محبوبة لهم عليهم السلام، ومعنى ذلك أنّها محلّ عنايتهم، وموضع اهتمامهم ورعايتهم.
ــ إنّها مجالس اجتماع المحبّين والموالين، الذي يشكّل عنصراً أساساً في تمتين العلاقات والروابط بينهم، على أساس محبّة وولاية أهل البيت (عليهم السلام)، فعن خَيْثمة قال: قال لي أبو جعفر (عليه السلام): "تزاوروا في بيوتكم، فإنّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا"([29]).
ــ إنّها مجالس يُذكر فيها العلم وحديث أهل البيت عليهم السلام وأمرهم وشؤونهم، فعن أبي جعفر، محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) أنّه قال: "اجتمعوا وتذاكروا تحفّ بكم الملائكة، رحم الله من أحيا أمرنا"، وعن عبد السلام بن صالح الهروي قال: "سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) يقول: "رحم الله عبداً أحيا أمرنا"، فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلّم علومنا ويعلّمها الناس، فإنّ الناس لو علموا محاسِن كلامنا لاتّبعونا"([30]).
ــ إنّها مجالس يُحيا فيها أمر أهل البيت عليهم السلام، الذي يعني بيان حقّهم وفضائلهم، بل ومظلوميّتهم أيضاً. ولا شكّ في أنّ المجالس التي تُذكر فيها أفراحهم وأعيادهم كعيد الغدير الأغرّ، أو مصائبهم وأحزانهم كأيّام شهاداتهم تُعدّ من إحياء أمرهم عليهم السلام. فعن الإمام الرضا (عليه السلام) أنّه قال: "من تذكّر مصابنا فبكى وأَبكى لم تبكِ عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يُحيا فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب"([31]). وإذا كانت مصيبة الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه (عليهم السلام) لم يصب أهل البيت بمثلها، "لا يوم كيومك يا أبا عبد الله"، و"لا يوم كيوم الحسين"، فسيكون يوم عاشوراء أعظم يوم يحيا فيه أمرهم، كما يَشهد له واقع الحال.
ولا شكّ في أنّ مساحة الاستفادة من هذه المجالس لا تقتصر على الدقائق والساعات المحدودة التي يقضيها الإنسان فيها، بل تمتدّ لتغطّي مساحة حياته كلّها، ليتحوّل رجلاً حسينياً أو امرأةً زينبيةً في كلّ المواقف والتحدّيات التي تتطلّب الوقوف مع الحقّ ضدّ الباطل، فإنّ هذه هي الاستفادة الحقيقيّة من هذه المجالس، وهي المطلوب من وراء إقامتها وإحيائها.
وقد إستطاع الأئمة من خلال ذلك بناء أجيال قائمة على نبذ الظلم والإضطهاد والعدوان ومجابهة الباطل، وقد أَحيَوا بذلك قيم ومبادئ نهضة الإمام الحسين (عليه السلام)، التي أراد الطغيان أن يمحوها عندما أراد محو صاحب النهضة ونفي رسمه من على وجه الأرض وذلك عندما رضوا أضلعه الزكية، وقتلوا جميع من كان معه حتى الطفل الرضيع والشاب الذي لم يبلغ الحلم.
لكن دور الأئمة(عليهم السلام) في إحياء سيرة ونهج الإمام الحسين(عليه السلام) أدام لنا مبادئ هذه النهضة وقيمها الربانية العظيمة.
و إذا كان الدور الأبرز والأهم للأئمّة (عليهم السلام) في النهضة الحسينية هو إحياء مجالس الذكر لمصائب وسيرة وفضائل الإمام وأهل بيته (عليهم السلام) ، فلا يخفى على المؤمن أن للأئمة(عليهم السلام) أدوار أُخرى في استمرارية نهضة الحسين (عليه السلام) والصعود بالمشروع الإلهي العظيم وإحياء مبادئه وقيمه، وكان من إحدى هذه الأدوار التي كان دائما مايوصي ويقوم بها الأئمة (عليهم السلام) ويحثون المؤمنين على فعلها لما فيها من فوائد جمة وعلاقة وطيدة بالنهضة الحسينية ولما لها من طريق موصل للأهداف والقيم والمبادئ الحسينية بشكل كبير، ولكي يرتبط الموالون بصاحب هذه النهضة المباركة، قاموا بحث الموالين لزيارة قبر سيد الشهداء ، والدعوة للحضور عند قبره الشريف لما يترتب من ذلك من آثار وفوائد عظيمة.
إن ورود الكثير من الروايات المباركة والأحاديث الشريفة التي تحثّ بصورة مباشرة، وتؤكد على أهمية زيارة سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين(عليه السلام)، وهذا التأكيد من قبل الائمة الأطهار (صلوات الله عليهم) المحبّذ لزيارته، والمشوِّق للثواب العظيم المترتب عليها إنما يشير إلى دوره (عليه السلام) في الحفاظ على الخط المحمدي الأصيل، وابقاء الدين، وترسيخ العقيدة الاسلامية الحقّة، حيث أن مظلوميّة سيّد الشهداء(عليه السلام) وشهادته أصبحت سداً منيعاً لصدِّ ماينويه المنافقون من طمس آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتحريف دينه ورسالته الأصيلة.
فالحث والتأكيد والأهمية لزيارة الحسين (عليه السلام) بالخصوص، إنّما جاء مِن أجلِ ذلك، ولا غرابة مِنْ أنْ تصرح الروايات بأنّ هذه الزيارة هي من أعظم الشعائر الدينية التي يحصل بها القرب الألهي، باختلاف تعابيرها في بيان مقدار الثواب الذي يعطيه الباري (تبارك وتعالى) لزوار سيد الشهداء(عليه السلام)، وذلك بحسب معرفة الزائر للمزور، وبقدر إستعداده وصدق نيته، فكلما كان ذلك المشار اليه اكبر كان الثواب على قدره.ولهذا، فالأئمة المعصومين (عليهم السلام) بيّنوا الشيء اليسير الذي تدركه عقولنا القاصرة لهذه الزيارة الميمونة، وإلاّ فالأجر الواقعي خارج عن إدراكنا، ومحدودية الفكر الانساني المتناهي.
وإن الفوائد التي تترتب على زيارة المؤمنين للإمام الحسين (عليه السلام) كثيرة منها على سبيل الإيجاز لا الحصر:
ــ الفوائد والأبعاد العقائدية والمعرفية للزيارة:
من الواضح أنّ العقيدة تتبع المعرفة، فكلّما كانت المعرفة صحيحة كانت العقيدة كذلك، وكلّما كانت المعرفة خاطئة تكون العقيدة كذلك، لذلك نجد العديد من العقائد الباطلة والتي يضحّي من أجلها معتقدوها مع أنها محض بطلان وبعيدة عن الواقع والصواب، وما ذلك إلّا للرؤية المعرفية الخاطئة التي يحملها هؤلاء، والتي على إثرها اعتقدوا تلك العقائد وبنوا رؤاهم وأفكارهم. والزيارة والحضور عند أولياء الله تعالى لها التأثير الكبير في تحقيق المعرفة الصحيحة، والتي بدورها تصنع عقيدة صحيحة.
ــ التعرف على الحق من خلال التعرف على الأدّلاء عليه:
إنّ الحضور عند المعصوم معناه التعرّف عليه، والتعرّف على المعصوم يؤثّر في التعرف على نهجه وعقيدته، وهذا التأثير ـ كما تقدم ـ أقوى من بقية المؤثرات؛ لأنه حضور فعلي عملي محسوس، فالزائر في محضر المعصوم يعيش التوحيد، ويرى التسليم، ويدرك النبوة، ويفهم الإمامة، ويميز الدين الحق من الدين الباطل
ــالتعرف على الباطل وأهل الباطل:
إنّ معرفة الحسين (عليه السلام) ـ مثلاً ـ تعني معرفة يزيد، ومعرفة نهج الحسين (عليه السلام) تعني معرفة نهج بني أُمية، وإنّ معرفة المظلوم تعني معرفة الظالم، وإنّ التضحية من أجل الحق تعني الوقوف بوجه الباطل، فكل معرفة بالحق إلى جنبها معرفة بالباطل، وهكذا كلما ازدادت المعرفة اشتدّت وقوت العقيدة، وكلما قويت العقيدة كان العمل إلى الصلاح أقرب.
هذه بعض الآثار العامة ، و يصل الكلام إلى معرفة آثار زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)، فقد اختصّت بمجموعة من الآثار الدنيوية والأُخروية، ويُعتبر العديد من هذه الآثار من مختصات زيارة الشهيد أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وهذا مما يجعل ميزة لزيارته تختلف عن جميع المعصومين (عليهم السلام) بمن فيهم الأنبياء وحتى أُولي العزم، فقد ذكرت الروايات الشريفة مجموعة من الآثار التي تتحقق للزائر من خلال زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في هذه الدنيا، منها:
ــ تبشّير الملائكة الزائر بالجنة قبل مماته: فعن الصادق (عليه السلام) حيث سُئل عن زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في ليلة النصف من رمضان، قال:"بخٍ بخٍ، مَن صلى عند قبره ليلة النصف من شهر رمضان... كتبه الله عتيقاً من النار، ولم يمت حتى يرى في منامه ملائكة تبشّره بالجنة، وملائكة يؤمّنونه من النار"([32]).
ــ يكون الزائر في حفظ الله إلى أن يموت: فعن الصادق (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ما يحصل للزائر:"ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا"([33]).
ــ يموت الزائر شهيداً: عن الصادق (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله):"واذا مات مات شهيداً"([34]).
ــ البركة في مختلف حوائج الدنيا: قال الصادق (عليه السلام) سائلاً أحد زوّار الحسين (عليه السلام):"وما ترون في زيارته؟ قال: نرى في زيارته البركة في أنفسنا وأهالينا وأولادنا وأموالنا ومعايشنا وقضاء حوائجنا. قال أبو عبد الله: أفلا أزيدك من فضله..."([35]).
ــ حفظ الزائر وماله وأهله: عن أبي عبد الله (عليه السلام) عندما سُئل عن ما لأدنى زائر الحسين (عليه السلام)؟ فقال:"يا عبد الله أدنى ما يكون له أن الله يحفظه في نفسه وأهله حتى يرده إلى أهله"([36]).
ــ زيادة الرزق وطول العمر: فعن الباقر (عليه السلام) قال:"مروا شيعتنا بزيارة قبر الحسين (عليه السلام)؛ فإنّ إتيانه يزيد الرزق، ويمدّ في العمر، ويدفع مدافع السوء"([37]).
ولقد ورد في المأثورعن الأئمة (عليهم السلام) زيارات عديدة للإمام (عليه السلام)، ويمكن تنويعها إلى ثلاث أنواع رئيسية:
1ـ الزيارات الزمانية
2ـ الزيارات المكانية
3ـ الزيارات المطلقة من حيث الزمان والمكان
الزيارات الزمانية للإمام الحسين (عليه السلام) عديدة ومتنوعة فقد جاء التأكيد على زيارته (عليه السلام) في أوقات كثيرة:
منها: زيارة عاشوراء: وهي الزيارة المعروفة والمشهورة والتي وردت بروايات متعددة وبأسانيد معتبرة، وبأكثر من متن، ولها آثار عجيبة بيَّنَتها الروايات الكثيرة عن أهل البيت (عليهم السلام) وبيَّنَت فضلها.
و أيضاً منها: زيارة الأربعين: وهي زيارة العشرين من صفر، وقد جاء في فضلها روايات متعددة، وقد جعلتها بعض الأخبار من علامات الإيمان، قال الشيخ الطوسي:"ويُستحب زيارته (عليه السلام) فيه وهي زيارة الأربعين، فروي عن أبي محمد العسكري (عليه السلام) أنّه قال: علامات المؤمنين خمس: صلاة الإحدى والخمسين، وزيارة الأربعين، والتختّم في اليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم"([38]).
ومنها: الزيارة في رجب: نصّت الروايات على استحباب زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) في رجب، وحثّت على ذلك، وبيّنت الفضل الجزيل فيه.
ومنها: زيارة النصف من شعبان ، فعن الصادق (عليه السلام) أنّه قال:"إذا كان النصف من شعبان نادى منادٍ من الأُفق الأعلى: ألا زائري قبر الحسين ارجعوا مغفور لكم، وثوابكم على ربّكم ومحمد نبيكم"([39]).
ومنها: زيارة يوم عرفة عن داوود الرقي، قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد وأبا الحسن موسى بن جعفر وأبا الحسن علي بن موسى، وهم يقولون: " مَن أتى قبر الحسين بن علي (عليه السلام) بعرفة قلبه الله تعالى ثلج الصدر"([40]).
الزيارات المكانية:
وهي عديدة أيضاً، فقد ورد استحباب زيارته (عليه السلام) من أماكن متعددة:
منها: نفس الحضور في كربلاء وهذا هو المتبادر من إطلاق الزيارة، وكل زيارة شاهد عليه.
ومنها: الزيارة للبعيد، حيث أمرت الروايات بأن يصعد الزائر عن بُعد إلى سطح داره ويزور، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال:"يا سدير، وما عليك أن تزور قبر الحسين (عليه السلام) في كل جمعة خمس مرات، وفي كل يوم مرة؟ قلت: جُعلت فداك، إن بيننا وبينه فراسخ كثيرة. فقال: تصعد فوق سطحك، ثم تلتفت يمنةً ويسرة، ثم ترفع رأسك إلى السماء، ثم تتحرّى نحو قبر الحسين (عليه السلام)، ثم تقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته. يُكتب لك زورة، والزورة حجة وعمرة، قال سدير: فربما فعلته في النهار أكثر من عشرين مرة"([41]). وغيرها من الروايات.
الزيارات المطلقة:
وهي كثيرة جداً، حيث جاءت الأخبار المتواترة في الحثّ على زيارته والتأكيد عليها من دون التقييد بزمان أو مكان خاصين، من قبيل الروايات الدالة على الثواب الجزيل والفضل العظيم في زيارته (عليه السلام)، وبيان آثار الزيارة العظيمة في حياة الزائر وفي دفع الفقر والبلاء عنه، من قبيل ما ورد في التهذيب عن أبي الحسن (عليه السلام) قال:" مَن أتى قبر الحسين (عليه السلام) في السنة ثلاث مرات أمِنَ من الفقر"([42]) ، وفي كامل الزيارات أيضاً عن داود بن فرقد، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام):"ما لمَن زار الحسين (عليه السلام) في كل شهر من الثواب؟ قال: له من الثواب ثواب مائة ألف شهيد، ومثل شهداء بدر"([43]).
ولذلك كما أسلفنا أن الزيارة للإمام (عليه السلام) فوائدها جمة وعظيمة ويكفينا في ذلك أن زائر الحسين (عليه السلام) يكون في جوار رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وعلي وفاطمة (عليهما السلام):فعن أبي خالد ذي الشامة ، قال : حدّثني أبو اسامة قال : سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول : "مَن أراد أن يكون في جوار نبيّه صلّى الله عليه وآله وجوار علي وفاطمة فلا يدع زيارة الحسين بن علي (عليه السلام)"([44]).
ولله در القائل:
أيا زائراً قبراً على العرش قد علا تضمّن سبط المصطفى خيرة الملا
هل دمعك القاني وقل متمثلاً أيقتل عطشاناً حسين بكربلا
وفي كل عضو من أنامله بحر
................................................
[1] - المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
[2] - الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين: ج4، ص464
[3] - القزويني، محمد بن يزيد، سنن ابن ماجة: ج2، ص1366
[4] - الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير: ج10، ص85.
[5] - المصدر السابق: ج8، ص285.
[6] - اُنظر: المفيد، محمد بن محمد، الإرشاد: ج1، ص331
[7] - السماوي، محمد بن طاهر، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام: ص221.
[8] - سورة الأحقاف: الآية: 15.
[9] - سورة الأحقاف: الآية: 15.
[10] - الكافي: ج 1، ص 464، كامل الزيارات: ص 55، المناقب لابن شهر: ج 4، ص 46.
[11] - إبصار العين في أنصار الحسين، محمد السماوي، ص89-91-95
[12]- المصدر السابق، ص103
[13] - إبصار العين في أنصار الحسين، محمد السماوي، ص100- ص108
[14] - تاريخ الطبري، ج 3 ص 314.
[15] - رواه الشيخ الطوسي في الأمالي ص 78
[16] - ابن عساكر، تأريخ مدينة دمشق، ج13،ص268
[17] - دلائل الإمامة: ١٦٦ ح ٧٧، مدينة المعاجز ٣: ٢٣٣ ح 852.
[18] - المصدر السابق
[19] - شرف الدين، عبد الحسين، صلح الحسن، ص237.
[20] - النساء: آية114.
[21] - آل عمران: آية104.
[22] - المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج44، ص329.
[23] - الأعراف: آية157.
[24] - ابن نما الحلي، جعفر بن محمد، مثير الأحزان: ص40.
[25] - ابن عساكر، عليّ بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق: ج14، ص218. الطبراني، سليمان بن أحمد، المعجم الكبير: ج3، ص115.
[26] - ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج3، ص224.
[27] - الخصال، الصدوق، ص 22
[28] - قرب الإسناد، الحميري، ص 36
[29] - الخصال، الصدوق، ص 22.
[30]- عيون أخبار الرضا عليه السلام، الصدوق، ج 1، ص 275.
[31] - بحار الأنوار، المجلسي، ج 1، ص 200
[32]- ابن طاووس، علي، إقبال الأعمال: ج1، ص294
[33] - الكوفي، فرات، تفسير فرات الكوفي: ص171
[34] - المصدر السابق.
[35] - ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات: ص304.
[36] - ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات: ص304.
[37] - الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام: ج6، ص42.
[38] - الطوسي، محمد، مصباح المتهجّد: ص788.
[39] - الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي: ج4، ص589.
[40] - الصدوق، محمد، مَن لا يحضره الفقيه: ج2، ص580. ثواب الأعمال: ص115.
[41] - ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات: ص480.
[42] - الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام: ج6، ص48.
[43] - الطوسي، محمد، تهذيب الأحكام: ج6، ص52. ابن قولويه، جعفر، كامل الزيارات ص143.
[44] - كامل الزيارات لابن قولويه القمي :ص ۲٦۰ ، الحديث ۳۹۲.