نمر ونحن ندرس سير المعصومين (عليهم السلام) بعدد من الشخصيات القريبة من كل واحد منهم، كأولاده وإخوته وأخواته وأمه وتلامذته والراوين عنه وغيرهم ممن اضطلعوا بأدوار رسالية هامة، ويكتسب البحث في حياة مثل هذه الشخصيات أهميته من أمور، منها:
١- أن ثمة مساحات في حياة المعصوم إنما نقلت إلينا عن طريق هذه الشخصيات القريبة منه، فمن هنا لابد من معرفة حال الشخصية الناقلة من حيث الوثاقة وعدمها والضبط في النقل وعدمه، لكي يتحدد الموقف من تلك النقولات قبولا وردا.
٢- أن بعض تلك الشخصيات لها قرب استثنائي من المعصوم بحيث صارت سيرتها -ولو في فترة معينة- جزءًا من سيرته، كمولاتنا زينب الكبرى (ع) بالنسبة لأخيها الإمام الحسين (ع).
ومن خلال دراسة سيرة إمامنا أبي محمد الحسن العسكري (ع) يتبين أن من أهم الشخصيات المقربة منه وأعظمها على صعيد الدور الرسالي هي شخصية والدته الجليلة السيدة سمانة ([١]) ([٢])، فعلى رغم قلة ما جاء عنها إلا أن هذا القليل يكشف عن مقام عظيم لهذه السيدة من جهة؛ ويكشف عن أهمية وعظم خطر ما أدته في سبيل الدين والعقيدة من جهة ثانية، ولكي نكشف اللثام عن ذلك سنستعرض إحدى الروايات التي جاءت في مصادرنا متحدثة عن السيدة سمانة وما قامت به لأجل حفظ دين الله وشخص الإمام المعصوم.
روى شيخ الطائفة الطوسي (عطر الله رمسه) بسنده عن أحمد بن إبراهيم قال: (دخلت على حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليهما السلام سنة اثنتين وستين ومائتين فكلمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها فسمت لي من تأتم بهم، ثم قالت: والحجة ابن الحسن؛ فسمته، فقلت لها: جعلني الله فداك معاينة أو خبرا؟ فقالت: خبرا عن أبي محمد عليه السلام كتب به إلى أمه، قلت لها: فأين الولد؟ قالت: مستور، فقلت: إلى من تفزع الشيعة؟ قالت: إلى الجدة أم أبي محمد عليه السلام، فقلت: أقتدي بمن وصيته إلى امرأة! فقالت: اقتد بالحسين بن علي عليهما السلام أوصى إلى أخته زينب بنت علي عليه السلام في الظاهر؛ وكان ما يخرج من علي بن الحسين عليهما السلام من علم ينسب إلى زينب سترا على علي بن الحسين عليهما السلام) ([٣]).
يتضمن متن الرواية الشريفة المتقدمة عددًا من النكات الهامة نتناول بعضها:
أولًا: تكشف الرواية عن موقعية بارزة للسيدة حكيمة لدى أتباع أهل البيت (ع) في ذلك الزمان؛ حتى أن أحمد بن إبراهيم حينما أراد أن يتعرف على معالم العقيدة الصحيحة ومسار الإمامة بعد أن استشهد الإمام العسكري (ع) واكتنفت الحيرة الكثير من الموالين آثر إلا أن يكون المرشد له هو شخص السيدة حكيمة دون غيرها من شخصيات البيت الهاشمي وتلامذة الأئمة الأطهار (ع) والراوين عنهم.
ثانيًا: كذلك تظهر الرواية عظمة السيدة سمانة والدة الإمام العسكري (ع) والتي عبرت عنها السيدة حكيمة بالجدة؛ أي جدة الإمام بقية الله (عج)، حيث إنها كانت مفزعا للشيعة يلوذون به ويأخذون عنه معالم دينهم من خلال النقل عن الإمام ولي العصر (عج) الذي بدأت غيبته مع شهادة أبيه.
ثالثًا: يبدو من متن الرواية أن أحمد بن إبراهيم قد ظهر عليه شيء من الاستيحاش من إيصاء الإمام العسكري (ع) لامرأة -وهي والدته الجليلة- لتمارس هذا الدور الهام، حيث قال للسيدة حكيمة: (أقتدي بمن وصيته إلى امرأة!)، ولعل ذلك الاستيحاش يعود لجهله بالعصمة المطلقة للأئمة الطاهرين من أهل البيت (ع) وأنهم كجدهم المصطفى (ص) لا ينطقون عن الهوى، وهنا نجد كيف أن السيدة حكيمة قد عملت على رفع هذا الاستيحاش عن أحمد مستشهدة بمولاتنا السيدة زينب الكبرى (ع) وكيف أنها اضطلعت بذات الدور مع الإمام زين العابدين (ع) بعد عاشوراء بوصية من أخيها الإمام الحسين (ع).
--------------------
[١]- جاءت تسميتها بهذا الاسم في صحيفة الزهراء (ع) التي روى خبرها جابر وأورده بعض علمائنا كالصدوق في كمال الدين.
[٢]- رويت لها أسماء أخرى كسليل وحديث وسوسن في مصادر أخرى كإثبات الوصية والكافي والإرشاد وكشف الغمة.
[٣]- كتاب الغيبة للشيخ الطوسي.