(فائدة علمية)
كفاية الاحتمال للحكم بالتذكية في سوق، وعدم كفايته في سوق آخر
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين، وبعد..
قد لا يفرق بعض أهل العلم -كما تبين من خلال بعض المناقشات- قد لا يفرق بين أصلين في موضوع التعامل مع اللحوم لذا أود أن أشير للفرق بينهما:
فقد ذكر الفقهاء مبدأين:
الأول: أصالة عدم التذكية.
الثاني: أصالة أمارية يد المسلم وسوق المسلمين وإن كانت مسبوقة بيد الكافر.
فما هما هذان الأصلان، وما هو الفرق بينهما؟
المبدأ الأول: أصالة عدم التذكية؛ ويقصد بها أنَّ ما يؤخذ من يد غير المسلم، أو ما يجلب من بلادهم مع الشك في ذكاته يحكم بعدم التذكية، فإن لم يقم طريقٌ معتبرٌ على الذكاة فلا يجوز أكله إجماعًا، واختُلِف في طهارته؛ فمنهم من أجرى قاعدة الطهارة، فحكم بطهارة اللحم والشحم والجلد، وذلك للبناء على أنَّ الميتة أمر وجودي، ولا يثبت هذا الأمر الوجودي باستصحاب عدم التذكية إلَّا بنحو الأصل المثبت، وهو غير حجة، كما اختُلف في جواز الصلاة فيها؛ فالسيد الخوئي (قده) يمنع من الصلاة فيها، والسيد السيستاني مد ظله يجيز الصلاة فيها.
والخلاصة أنَّهم يتفقون على عدم جواز الأكل ما لم تثبت التذكية، ويختلفون في الحكم بالطهارة وفي الصلاة فيها.
المبدأ الثاني: أمارية يد المسلم، وأمارية سوق المسلمين. ويقصد به أنَّ اللحم، والشحم، والجلد المشكوك في تذكيته إذا أخذ من يد المسلم، أو سوق المسلمين يحكم بأنَّه ذكي.
ثُمَّ إنَّه طُرِحَ سُؤالٌ؛ وهو: هل يد المسلم وسوق المسلمين أمارة وإن كانت مسبوقة بيد غير المسلم؟ بمعنى؛ أنَّ ما نأخذه من يد المسلم هل نحكم بأنَّه مُذَكَّى برغم أنَّه أخذه من غير مسلم، أو من بلاد غير المسلمين؟
وأجاب أغلب الفقهاء على ذلك بأنَّ أمارية يد المسلم وأمارية سوق المسلمين لا تسقط عن الاعتبار حتَّى في هذه الحالة؛ فهي طريق شرعي لإثبات التذكية، اذ لا يجب السؤال، وإذا عرفت أنَّه أخذه من غير مسلم تبقى يده أمارة على التذكية بشرط أن لا تقطع بأنَّه لم يفحص أصلًا ولم يتحقَّق من أمر التذكية، فيكفي لبقاء أمارية يد المسلم ولسوق المسلمين أن تحتمل احتمالًا مُعتدًّا به أنَّه فحص وأحرز التذكية؛ إذ مع العلم بعدم احرازه التذكية يكون الحال كما لو اشتريت اللحم مباشرة من غير المسلم.
والخلط الذي قد يحصل عند بعض أهل العلم هو الخلط بين الاحتمال والشك في المبدأ الأول من جهة، والاحتمال والشك في المبدأ الثاني. فبما أنَّ الأصل فيما يُستَورد من بلاد غير المسلمين عدم التذكية فيطبقه مباشرة على ما يستورده المسلم، وينسى أنَّ هذه وظيفة المستورد وليست وظيفة الزبون والمشتري من المستورد.
وحلُّ الإشكال يكون ببيان أنَّ أصل عدم التذكية إنَّما هو حكم المستورد ومن يأخذ اللحم والشحم والجلد مباشرة من غير المسلم، لكن المشتري من المسلم، أو من سوق المسلمين لا يطبق أصالة عدم التذكية، بل يطبق أصالة التذكية فيكفي احتمال التذكية هنا للحكم بها في المقام الثاني.
فالسؤال والفحص والتأكد من التذكية إنَّما هو وظيفة المستورد، وليس وظيفة الزبون، فيكفي أن لا يعلم الزبون، ويحتمل أنَّ المستورد قام بواجبه ليأخذ بلا سؤال ويأكل هنيئا وبلا وسوسة.
والخلاصة أنَّ المبدأ الأول حكم المستورد، وأنَّ المبدأ الثاني حكم المستهلك.