يعد تاريخ كل علم من المداخل المهمة لفهمه، فكثير من مسائل العلوم قد طرحت، وصيغت متأثّرةً بحوادث تاريخيّة، ونقاشات، وحاجات علمية، وهذه الخلفيات التاريخية تُذكر في تاريخ العلم، لا في متونه الدرسية، وممّا لفتني بالنسبة إلى علم الصرف قلّة الكتابات في جانبه التاريخي مقارنةً بعلم النحو، فقررت ـ حينما اتيحت لي الفرصة ـ البحث في هذا المجال لتقديم إطلالة على هذا الجانب.
من الصعوبات التي واجهتها في البحث: قلة البحوث في هذا الجانب؛ فأغلبها مذكور بالتبع مع تاريخ علم النحو، أو في مقدمات الكتب الدرسية، وفي طياتها، أو متفرقة في كتب تراجم علماء اللغة، ممّا اقتضى بحثًا أوسع، وجهدًا أكبر، وقد لا حظت أن بحوثًا حديثة قد كتبت حول علم الصرف، وتاريخه بلحاظ الصوت وعلم اللسانيات، وبعد التتبع والقراءة اسثنيتها من البحث؛ لحاجتها للتوسّع، والتعمّق من جهة، ولضيق الوقت من جهة أخرى، فاقتصرت على تاريخ الصرف ومراحله بشكل عام من دون لحاظات أخرى.
يعطي هذا المقال القارئ إطلالةً عامّة على تاريخ علم الصرف:
من أي زمن نشأ؟
وما هي الأسباب التي أدّت إلى نشوءه؟
ومن هو واضعه؟
وما هي المراحل التي مرّ بها هذا العلم ومميزاتها؟
كل هذه الأسئلة تجد إجاباتها في هذه المقالة.
الفصل الأول: نشأة علم الصرف
سأتناول في هذا الفصل عدة مباحث:
المبحث الأول: تعريف علم الصرف لغةً، واصطلاحًا.
المبحث الثاني: مرحلة نشوء علم الصرف، وسأتطرق فيها للأسباب التي أدّت إلى وضع هذا العلم، وأول من تصدّر طبقات علماء اللغة.
المبحث الثالث: سأبحث حول واضع علم الصرف؟ من هو؟ وهل تمّ التنصيص عليه من قبل القدما، أو لا؟ ولماذا؟
أولاً: تعريف علم الصرف
من الناحية اللغوية:
ذكروا لمعنى الصرف معانٍ كثيرة، منها: الفضل في القيمة، وجَودة الفِضة، وبيع النقدين ببعضهما[1]، كما أنها تأتي بمعنى رد الشيء عن وجهه، وبمعنى التغلّب، والحيلة، والاكتساب[2].
من الناحية الاصطلاحية:
قسّم علماء الصرف تعريف الصرف من الناحية الصرفية إلى قسمين:
- تعريف اصطلاحي بالمعنى العلمي: (علم بأصول تعرف بها أحوال أبنية الكلم التي ليست بإعراب).[3]
(هو علم تعرف به أبنية الكلمات المتصرّفة، وما لأحرفها من أصالة، وزيادة، وصحة، وإعلال، وما يطرأ عليها من تغيير..).[4]
- تعريف اصطلاحي بالمعنى العملي: (هو أن تصرّف الكلمة المفردة، فتتولّد منها ألفاظ مختلفة، ومعان متفاوتة).[5]
(تحويلُ الأَصلِ الواحدِ إلى أمثلةٍ مختلفةٍ، لمعانٍ مقصودةٍ، لا تحصُل إلا بها).[6]
ثانياً: مرحلة النشوء
تزامنت نشأة علم الصرف مع نشأة علم النحو، وكان ذلك في منتصف القرن الأول الهجري[7]، فالعلمان وجدا معًا؛ إذ لم يُفرّق في هذه المرحلة بين النحو والصرف، وكان يطلق عليهما تارة علم اللغة، وتارة علم النحو[8]، وقد بدأت هذه المرحلة ـ على بعض الأقوال ـ بأبي الأسود الدؤلي (ت 69 هـ) وامتدّت لعصرالخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170 هـ)، كما أن هذه المرحلة كانت من خصائص مدرسة البصرة، يقول ابن سلام الجمحي (ت231هـ): (وكان لأهل البصرة في العربية قدمة، وبالنحو ولغات العرب عناية)، بينما كان أهل الكوفة منشغلين بالقراءات ورواية الأخبار[9]، ويمكن الاستدلال على أن بداية الصرف كانت مع بداية النحو، بعدّة قرائن:
- اتفاق العلماء على كون الداعي الذي دعى لتقنين قوانين اللغة العربية كان اللحن في الكلام العربي، وهو شامل لبنية الكلمة، وإعرابها على حدٍّ سواء، بالإضافة إلى أنهم كانوا ينظرون إلى علم الصرف كجزء من النحو، فلم يكونوا يفرّقوا بينهما.[10]وقد ذكر المؤرخون شواهد على الخطأ في الكلام والذي بدأ يكثر في هذه المرحلة، منها: أول لحنٍ سُمع بالبادية: عصاتي، والصحيح عصاي، وأول لحنٍ سمع بالعراق: حيِّ على الفلاح، صوابه حيَّ، بالفتح[11].
نجد هنا أن هذين الشاهدين يتعلّقان ببنية الكلمة، أي بالصرف، ممّا يؤكّد أن منشأ اللغة واحد.
- إغفالهم التنصيص على واضع الصرف، فلم ينص المتقدمون عليه، وإنما ذكر ذلك المتأخرون، وكان أول من نص عليه من المتأخرين الكافيجي )ت 879 هـ).[12]
- مباحث الصرف جاءت مكتملة في كتاب سيبويه، ومقتضاه وجود تداول لها؛ فمباحث العلوم تبدأ جُزئيةً متفرقة، ثم يأتي من يُؤصّل لها، ويفرّع عن تلك الأصول، فلا بد من فرض تداول لها قبل مجيء سيبويه الذي قام بدور الجامع لها في كتابه.[13]
طبقات المرحلة الأولى
لهذه المرحلة طبقتان، يمثل الطبقة الأولى: أبو الأسود الدؤلي، وتلامذته، منهم: يحيى بن يعمر( ت 129 هـ)، وعنبسة بن معدان الفيل (ت 100 هـ)، وميمون الأقرن (ت 117 هـ)، ونصر بن عاصم (ت 89 هـ).[14]
كان لتلامذة أبي الأسود جهدٌ كبير في تشييد أساسات هذا العلم، وقد نقل الراغب الأصفهاني في الأغاني نصًّا ـ فيه بيان لجهود مجموعة من تلامذة أبي الأسود ـ أسنده إلى يونس، قال: (..أحدثك عن أبناء تسعين أو أكثر أدوا إلى أمثالهم، ماشوا الكلام، وطرقوه حتى وضعوا أبنيته، فلم تشذ عنهم زنة كلمة، وألحقوا السليم بالسليم، والمضاعف بالمضاعف، والمعتل بالمعتل، والأجوف بالأجوف، وبنات الياء بالياء، وبنات الواو بالواو فلم تخف عليهم كلمة عربي).[15]
الطبقة الثانية: من أبرزهم:(عبدالله بن أبي إسحاق الحضرمي (ت 117 هـ)، وعيسى بن عمر الثقفي ( ت 149هـ)، وأبو عمرو بن العلاء المازني التميمي إمام أهل البصرة في القراءة والنحو (ت 154 هـ)).[16]
وقد كان رجال هذه الطبقة أوسع نشاطًا، حيث برز عندهم نشاط تقعيد القواعد العربية، ومحاولة استنباط القواعد من النصوص المنقولة، وجمعها وتصنيفها، والتأمل في ما تحويه من علل وخبايا. [17]
أسباب وضع قوانين الصرف
ذكر المؤرّخون والمهتمون بأبحاث اللغة العربية عدة أسباب دعت لوضع قوانين تحفظ العربية، وتسهّل تعلّمها:
- انتشار اللحن: وذلك بسبب انفتاح الأمة العربية على البلدان الأخرى خصوصًا في الفترة التي عرفت بالفتوحات الإسلامية، وتزاوجهم منهم، فصار العجم أخوالاً للعرب فكان يتأثّر الأبناء بتلقين أمهاتهم ومخالطة بني أخوالهم، ثم إن دخول الموالي للبلاد العربية قد أثّر كثيرًا في حفظ اللسان العربي فقد (كانت تحتفظ ألسنتها بكثير من عاداتها اللغوية، مما فسح للتحريف في عربيتهم التي كانوا ينطقون بها، كما فسح اللحن وشيوعه)[18]، وقد أثّر ابتعاد القبائل العربية عن موطنها الأصلي ـ بعد اتساع رقعة الدولة الإسلاميةـ في ضعف سلائقها؛ إذ ابتعدت عن منبع الفصاحة.
يقول الزُبيديّ: (فعظُمَ الإشفاق من فشوّ ذلك وغلبته حتَّى دعاهم الحذر من ذهاب لغتهم وفساد كلامهم إلى أن سبَّبوا الأسباب في تقييدها لمن ضاعت عليه، وتثقيفها لمن زاغت عنه)[19].
- الحاجة الدينية: دعت الحاجة الدينية لتكوين قواعد لغوية للّغة العربية، وذلك ليتعلّم الأعاجم الدينَ بلغته الأصلية، ومن ناحية أخرى لألّى يخطؤوا ولا يخطأ العرب أيضًا ـ الذين بدأوا يُكثرون من اللحن بسبب الاختلاط بالأعاجم ـ في تلاوة القرآن الكريم.
- الحاجة الإجتماعية: أما اجتماعيًا فلتجنّب حالة الاستهجان الإجتماعي تجاه من يلحن في الكلام، كما أن الحاجة الإجتماعية دعت إلى لغةِ تواصلٍ مشتركة مع الأعاجم الذين دخلوا للإسلام حديثًا، فالبيع، والشراء، والمعاشرة الإجتماعية تتكل في الغالب على اللغات[20]، ويمكننا بهذا اللحاظ أن نُدخل السبب السياسي فاللغة المشتركة حاجة أساسية لفهم الآخر، والتمكن من تنظيم البلاد، والتواصل السليم بين إدارته ومكوناته.
ثالثًا: واضع الصرف
ذكرنا أعلاه أن المتقدمين لم ينصّوا على واضع علم الصرف؛ بسبب عدم التمييز بين العِلمين، أمّا المتأخرون فقد نصّ بعضهم على أن المتقدمين قد اتفقوا على أن واضعه: معاذ بن مسلم الهراء (ت 187 أو 190 هـ)[21]، ونصّ آخرون على ذلك أيضًا من دون ذكر الإتفاق عليه.[22]
والتحقيق لايثبت صحة دعوى الإجماع ولا غيرها؛ نعرف ذلك بالرجوع إلى أصل ما استند إليه القائلون بذلك، إذ أن مرجع دعواهم في الأصل، هو عبارةٌ ذكرها الزبيدي في ترجمة أبي مسلم مؤدّب عبد الملك بن مروان، حيث قال:
(وكان أبو مسلم يجلس إلى مُعاذ بن مسلم الهراء النحوي، فسمعه يناظر رجلًا في النحو، فقال له معاذ: كيف تقول مِن "تَؤُزُّهُمْ أَزًّا": يا فاعل افعل؟
وصِلها بيا فاعل افعل مِن {وإذا الموؤدة سُئلتْ}.
فسمِع أبو مسلم كلامًا لم يعرفْه، فقام عنهم.." وقال أبياتًا:
قد كان أخذُهُمُ في النحو يُعجِبني حتى تعاطَوْا كلام الزّنجِ والرُّومِ
لمَّا سمعتُ كلامًا لستُ أفهمُهُ كأنه زَجَل الغِرْبَانِ والبومِ
تركتُ نحوَهُمُ والله يعصمني من التقحُّم في تلك الجراثيمِ
فأجابه معاذٌ الهراء أستاذ الكسائي فقال:
عالجتَها أمردَ حتى إذا شبتَ ولم تُحسِنْ أبا جادِها
سمَّيتَ مَن يعرفها جاهلًا يُصدِرُها من بعد إيرادها
سهَّل منها كلَّ مُستصعَبٍ طَوْدٌ علا القرنَ من أطوادها"[23]
وهذا النص نقله السيوطي في كتابه البُغية، وعلّق عليه بقوله:"ومن هنا لمحت أن أول من وضع التصريف معاذ هذا".[24]
وذكر الحادثة في كتابه سبب وضع علم العربية، وعلّق بعد ذكر مطلع أبيات أبي مسلم الآنفة الذكر، قال: "وأجابه معَاذ الهراء رحمه الله بِأَبْيَات أوردتها فِي طَبَقَات النُّحَاة فوضح بِهَذَا أَن وَاضع التصريف معَاذ بن مُسلم الهراء رَحمَه الله تَعَالَى).[25]
هذه الحادثة، وما استشفه السيوطي منها هي مستند القائلين بأن معاذًا واضع التصريف، ونص الزبيدي بين أيدينا، وهو لا يدلّ على ما احتمله السيوطي، كما أن مثل هذه المحاورات الصرفية كانت متداولة بين النحاة من قبل زمن الهرّاء، ذكر المؤرخون جملة منها، وقد ذكر سيبويه في الكتاب جملةً من مباحث الصرف وهو المتقدّم على الهرّاء.[26]
يقول د. عبد اللطيف الخطيب: (والغريب من السيوطي - وهو العالم الجليل- أن ينتهى به هذا الخبر إلى مثل هذا الاستنتاج، وهو خبر لا يقين فيه؛ إذ وضع مسألة
للمناظرة لا تدل على أن معاذًا هو صاحب هذا العلم، موضع الأمر المسلم به؛ ولقد
رأينا فى أصول المتقدمين كثيرا من هذه المسائل تكون موضوعا للمناظرة بين العلماء،
ولو صح ما خرج به هذا العالم من هذا الخبر وأمثاله؛ لصح لنا أن ننسب وضع هذا
العلم - الصرف - إلى علماء كثيرين.
وأضرب لك مثالا على ذلك بما جاء من مسائل في هذا الباب مجموعة عند الزجاجي في كتابه "مجالس العلماء"، فانظر من ذلك:
- مجلس المازني مع الأخفش فى مسألة: لقضو الرجل.
- ومجلس الأصمعى مع الكسائي في) طيف وطيف).
- ومجلس الرياشي مع المازني في لفظ الإله.
- ومجلس عبد الوهاب بن حريش مع الأصمعي: أويت، والبناء منه.
- ومجلس المازني مع الأخفش فى تصغير) أحوى).[27]
ذهب بعض الباحثين إلى أن معاذاً الهراء إنما كان يكثر الكلام في صياغة المشتقات وكيفياتها، ولم تكن الناس تعرفه، وقد سبب ولَعُهُ بالصيغ الصرفية وهمًا عند البعض بأنه هو واضعه[28]، وبضم هذا لما ذُكر أعلاه في نشأة العلم يرجح أن يكون واضع النحو هو واضع علم الصرف أيضًا؛ لأن العلمين كانا يحسبان علمًا واحدًا فلم ينص أحد على هذه المسألة، ولم يلتفتوا لها إلا بعد استقلال الأبحاث الصرفية عن الأبحاث النحوية.
الفصل الثاني: تطوّر علم الصرف
في هذا الفصل سأتطرق للبحث عن المراحل التاريخية لتطوّر علم الصرف، فقد مرّ علم الصرف بعدة مراحل، تميّزت كل مرحلة بميزات من خلالها وجد هذا العلم استقلاله وكماله:
المرحلة الأولى: هي مرحلة النمو والتطوّر، وقد استقلّ فيها علم الصرف عن البحث القرآني.
والمرحلة الثانية: مرحلة النضوج والاكتمال والتي استقلّ فيها علم الصرف عن علم النحو في التأليف والبحث.
أمّا المرحلة الثالثة: فهي مرحلة الترجيح، أي ترجيح الأقوال بعضها على الآخر وقد استمرّت هذه المرحلة إلى يومنا هذا.
أوّلاً: مرحلة النمو والتطور
ذكر بعضهم أنها ابتدأت منذ زمن الخليل (ت 175 هـ) إلى ابن سهل السراج (ت 316 هـ)[29]، بينما حدّدها آخر: (من سنة ١٥٥ هـ إلى سنة ٢٢0 هـ، وقامت هذه المرحلة في البصرة والكوفة)[30]، وحدّد بعض آخر بدءها في حدود ما ذكره السابقان أيضًا.[31]
تمت في هذه المرحلة عدة إنجازات، منها: تصنيف أهم الكتب اللغوية التي وصلتنا ألا وهو كتاب سيبويه ( ١٨٠ هـ)[32]، كما صنفت خلالها كتب كثيرة كان لها دور في تحريك المادة الصرفية وتطويرها، ولكنها لم تصل إلينا، منها:
التصريف لعلي الأحمر الكوفي (ت 113 هـ)؛ والتصريف للفراء (ت 207 هـ)؛ والتصريف والأبنية للجرمي (ت 225 هـ)؛ والتصريف للتوزي (ت 233 هـ)؛ والتصريف لابن السكيت (ت 246 هـ).[33]
وانتهوا من تحديد المصطلحات اللغوية، واتسعت الرقعة الجغرافية للعمل اللغوي، وانتشرت المدارس النحوية، فقد برزت في هذه الفترة أولى طبقات الرجال اللغويين في الكوفة، كان من أبرزهم معاذ بن مسلم الهراء (ت 187 أو 190 هـ)، محمد بن الحسن الرؤاسي (ت 190 هـ)، وعلي بن حمزة الكسائي (ت 189 هـ) وقد التقوا برجال الطبقة الثالثة، والرابعة، والخامسة من البصريين.[34]
وشهدت هذه المرحلة طائفة من رجال المدرستين كان لهم الأثر البالغ في تطوير العلوم اللغوية، منهم: المازني، المبرد، ابن السكيت، ثعلب، الفراهيدي.[35]
ثم انتشرت المدارس اللغوية في مدينة بغداد، فكثرت على إثر هذا الانتشار المناظرات، وبرزت مسائل الخلاف، كما انفصلت في هذه المرحلة الدراسة اللغوية عن الدراسة القرآنية، لكنها بقية شاملة لعلمي الصرف والنحو.[36]
ثانيًا: مرحلة النضوج والاكتمال
بدءت هذه المرحلة منذ عهد أبي عثمان بكر المازني (ت 248 هـ) إمام الطبقة البصرية السادسة، وبأبي يوسف يعقوب السكيت (ت 246 هـ) إمام الطبقة الكوفية الرابعة، وانتهت بأبي العباس محمد بن يزيد المبرّد (ت 285 هـ) إمام الطبقة السابعة البصرية، وأبي العباس أحمد يحيى ثعلب (ت 291 هـ) إمام الطبقة الخامسة الكوفية.[37]
وحدّد هذه المرحلة صاحب كتاب الواضح في الصرف: من سنة ٢٢١ هـ إلى سنة ٢٩٢ هـ.[38]
أبرز معالم هذه المرحلة استقلال المؤلفات الصرفية عن المؤلفات النحوية، فقد كان علم التصريف متحدًا مع النحو في المراحل السابقة حتّى جاء أبو عثمان المازني وألّف كتابًا مستقلاً للمسائل الصرفية وجمع فيه المسائل الصرفية، وقد فتح بهذه الخطوة بابًا لمن جاء بعده من العلماء فشرحوا كتابه، ووسعوا من دائرة البحث الصرفي، وكان بعض العلماء السابقين على المازني قد أفردوا بعض المسائل الصرفية، لكنها كانت بصورة مسائل صرفية منفردة، وجزئية، لا كما فعل المازني حيث أفرد لكل المسائل الصرفية كتابًا مستقلاً.[39]
ثالثًا: مرحلة الترجيح
(وتبدأ هذه المرحلة من سنة ٢٩٣ هـ إلى عصرنا الحاضر، ونشأت هذه المرحلة في بغداد، ثم توزعت في أقطار العالم الإسلامي)[40]، إذ ظهرت مدرسة جديدة فيها، نشأت على أساس المفاضلة بين المدرسة البصرية والكوفية.
ولهذه المرحلة طوران:
الأول: طور العلماء المتقدمين، وينتهي بسنة 347 هـ.
الثاني: طور المتأخرين، والذي بدأ بعد نهاية الدولة العباسية سنة 334 هـ، حيث سيطر في هذه السنة بني بُوَيْه على الخلافة، وصارت الأوضاع في بغداد مضطربة فتشتت العلماء وظهرت المدارس النحوية والصرفية في بلاد المشرق العربي، وبلاد الشام، ومصر، والأندلس، وبعد سقوط بغداد سنة 656 هـ، نزح كثير من العلماء لمصر والشام.[41]
ونظرًا لسعة هذه المرحلة فقد تميّزت هذه المرحلة بتعدّد مواطن هذا العلم، وكثُر العلماء فيها، وكثرت التصانيف، خصوصًا في القرنين السادس والسابع الهجريين.[42]
الخاتمة
يمكن أن نلخص البحث في النقاط التالية:
- نشأ علم الصرف مع علم النحو في مرحلة واحدة.
- بان أن كون معاذ الهرّاء واضعًا لعلم الصرف غير صحيح؛ إذ أنها دعوى مبنيّةٌ على الحدس ـ غير المحفوف بالقرائن المورثة للعلم ـ ليس إلاّ.
- ظلَّ علم الصرف وعلم النحو مرتبطان، يبحثان معًا في كتبٍ موحّدة إلى بدايات القرن الثالث الهجري، حيث بدأت مرحلة النضوج والاكتمال، والتي تميّزت بانفكاك العلمين.
- التقت مدرسة الكوفة بمدرسة البصرة في مدينة بغداد، ونشأ عن هذا الالتقاء مدرسة جديدة في النحو، وعرفت هذه المرحلة بمرحلة الترجيح، وقد استمرّت هذه المرحلة إلى يومنا هذا.
....................................................
المصادر
- الكتاب: سبب وضع علم العربية/ المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي (المتوفى: 911هـ)/ المحقق: مروان العطية/ الناشر: دار الهجرة - بيروت / دمشق/الطبعة: الأولى، 1409هـ 1988م.
- الكتاب: كتاب العين/المؤلف: أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي البصري (المتوفى: 170هـ)/المحقق: د مهدي المخزومي، د إبراهيم السامرائي/الناشر: دار ومكتبة الهلال.
- الكتاب: لسان العرب/المؤلف: محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ)/الناشر: دار صادر – بيروت/الطبعة: الثالثة - 1414 هـ .
- الكتاب: الشافية في علمي التصريف والخط/المؤلف: عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس، أبو عمرو جمال الدين ابن الحاجب الكردي المالكي (المتوفى: 646هـ)/ المحقق: الدكتور صالح عبد العظيم الشاعر/الناشر: مكتبة الآداب – القاهرة/الطبعة: الأولى، 2010 م.
- الكتاب: شذا العرف في فن الصرف/المؤلف: أحمد بن محمد الحملاوي (المتوفى: 1351هـ)/المحقق: نصر الله عبد الرحمن نصر الله/الناشر: مكتبة الرشد الرياض.
- الكتاب: من تاريخ النحو العربي/المؤلف: مجدي محمد حسين/الناشر: مؤسسة حورس الدولية – الإسكندرية.
- الكتاب: المفتاح في الصرف/المؤلف: عبدالقاهر الجرجاني/المحقق:الدكتور علي توفيق الحمد/الناشر: مؤسسة الرسالة – بيروت/الطبعة: الأولى، 1987م.
- الكتاب: الواضح في الصرف/المؤلف: الدكتور حسان بن عبد الله الغنيمان/الناشر: غير مذكور/ الطبعة: غير مذكورة/ مصدر الكتاب: pdffactory.com.
- الكتاب : طبقات فحول الشعراء/المؤلف : ابن سلام الجمحي/ الناشر: غير مذكور / الطبعة: غير مذكورة/مصدر الكتاب : المكتبة الشاملة [ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ].
- الكتاب: البحث اللغوي عند العرب/ المؤلف: د أحمد مختار عبد الحميد عمر/ الناشر: عالم الكتب/الطبعة: الثامنة 2003.
- الكتاب: بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة/ المؤلف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي/ تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم/الناشر: المكتبة العصرية - لبنان / صيدا.
- الكتاب: طبقات النحويين واللغويين (سلسلة ذخائر العرب 50)/ المؤلف: محمد بن الحسن بن عبيد الله بن مذحج الزبيدي الأندلسي الإشبيلي/المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم/ الناشر: دار المعارف/ الطبعة: الثانية.
- الكتاب: شرح النظام على شافية ابن الحاجب/ المؤلف: نظام الدين الحسن بن محمد النيسابوري/الناشر:ذوي القربى ـ قم المقدسة/ الطبعة: الثانية.
- الكتاب: تاريخ آداب العرب/ المؤلف: مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي (المتوفى: 1356هـ)/ الناشر: دار الكتاب العربي/ الطبعة: لايوجد.
- الكتاب : الأغاني/ المؤلف : أبو الفرج الأصبهاني/ مصدر الكتاب : المكتبة الشاملة [ الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع ].
- الكتاب: المدارس النحوية/ المؤلف: أحمد شوقي عبد السلام ضيف الشهير بشوقي ضيف (المتوفى: 1426هـ)/ الناشر: دار المعارف/ الطبعة: -
- الكتاب: أصول علم العربية في المدينة/المؤلف: عبد الرزاق بن فراج الصاعدي/الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة/الطبعة: السنة الثامنة والعشرون، العددان 105 -106، 1417هـ - 1418هـ /1987-1988م.
- الكتاب: شرح التصريح على التوضيح أو التصريح بمضمون التوضيح في النحو/المؤلف: خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن محمد الجرجاويّ الأزهري، زين الدين المصري، وكان يعرف بالوقاد (المتوفى: 905هـ)/الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان/الطبعة: الأولى 1421هـ- 2000م.
- الكتاب: حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك/المؤلف: أبو العرفان محمد بن علي الصبان الشافعي (المتوفى: 1206هـ)/الناشر: دار الكتب العلمية بيروت-لبنان/الطبعة: الأولى 1417 هـ -1997م.
- عنوان المقالة: في تاريخ علم الصرف ومصطلحاته/ الكاتب: أ.د مازن المبارك/ مجلة: كلية الدراسات الإسلامية والعربية ـ دبي/ العدد: التاسع عشر، ربيع الأول 1421 ه – يونيو 2000 م.
- عنوان المقالة: دور مدرسة الكوفة في نشوء علم الصرف/ الكاتب: محمد حسن عبد النبي/ جامعة القاهرة، كلية دار العلوم.
- عنوان المقالة: علم الصرف: نشأته وتطوّره/ الكاتب: ولدان نفيعي/المصدر: موقع الأكاديمية العربية الدولية.
...................................................
[1] كتاب العين: 7 : 109.
[2] لسان العرب: 9 : 189 – 190.
[3] الشافية في علمي التصريف والخط: 59 ؛ شرح النظام على شافية ابن الحاجب: 27.
[4] موسوعة النحو والصرف والإعراب: 416.
[5] المفتاح في الصرف: 26.
[6] شذا العرف في فن الصرف: 11.
[7] علم الصرف – نشأته وتطوّره: 35.
[8] في تاريخ علم الصرف ومصطلحاته: 300.
[9] طبقات فحول الشعراء: 2 ؛ من تاريخ النحو العربي: 31 ؛ البحث اللغوي عند العرب: 89.
[10] من تاريخ النحو العربي: 44 ؛ علم الصرف نشأته وتطوّره: 40 ؛ في تاريخ علم الصرف ومصطلحاته: 302.
[11] تاريخ آداب العرب : 1: 155.
[12] علم الصرف – نشأته وتطوّره: 40.
[13] المصدر السابق: 40 -41.
[14] من تاريخ النحو العربي: 31 – 32.
[15] الأغاني : 8 : 294؛ في تاريخ علم الصرف ومصطلحاته: 303 - 304.
[16] من تاريخ النحو العربي: 32.
[17] من تاريخ النحو العربي: 32.
[18] المدارس النحوية: 11؛ أصول علم العربية في المدينة: 280-281.
[19] أصول علم العربية في المدينة: 280-281.
[20] الواضح في الصرف: 3-5.
[21]. شرح التصريح على التوضيح:1 : 5 ؛ حاشية الصبان على شرح الأشمونى لألفية ابن مالك:1 :24.
[22] بغية الوعاة في تاريخ اللغويين والنحاة: 2 :291 ؛ لم يذكر الإجماع في هذا الكتاب، وقد ذكره في كتاب آخر.
[23] طبقات النحويين واللغويين: 125 – 126.
[24] بغية الوعاة في تاريخ اللغويين والنحاة: 2 : 291.
[25] سبب وضع علم العربية: 60 – 62.
[26] دور مدرسة الكوفة في نشوء علم الصرف: 15 – 17.
[27] دور مدرسة الكوفة في نشوء علم الصرف: 17.
[28] المصدر السابق: 17 ؛ في تاريخ علم الصرف ومصطلحاته: 311.
[29] من تاريخ النحو العربي: 35 – 36.
[30] الواضح في الصرف: 6.
[31] دور مدرسة الكوفة في نشوء علم الصرف: 23؛ علم الصرف ـ نشأته وتطوره: 42.
[32] الواضح في الصرف: 7.
[33] المصدر السابق: 23؛ علم الصرف – نشأته وتطوره: 42.
[34] من تاريخ النحو العربي: 35 – 36.
[35] المصدر السابق: 35 – 36.
[36] من تاريخ النحو العربي: 39؛ الواضح في الصرف: 7.
[37] من تاريخ النحو العربي: 43.
[38] الواضح في الصرف: 7.
[39] المصدر السابق: 44 – 45؛ الواضح في الصرف: 7.
[40] الواضح في الصرف: 7.
[41] الواضح في الصرف: 7 – 8.
[42] دور مدرسة الكوفة في نشوء علم الصرف: 26.