رغم كون كثير من النساء المؤمنات يعتقدن بمقامات الزهراء (ع) وكونها حجة وأسوة للانقياد، إلا أننا نجد البعض منهن يتلكأن في التمثل بمنهجها واستحضار سلوكها خصوصا في ما يرتبط بالمنهج الأسري للبيت الزوجي لفاطمة (ع).
هناك سببان أساسيان:
الأول: غياب لغة التوازن بين البعدين المادي والغيبي في الخطاب الديني الذي يصور الزهراء (ع) للمستمع.
لأن الاقتصار على بعد واحد وتغليبه على الآخر يُخِل بالفهم الكلي لشخصية الزهراء (ع) التي هي خليط ملكوتي أنسي كما أكد رسول الله (ص): فاطمة حوراء إنسية.
وهذه المشكلة نبه عليها القرآن في رده على المنكرين لنبوة النبي (ص) بسبب بشريته ومطالبتهم بنبي ملكوتي كامل (أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْ) مستنكرين البعد المادي البشري فيه (وَقَالُواْ مَالِ هَٰذَا ٱلرَّسُولِ يَأْكُلُ ٱلطَّعَامَ وَيَمْشِى فِى ٱلْأَسْوَاقِ)، وحينها جاء التعريف الدقيق لشخص النبي (ص) في القرآن يثبت البشرية والوحيانية معًا (قُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰٓ إِلَىَّ) لا تغليب لبعد على الآخر (وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ).
فلا إفراط ولا تفريط في قراءة وتعريف فاطمة (ع)، لأن تصويرها وكأنها ملك حوري لا بشرية فيها يضعف علقة الناس بها واعتبارها أسوة، معللين ذلك بإنه كيف لنا أن نقتدي بموجود خارج السنخ البشري.
ثانيا: عدم التمييز بين المفهوم الكلي والمصداق في قراءة سيرتها (ع).. إذ أن سيرة أهل البيت عليهم السلام لها بعدان مفهومي ومصداقي، الأول ثابت والثاني متغير، والمطلوب حال الاقتداء أن يلتزم بالثابت لا المتغير.
وبيان ذلك أنه مثلا لو ورد نص سيروي عن شخصية الزهراء (ع) كقول أمير المؤمنين (ع) واصفا إياها للنبي (ص): يا رسول الله إنها استقت بالقربة حتى أثر في صدرها، وجرت بالرحا حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى أغبرت ثيابها.. هذه القصاصة من سيرتها (ع) لها بعدان مفهومي وهو حسن التبعل، وبعد مصداقي وهو أنها مجلت يداها من الطحن بالرحى واغبرار ثيابها من كنس الدار.
الخلل الذي يقع أننا نتمسك بالمصداق ونترك المفهوم الكلي، نتمسك بنفس المصداق وكأن المرأة إن لم تمجل يداها وتغبر ثيابها في بيت الزوجية فهي لم تتأس بالزهراء (ع)! والحال أن المطلوب حسن التبعل كمفهوم وإن تعدد مصداقه وتبدل بتغير الزمان والمكان.
وهذه القاعدة مستفادة من قول أمير المؤمنين (ع): لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم. حيث إن الأخلاق تمثل مفاهيم كلية لا تتغير بتغير الزمان والمكان فإنها مطلوبة، لا نفس الآداب التي هي مصاديق خارجية تتغير من زمان لآخر.