سأعرض في هذه المقالة المقتضبة بعض ما وجدته في مختلف الكتب - على سبيل التمثيل - حول بواعث العلماء على الكتابة، وبعض نصائحهم في هذا المجال.
١. التكليف وقصد الإتقان
كثيرٌ من الكتب، والرسائل العلمية كان منطلقها التكليف الشرعي، وإخلاصًا لهذا المبدء والمنطلق، فإن العلماء يقصدون أعلى درجات الإتقان في كتاباتهم.
ومن الأمثله الكثيرة، نذكر: موسوعة الآقا بزرك الطهراني [الذريعة إلى تصانيف الشيعة]، وموسوعة السيد محسن الأمين [أعيان الشيعة] فإن هذين الرجلين قد بلغا أعلى مراتب الإجتهاد، وصارا من الفقهاء، ولكن عندما انتشرت دعوى بعض الكتّاب: أن الشيعة شرذمة ليس لهم ذكر، ولا علماء، ولا تصانيف تذكر، شمّرا عن سواعد الجدّ، وأسهرا الأجفان...حتّى أخرجا لنا أعمالاً يحتار في مستوى إتقانها، وضخامتها القراء.
وليس هذا في الموسوعات فقط، بل حتى في الرسائل القصيرة، الصغيرة، فمن باب المثال، ألّف الشيخ الأميني كتيّبًا صغيرًا في الرد على المكذبين خبر صلاة الأمير ع في اليوم والليلة ألف ركعة، ورغم أن الكتيب لا يصل لعشرين صفحة، إلا أن به من المصادر، والمعلومات ما يفوق بعض الكتب الكبيرة، وقد قال في ختامه: "ولو كان يعلم ابن تيمية أن نظارة التنقيب تعرب عن هذه الخزايات بعد لأى من عمر الدهر لكان يختار لنفسه السكوت..".
[كتيب: صلاة أمير المؤمنين (ع) في اليوم والليلة ألف ركعة: ١٧].
٢. التشجيع
جاء في كتاب مع علماء النجف للشيخ مغنية: حدثني المرحوم أخي الشيخ عبد الكريم عن أستاذه السيد عبد الهادي الشيرازي أنه قال: "ان الإنسان، أي إنسانٍ محال أن يقوم بعمل يحتاج إلى جهد، وتحمل المشاق إلا مع الترغيب والتشجيع، حتى النبي (ص) فإنه تحمل ما تحمل؛ لأن الله كان معه وفي جميع مواقفه، ومن أيقن أن الله معه هانت عليه الصعوبات..".
ثم يعقب الشيخ بقوله: "وبديهة أن ألف كتاب وخطاب من الناس في الثناء والمديح، لا يوازي كلمة تشجيع يقولها السيد، والرئيس.. إن الحنو الأبوي يدفع بالأبناء إلى الأمام، ويشجعهم على الجد والاقدام".
مع علماء النجف: ٨٣.
٣. الشعور بالإنجاز
وذكر في حديث متصل: "..فإنّ لي - والحمد لله - من إقبال القراء على ما أكتب، وأنشر، وما أرجوه من ثواب الله خيرُ مشجّع".
مع علماء النجف: ٨٤.
٤. التقارير الدرسية والتمرّس
مما ساعد العلماء على الدخول لعالم الكتابة بيسر، هو ما التزموه منذ أيامهم الدرسية الأولى، حيث كانوا يلتزمون بما يعرف بتقرير الدروس، وقد كان الأساتذة يطالبون طلابهم بالتقارير بشكل دوري، ومستمر، ممّا ساهم في تنميتهم، وصقل أقلامهم، وتكشف لنا العديد من المخطوطات عن كتابات العلماء حتى المسودات الشخصية منها كانت كتابات مهذّبةً، ورصينة، بحيث طبع العديد منها في زماننا هذا، بينما كان أصحابها قد كتبوها كمسودات شخصية.
٥. المخرجات
من أهم الأمور المشجعة لأي عمل هو نتيجة العمل، فشعور عدم الإنتاج، شعور قاتلٌ للعامل، ومن هنا من الجيد، أن يجعل الكاتب له مخرجًا يشعر من خلاله بالإنجاز، والتقديم، ويتقدم من خلاله، ونذكر هنا على سبيل المثال تجربة جميلة ذكرها المرحوم الشيخ محمد هادي معرفة، يقول الشيخ معرفة: لما انتقلت للنجف الأشرف شكلت مع مجموعة من الأصدقاء جلسة أسبوعية للطرح، والنقاش العلمي، وقد اهتم كل مشترك بجانب معيّن، واهتممت أنا بالقرآنيات، وصرت في كل أسبوع أعرض بحثًا في هذا المجال، وكانت نتيجة هذه الجلسات كتاب التمهيد في علوم القرآن، ثم ولمزيد من التثبت، ولأخذ آراء العلماء الآخرين، صرت ألقي المحاضرات في هذا الجانب، لأستفيد من نظر العلماء وآرائهم، وانتقاداتهم.
هذه المخرجات والمحطات التي وضعها الشيخ معرفة يعدها من أهم الأمور التي أعانته لإنتاج كتابٍ يعدُّ من أهم كتب المذهب الحديثة.
ومن نصائح الشيخ معرفة: "أطلب من الطلبة في الحوزات والجامعات أن يكتبوا ويحقّقوا ويدرّسوا منذ البداية ولا يتركوا ذلك حتّى مراحل متأخّرة فإنّ ذلك تسويف في العمل، بل لابدّ من نشر آثارهم منذ البداية".
[راجع المقابلة مع الشيخ معرفة - مجلة مرآة الكتب، العدد: ٤٣، ص: ٣٣ - ٣٤].
٦. الطلب الخاص ٧. والهدية:
من يقرأ مقدمات كتب علمائنا القدماء يجد أن كثيرًا منها كانت بعنوان الهدية، منها على سبيل المثال: كتاب شرح نهج البلاغة لابن ميثم، وكثير منها بعنوان استجابة لطلب، منها على سبيل المثال: كتاب الكافي، شرح رسالة العلم الذي قام به المحقق الطوسي.
٨. الاتفاق والتعهد
يذكر الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه نصائح وتجارب إلى الحوزات العلمية أن الشهيد الصدر - رح - قد فاتحه بموضوع النقص في المكتبة الإسلامية بالنسبة لسيرة أهل البيت - ع -، وبالنسبة لمجال الاقتصاد واتفق معه على أن يكتب كل منهما في مجال معين.
٩. إلزام النفس
تختلف الإلزامات النفسية، فمنها غير مباشر كالاتفاق، والتعهد، ومنها الالتزام المباشر، وقد أعجبتني عبارة للدكتور بشار عواد كتبها لمن يتعجب من كثرة تأليفاته، يقول فيها: " ألزمت نفسي منذ أربعين سنة أن أكتب كل يوم ملزمة (ستة عشر صفحة)..". [المقولة منقولة بعنوان رسالة في مفتتح كتاب التركيز للدكتور مشعل فلاحي].
١٠. التخطيط
ينقل عن الشيخ حبيب الكاظمي أنه سأل المرحوم السيد جعفر مرتضى عن كثرة تآليفه، فقال له: عندما اقرأ وابحث، أقوم بكتابة كل المعلومات التي تهمني بمصادرها على حدة، ومع مرور السنين، تتكون عندي مصادر جاهزة لكتابة مجموعة من البحوث.
١٢. التخطيط والتعاون
ونجده واضحًا في سيرة بعض العلماء، كالعلامة المجلسي في مشروع كتابة كتابه بحار الأنوار حيث تعاون مع طلبته وكذا بعض بناته في كتابته، وكالمرجع الديني الشيخ ناصر مكارم الشيرازي، ونقتبس بعض كلماته في هذا المجال: يتحدّث لنا سماحته عن تجربته في عالم التأليف والكتابة يقول:
"إنّ أول تجربة لي أثبتت بشكل قاطع أنّ العمل الجماعي في جميع الموارد ولا سيّما في النشاطات العلمية وخاصة في كتابة الكتب أفضل من العمل الفردي كثيراً، فالكتب التي كتبناها بصورة جماعية أي بالتشاور مع الآخرين كانت أسرع وأعمق وأكثر غزارة من جهة، ومن جهة اخرى كانت مورد استقبال الناس أكثر حتى لو كان الطرف الآخر في المشاورة والعمل الجماعي تلميذاً للشخص..وعلى أيّة حال فانا اوصي جميع الاخوة من الكتّاب الأعزاء أن يتحركوا في عالم التأليف على مستوى ترجيح العمل الجمعي على الفردي لاسيّما في تصنيف وتأليف الكتب المهمّة" [كتاب السيرة المباركة: ٢٠٨].
١٣. الاطلاع على الروايات والآداب الحاثة على الكتابة
منها ما أورده صاحب منية المريد في باب [آداب الكتابة والكتب وما يتعلق بها] ص ٣٣٩.
كانت هذه بعض الاقتباسات، والنصائح مما له علاقة بموضوع الكتابة، ودوافع العلماء لها، وينبغي علينا التأمل في هذه النقاط، ومحاولة الاستفادة منها بطرق مناسبة، للتشجيع على الكتابة.
عبدالله رحمة
١٦/٢/٢٠٢٠