تحقيقٌ حول استحباب الدعاء لأربعين مؤمنا في قنوت الوتر في صلاة الليل في كلام غارس الحدائق الناضرة غواص بحار عويصات الأخبار ومن إليه المستند في الشارد والوارد شيخنا ومعتمدنا المحدث الشيخ يوسف العصفوري البحراني أنزل الله عليه شآبيب جوده السبحاني.
قال طيب الله رمسه:
"اشتُهر في كلام الأصحاب استحباب الدعاء لأربعين من إخوانه في قنوت الوتر، قال في المدارك بعد الكلام في استحباب الاستغفار في قنوت الوتر سبعين مرة، ويستحب الدعاء فيه لإخوانه المؤمنين بأسمائهم وأقلهم أربعون، فروى الكليني في الصحيح عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "دُعَاءُ الْمَرْءِ لأَخِيه بِظَهْرِ الْغَيْبِ يُدِرُّ الرِّزْقَ ويَدْفَعُ الْمَكْرُوه"[1]، وفي الحَسَنِ عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: "مَنْ قَدَّمَ أَرْبَعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ دَعَا اسْتُجِيبَ لَه"[2].
أقول: لا ريب في استحباب الدعاء للإخوان، وكذا الأربعين من الإخوان كما ورد في عدة أخبار زيادة على ما ذكره، إلَّا أنَّها لا تقييد فيها بوقت مخصوص من صلاة أو غيرها، وأمَّا الروايات الواردة في قنوت الوتر على تعددها وكثرتها فلم ينهض شيءٌ منها على استحباب الدعاء للأربعين، بل ولا الإخوان بقول مطلق، ولعلَّ من ذكر ذلك من أصحابنا نظر إلى كون هذا الوقت من أفضل الأوقات، وأنَّه مظنَّة للإجابة فذكر هذا الحكم فيه، وإلَّا فلا أعرف لذكره في خصوص الموضع وجهًا مع خلوِّ الأخبار عنه، وكيف كان، فالعمل بذلك بقصد ما ذكرناه لا بأس به. وأمَّا ما نقل عن بعض مشايخنا المعاصرين من المبالغة في الدعاء للأربعين في هذا القنوت حتَّى أنَّه يأتي به بعد الفراغ من الركعة لو أخلَّ به، فالظاهر أنَّه وهمٌ من الناقل لِمَا عرفت"[3]. انتهى كلامه زيد في إنعامه.
أقول، ومنه التسديد والإعانة: أنَّ المُتحصل من رشحات إفاضاته ما يلي:
1/ نقل الشهرة عن الأصحاب بعد التتبع، وهو ممَّا يُعَدُّ من مميزاته وتضلعه حتَّى أنَّ الأكثر من الأساطين ينقل عن نقله مطمئنا بغضِّ النظر عن السجال الدائر بين الأعلام عن جابريتها أو كاسريتها، واعتمادها مدركًا من عدمه في التأسيس للحكم الشرعي.
2/ تعويله (قُدِّس سرُّهُ) على العمومات والإطلاقات في مسألة الدعاء للإخوان مع تَنَظُّرِهِ كما عرفت في أصل المطلب؛ أعني به تخصيص الدعاء لأربعين مؤمنًا في قنوت الوتر من صلاة الليل أو بعد الفراغ منها.
3/ ذهابه (طاب رمسُهُ) إلى خلوِّ الأخبار من التخصيص بوقت، وإنْ استحسنه لنُكتةِ مَظَنَّةِ استجابة الدعاء في وقت السحر، وخصوصية صلاة الليل للإطلاقات والعمومات نافيًا البأس عنه.
4/ عدم اعتراضه (نوَّر الله تربته) على مسألة العدد (٤٠) كما قد يُتوهم من كلامه؛ وإنَّما مَركز خلافه مع القوم هو التخصيص والتوظيف؛ أعني به تخصيص الدعاء في صلاة الليل وتوظيفه في الوتر.
5/ الظاهر من اعتراضه رحمه الله على القوم، وما يلوح من كلامه هو الدعاء للإخوان مطلقًا في أيِّ وقتٍ من الأوقات، وفي أيِّ زمان من الأزمان رافعا لخصوصية الوتر، بل نافيًا للمحلِّ؛ أعني به القنوت، غير غافل عن خصوصية الزمان كشهر رمضان، وأشهر الحجِّ والعمرة، وكذلك المكان كمكَّة، والمدينة، والنجف، وكربلاء، والكوفة، وسائر قبور الأئمة والأولياء (عليهم أفضل الصلاة وأزكى السلام).
وكيف كان، فالمسألة تكليفية بحتة وإن كانت في المندوبات والمستحب من الأحكام الخمسة التي أتعب الفقيهُ فيها نفسه، فينبغي مراعاتها مع العلم بها؛ لإنَّها تندرج تحت موضوع التقليد. وكم من مسألة كنَّا نظنُّ إجماعيتها، أو شهرتها فبان لنا خلاف علمنا وعهدنا بها.
والحمد لله رب العالمين وصلواته وسلامه على أشرف الأنبياء المرسلين سيدنا محمد وعلى آله الغر الميامين.
وانفتل القلم من ركوعه وسجوده في سحر يوم السابع من رجب المرجب ١٤٤٣هجري، الموافق: 8 فبراير 2022 ميلادي.
السيد جميل المصلي
........................................
[1] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 507
[2] - الكافي - الشيخ الكليني - ج 2 - ص 509
[3] - الحدائق الناضرة، الشَّيخ يوسف آل عصفور، ج6 ص45