من القواعد المهمّة في تفسير القرآن الكريم، هي قاعدة بيّنها الإمام محمد الجواد (عليه السلام)، وهي أن الله تعالى أجرى في كتابه العزيز احتجاجات على الناس في موضوع الأنبياء، لكي يصلوا إلى قناعة واضحة وإيمان راسخ بهم، وأجرى سنن ذلك فيما ظهر في واقعهم، فكانت حياة الأنبياء وما ظهر منهم من معجزات شاهدة على صدقهم، ولمّا كانت الإمامة امتداداً للنبوةّ، وهما نور واحد، فقد أجرى سنن الأنبياء في الأئمة، وجعل حجّتهم كما في حجة الأنبياء، وقد عبّر الإمام الجواد عن ذلك في حديث قال فيه: (إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوّة).
فبذلك تكون لدينا ثروة قرآنية عظيمة في شأن الإمامة ومعارفها.
فعن علي بن أسباط قال: "رأيت أبا جعفر (ع) وقد خرج عليّ فأخذت النظر إليه، وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه لأصف قامته لأصحابنا بمصر، فبينا أنا كذلك حتى قعد فقال: يا علي إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة، فقال: (وآتيناه الحكم صبياً)، (ولما بلغ أشده)، (وبلغ أربعين سنة)، فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنة". (الكافي، ج1، ص384)
ومن هذه القاعدة المهمّة، يمكن عرض الروايات التي في شأن الإمامة وحقيقتها وخواصها ومعالمها وأدوارها، على آيات القرآن الكريم التي جرت في الأنبياء، لتقرّب الفكرة ويتعقّلها العقل ويصدّقها القلب، ثم يطبّقها على واقع الإمام في علمه وفضله وما ظهر من معجزاته وكراماته، وبذلك تكون هذه القاعدة إحدى طرق العرض على القرآن الكريم فيما جاء من روايات معارفية في الإمامة، وهي دليل على أن ما يتوهّم البعض في رفضه لشؤؤون الإمامة بدليل عقلي، ما هو إلا محض وهم ولا ربط للعقل به، لأن سننه مثبتة في القرآن الكريم قد جرت في أنبياء الله عزّ وجلّ.
وفي تطبيق آخر للقاعدة السالفة الذكر، يذكر الإمام الجواد (ع) تطبيقاً دقيقاً ومعزّزاً للقاعدة، بل يثبت أن مثال الإمامة قد تم تطبيقه في القرآن الكريم في حق أمير المؤمنين (ع) حيث أجرى الله تعالى ما أجراه في النبي محمد (ص)، وقد استدل به الإمام الجواد (ع) على الإمامة في حقّه حيث كان حدث السنّ حين تسلّمه للإمامة.
فعن علي بن إبراهيم عن أبيه قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر (ع): "يا سيدي، إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل، لقد قال الله عز وجل لنبيه (ص): (قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، فو الله ما تبعه إلا علي (ع) وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين" (الكافي، ج1، ص384)
وقد روي عن الإمام الرضا (ع) أبو الإمام الجواد قبل ذلك في تطبيق هذه القاعدة من آية (وأنفسنا وأنفسكم) على أفضلية أمير المؤمنين (ع)، حيث قال: "فكان نفسه بحكم الله عز وجل، فقد ثبت أنه ليس أحد من خلق الله تعالى أجلّ من رسول الله (ص) وأفضل، فوجب أن لا يكون أحد أفضل من نفس رسول الله (ص) بحكم الله تعالى". (البحار، ج10، ص350)
فيكون هذا التطبيق دليلاً على (إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة)، كما قال الإمام الجواد (عليه صلوات المصلين).
السيد محمود الموسوي
30 ذو القعدة 1442هـ