لقائلٍ أن يقول: حينما أمرنا الله سبحانه أن نطيع الرسول (ص) والأئمة الأطهار (ع)، فإنّه يأمرنا بإطاعة إنسان معصوم، المعصوم لا يخطئ ولا يأمر إلّا بالحق، وبهذا نُحرز – بناءً على إطاعتنا للمعصوم - صحّة أفعالنا ونتيقّن من سلوكنا للطريق الذي يريد الله سبحانه لنا أن نسلكه.
إلّا أنّ هذا الإحراز والتيقن لا يمكن تحققه حال إطاعة غير المعصوم وإن كان فقيهاً، بل أعلم الفقهاء؛ حيث إنّه من المحتمل جداً أن يخطئ، ومتى ما اتبعناه وأطعناه سرنا على خطئه، وانحرفنا عن طريق الله سبحانه، ولا يمكن أن يأمرنا الله سبحانه بإطاعة من يحرفنا عن الحق.
يمكن الإجابة على هذا الإشكال بثلاث إجابات، جواب تاريخي، جواب عقلي، جواب نقضي.
أوّلاً: الجواب العقلي.
لو أنّنا وجدنا عشرة أشخاص يغرقون في البحر، وما كان باستطاعتنا إلّا أن ننقذ سبعةً منهم، هل يحكم العقل بإنقاذ السبعة، أم بعدم إنقاذ أيٍّ منهم متى لم يكن بالإمكان إنقاذهم جميعاً؟
من الواضح أنّ الخيار الصائب الذي يختاره العقل السليم هو إنقاذ السبعة، إذ أنّ بإنقاذهم يتحقق أكبر قدرٍ من المصلحة. ولو لاحظنا أمور حياتنا كلّها فسنجد أنفسنا دائماً نتصرف بهذا المبدأ العقلي، إذ أننا متى ما كنا قادرين على تحقيق المصلحة التامة، نذهب إلى تحقيق القدر الممكن من المصلحة.
بعد هذه المقدمة نقول: للإسلام صورة مثالية متحققة بحضور المعصوم، وهي وجود القائد المعصوم، الذي يدير ويدبر جميع أمور المجتمع الإسلامي، ويتحقق بوجوده – المعصوم – المصلحة الكاملة التي أراد الله تحققها في الواقع، ولا يمكن لأحد غير المعصوم أن يصل بالمجتمع إلى هذه المرتبة السامية.
إلّا أنّنا اليوم نعاني من غياب المعصوم، وهذا أمرٌ مفروض علينا، بل نحن نختبر ونمتحن بغياب المعصوم عنا.
وفي هذا الظرف الاستثنائي – غياب المعصوم – لا يمكن تحقيق المصلحة الكاملة التي يسعى الإسلام إلى تحقيقيها، إلّا أنّ هذا لا يعني عدم إمكان تحقق مقدار من المصلحة.
وأكبر قدر من المصلحة يمكن تحقيقه بإطاعة واتباع أقرب الناس صفاتاً – من حيث العلم والتقوى والورع والكفاءة – من المعصوم، وهذا هو اتباع الفقهاء.
فمن يقول بعدم اتباع الفقهاء الذين يترتب على اتباعهم أكبر قدر من المصلحة، كمن يقول بعدم إنقاذ أيّ غريق متى ما استحال إنقاذ الجميع.
ثانياً: الجواب التاريخي.
من الثابت أنّ أمير المؤمنين (ع) عيّن ولاته على الولايات التي كانت تشكّل الدولة الإسلاميّة يوم ذاك. على سبيل المثال قد عيّن مالك الأشتر والياً على مصر، وكان على أهل مصر أن يتبعوا ويطيعوا مالك، في حين أنّ مالك غير معصوم ويمكن أن يخطئ وهذا وارد، فنسأل هنا: هل أنّ تكليف أهل مصر هو عدم إطاعة مالك؟ أم يجب أن يلتزوا بإطاعته بناءً على أنّ الذي عيّنه معصوم؟
من الواضح أنّ إطاعة واتباع مالك الأشتر الذي هو منصوب على أهل مصر من قبل أمير المؤمنين (ع) واجبةٌ على أهل مصر، وعدم إطاعته هي عدم إطاعة أمير المؤمنين (ع) الذي عيّنه.
كذلك فإنّ إطاعة واتباع الفقهاء الذين أمر المعصوم باتباعهم وإطاعتهم واجبةٌ على الأمّة، وعدم اتباعهم وإطاعتهم عدم اتباع وإطاعة المعصوم.
ثالثاً: الجواب النقضي.
لا يمكن اعتبار أنّ إطاعة والأخذ بقول أيّ شخص مرهون بعصمته، ولو كانت العصمة شرطاً في الإطاعة لاستحالت الحياة.
حيث إنّنا نجد المريض يطيع الطبيب ويأخذ بقوله في العلاج، ولا اعتبار هنا للعصمة. وهذا النمط – إطاعة غير المعصوم – هو الحاكم في جميع أمور حياتنا.
وقد يشكل شاكلٌ على هذا الجواب، بأنّ إطاعة الطبيب لا تترتب عليها معصية إن أخطأ، في حين أنّ إطاعة الفقيه يترتب عليها معصية إن أخطأ.
لكننا نقول أنّ إطاعة الطبيب أيضاً قد تترتب عليها معصية حال خطئه، إذ من المعلوم أن حفظ حياة الإنسان واجبٌ على الإنسان، وتعريض حياته للخطر لا يجوز، وبهذا متى ما ترتب على إطاعة الطبيب ضرر يسبب للإنسان خسارة حياته يكون قد ارتكب ما لا يجوز ارتكابه.
ومن هنا يظهر أنّ العقل يرشدنا إلى اتباع وإطاعة عدم المعصوم متى ما ترتب على هذه الإطاعة أكبر قدر من المصلحة.