﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾
﴿الٓمٓ(1)﴾*سبق تفسيره أوّل سورة البقرة[1].
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ(2)﴾*يعني غلبتها فارس
﴿فِي أَدْنَى الأَرْضِ﴾ أدنى أرض العرب منهم، وهي الشامات وما حولها ﴿وَهُم﴾ يعني وفارس ﴿مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ﴾ الروم ﴿سَيَغْلِبُونَ(3)﴾ أن الرّوم غلبوا على ريف الشّام.
﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ يعني يغلبهم المسلمون ﴿لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ له الأمر من قبل أن يأمر به، وله الأمر من بعد أن يأمر به، يقضي بما يشاء ﴿وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ(4)﴾ يوم يغلب الرّوم
﴿بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ(5)﴾ ينتقم من عباده بالنٔصر عليهم تارة ، ويتفضّل عليهم بنصرهم أخرى
﴿وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(6)﴾ وعده ، ولا صحّة وعده
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ ما يشاهدونه منها والتّمتّع بزخارفها ﴿وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ(7)﴾ لا تخطر ببالهم
﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ فإنّها أقرب إليهم من غيرها، ومرآة يجتلي للمستبصر ما يجتلي له في سائر المخلوقات، ليتحقّق لهم قدرة مبدعها على إعادتها قدرته على إبدائها ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ تنتهي عنده، ولا تبقى بعده ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ(8)﴾ جاحدون، يحسبون أن الدّنيا أبديّة وأن الآخرة لا تكون.
﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ﴾ أو لم ينظروا في القرآن ﴿فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ كعاد وثمود ﴿وَأَثَارُوا الأَرْضَ﴾ وقلبوا وجهها، لاستنباط المياه، واستخراج المعادن، وزرع البذور وغيرها ﴿وَعَمَرُوهَا﴾ وعمروا الأرض ﴿أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ من عمارة أهل مكّة إيّاها، فإنّهم أهل واد غير ذي زرع لا تبسّط لهم في غيرها. ﴿وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالآيات الواضحات ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ(9)﴾ حيث عملوا ما أدّى إلى تدميرهم.
﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى﴾ ثمّ كان عاقبتهم العاقبة السّوأى ﴿أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ علة أو بدل أو خبر كان.﴿وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون(10)﴾ ثمّ كان عاقبة الذّين اقترفوا الخطيئة.
﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ ينشأهم ثم يبعثهم ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(11)﴾ للجزاء
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ(12)﴾ يسكتون متحيّرين آيسين
﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ﴾ ممّن أشركوهم بالله ﴿شُفَعَاء﴾ يجيرونهم من عذاب الله ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ(13)﴾ يكفرون بآلهتهم حين يئسوا منهم.
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ(14)﴾ القمي: إلى الجنّة والنّار
﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ(15)﴾ القمي: يكرمون ، وأصله: السرور.
﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ(16)﴾ مدخلون لا يغيبون عنه
﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ(17)﴾
﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ(18)﴾ إخبار في معنى الأمر بتنزيه الله تعالى والثّناء عليه في هذه الأوقات الّتي تظهر فيها قدرته، وتتجدّد فيها نعمته.
﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ يعقب الحياة بالموت وبالعكس ﴿وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها ﴿وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ19)﴾ من قبوركم.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ(20)﴾ ثمّ فاجأتم وقت كونكم بشرًا منتشرين في الأرض.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ لتميلوا إليها وتألفوا بها.
﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(21)﴾* فيعلمون ما في ذلك من الحكم.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ(22)﴾ لا تكاد تخفى على عاقل.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ﴾ منامكم في الزّمانين لاستراحة القوى النّفسانيّة وقوّة القوى الطّبيعية وطلب معاشكم فيها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(23)﴾ سماع تفهّم واستبصار.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا﴾ من الصاعقة وللمسافر ﴿وَطَمَعًا﴾ في الغيث وللمقيم ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(24)﴾ يستعملون عقولهم في استنباط اسبابه ، وكيفيّة تكونّها. لإظهار كمال قدرة الصّانع وحكمته.
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ التعّبير بالأمر ، للمبالغة في كمال القدرة والغنى عن الآلة ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ(25)﴾ بلا توقف واحتياج إلى تجشّم عمل ، بسرعة ترتّب إابة الدّاعي المطاع على دعائه.
﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ(26)﴾ منقادون لفعله فيهم، لا يمتنعون عليه.
﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ بالإضافة إلى قدركم، والقياس على أصولكم، وإلّا فهما عليه سواء ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى﴾ الوصف العجيب، الشأن الذي ليس لغيره ما يساويه أو يدانيه ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(27)﴾ الّذي يجري الأفال على مقتضى حكمته.
﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلا مِنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من الأموال وغيرها ﴿فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاء﴾ فتكونون أنتم وهم فيه سواء، يتصرّفون فيه. كتصرفكم مع أنّهم بشر مثلكم، وأنّها معادة لكم ﴿تَخَافُونَهُمْ﴾ أن تستبدّوا بتصرّف فيه ﴿كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ كما يخاف الأحرار بعضهم من بعض ﴿كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ نبيّنها، فإنّ التّمثيل ممّا يكشف المعاني ويوضحها ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(28)﴾ يستعملون عقولهم في تدبّر الأمثال.
﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ فمن يقدر على هدايته ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ(29)﴾ يخلّصونهم من الضّلالة ، ويحفظونهم عن آفاتها.
﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ أمره أن يقيم وجهه للقبلة ، ليس فيه شيء من عبادة الأوثان ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ خلقهم عليها . في قبولهم للحقّ. وتمكّنهم من إدراكه ﴿لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لا يقدر أحد أن يغيّره ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ المستوي الّذي لا عوج له ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ(30)﴾ استقامته ، لعدم تدبّرهم.
﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ راجعين إليه مرة بعد أخرى ﴿وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ(31)﴾
﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ اختلفوا فيه على اختلاف أهوائهم ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ فرقًا، تشايع كلّ إمامها الّذي أضل ّ دينها كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)مسرورون، ظنا بأنه الحق
﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ شدّة ﴿دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ﴾ راجعين إليه من دعاء غيره ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً﴾ خلاصًا من تلك الشدّة ﴿إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ(33)﴾ فاجأ فريق منهم بالإشراك بربّهم الّذي عافاهم.
﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ «اللّام» فيه، للعاقبة ﴿فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(34)﴾ عاقبة تمتّعكم.
﴿أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ حجّة أو ذا سلطان، أي: من معه برهان ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ(35)﴾ بإشراكهم وصحّته.
﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾ نعمة من صحة وسعة ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ بطروا بسببها ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ شدّة ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ بشؤم معاصيهم ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ(36)﴾ من رحمته.
﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾ فما لهم لم يشكروا ولم يحتسبوا في السّرّاء والضّرّاء ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(37)﴾ يستدلّون بها على كمال القدرة والحكمة.
﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ أعط ذوي قرباك يا محمّد حقوقهم ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ والمسافر المحتاج ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ﴾ يقصدون بمعروفهم إيّاه خالص ﴿وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(38)﴾ الفائزون وثواب الله.
﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا﴾ هدية يتوقّع بها مزيد مكافاة ﴿لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ ليزيد ويزكو في أموالهم، يعني ينمو فيها ثم يرجع إليه ﴿فَلا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ﴾ فلا يزكو عنده، يعني لا يثاب عليه من عند الله ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ(39)﴾ ذوو الأضعاف، من الثّواب في الأجل، والمال في العاجل.
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ﴾ فيجوز لذلك العبادة إليه.
﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(40)﴾.
﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ الضّلالة والظّلم ، ومحق البركات وكثرة المضار ﴿لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا بعض جزائه، فإن تمامه في الآخرة ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ(41)﴾عما يكون مستقبلا.
﴿قل سيروا في الأرض﴾ ليس المراد الأمر ، بل المبالغة في العظة ﴿ فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل كان أكثرهم مشركين(42) ﴾ كان سوء عاقبتهم، لفشو الشّرك فيهم.
﴿فأقم وجهك للدين القيم﴾ البليغ الاستقامة بصاحبه إلى الجنّة ﴿من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله يومئذ يصدعون(43)﴾ يتصدّعون، أي: يتفرّقون، فريق في الجنّة، وفريق في السّعير.
﴿من كفر فعليه كفره﴾ وباله، وهو النّار المؤبدة ﴿ومن عمل صالحا فلأنفسهم يمهدون(44) ﴾ يسوّون منازلهم في الجنّة.
﴿ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله انه لا يحب الكافرين(45) ﴾ اكتفى عن ذكر جزائهم بالفحوى.
﴿ومن آياته أن يرسل الرياح﴾ ريّاح الرحمة ﴿مبشرات﴾ بالمطر ﴿وليذيقكم من رحمته﴾ المنافع التّابعة لها ﴿ولتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله﴾ يعني تجارة البحر ﴿ولعلكم تشكرون(46) ﴾ ولتشكروا نعمة الله فيها.
﴿ولقد أرسلنا من قبلك رسلا إلى قومهم فجاءوهم بالبينات فانتقمنا من الذين أجرموا﴾ بالتدمير﴿وكان حقا علينا نصر المؤمنين(47) ﴾ فيه إشعار بأن الانتقام لهم وإظهار لكرامتهم، حيث جعلهم مستحقين على الله أن ينصرهم.
﴿الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا﴾ ترفعه ﴿فيبسطه في السماء كيف يشاء﴾ سائرا وواقفا، مطبقا وغير مطبق من جانب دون جانب إلى غير ذلك ﴿ويجعله كسفا﴾ قطعا ، يعني يبسطه تارة متصلا وأخرى قطعا ﴿فترى الودق﴾ المطر ﴿يخرج من خلاله﴾ من خللـه ﴿فإذا أصاب به من يشاء من عباده﴾ يعني بلادهم وأراضيهم ﴿إذا هم يستبشرون(48) ﴾ بمجئ الخصب.
﴿وإن كانوا﴾ وإنه كانوا ﴿من قبل أن ينزل عليهم من قبله﴾ كرره للتّأكيد ﴿لمبلسين(49) ﴾ لآيسين.
﴿فانظر إلى آثار رحمة الله﴾ آثار الغيث، من النّبات والأشجار وأنواع الثّمار﴿كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك﴾ الّذي قدر على إحياء الأرض بعد موتها ﴿لمحيي الموتى﴾ لمحييهم لا محالة ﴿وهو على كل شئ قدير(50) ﴾ لأنّ نسبة قدرته إلى جميع الممكنات على السّواء.
﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا﴾ النٔبت والزّرع، أو السّحاب فإنّه إذا كان مصفرًا لم يمطر﴿لَّظَلُّوا مِن بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ(51)﴾ ذمّ الكفّار بقّلة تثبّتهم، وعدم تدبّرهم، وسرعة تزلزلهم، لعدم تفكّرهم وسوء رأيهم.
﴿فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ ثوهم مثلهم، لمّا سدّوا عن الحقّ مشاعرهم ﴿وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ(52)﴾ فإنّ الأصمّ المقبل وإنّ لم يسمع الكلام تفطن منه بواسطة الحركات شيئا.
﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ﴾ سمّاهم عميًا، لعمى قلوبهم ﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ لأنّه الّذي يتلقّى اللّفظ ويتدبّر المعنى ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ(53)﴾ لما تأمرهم به.
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ﴾ ابتدأكم ضعفاء، أو خلقكم من أصل ضعيف، وهو النّطفة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ وهو بلوغكم الرشد والحلم. من ضعف وقوّة وشيبة وشبيبة ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ(54)﴾ فإنّ التّرديد في الأحوال المختلفة مع إمكان غيره ، دليل العلم والقدرة.
﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا﴾ في الدّنيا أو القبور ﴿غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ استقلوا مدّة لبثهم. ﴿كَذَلِكَ﴾ مثل ذلك الصّرف عن الصّدق ﴿كَانُوا يُؤْفَكُونَ(55)﴾ يصرفون في الدّنيا.
﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإِيمَانَ﴾ هم الأنبياء والأوصياء والمؤمنون ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ في علمه وقضائه، وما أوجبه لكم وكتبه ﴿إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ ودّوا بذلك ما قالوه وحلفوا عليه ﴿فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ الّذي أنكرتموه ﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ(56)﴾أنّه حقّ . لتفريطكم في النّظر.
﴿فَيَوْمَئِذٍ لّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ(57)﴾ لا يدعون إلى ما يقتضي الرضا عنهم، من التّوبة والطّاعة، كما دعوا إليه في الدّنيا.
﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ ولقد عرّفناهم لكم بأنواع الصّفات ﴿وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ من فرط عنادهم وقسوة قلوبهم ﴿إِنْ أَنتُمْ﴾ يعنون الرّسول والمؤمنين ﴿إِلَّا مُبْطِلُونَ (58)﴾ مزوّرون.
﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(59) ﴾لا يطلبون، ويصرّون على خرافات اعتقدوها.
﴿ فَاصْبِرْ على أذاهم إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بنصرتك، وإظهار دينك على الدّين كّله. ﴿حَقٌّ﴾ لا بد من إنجازه. ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) ﴾ ولا يحملنك على الخفّة والقلق بتكذيبهم وإيذائهم، فإنّهم شاكون ضالّون، لا يستبعد منهم ذلك.