صلاة الجماعة من المستحبات المؤكدة، بل لشدة استحبابها ألحقت بالواجبات لشدة أهميتها، وحتى أن الرسول صلى الله عليه وآله حرّق على قوم بيوتهم لأنهم لا يحضرون جماعته، وقال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه لأهل الكوفة الذين أخذوا لا يحضرون جماعته عليه السلام "أما أن تستحلوا ذبيحتنا وتحضروا جماعتنا أو تفارقونا ولا تسكنوا في مِصرنا وإلا حرّقت عليكم بيوتكم". فكأنما إذا أقيمت الجماعة ولم يحضرها بعض الناس على نحو الدوام فهم في الحقيقة إنما يطعنون في الإمام الذي يقيمها، فإذا كان إمام الجماعة معصوماً كالرسول صلى الله عليه وآله أو كالإمام علي عليه أفضل الصلاة والسلام يكونون قد طعنوا في المعصوم، ونفوا العصمة عنه، فحق له أن يحرق عليهم بيوتهم.
وإذا كان الإمام [إمام الجماعة] غير معصومٍ وداوم فردٌ أو أفرادٌ على عدم حضور جماعته فلا إشكال أنهم يطعنون في عدالته ووثاقته ولذلك يأبون الحضور معه في جماعةٍ واحدة، ويكون انقطاعهم من باب الحكم ببطلان جماعة المؤمنين التي تكون في البلد، ولا تجب نية الجماعة في صلاة الجماعة على الإمام، بل لو صلى الإمام بنية الانفراد وصلى من خلفه بنية الجماعة صحت جماعتهم وصحت صلاتهم، وكان لهم ثواب الجماعة وله ثواب المفرد.
ولا يجب على الإمام أن ينوي الجماعة إلا في صلاة الجمعة، ففي صلاة الجمعة يجب على الإمام أن ينوي الجماعة لأنه إذا لم ينو الجماعة لا تنعقد جمعته فتكون الصلاة عندئذ باطلة.
ولصلاة الجماعة آداب من أهمها:
أولاَ: المسارعة في الحضور إليها بحيث لا تفوته تكبيرة الإحرام، وحتى أن بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله فاتته في يوم من الأيام تكبيرة الإحرام فذهب وتصدق عن فوات تكبيرة الإحرام عليه، فقال له الرسول "ص" لو تصدقت بمثل جبل أحد ذهباً وفضة ما أدركت فضل تكبيرة الإحرام.
ثانياً: تسوية الصفوف بأن يسوي المسلمون في المسجد صفوفهم، لا أن يأتي ويرى الصف الذي هو أمامه لا يزال غير متكامل فيشكل صفاً جديداً، بل عليه أن يدخل في الصف الذي لم يكتمل حتى يكتمل، ثم يتكون الصف الذي بعده، وليس كما نشاهده الآن في بعض الجماعات بحيث تكون كأنها مثلث ينتهي بواحد بينما الصف الأول من طرفيه غير مكتمل. هذا غير صحيح، هذا خطأ فادح، وإن الشيطان ليتخلل تلك الجماعة من أي فرجةً وجدها.
وكذلك أن لا يكون بين المصلي والمصلي الثاني فرجة بقدر الإمكان، بل ينبغي أن تكون المناكب متلاصقة لا أن تكون هناك فُرجٌ، وأما لو كان في الصف الأول بين المصلي والمصلي الثاني فرجةً تسع مصلياً فلا إشكال أن من يكون على يمين تلك الفرجة إذا كانت هي على يمين الإمام تكون صلاتهم باطلة. وكذلك لو كانت الفُرجة على يسار الإمام تكون صلاة من على يسارها باطلة، فينبغي أن يدفع منه إذا أحس أن هناك فرجة أن يدفع الذي على يمينه أو على يساره أو يفترشا رجلهما حتى يسدا تلك الفرجة، ولا تبطل صلاتهم. وكذلك لو كانت بين الصف والصف فرجة كما لو جاء إلى الصف الثالث وفي الصف الثاني أمامه فُرجة فيكون بينه وبين الصف الأول مسافة تتحمل أن يقف إنسان ويصلي فإن عليه أن يمشي إليها ويسدها، ويدخل في الصف الذي أمامه، ولا يصلي إلى تلك الفرجة؛ لأنه إذا صلى إلى تلك الفُرجة تكون صلاته باطلة، ولا تبطل صلاة من على جانبيه ولا من خلفه، وتبطل صلاته هو لأنه صلى أمام تلك الفرجة التي في الصف الثاني وهو في الصف الثالث.
وأيضاً إذا دخل المسجد وكان مسبوقاً وطلب من الإمام إطالة الذكر أو تكرار الذكر ليتمكن من الدخول لا يلزم أن يصل إلى الصفوف ثم يركع، بل يستطيع أن يركع وهو بعيد، فإذا رفع الإمام رأسه من الركوع مشى والتحق بالصفوف ولا تبطل صلاته في هذه الحالة.
ثالثاً: يجب أن يتابع الإمام في جميع أفعاله لا أن يتقدم على الإمام في الهوي إلى السجود أو الهوي إلى الركوع أو الرفع من الركوع أو الرفع من السجود، بل عليه أن يهوي إذا هوى الإمام إلى الركوع، ويسجد إذا هوى إلى السجود، وإذا رفع رأسه وسمع منه السمعلة أن يرفع رأسه من الركوع، وإذا سمع التكبير أن يرفع رأسه من السجود وهكذا؛ لأنه إذا كان يسبق الإمام في الأفعال متعمداً تبطل صلاته، وإن كان غير متعمد أي ساهياً لا تبطل صلاته، ولكن إذا عوّد نفسه على تلك العادة وأصبحت له عادة دائمة فإنه يكون متعمداً في التقدم، وبذلك يُبطل صلاته من حيث لا يشعر.
وكذلك في الأقوال وهي الأذكار التي يتابع فيها المأموم الإمام ينبغي للمأموم أن يتأخر عن الإمام فيها، فلو قال معه كان له ثواب صلاة المفرد؛ فمثلاً لو قال سبحان ربي العظيم وبحمده مع الإمام في مرة واحدة، ولفظ ذكر السجود مع الإمام في مرة واحدة، أو تلفظ التشهد مع الإمام في مرة واحدة وهكذا، فمن يأتي بالأذكار مع الإمام حذو النعل بالنعل فإن له ثواب صلاة المفرد، وليس له ثواب صلاة الجماعة، وإذا كان يريد ثواب صلاة الجماعة وجب عليه أن يتأخر في الذكر في اللفظ بالكلمة، وبعد أن يلفظها الإمام يلفظها هو، ولا يلفظها مع الإمام في وقت واحد.
هذه تقريباً أهم الآداب التي يحتاج إليها المأموم في صلاة الجماعة، ولقائل أن يقول ما بالك لم تتكلم عن إمام الجماعة؟
طبعاً إمام الجماعة له مستحبات أيضاً عليه أن يلتزمها، وأهم هذه المستحبات أن يصلي بصلاة أضعف من خلفه، ولكن ما معنى صلاة أضعف من خلفه؛ صلاة أضعف من خلفه جسماً أو صلاة أضعف من خلفه ديناً، إذا كان أضعف من خلفه جسماً فعليه أن يطيل صلاته كثيراً لأن الشيخ والمريض لا يستطيع النهوض والسجود والركوع بسرعة، فلا تكون السرعة في الصلاة مطابقة لصلاة أضعف من خلفه في الجسم، بل تكون السرعة في الصلاة منصبة ومتعبة ومجهدة للضعفاء والشيوخ والعجائز الذين يصلون خلفه، فلا تكون السرعة في الصلاة مأمورا بها. لأنها يقيناً غير مرادة، وإنما قصد النبي صلى الله عليه وآله "أن يصلي بصلاة أضعف من خلفه". وقال عليه السلام "إن منكم منفرين"، يقصد في كثرة المستحبات التي يدخلها الإمام في الصلاة بحيث تطول الصلاة لكثرة المستحبات فيها، فلا ينبغي للإمام أن يدخل المستحبات الكثيرة والأدعية الكثيرة في الصلاة فتطول الصلاة على من ليست له تلك الملكة الدينية في أداء جميع المستحبات، وإنما ينبغي للإمام أن يقتصر على النزر اليسير من المستحبات حتى لا تكون الصلاة مجردة عنها بالمرة.
والصلاة التي ورثناها نحن من العلماء رضوان الله عليهم تكاد تكون مجردة، فلا مساغ أن يأتي إنسان ويقول سوف أنقص من مستحباتها، ولا معنى للإسراع بها لأن الإسراع بها ينافي الحكمة من الصلاة بأضعف من خلفه من الناحية الجسمية، فكما لا ينبغي لك أن تجهد من ليست له تلك الملكة الدينية والتوجه القلبي في حضور صلاة الجماعة إذا كثرت مستحباتها، فكذلك لا ينبغي لك أن تطرد الشيخ الكبير والعجوز والمريض من حضور جماعتك بسبب سرعتك فيها، فهذه أهم ما ينبغي للإمام.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
* كلمة لسماحة العلامة الشيخ سليمان المدني ليلة الخميس 8 ذو القعدة 1419هـ المصادف 24/2/1999م