ورد في الكافي الشريف عن أبي جعفرٍ الباقر عليه السلام: عَالِمٌ يُنْتَفَعُ بِعِلْمِهِ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعِينَ أَلْفَ عَابِدٍ([1]).
صريحةٌ هي كلمات أهل بيت العصمة صلوات الله وسلامه عليهم في تفضيل العالم على العابد بلا علم، وهذا التفضيل ناتجٌ عن مجموعة من الخصائص والمميزات التي ينفرد بها العالم على الجاهل، منها:
الميزة الأولى: العالم محصنٌ ضد الشبهات العقائدية والأفكار الشيطانيّة المنحرفة، لا يمكن أن يتزلزل إيمانه أو أن ينكسر ارتباطه بالله سبحانه وتعالى، إذ أنّ إيمانه مبنيٌ على قوة الدليل وصراحة البرهان لا على التقليد الأعمى.
الميزة الثانية: العالم أقرب من الجاهل من حيث مطابقة الواقع في تكاليفه وفرائضه، على عكس الجاهل الذي يقوى فيه احتمال الخطأ والانحراف عن أداء العبادات كما هو واقعها الأمري.
الميزة الثالثة: العالم لا يكون محض مُنفعلٍ في المجتمع، بل له دورٌ فعّالٌ في بناء الآخر وصقله صقلاً إسلامياً، ولا يخفى على المُتبصّر تكالب الأعداء على هدم عقائد الناس ونخرها، بل وزراعة الفكر الشيطاني في النفوس الضعيفة والعقول الفارغة. وهنا يبرز دور العالم في حفظ عقائد إخوانه والمحافظة على استقرار المجتمع الإسلامي وصد الهجمات الإلحاديّة.
ويشير إلى هذا ما ورد في العديد من كلماتهم عليهم أفضل الصلاة والسلام من أنّ العالم إذا لم يظهر علمه حال انتشار البدع فإنّه ملعون أو مسلوب نور الإيمان([2]).
وأعلم أنّ اليوم غير الأمس، فبالأمس كان المؤمن قادراً على المحافظة على إيمانه البسيط لأنّ العدو عاجزٌ عن الوصول إليه، وأمّا اليوم فها هو العالم الكبير الواسع قد تحوّل إلى قريةٍ صغيرةٍ كلّ من قادرٌ على أن يصل للآخر، بل وأن يصل للآخر وهو على سرير نومه!
ولهذا فإنّ المؤمن الفقير معرفيّاً، الجاهل بأحكام دينه ومعارفه، لن يكون قادراً على المحافظة على هذا الإيمان التقليدي المستورد من الآباء. وعليه فإنّ هذه التوصيات التي حملتها كلمات أهل بيت العصمة عليهم أفضل الصلاة والسلام لم تأت من فراغ، ولم تصدر من جهل – حاشاهم الجهل – والمُتبصّرُ بهُداهم والسائر على خُطاهم يرتب أولوياته بناءً على توجيهاتهم.
ولا نقصد بهذا ذمّ العابد، بل ما نقرره أنّ العالم أفضل من العابد بلا علم، وأنّ تحصيل المعارف الإيمانيّة غايةٌ أساسية لدى المؤمن، بل وقد لا تستقيم العبادة إلّا بالمعرفة، وبهذا فإنّ نيل المعارف الإسلاميّة أولويّة لا ثانويّة.
بناءً على ما تقدّم:
من المهم جداً للمؤمن أن يتعلّم مجموعة من العلوم وينال مجموعة من المعارف الإسلاميّة، وعلى وجه الخصوص:
أوّلاً: أن يدرس دورة منطقية تمثّل مقدمةً للدخول إلى أبحاث العقائد.
ثانياً: أن يدرس دورة عقائدية كاملة تبدأ بإثبات وجود الله سبحانه وتعالى وتنتهي بالمعاد. يفضّل أن تحتوي هذه الدورة على مناقشة الإشكالات الحديثة الواردة على الفكر الإسلامي ولوازمه.
ثالثاً: أن يتعرّف على الأحكام الفقهيّة في خصوص المسائل الابتلائيّة، بل يرى الفقهاء أنّ تعلّم المسائل الابتلائية واجبٌ على المكلّف كوجوب الصلاة والصوم([3]).
رابعاً: أن يكون مطلعاً على علوم القرآن والحديث.
خامساً: أن لا يغفل عن علم الأخلاق، هذا العلم العظيم المنسي للأسف في ثقافتنا، هذا العلم الذي يبني أخلاقنا وروحانيتنا.
نصيحةٌ أخيرةٌ في المقام: لا ينبغي للمؤمن أن يهجر كتاب الله الكريم، ولا أعني بالهجران هنا عدم التلاوة، بل عدم تحصيل المعارف التي تفيض منه والتعاليم التي تترشح عنه، فالتدبّر في آياته وصيةٌ إلهيّة موجهةٌ للقلوب الباحثة عن نورٍ يضيئها.
..................................
([1]) الكافي، الشيخ محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص79.
([2]) ميزان الحكمة، الجزء الأول، ص321، الحديث 1649، 1650، 1651.
([3]) السيد السيستاني، منهاج الصالحين، ج1، مسألة 19: يجب تعلّم المسائل التي يبتلى بها عادة - كجملة من مسائل الشكّ والسهو في الصلاة - لئلّا يقع في مخالفة تكليف إلزاميّ متوجّه إليه عند ابتلائه بها.