بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
منذ استشهاد الإمام الحسين عليه السلام وهناك جانب غيبي يحفظ هذه المسيرة المباركة وشخوصها وأهدافها وأبعادها، وهذا البعد الإلهي كفل لهذه النهضة جزءاً مهماً من استمرارها غضةً وملتهبة في قلوب المؤمنين لا تبرد إلى يوم القيامة.
إلى جانب ذلك فقد عمد أهل البيت عليهم السلام بما فيهم الإمام الحسين نفسه وأهل بيته إلى حفظ هذه الثورة وحماية أهدافها ومكتسباتها المستقبلية عبر ما يكفل بقاءها عبر الأجيال. ومن هذه الآليات التي كفلت استمرار هذه القضية، الخطب، البيانات، الشعر، النياحة، وغيرها من الأمور التي تطورت عبر الأزمنة واتخذت أشكالاً تتلاءم مع الأزمنة والمتغيرات، ومع ذلك بقت الثوابت التاريخية والخطوط العريضة محفوظة.
الذي قام بهذا الدور كما أسلفنا هو الحسين عليه السلام، وشاركه في هذا الدور التاريخي العظيم أهل بيته وأنصاره، والحشد الكبير من النساء والأطفال الذين مارسوا دوراً مهماً في حفظ هذه المأساة في الوجدان، ثم جاء دور الرواة الذين نقلوا الأحداث وكذلك العلماء الذين كان لهم دور التنظير والتحليل والتصنيف، كما لا ننسى دور الشعراء والمنشدين، ولكل فئة من هؤلاء أساليبه وآلياته التي كان يعمل بها كما أن له سلبياته وإيجابياته التي ربما تأثرت بكثير من العوامل عبر الأزمنة كالظروف السياسية، ومدارس الأدب، والظروف المتعلقة بالهوية الثقافية وغيرها، وسنناقش بعض هذه النقاط المرتبطة بدور المنبر والشاعر والرادود.
المحور الأول:
الدور الحقيقي المطلوب من المنبر الحسيني في تأصيل وترسيخ القراءة الواعية لمفاهيم عاشوراء الأصيلة بعيداً عن التحريف.
المنبر كما يراه الكثير من الباحثين والمؤرخين تأسس من خلال خطب الإمام زين العابدين والحوراء زينب عليهم السلام الذين بينوا الكثير من الحقائق وحفظوها ودافعوا عنها. ولذلك فدور الخطيب الحسيني يرتبط بهذه الخطوط العريضة وهي:
1- نقل الأحداث التي وقعت في يوم عاشوراء.
2- توضيح هذه الوقائع وشرحها وبيانها.
3- طرحها بلغة العاطفة المتعقلة لتترسخ في النفوس.
4- ربط هذه الأحداث بخطوط الإسلام العريضة كمفاهيم العقيدة.
5- الدفاع عن هذه الأحداث والمواقف والكلمات من إضافات المحرفين وتشويههم.
هذه الأمور هي التي قام بها مؤسسو المنبر والخطابة وهم الإمام زين العابدين عليه السلام والحوراء زينب وبقية المشاركين في هذه النهضة المباركة والمقدسة، وأئمة أهل البيت عليهم السلام، ويمكننا أن ندلل على ذلك من خلال النصوص المتاحة. وبالتالي فهذا الدور لابد أن ينتهجه الخطباء في مجالسهم الحسينية التي تطورت خلال الأزمنة لتصل إلى ما وصلت إليه من هيئة المحاضرة وطريقة المجلس الحسيني.
ومن الآليات التي لابد أن يستخدموها من أجل ذلك:
- الاعتماد على المصادر التاريخية المعتبرة والمعتمدة عند علماء المذهب ككتب التاريخ المعتمدة والموثقة.
- التفريق في نقل الحدث بين أمرين بين النص وبين إضافات أو اجتهادات الخطيب المتعلقة بفهمه فقد لا تكون صحيحة.
- التركيز على دمج الخطباء في المؤسسات الدينية كالحوزة والمدارس الدينية ليكونوا أكثر فهماً وثقافة وأكثر حرصاً على تبليغ الرسالة وأدائها بإتقان.
المحور الثاني:
كيف يمكن الموازنة بين دور المنبر في الإبكاء والحفاظ على الدمعة الحسينية وطرح الرؤى الموضوعية بدون مبالغات أو زيادات عاطفية؟!
ذكرنا أن حالة المنبر الحسيني الموجودة عندنا حالياً هي امتداد تاريخي موروث من تراث أهل البيت عليهم السلام تطور بحسب الأزمنة والظروف ليتشكل في آخر أشكاله للمجلس الحسيني فالبكاء مطلوب بحسب الروايات وكان الأئمة عليهم السلام يجمعون الشعراء لهذا الغرض وهو أساس للنعي الحسيني، كما أن الخطبة أو المحاضرة وتوجيه المجتمع ومحاولة الارتقاء بثقافته العقدية والدينية هذه الحالة قد مارسها الأئمة في مختلف أدوارهم ولذلك فالمجلس الحسيني يتكون من عناصر رئيسية وهي:
1- قراءة المقدمة والافتتاحية: وتشمل ديباجة لابتداء الكلام من البسملة والصلاة على النبي وأهل البيت عليهم السلام.
2- قراءة بعض الأشعار: قصيدة فصيحة، وبعض الأبيات الدارجة.
3- الموضوع: ويبدأ بآية أو حديث أو بيت شعر تكون محوراً للموضوع والبحث.
4- الرابط الانتقالي: وهو المعروف بـ(الكوريز) وهو الرابط الذي ينتقل الخطيب من خلاله من الموضوع أو البحث إلى ترتيل المصيبة.
5- قراءة المصيبة والنعي.
6- الدعاء والختام بقراءة الفاتحة والصلاة على النبي وآله.
وربما تكون المشكلة هي في قراءة المصيبة والرابط الانتقالي لها، فبالنسبة لبعض الخطباء يحاول استدرار الدمعة بأي طريقة متاحة فيلجأ لكل جانب عاطفي من أشعار أو روايات أو فذلكات يبتكرها من أجل إبكاء مستمعيه.
وليست المشكلة فيما لو أنه اعتمد الروايات الموجودة في الكتب المعتبرة واعتبرها محوراً لقراءة المصيبة، ولكن وللأسف فإن بعض الخطباء يلجأ لنقل حكايا مبتكرة لا أساس لها، أو رؤى وأحلام ليست مثبتة. أو متناقلة عن طريق العوام من الناس لا يعلم مدى صدور وقائعها.
فهذا الأمر على المدى البعيد يؤثر في مصداقية المنبر الحسيني ويؤثر في أداء الرسالة الحسينية لأنه يؤسس لقاعدة مفادها [ليس كل ما يقوله الخطيب حقيقة] وبالتالي سيفقد المنبر جانباً مهماً من مصداقيته ورونقه وتأثيره والذي أسسه أهل البيت عليهم السلام، بالإضافة للإشكالية الشرعية التي ربما يقع فيها البعض وقد تناولها بعض الفقهاء في استفتاءاتهم.
ومن هذا المنطلق ألَّف البَحَّاثَةُ الكبيرُ والمُحَدِّثُ الشيخُ حسين النوري الطبرسي صاحب كتاب (مستدرك الوسائل) كتاباً تحت عنوان (اللؤلؤ والمرجان) في آداب أهل المنبر، وأطال في نقد الخطباء وقراء التعزية واعتمادهم على الكتب والمصادر غير الموثقة. كما نقلت بعض المحاضرات للعلامة والمفكر الكبير الشيخ مرتضى مطهري طبعت تحت عنوان (الملحمة الحسينية) والذي انتقد فيه أموراً كثيرة اعتمدها بعض الخطباء وهي فاقدة لمصداقيتها.
وهنا عدة توصيات تستهدف الخطباء:
1- ضرورة أن يرتقي الخطيب بثقافته وخصوصاً فقه الحديث وعلمي الرجال والدراية.
2- ضرورة أن يقتني الخطيب الكتب التي بُنيت على أسس علمية في انتقاء الروايات مثل: كتابي (نَفَس المهموم) للشيخ عباس القمي، و(مقتل الحسين) للسيد عبد الرزاق المقرم.
3- ضرورة أن تقوم الحوزات بتدريس مادتي السيرة والتاريخ فهي مهمة لرجل الدين وللمبلغين وكذلك الخطباء لما تحويه من مادة غزيرة.
4- يمكن أن يمارس المجتمع أو الحضور دوراً من خلال استحداث جلسات بعد موسم محرم الحرام يُناقش فيها الجمهور خطيبهم الذي استمعوه خلال الموسم.
المحور الثالث:
دور الأدب والشعر في نقل مأساة كربلاء ورسالتها ودور الرواديد:
لعب الأدب والشعر دوراً كبيراً في تراث أهل البيت (ع) والإسلام بشكل عام في الدعوة للدين وترسيخ عقائد أهل البيت ولذلك نجد لكل إمام شاعر يختص به، كما أن بعض الأئمة كانوا يحثون أصحابهم بحفظ بعض الأشعار وتعليمها لأبنائهم. كما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: [علّموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله]. فالشعر يحمل رسالة ويحمل مبادئ وأفكار تترسخ في الأذهان بسبب أن الشعر له إيقاع خاص على نفس مستمعيه فتتوق له وينطبع في النفس البشرية فينحفظ بشكل أسهل. وكذلك كان للمنشدين أو (الرواديد) دور كبير في نشر هذا التراث.
وبقيت المواكب تضخ الكثير من القصائد والأشعار حتى استهلكت الكثير منها ونتج لدينا جيل من الشعراء الذين يكتبون بشكل متجدد كل عام قصائد العزاء. وقد أدَّى هذا الاستهلاك الكبير في القصيدة الموكبية إلى ضعف النتاج الشعري المرتبط بالموكب.
أسباب الضعف:
1- كثرة الطلب على القصائد الموكبية الجديدة خصوصاً إذا كان الطلب من نفس الشاعر فتقل الجودة.
2- استخدام أوزان متعددة في القصيدة تصل إلى أكثر من ستة أوزان أحياناً.
3- إعداد اللحن قبل كتابة القصيدة مما يجعل الشاعر مقيداً في اختياراته.
4- استخدام الرواديد بعض الأوزان الغريبة في تفعيلاتها والقصيرة.
5- اختلال الإيقاع الخاص باللطم مما يجعل أداء الرادود لا ينطق الكلمات بشكل صحيح.
6- ابتعاد الشاعر عن أجواء المناسبة واستغراقه في بعض القضايا الجانبية.
7- طلب القصائد من شعراء مبتدئين في الكتابة لعزوف بعض الشعراء المختصين أو احتكارهم من قبل بعض الرواديد.
التوصيات المقترحة:
1- اهتمام الحوزات والمرجعيات الفقهية بتوجيه الخطباء أو الرواديد ومخاطبتهم والاجتماع معهم وتزويدهم بالأفكار الناضجة [توجيه].
2- اهتمام المؤسسات الدينية بأداء الرواديد ومتابعتها من الناحية الشرعية كما ينبغي للرواديد أن يتحلوا بالالتزام بالأطر الشرعية. [متابعة].
3- إقامة ورش عمل للشعراء المبتدئين، والرواديد من قبل إدارات المآتم وكذلك رابطة الشعراء والرواديد.
4- دعوة الأكاديميين والمختصين من النقاد أن يكتبوا الدراسات النقدية حول المنبر وكذلك الموكب.
- ورقة عمل في مؤتمر عاشوراء التاسع قمت بتقديمها ومناقشتها في العام الهجري 1435هـ