لماذا يحيي شيعة أهل البيت (عليهم السلام) موسم عاشوراء بالمجالس والمواكب؟ أليس قد مضى زمن طويل مذ جرى على الحسين (عليه السلام) وأهل بيته وأصحابه ما جرى؟ جواب التساؤل الآنف هو أن الشيعة علاوة على ائتمارهم في هذا بأمر الشارع الذي ندب عموما لإحياء أمر أهل البيت (عليهم السلام) فهم يأخذون العبرة والعظة من تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) عبر إحياء ذكرى نهضته، وهذا منهج قرآني، فالقرآن الكريم قد استعرض في العديد من سوره مساحاتٍ واسعة من تاريخ وقصص الماضين مستخلصا ما فيها من عظاتٍ وعبر، فقد تحدث عن عاد وثمود، وعن ذي القرنين ويأجوج ومأجوج ولقمان، وعن آدم ونوح وإبراهيم وداوود وسليمان ويحيى وزكريا ويعقوب ويوسف وموسى وعيسى (على نبينا وآله وعليهم السلام)، كما أن رسول الله والأئمة الطاهرين (عليه وعليهم الصلاة والسلام) كانوا يتناولون في أحاديثهم سير أنبياء الله وما كان من أمرهم مع أممهم.
فما يقوم به شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في عاشوراء من استذكارٍ لتاريخ النهضة الحسينية ومجرياتها ينسجم تمام الانسجام مع المنهج القرآني والنبوي في بيان مجريات التاريخ واستخلاص السنن منها، هذا مضافا إلى أن تأبين الشخصيات الكبيرة وذِكْر مآثرها والصفحات المشرقة من حياتها وما تحملته على طريق المبدأ هي عادة مختلف الأمم والمجتمعات قديما وحديثا لا أنه شيءٌ خاص بالشيعة.
ورَوْماً لتعزيز الجواب الآنف بجواب آخر زيادة في الحجة نقول: جاء في مصادر الجمهور أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان قد بكى على الحسين (عليه السلام)؛ هذا وهو لم يزل آنئِذٍ حياً يرزق، فكيف لا يكون البكاء عليه أمرا مشروعا بعد أن قتل؟ فقد جاء في مسند أحمد بن حنبل عن عبد الله بن نجي عن أبيه: أنه سار مع عليّ (عليه السلام)، فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين، نادى: "صبراً أبا عبد الله، صبراً أبا عبد الله بشط الفرات"، قال: قلت: وما ذاك؟ قال: "دخلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم وعيناه تفيضان، قلت: يا نبي الله أغضبك أحد ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرئيل قبل، فحدثني أن ولدي الحسين يقتل بشط الفرات، قال: فقال: هل لك إلى أن أشمّك من تربته؟ قال: قلت: نعم، فمدّ يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها، فلم أملك عيني أن فاضتا".
إن الرواية المتقدمة تبين لنا واحدةً من سنن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهي البكاء على الحسين (عليه السلام)، فهذه الرواية واحدة من روايات عديدة جاءت في مختلف مصادر الجمهور عن بكائه حزنا لمصيبته ولده، فإذا ضممنا لهذا ما جاء في كتاب الله تعالى من أن لنا فيه (صلى الله عليه وآله) أسوة حسنة توصلنا إلى رجحان واستحباب البكاء من باب التأسي به، وأنه بعنوانه شعيرة من الشعائر.
صادق القطان
٣ مايو ٢٠٢٢م