تذاكرت مع بعض الإخوة في الطلب حول مسألة معرفة الزوال بزيادة الظل بعد نقصانه وما إذا كانت هذه العلامة دقيقةً مقارنةً بغيرها من الطرق، فرأيتُ أن أكتب هذا الوجيزَ بيانًا لعدم دقّة هذه العلامة بالمقارنة المذكورة، وأنّ دخول الزوال يقع في الحقيقة قبل زيادة الظل بعد نقصانه، فأقول مستعينًا بالله ومتوكلًا عليه:
لا ريبَ في أنّ الشارع المقدّس لم يضع حقائق شرعية - على القول بوجودها كبرويًا - لمواقيت الصلوات، وإنما رتب أحكامه على المفاهيم العرفيّة لهذه المواقيت مثل الزوال وغروب الشمس وطلوع الفجر، وإنّما ذكرَ الشارع الأقدس علاماتٍ يمكن من خلالها استيضاح دخول الوقتِ من عدمه.
ومن العلامات التي تضمنتها الروايات الشريفة - وقد عقد لذلك بابًا مفردًا في الوسائل - أن وقت الزوال يعرف بزيادة الظل بعد نقصانه، وذلك بنصبِ شاخص يُلاحظُ طولُ ظله، فإذا قلّ الظل ثم استُبينَت الزيادة يُعلَم بذلك دخول وقت الزوال.
والتحقيق أن هذه العلامة إنما يعرف بها الزوالُ بعد مضيّ وقت غير قليل على حدوث الزوال الحقيقي كما نصّ على ذلك الهيويّون وفقهاء المسلمين عامةً وفقهاء الإماميّة خاصّة، كالنائيني في كتاب الصلاة والهمداني في مصباح الفقيه ووالد صاحب الحدائق في شرحِ عبارة زوال اللمعة وغيرهم في غيرهم مما لا يحصيه العدّ. ولا ريبَ في أنّه ليس لهذه العلامة ولغيرها من العلامات المذكورة للزوال في النصوص الشريفة - وهي ميل الشمس للحاجب الأيمن لمن استقبل القبلة - أو لغيره من المواقيت موضوعيّة وذاتية، وإنما الواجب هو تحقيق العلم بالزوال سواءٌ بهذه العلامات أم بغيرها، وعلى ذلك كلام المشهور المتضافر الذي لا يعرف له خلافٌ في كلمات الإماميّة إلا نادرًا.
والوجه في كون هذه العلامة طريقًا متأخرًا لمعرفة وقت الزوال: هو أن الزوال هيويًا - ومنذ قديم العصور - هو عبورُ الشمس لخط أو دائرة منتصف النهار، وهي دائرة متوهمة تقطع الكرة الأرضية إلى نصفين شرقي وغربي، حيث يقع نصف النهار في أفقٍ ما عند مرور الشمسِ عليها، فإذا زالت الشمسُ عنها باتجاه الغرب وقع الزوال. على أنه ليس بالضرورة أن يقع التنصيف الحسّي للنهار عندها وإنما يتفق ذلك في موارد خاصّة وهي الانقلابين الصيفي والشتوي، وليسَ بالضرورة أن يكون الزوال بكونِ الشمس فوق سمت الرأس مباشرةً وإنما ذلك متوقف على ميلِ الشمسِ في ذلك اليوم وخط العرض الواقعة عليه البلاد ومدى موافقة ميل الشمس في ذلك اليوم لخط العرض الواقعة عليه البلاد.
ثم إنّه كلما طلعت الشمس في مكان وقع لكل شاخص قائم عموديًا على سطح الأرض ظل طويل إلى جهة المغرب، ولا يزال هذا الظل يتناقص كلما ارتفعت الشمس وتحركت من الشرق إلى الغرب حتى تقع على دائرة نصف النهار، فيكون الظل في أقصر مدى له في ذلك اليوم، ثم إذا عبرت الشمس دائرة نصف النهار ابتدأ الظلُّ يتزايد إلى جهة المشرق.
وإنَّ تزايد الظل بعد نقصانِه لا يمكن أن يُلاحظ بالعين المجردة أو بالحسّ إلا بعد مضيّ فترة من الزوال، إذ أنّ بعد الشمسِ علة وجود الظل عن الشاخص بالإضافة لتناهي حجم الشاخص مقارنةً بالأرض والأرض مقارنةً بالشمس، كل ذلك يؤدي إلى أن يكون تغيّر الظلّ كاشفًا غير دقيق عن تحرّك الشمس بحيث لا يستكشف من زيادة الظل بعد نقصانه حصول الزوال في ذلك الآنِ من الزيادة، وذلك مما يمكن تجريبه في النماذج الصغيرةِ التي يستبين فيها أنّ تحرّك مصدر الضوء يكون سابقًا بالعين المجردة لتغيّر الظل الناشئ عن شاخصٍ يتلقى هذا الضوء وتدقّ الملاحظة كلما صغر حجم الشاخص وازداد حجم مصدر الضوء، وإثباتُ ذلك مما لا يحتاج لمؤونة زائدة. نعم، لو فُرِضَ كون الشاخص دقيقًا جدًا بحيث يصل عرض - على ما جُرِّبَ - إلى بضعة مليمترات ويمكن قياسه بهذه الدقة فيمكن حينها ملاحظة زيادة ظل الشمس بعد نقصانه، وقد جرب ذلك في بلدان عديدة بتفاوت يسير جدًا لا يعدو الدقيقة الواحدة مقارنةً بالتوقيت المنصوب فلكيًا.
فالمتحصل أن مجرد زيادة الظل بعد نقصانه لازمٌ للزوال، إلا أنه من اللوازم المتأخرة عادةً، إلا في ضوء الاستثناء المذكور.
ولمعرفةِ الزوال بشكل أدق - بغضّ النظر عن المحاسبات الفلكيّة - وبما يمكن الاعتماد عليه حسيًا كما ذكره الفقهاء والهيويّون كالمسعودي والجغميني وغيرهم مما لا يحصرونَ: الدائرة الهنديّة، والتي هي أنموذجٌ مصغرٌ لدائرة الأفق مبينًا فيها خط نصف النهار ونقطة الشروق ونقطة الغروب بالنسبة للأفق المحلي الذي تقع فيه الدائرة، فإذا كان ظل الشاخص المنصوب لهذه الدائرة - والذي تشترط فيها مواصفات فنيّة من حيث طوله ومن حيث شكل رأسه وما شابه - على خط نصف النهار وتحرّك قليلًا نحو المشرق فهذا يفيد حصول الزوال بشكل دقيق، ولا يتم تحديد هذا الخط إلا بعد تعيين نقطتي الشروق والغروب في منطقة ما على هذه الدائرة ثم رسم خطٍ من مركز الدائرة إلى منتصف المسافة بين نقطتي الشروق والغروب على هذه الدائرة، مع مراعاة خصوصيّات الشاخص كما ذكرنا.
والحاصل من جميع ذلك أنّ مجرد زيادة الظل بعد نقصانه ليس علامة دقيقة للزوال بالضرورة، والدائرة الهندية بشروطها أكثر دقةً، وهناك علامات ووسائل أخرى قديمة وحديثة يتم التعرض لها في محلها، والمعلوم من الشرعِ الحنيف هو ترتيب أحكام المواقيت على العلم والاطمئنان بدخوله بأية وسيلةٍ كانت، وتفاصيل المطلب تطلب من محلها.
والله العالم بحقيقة الحال.
وكتب بيده الآثمة
حسن ابن الشيخ محمد آل سعيد
27 يوليو 2022م