بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد للهِ ربِّ العالمين، وأفضلُ الصَّلواتِ على سيِّد الأنبياء والمرسلين، محمَّدٍ وآلِهِ الميامين.
السَّلامُ عليكم ورحمةُ اللهِ وبركاتُه…
ونحنُ نُحيي موسمَ عاشوراءَ يواجهُنَا دائمًا هذا السُّؤال:
ما هو الهدفُ المركزي لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)؟
هذا السُّؤالُ لا زالَ في حاجةٍ إلى معالجةٍ دقيقةٍ من قبلِ خُطباءِ المنبرِ الحُسيني.
هناك هدفٌ مركزيٌّ لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) في حجم دم الحسين، وهناك أهداف امتداديَّة لهذه الثَّورة الحسينيَّة.
فالسُّؤال هنا عن الهدف المركزيِّ الَّذي تَحقَّقَ فعلًا من خلالِ استشهادِ الإمام الحسين (عليه السَّلام)، واستشهاد الصُّفوةِ من أهلِ بيتهِ وأصحابه.
التَّفسير الأوَّل: إسقاط النِّظام السِّياسي القائم
قد يُقال – وهذا هو التَّفسير الأوَّل -: أنَّ الهدفَ المركزي لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو إسقاط النِّظام السِّياسي القائم، واستبداله بنظام صالح يتزعَّمه الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وبعبارة أخرى: أنَّ هدف ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو تسلُّم الحكم والسُّلطة.
هنا نضع عدَّة ملاحظات على هذا التَّفسير:
الملاحظة الأولى: صحيح أنَّ الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو صاحب الحقِّ الشَّرعي في قيادة الأمَّة دينيًّا وسياسيًّا متى توفَّرت الشُّروط الموضوعيَّة لذلك.
الملاحظة الثَّانية: كلُّ الحسابات السِّياسيَّة تؤكِّد على عدم إمكانيَّة تسلُّم السُّلطة، فلا يمكن أنْ يُمارس الإمام الحسين (عليه السَّلام) مغامرة مصيرها الفشل.
فالإمام الحسين المعصوم على بصيرةٍ بكلِّ الواقع وبكلِّ النَّتائج.
وحتى في منظور الَّذين لا يؤمنون بعصمة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، فهم يعترفون له بالعقلِ السِّياسي القادر على دراسة كلِّ الحسابات والنَّتائج.
ورغم كثافة الرَّسائل التي وردت من العراق فإنَّ الإمام الحسين (عليه السَّلام) على بصيرة تامَّة بكلِّ الواقع السِّياسي.
ولعلَّ تجربة إرسال مسلم بن عقيل سفير الإمام الحسين (عليه السَّلام) هي من أجلِ كشف الأوراق ورسم الخيارات.
الملاحظة الثَّالثة: البيان الأوَّل للإمام الحُسين (عليه السَّلام) (خُطَّ الموت) (كأنِّي بأوصالي)
أفترى ثائرًا يبحث عن سلطة وحكم يبدأ حركته بهذا الشِّعار، شعار الموت والشَّهادة؟!
إذّا هناك هدفٌ أكبر من السُّلطة والحكم.
التَّفسير الثَّاني: إسقاط شرعيَّة النِّظام الحاكم
قد يقال – وهذا تفسير ثانٍ -: أنَّ الهدف المركزي لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو إسقاط شرعيَّة النِّظام الحاكم، فيبقى النِّظام بلا شرعيَّة.
هذا هدف مشروع جدًّا.
وهو من أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام).
ولكنَّه ليس الهدف المركزي.
خاصَّة إذا عرفنا أنَّ أجهزة النِّظام الأموي تملك من الوسائل الإعلاميَّة ما يتمكَّن من مصادرة الكثير من الأهداف المضادَّة، فإعلامٌ استطاع أنْ يُوظِّف ثمانين ألف منبر لشتم علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) قادر أن يُسقط الكثير من الشِّعارات المضادَّة.
ويبقى أنَّ ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) استطاعت أنْ تهزَّ الكثير من شرعيَّة النِّظام الأموي.
التَّفسير الثَّالث: تحصين الأمَّة
قد يُقال – وهذا تفسير ثالث -: أنَّ الهدف المركزي لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام) هو تحصين الأمَّة عقائديًّا وفكريًّا وروحيًّا وأخلاقيًّا وسلوكيًّا في مواجهة مشروع أراد أن يُصادر هُويَّة الأمَّة.
هذا هدف مشروعٌ جدًّا، ويشكِّل هدفًا كبيرًا من أهداف ثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، رغم أنَّ مشروع النِّظام الأموي الهادف إلى مسخ هُويَّة الأمَّة استمر معتمدًا كلَّ الوسائل والأدوات المتوفِّرة لديه.
ورغم ما صدر عنه من ممارسات كفيلة بأن تُسقط شرعيَّته (هدم الكعبة، استباحة مدينة الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)
التَّفسير الرَّابع: إنتاج الرُّوح الثَّوريَّة لدى جماهير الأمَّة
قد يُقال – وهذا تفسير رابع -: أنَّ الهدفَ المركزي لنهضة الإمام الحسين (عليه السَّلام)، هو إنتاج الرُّوح الثَّوريَّة لدى جماهير الأمَّة.
لا شكَّ أنَّ من أهم أهداف ومعطيات نهضة الإمام الحسين (عليه السَّلام) أنَّها خلقت وعيًا ثوريًّا، وحماسًا جهاديًّا، ووهجًا نضاليًّا، ممَّا أنتج حركات وثورات أربكت واقع النِّظام الأموي، إلَّا أنَّ هذه الحركات والثَّورات في التَّاريخ لم تحقِّق نتائج عاجلة، وربَّما كانت فاشلة.
يبقى السُّؤال المهمُّ مطروحًا:
ما الهدف المركزي لثورة الإمام الحسين (عليه السَّلام)؟
يُفترض في هذا الهدف أمران:
الأمر الأوَّل: أنْ يكون في حجم التَّضحية الكبرى التي قدَّمها الإمام الحسين (عليه السَّلام)، وبعبارة أخرى أن يكون هذا الهدف في حجم دم الإمام الحسين (عليه السَّلام).
الأمر الثَّاني: أنْ يكون هذا الهدف قد تحقَّق فعلًا فور ما حدث في يوم عاشوراء واستمر متمركزًا عبر مسيرة الأجيال.
الإمام الحسين (عليه السَّلام) واجه مشروعًا هو الأخطر في كلِّ التَّاريخ، هذا المشروع هو (إلغاء الإسلام، والعودة إلى الجاهلية)، فكلمات النِّظام الحاكم: (ألا دفنًا دفنًا) و(لعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل)، هذه الكلمات صريحة وواضحة في النَّفس الجاهلي، والهادف إلى إقبار الإسلام، وإلغاء الرِّسالة، واسترجاع كلِّ موروثات الجاهليَّة.
هنا الإمام الحسين (عليه السَّلام) تصدَّى إلى هذا المشروع المرعب وكان الثَّمن هو دمه الطَّاهر، ودماء الصُّفوة من أهل بيته، والنُّخبة من أصحابه.
وفعلًا استطاع الإمام الحسين (عليه السَّلام) بهذه التَّضحية العظمى أنْ يُسقط هذا المشروع، وبقي الإسلام وبقيت الرسالة.
وهذا هو مفهوم الإصلاح في خطاب الإمام الحسين (عليه السَّلام): «إنَّما خرجت لطلب الإصلاح»، ومفهوم الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر: «وآمر بالمعروف وأنهى عن المنكر».
وهذا هو مفهوم السَّير بسيرة جدِّه وأبيه: «وأسير بسيرة جدِّي وأبي».
وهذا هو مدلول الفتح: «فمن تخلَّف لم يُدرك الفتح».
وهذا هو مدلول مقولة النَّبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «وأنا من حسين».
وجاء الأئمَّة (عليهم السَّلام) بعد واقعة كربلاء فكرَّسوا أهدافَ عاشوراء، ووهجَ عاشوراء، وحزنَ عاشوراء، ووعي عاشوراء.
وآخر دعوانا أنْ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.