الفقهاء والمراجع هم نوّاب الإمام المعصوم (عليه السَّلام)، والأحكام التي يستنبطها الفقيه إنّما صارت حجّة علينا لأنّ الإمام نصّبه حجّة علينا، فالرادّ على الفقيه المرجع رادّ على الإمام الذي نصّبه وقَبِل بقوله، وبالنتيجة هو ردّ على الله تعالى وهو بحدّ الشرك.
فقد جاء في التوقيع الشريف عن الإمام الحجّة (عجّل الله فرجه): "وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة اللّه عليهم".
وعن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السَّلام): … قال: "ينظران من كان منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخف بحكم الله وعلينا ردّ، والرادّ علينا الرادّ على الله وهو على حدّ الشرك بالله".
ثمّ إنّ الردّ على الفقهاء له أنحاء متعدّدة؛
1/ أن يكون الرادّ مجتهداً يمتلك أليّة الاستنباط، فيختلف مع الفقيه الآخر ويردّ عليه. وهذا الاختلاف والردّ طبيعيٌّ جدّاً، وهو مقتضى فتح باب الاجتهاد.
2/ أن يكون الرادّ أحد المكلّفين وله خبرة في المجال الذي ردّ على الفقيه فيه، ويكون الردّ في دائرة التشخيص للموضوعات الخارجيّة - وليس الموضوعات الشرعيّة المستنبطة، أو الموضوعات المحسومة من قبل القيادة في مساحات الشأن العام - وهذا كذلك طبيعيّ ولا مشكلة فيه.
3/ أن يكون الردّ في مساحات الحكم الشرعي الكلّي أو الموضوع الشرعي المستنبط، ويكون الرادّ ليس من الفقهاء الذين يمتلكون وسائل الاستنباط الشرعي، وهذا غير جائز شرعاً لأنّه بمثابة المعارضة والرفض للحكم الشرعي نفسه، وهو - كما هو واضح - رفض للشريعة نفسها ولو بلحاظ بعض أحكامها، وهو بمنزلة الشرك - العملي لا العقدي - كما تنصّ على ذلك النصوص الشرعيّة.
4/ أن يكون الردّ في مساحة الحكم القضائي. وهو كسابقه مرفوض شرعاً، وبمنزلة الردّ على الإمام المعصوم (عليه السَّلام)، وهو بحدّ الشرك العملي.
5/ أن يكون الردّ في مساحات الشأن العام، بعد التشخيص الحاسم من الفقيه القائد، وهذا كذلك من الردّ على الإمام المعصوم (عليه السَّلام)، لأنّه على خلاف الحجيّة والولاية المجعولة من الإمام المعصوم (عليه السَّلام) للفقيه الجامع للشرائط.
ثمّ إنّ المقصود من الشرك هنا؛ هو الشرك العملي لا العقدي، والمقصود منه هو التمرّد على الأوامر الإلهيّة واتّباع الهوى، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ..}، وهو يجعل المؤمن - عقديّاً - مستحقّاً للعقاب في الآخرة كما يستحقّه الكافر والمشرك، بل ربما وجد نفسه في الآخرة كافراً مشركاً، قال تعالى: {..وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. المقصود من الكفر في الآية تسويف الحجّ والتهاون فيه مع الاستطاعة إليه سبيلًا.
فعن ذريح المحاربي، عن أبي عبد الله ((عليه السَّلام) قال: "ومَن مات ولم يحج حجة الاسلام، لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق فيه الحج، أو سلطان يمنعه، فليمت يهودياً أو نصرانيا". وعن معاوية بن عمار، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: قال الله: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال: "هذه لمن كان عنده مال"ـ إلى أن قال: "وعن قول الله عزوجل: (ومن كفر) يعني: من ترك".
وعن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن حماد بن عمرو وأنس بن محمد، عن أبيه جميعا، عن جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهم السَّلام) في وصية النبي (صلَّى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السَّلام)، قال: "يا علي، كفر بالله العظيم من هذه الاُمّة عشرة: القتّات، والساحر، والديوث…" - إلى أن قال – "ومن وجد سعة فمات ولم يحج.
يا علي، تارك الحج وهو مستطيع كافر، يقول الله تبارك وتعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإنّ الله غنيّ عن العالمين).