نادر الملاح
3 محرم 1444 هـ، 2 أغسطس 2022
استعرضنا في الحلقة السابقة (الثانية) أبعاد بيان الحسين عليه السلام (أمضي على دين النبي)، والذي ترتكز عليه هوية الحركة الحسينية في مقارعة الانحراف العقائدي والسلوكي على حد سواء، وقلنا أن ما تضمنه هذا الحراك الثوري من سبط الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن له سوى هدف واحد تمثل في إعادة الدين المحمدي الأصيل إلى مساره الذي انحرف عنه بفعل الأهواء والأطماع في السلطة والجاه، والتي عبَّر عنها الرسول الأكرم صلوات الله وسلامه عليه بـ(الملك) قبال (الخلافة). ولكي تكون هذه القراءة سليمة، فإنه لابد من النظر في واقع الأحداث لنتبين هل أن هذا البيان كان مجرد شعار أم كما أنه انعكاس لواقع الحراك.
لو تأملنا في أحداث التأريخ بصفة عامة، والتأريخ الإسلامي بصفة خاصة، فسنجد الكثير من الأحداث والحركات أطلقت شعارات يبدو ظاهرها نبيلاً ويلامس واقع الحاجة في المجتمع الإنساني، إلا أن سبر أغوار تلك الأحداث يجعل الدارس يقف وقفات تأمل وتفكر يراجع فيها بعض المواقف العملية في ضوء تلك الشعارات. فالكثير من الأحداث على مر التأريخ حملت شعارات براقة تتخفى خلفها، وتُغلف بها حقيقتها بُغية الوصول إلى أهدافها غير المعلنة. فعلى سبيل المثال، كان الشعار الذي رفعه بنو العباس للإطاحة بالحكم الأموي شعاراً لامس القلوب الحَرَّى وحرك حسَّ الإيمان فيها، لكن سرعان ما تبدلت الأمور وتغيرت الأحوال بعدما قامت الدولة العباسية وبسطت نفوذها. كان ذلك الشعار (يا لثارات الحسين) الذي حمله بنو العباس يهدف في ظاهره إلى الثأر والقصاص من قتلة الحسين عليه السلام، إلا أن ما لاقاه أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن عامة أتباعهم ربما فاق ما فعلته الدولة الأموية، بل إن الدولة العباسية اتخذت من حركة الحسين عليه السلام شعاراً، بينما كان منهجها أموياً بامتياز. ولعل ما تشهده العراق اليوم من واقع اجتماعي وسياسي مؤسف يمثل صورة حيةُ لهذه الانحرافات، حيث التفاوت أو التضارب بتعبير أدق بين شعارات الإصلاح والحقوق من جهة، وواقع معاناة أبناء العراق من الجهة الأخرى، لا يحتاج إلى الكثير من الجهد ولا الخبرة لرؤيته. وكذلك هي الحال مع الشعار الأكثر شيوعاً في زمننا الحاضر والذي ترفع رايته جميع الأنظمة السياسية في مختلف دول العالم، وهو شعار (مكافحة الإرهاب)، الذي يخفي في حقيقته عمليات الإقصاء والإبادة الجماعية والاستئثار بالسلطة، وشعار حقوق الإنسان وحقوق الطفل وما تنطوي عليه من حقيقة تحرير المجتمعات الإنسانية من الفضائل وإشاعة الرذائل بشتى أشكالها وأنواعها.
على خلاف ذلك الواقع، كان شعار الحسين عليه السلام (أمضي على دين النبي) هويةً حقيقية، لا يختلف مضمونها عن ظاهرها، في أدق تفاصيل هذا الحراك وأحداثه. ولكي نختبر هذا الجانب من الحراك الحسيني، لابد أولاً أن نتعرف على بعض جوانب المنهج المحمدي الأصيل في التعامل مع مختلف المواقف، من باب المثال لا الحصر، ثم ننظر في أحداث ومواقف هذا الحراك لنقيس مدى انطباق الشعار (أمضي على دين النبي) على الواقع الفعلي. أو بمعنى آخر نتمعن في الشعار كبُعد نظري، وفي التطبيق كبُعدٍ عملي، لنرى هل أن الحسين عليه السلام أخذ هذا الشعار من حيز النظرية إلى التطبيق، أم أنه وحراكه انحرفا عن النهج المحمدي، فبدت فجوة بين القول والفعل، ومن ثم لم يتحقق الشعار على أرض الواقع!!
قال تعالى في محكم كتابه الكريم (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف:199)، وهذه آية جامعة يقتضي التأمل في معانيها الكثير من التفصيل والبيان، إلا أننا نقتبس منها بعض الأوجه لغرض بيان أبعاد التشريع. قال العلامة الطبطبائي رضوان الله تعالى عليه في معرض تفسير هذه الآية الكريمة: "الأخذ بالشيء هو لزومه أو عدم تركه، فأخذ العفو ملازمة الستر على إساءة من أساء إليه، والإغماض عن حق الانتقام الذي يعطيه العقل الاجتماعي لبعضهم على بعض"، ثم يفصل البيان بقوله: "هذا بالنسبة إلى إساءة الغير بالنسبة إلى نفسه، والتضييع لحق شخصه، وأما ما أضيع فيه حق الغير بالإساءة إليه فليس مما يسوغ العفو فيه لأنه إغراء بالإثم وتضييع لحق الغير بنحو أشد، وإبطال للنواميس الحافظة للاجتماع، ويمنع عنه جميع الآيات الناهية عن الظلم والإفساد وإعانة الظالمين والركون إليهم، بل جميع الآيات المعطية لأصول الشرائع والقوانين، وهو ظاهر"، ويَستخلصُ من ذلك أن "المراد بقوله [خذ العفو] هو الستر بالعفو فيما يرجع إلى شخصه صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ذلك كان يسير، فقد تقدم في بعض الروايات المتقدمة في أدبه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لم ينتقم من أحد لنفسه قط".
وفي تفسير قوله تعالى "وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ" يقول رضوان الله تعالى عليه: "والعرف ما يعرفه عقلاء المجتمع من السنن والسير الجميلة الجارية بينهم بخلاف ما ينكره المجتمع وينكر العقل الاجتماعي من الأعمال النادرة الشاذة. ومن المعلوم أن لازم الأمر بمتابعة العرف أن يكون في الآمر مؤتمراً بما يأمر به من المتابعة، ومن ذلك أن يكون نفس أمره بنحو معروف غير منكر. فمقتضى قوله [وأمر العرف] أن يأمر بكل معروف، وأن لا يكون نفس الآمر بالمعروف على وجه منكر."
أما المقطع الثالث من الآية الكريمة "وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ"، فيقول فيه السيد رضوان الله عليه: "أمر آخر بالمداراة معهم، وهو أقرب طريق وأجمله لإبطال نتائج جهلهم وتقليل فساد أعمالهم، فإن في مقابلة الجاهل بما يعادل جهله إغراء له بالجهل والإدامة على الغي والضلال".
كذلك هي الآية 125 من سورة النحل، والتي يقول فيها المولى عز وجل: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". قال السيد الطبطبائي: "لا شك في أنه يستفاد من الآية أن هذه الثلاثة الحكمة والموعظة والمجادلة، من طرق التكليم والمفاوضة، فقد أمر بالدعوة بأحد هذه الأمور، فهي من أنحاء الدعوة وطرقها، وإن كان الجدال لا يُعَدُّ دعوةً بمعناها الأخص. وقد فسرت (الحكمة) كما في المفردات، بإصابة الحق بالعلم والعقل، و(الموعظة) كما عن الخليل، بأنه التذكير بالخير فيما يرق له القلب، و(الجدال)، كما في المفردات، بالمفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة". ويضيف رضوان الله تعالى عليه بقوله: "والتأمل في هذه المعاني يعطي أن المراد بالحكمة -والله أعلم- الحجة التي تنتج الحق الذي لا مرية فيه ولا وهن ولا إبهام، والموعظة هو البيان الذي تلين به النفس ويرق له القلب، لما فيه من صلاح حال السامع من الغِبَر والعِبَر وجميل الثناء ومحمود الأثر ونحو ذلك. والجدال هو الحجة التي تستعمل لفتل الخصم عما يصر عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحق بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلمه الناس أو يتسلمه هو وحده في قوله أو حجته". ويورد السيد رضوان الله عليه التفاتة مهمة في سياق هذا التفسير، فيقول: "غير أنه سبحانه قيد الموعظة بالحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، ففيه دلالة على أن من الموعظة ما ليست بحسنة، ومن الجدال ما هو أحسن وما ليس بأحسن ولا حسن، والله تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة، ومن الجدال بأحسنه."
لا يختلف اثنان على أن السيرة النبوية المعظمة كانت تطبيقاً عملياً لما أنزل الله من تشريع، وأن سلوك النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان تجسيداً كاملاً تاماً للأوامر الإلهية، سواءً في التعامل مع أتباعه أو أعدائه، ومع زوجاته وأهل بيته أو مع غيرهم من عامة الناس، إذ كان هذا السلوك مدعاةً لامتداحه صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله عز وجل حيث قال: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم:4)، "وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ" (آل عمران:159). فعلى الرغم من الجهد العظيم الذي بذله النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في التبليغ، حتى أن الله جل شأنه خاطبه بقوله: "لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" (الشعراء:3)، والبخوع هو إهلاك النفس عن وجد، حيث كان الله جل شأنه يسلي نبيه الكريم ويخفف عليه ما به من ألم وحسرة جراء عدم إيمان الكافرين، نجد أن الله تعالى امتدح نبيه الكريم لعظمة خلقه لا لما بذل من جهد في تبليغ الرسالة، وهذا ما يبين عظيم مكانة الأوامر الإلهية المتقدم بيانها، وغيرها من الأوامر والتوجيهات، وموقعها بالنسبة للتشريع.
بمراجعة أحداث الحراك الحسيني، نجد ذات التجسيد لهذه المعاني والمضامين والتوجيهات الإلهية السامية. تجسيداً أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه تامٌّ وكامل، كما كانت سيرة سيد الخلق صلوات الله عليه وآله أجمعين. فهذا الحسين عليه السلام يلتقي جيش الحر بن يزيد الرياحي في طريقه إلى الكوفة، في حر شمس الظهيرة كما أُمر به أن يفعل في قطع الطريق على الحسين عليه السلام، بينما يأمر الحسين عليه السلام أصحابه بأن يسقوا الجيش ويرشفوا الخيل. ورغم علم الحسين عليه السلام بنوايا القوم والغرض من مجيئهم، إلا أنه عوض أن يحمل السيف، يختار محاورة الحر ويلقي عليه الحجة بقوله: "إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ورسلكم"، ويجيبه الحر: "إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر، ولسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك. وقد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله". ثم يكون الاتفاق على أن يسير الحسين ومن معه في طريق لا يرجعه المدينة ولا يوصله الكوفة حتى يأتي أمر عبيد الله بن زياد. هذا الاتفاق الذين انتهى في اليوم الثالث من المحرم حينما وصل كتاب ابن زياد إلى الحر، وقد بلغ الركب نينوى، الذي أمره فيه بقوله: "أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي، ولا تنزله إلا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء، فقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري، والسلام". ثم يكون يوم العاشر من المحرم، فيتقدم الحر نحو الحسين عليه السلام يطلب الصفح والتوبة، قائلاً: "اللهم إليك أنبتُ فتُب علي، فقد أرعبتُ قلوب أوليائك وأولاد بنت نبيك. جُعلتُ فداك يا بن رسول الله، أنا صاحبك الذي حبستك عن الرجوع، وسايرتك في الطريق، وجعجعت بك في هذا المكان، وما ظننتُ أن القوم يردون عليك ما عرضته عليهم، ولا يبلغن منك هذه المنزلة. والله لو علمتُ أنهم ينتهون بك إلى ما أرى، ما ركبتُ منك الذي ركبتُ، وإني تائبٌ إلى الله مما صنعت، فترى لي من ذلك توبة؟"، فما يكون جواب الحسين عليه السلام إلا: "نعم، يتوب الله عليك، أنت الحر في الدنيا والآخرة".
ألم يكن بمقدور الحسين عليه السلام أن يغتنم الفرصة في مقدم الحر منكساً سيفه ودرعه، وكان قد فعل ما فعل من ترويع النساء والأطفال، وإجبار الحسين ومن معه على النزول في أرضٍ قَفْر وسط جيوشٍ تتحاوطهم من كل جانب أن ينتقم من الحر، فيقتله ويرهب بقتله فريقاً من معسكر خصمه؟! بلى كان قادراً على ذلك، ولو كان قد فعل لما كان على فعله ملامةٌ ولا عَتَب، لكنه اختار المضي على دين النبي صلى الله عليه وآله، الذي جاء أمره بـ" خُذِ الْعَفْوَ".
وهذا هو عليه السلام يوم العاشر من المحرم، يرفع طفله الرضيع أمام القوم، وقد أضناهما العطشُ وحرُّ الشمس، فيصيح في القوم: "قتلتم أنصاري وأولادي، وما بقي غير هذا الطفل، إن لم ترحموني فارحموا هذا الطفل، لقد جف اللبن في صدر أمه"، عاملاً بقوله تعالى "وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ"، فيأتي جوابُ القوم بسهمٍ من قوس حرملة بن كاهل فيصرعُ الطفلَ الرضيعَ في حِجر أبيه. وهذا هو في يوم الواقعة، لما أراد مسلم بن عوسجة رضوان الله تعالى عليه أن يرمي شمر بن ذي الجوشن بسهم عندما تطاول على الحسين عليه السلام، فيمنعه عليه السلام قائلاً: "لا ترمه، فإني أكره أن أبدأهم بالقتال"، عاملاً بشريعة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في قول الباري عز وجل "وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ".
أما الوعظ والإرشاد والمجادلة والدعوة إلى الله بالحسنى، فإنه لا يكاد يخلو منها خطاب على امتداد أحداث هذا الحراك، بل لم تخلُ منها كلماته عليه السلام في يوم العاشر نفسه قبل وأثناء القتال. فهذا هو الحسين عليه السلام يقف أمام جيشٍ قوامه أكثر من 30 ألف فارس اجتمعوا لقتله، فيخاطبهم بقوله: "أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النَّصَفَ كنتم بذلك أسعد، وإم لم تعطوني النَّصَفَ من أنفسكم فأَجْمِعُوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غُمَّة، ثم اقضوا إلي ولا تُنظِرون، إن وليي الله الذي نزَّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين". وها هو يلقي عليهم الحجة ويجادلهم بالتي هي أحسن فيقول: "أما بعد، فانسبوني فانظروا من أنا، ثم ارجعوا إلى أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟! ألستُ ابن بنت نبيكم وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين المصدق لرسول الله بما جاء من عند ربه؟ أوليس حمزة سيد الشهداء عمي؟! أوليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟! أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي هذان سيدا شباب أهل الجنة؟! فإن صدقتموني بما أقول وهو الحق، والله ما تعمدتُ كذباً منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم. سلوا جابر بن عبدالله الأنصاري، وأبا سعيدٍ الخدري، وسهل بن سعد الساعدي، وزيد بن أرقم، وأنس بن مالك، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله لي ولأخي. أما في هذا حاجزٌ لكم عن سفك دمي؟!". ثم يمعن في إلقاء الحجة في مجادلة القوم، فيقول: "فإن كنتم في شكٍّ من هذا، أفتشكُّون أني ابن بنت نبيكم؟! فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري فيكم ولا في غيركم. ويحكم، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته؟! أو مالٍ لكم استهلكته؟! أو بقِصاص جراحة؟!"، ويزيد في ذلك فينادي: "يا شَبَث بن ربعي، يا حجار بن أبجر، يا قيس بن الأشعث، يا يزيد بن الحارث، ألم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار، واخضرَّ الجناب، وإنما تقدمُ على جُندٍ لك مجندة؟!".
هذه الكلمات وغيرها، سواء ما كان منها بالخطاب العام، أو ما كان من محاورات جانبية قبيل المعركة، حاور فيها عليه السلام عمر بن سعد قائد معسكر ابن زياد، وغيره، لا تجد عنواناً تندرج تحته أكثر انطباقاً من قوله تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ".
فمحصلة القول إذن، أن السيرة العملية في حراك الحسين عليه السلام، إنما كانت تحذوا السيرة النبوية حذو النعل بالنعل، لا تتأخر عنها ولا تتقدم، لتعيد الحياة إلى شريعة محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم التي جفاها القوم وانحرفوا عنها، حتى كاد الدين الذي بذل فيه سيد الأنبياء والمرسلين صلوات الله عليهم أجمعين يندثر وتتلاشى معالمه، تماماً كما كان شعار الحسين عليه السلام (أمضي على دين النبي) دون أن يكون بينهما فجوةٌ أو انفصال.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. اللهم ثبتنا على ولاية الطاهرين، واهدنا سواء السبيل، وأحسن خواتيم أعمالنا إلى خير ما تحب وترضى، إنك أنت السميع المجيب، وصلي يا رب وزد وبارك على محمد وآله الطاهرين، وارزقنا في الدنيا ولايتهم، وفي الآخرة شفاعتهم، وتوفنا على هذا العهد برحمتك يا أرحم الراحمين.