قال الشيخ الأعظم في المكاسب المحرمة في مبحث النجش:
الثالثة والعشرون: النجش (بالنون المفتوحة والجيم الساكنة أو المفتوحة) حرام لما في النبوي المنجبر بالإجماع المنقول عن جامع المقاصد والمنتهى من لعن الناجش والمنجوش له.
وقوله صلى الله عليه وآله (ولا تناجشوا) ويدل على قبحه العقل لأنه غش وتلبيس وإضرار.
وهو كما عن جماعة أن يزيد الرجل في ثمن السلعة وهو لا يريد شرائها ليسمعه غيره فيزيد لزيادته بشرط المواطاة مع البائع أو لا بشرطها كما حكي عن بعض وحكي تفسيره أيضا بأن يمدح السلعة في البيع لينفقها ويروجها لمواطاة بينه وبين البائع، أو لا معها.
وحرمته بالتفسير الثاني خصوصا لا مع المواطاة يحتاج إلى دليل وحكي الكراهة عن بعض.
انتهى كلامه طاب رمسه.
..............
﴿والكلام في معنى النجش وحكمه﴾
أما معنى النجش لغة فقد اختلف اللغويون في معناه على أنحاء فقالوا:
1/ (أصل النجش: البحث، وهو استخراج الشيء. لسان العرب، ابن منظور: 14/ 54).
2/ (الأصل فيه: تنفير الوحش من مكان إلى مكان. النهاية، ابن الأثير: 5/ 21).
3/ (أصل النجش: مدح الشيء وإطراؤه، حكاه الشهيد الثاني في فوائد القواعد عن الهروي).
4/ (أصل النجش الاستتار، لأنّه أي الناجش يستر قصده، ومنه يقال للصائد ناجش لاستتاره، المصباح المنير، الفيّومي، 2 / 594).
وأما معناه اصطلاحاً:
- فقال الشيخ في المبسوط: (هو أن يزيد رجل في ثمن سلعة زيادة لا تسوى بها وهو لا يريد شرائها وإنما يزيد ليقتدى به المستام. المبسوط ج2 ص 159).
- وقال ابن زهرة الحلبي في الغنية: (هو أن يزيد في الثمن من لا رغبة له في الشراء، ليخدع المشتري. غنية النزوع ص 216).
- وقال المحقق في المختصر النافع: (الزيادة في السلعة مواطأة للبائع. المختصر النافع ص 120).
وأما حكمه:
فقد ذهب فريق إلى تحريمه وادعى البعض الإجماع عليه، وذهب آخرون إلى كراهته.
فممن ذهب إلى حرمته:
- الشيخ في المبسوط، قال: (النجش حرام ...، وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه نهى عن النجش، وروي عنه صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، وهذا نهي يقتضي التحريم) المبسوط ج2 ص 159.
- ابن حمزة الطوسي في الوسيلة، قال: (ويحرم النجش) الوسيلة ص 247.
- ابن إدريس الحلي في السرائر، قال: (ونهى عن النجش وحقيقته الاستثارة، وهي أن يزيد رجل في ثمن سلعة زيادة لا تساوي بها، وهو لا يريد شراها، وإنما يريد ليقتدي به المستام، فهذا هو النجش الحرام). السرائر ج2 ص 240.
- العلامة الحلي في المنتهى، قال: (النجش بالنون والجيم والشين المعجمتين منهي عنه حرام) منتهى المطلب ج2 ص 1004.
- الشهيد الأول في الدروس، قال: (النجش، وهو رفع السعر ممن لا يريد الشراء للحضّ عليه، وكرهه قوم، والأقرب التحريم، لأنّه خديعة) الدروس الشرعية ج3 ص 178.
- وقال المحقق النراقي في مستند الشيعة: (النجش، وهو حرام وفاقا للأكثر، بل في المنتهى وعن المحقق الثاني الاجماع عليه، وفي المهذب: ولا أعلم في تحريمه خلافا بين الأصحاب) مستند الشيعة ج 14 ص 43.
وممن قال بكراهته:
- المحقق الحلي في المختصر النافع والشرائع: حيث عده من جملة مكروهات البيع. المختصر النافع ص 120، شرائع الإسلام ج2 ص 275.
- الفاضل الآبي في كشف الرموز: حيث عده كذلك من جملة مكروهات البيع. كشف الرموز ج1 ص 455.
- المقداد السيوري في التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ج2 ص 40.
- الشهيد الثاني في المسالك ج3 ص 190 حيث ذهب إلى كراهته، في حين قوى التحريم في حاشية الشرائع ص 337.
- ابن فهد الحلي في المهذب البارع: حيث عده من جملة مكروهات البيع. المهذب البارع ج2 ص 366.
بقي أن نستعرض ما يمكن أن يكون مدركاً في التحريم:
اولاً الروايات:
ومنها:
1/ عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن عبد الله ابن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الواشمة والموتشمة والناجش والمنجوش ملعونون على لسان محمد. الكافي الشيخ الكليني ج5 ص 559. الوسائل ج17 ص 459.
2/ عن محمد بن هارون الزنجاني، عن علي بن عبد العزيز، عن القاسم بن سلام بإسناد متصل إلى النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: لا تناجشوا ولا تدابروا. معاني الأخبار الشيخ الصدوق ص 284. الوسائل ج17 ص 459.
3/ محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن بعض أصحابنا، عن منصور بن العباس، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الحسين بن مياح، عن أمية بن عمرو عن الشعيري، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين يقول: إذا نادى المنادي فليس لك أن تزيد، وإنما يحرم الزيادة النداء ويحلها السكوت. الوسائل ج17 ص 459.
4/ محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن شعيب بن واقد، عن الحسين بن زيد، عن الصادق، عن آبائه عليهم السلام - في حديث المناهي - قال: ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله أن يدخل الرجل في سوم أخيه المسلم. الوسائل ج17 ص 459.
وفيها:
أما الرواية الأولى:
فضعيفة بمحمد بن سنان، واللعن فيها أعم من الحرمة حيث قد ورد اللعن فيما ثبتت كراهته.
وأما الرواية الثانية:
فضعيفه بمحمد بن هارون الزنجاني لجهالته، بل لأن الخبر عامي لم يرد بطرقنا. مضافا إلى أن سياقها سياق الكراهة لا الحرمة بمعية قوله (ولا تدابروا) وهي بمعنى الهجران.
وأما الرواية الثالثة:
فضعيفة بمنصور بن العباس والحسين بن مياح وأمية بن عمرو الواقفي، مضافا لعدم اتحاد الموضوع فيها وفيما نحن فيه، فأين النجش وأين الزيادة وقت النداء.
وأما الرواية الرابعة:
فضعيفة بشعيب بن واقد والحسين بن زيد لجهالتهما، مضافا إلى أن معناه هو الزيادة في السعر من طرف ثالث بعد استقرار الثمن بين البائع والمشتري قبل العقد وهو يغاير معنى النجش.
ثانياً الإجماع المدعى:
وفيه أولاً الخدشة في هذا الإجماع بعد نقلنا لأقوال القائلين بالكراهة، وثانياً على فرض وقوعه أنه مقطوع المدركية بالروايات التي بينّا وهنها وضعفها.
ثالثاً في أنه غش وتدليس:
بتقريب أن النجش من الغش فيكون داخلاً في عموم حرمة الغش.
وفيه أننا نمع من اتحاد المعنيين. فإن الغش لغة وعرفاً يعني إخفاء العيب المستور في السلعة المراد شراءها، وفي المقام لا عيب يراد إخفاءه فيها، نعم قد يقال أن فعل الطرف الثالث في رفعه للسعر يظهرها على أنها مرغوبة ومطلوبة فيقع التدليس على المشتري فيرفع سعر الشراء. وفيه أن مجرد ابداء مرغوبية السلعة لا يصيّر الأمر تدليساً، فقد تكون مرغوبة فعلاً، وقد تكون معروضة بأقل من قيمتها الواقعية، مضافا إلى أن إبداء مرغوبية السلعة سواء بالمواطاة مع البائع أو بعدمها غايته أنه من قبيل مدح البائع لسلعته لترغيب المشتري ولا يقول أحدٌ بحرمته.
رابعا في أنه قبيح عقلا:
وفيه أن قبحه لتوهم دخوله في الغش والتدليس وقد عرفت أنه ليس كذلك.
والمتحصل: أنه لا يوجد دليل ناهض للقول بالحرمة.