بسم الله الحي الذي لا يزول، والصلاة على النبي الهادي للحق بفطرة العقول ، وعلى آله مصابيح الدجى، وسراة الأنام في الخطب المهول، أما بعد فنواصل حديثنا عن حقائق القرآن وإشراقاته.
يقول الحق تبارك وتعالى: [ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلةً فاتقوا الله لعلكم تشكرون] آل عمران: 123.
في هذه الآية يذكّر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين في ذلك الزمان، وفي هذا الزمان أيضاً، وفي كل الأزمنة عن مسألة مهمة وغاية في الأهمية وهي أن النصر الإلهي أعده الله ليهزم كل المقاييس، ويخطّئ آراء كل المحللين السياسيين، وتفكيكهم لرموز اللعبة السياسية، ليقول لهم أن إرادتي وما أريده هو وحده الذي سيكون على الواقع ولن تكون هناك إرادة متحققة في الواقع لأي قوة من القوى مهما بلغت.
وكانت وقعة بدر وهي أولى معارك المسلمين بكل المقاييس معركة فريدة من نوعها، فأطرافها غير متكافئة ولو جعلنا من أنفسنا محللين سياسيين كما هو الحال اليوم لقلنا أن الرهان خاسر وهي حرب خاسرة، ولربما يقول آخرون أن هناك فرق بين بدر وواقعنا في الأمة الإسلامية، فتلك معركة قد هيّأ الله لها سبل النصر، وهي معركة المسلمين الأولى فإرادة الله هناك مقترنة بمصلحة إلهية وهي بقاء الدين وبقاء أصله وصيانة له من الاجتثاث أعطى الله المؤمنين النصر، وهذه الأمور غير متحققة في باقي الأزمنة.
ونقول: إن أصل المسألة هي نصر دين الله وإعلاء كلمته، وباقي الأمور هي زيادات تختلف بها الأزمنة والأمكنة والمواضيع، فالعبرة بالأصل، فلن يتخلى الله عن عباده في زمن وينصرهم في زمن وإلا للزم أن تلغى جملة من العقائد الإلهية لا سمح الله وهذه الأمور يقدرها الله سبحانه وتعالى. وما يهمنا هو أن واقعة بدر كانت درساً إلهياً لقنه الله للطرفين على حد سواء للمؤمنين يقول أن الله دائماً معكم بقوته ونصره، ولأعداء الله ليقول لهم أنكم بقوتكم وجبروتكم لن تصنعوا نصراً ولن تذلوا أوليائي وأحبائي، إذاً فهي حرب أولياء الله وأعداء الله، وبهذا المقياس تختلف الموازين.
يحدثنا التاريخ أنه في يوم بدر حيث لم تتكافأ الضفتين، فجيش الكفر مدجج بجيوش متحالفة من القبائل والأعراب، والإمكانيات كانت مختلفة، والتجهيزات بحسب ذلك الزمان كانت في أعلى مستوياتها بمعنى أن المقدمات كانت تشير لغلبة طرف الكفر في معادلة الصراع بحسب المنطق. أما جيش الله الذي لم يكن يمتلك العتاد ولم يكن يمتلك الخيول والسيوف والتجهيزات المهمة للقتال فهو بحسب المعادلة المنطقية يصعب عليه أن ينتصر ميدانياً، لكن جيش الله يمتلك في قلبه (الله) وهو بالتالي يمتلك المصدر المهم الذي يغير كل معادلات العالم وكل أسس المنطق ومداخلاته في المعادلة.
وحيث تنقل لنا المصادر موقفاً يختصر علينا الكثير من المسير فيقول المحدّث: [لما كان يوم بدر نظر النبي صلى الله عليه وآله إلى أصحابه وهم ثلاث مائة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة فاستقبل النبي صلى الله عليه وآله القبلة ثم مدّ يديه وعليه رداؤه وإزاره ثم قال اللهم أين ما وعدتني اللهم أنجز ما وعدتني اللهم إنك إن تُهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد في الأرض أبدا]. اللهم إن هؤلاء آمنوا بك وفعلوا ما أمرتهم وهيئوا ما أمرت به ونحن ننتظر وعدك وننتظر أن تنجز لنا ما وعدتنا. فبذهابهم وبهزيمتهم تعلى راية الكفر وبهزيمتهم لن يكون ثمة مؤمن في الأرض، وبعدم انتصارهم لن يكون عابد يعبدك على الأرض، فهم ينتظرون نصرك وتأييدك. فكان النصر حليفهم رغم كل التحديات. هذه المعادلة هي التي تسحق الكثير من التكهنات لتضع أمام أعين العالم المعادلة الإلهية في تحقيق النصر. ولقد نصركم الله ببدر وأنتم (أذلة) كانت قريش تعتبر هؤلاء أمام عظمتها وجبروتها أذلاء، وكانت الإمكانيات ضعيفة ولكن ليس هناك أمر صعب على الله سبحانه وتعالى الذي حول ضعف هؤلاء إلى انتصار وجراحهم على مدى سنوات طويلة من تعذيب الكفار لهم في مكة ومحاولة إذلالهم وردعهم عن دينه تعالى حولها إلى انتصار يبهر العالم ويحدث به التاريخ ويخلده الله في كتابه ليقرأه كل مسلم وينشده كل مسلم ويهتف به كل مؤمن يعيش ضعفاً أو استضعافاً ليكون منتصراً، يقول الحق تبارك وتعالى: [ونريد أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين] القصص:5، هذه المعادلة مضطردة حتى قيام الساعة وليس عنها تحول ولا تبدّل، وتكون الغلبة دائماً لأهل الله وخاصته، وأهل توحيده الذين عرفوه واهتدوا إليه، وكان الناس في بعد عنه وفي ضلالاتهم يعمهون، انتصر المؤمنون و هؤلاء لا يتركهم الله ولا يتخلى عنهم فهو معهم لأنهم كانوا معه دائماً.
والحمد لله أن جعل إشراق أنواره علينا أملاً لا ينقطع عن فهم نصره ، اللهم عجل لوليك الفرج ، وأمددنا بلطف عنايتك وارحم المؤمنين وأمددهم بقوتك يا رب. (محاضرة ألقيت في أوائل أبريل).