الحماية من الانتقام
مقارنة من منظور أخلاقي بين
تدابير الأمم المتحدة والتدابير التي اتخذها رسول الإنسانية
إعداد: ياسين أحمد عبد النبي الحجري
تاريخ التسليم: 11جمادى الثانية 1442هج
1-2-2021م
المقدمة:
تضج العديد من الدول بقضايا مؤرقة يتعرض فيها "كاشفو الفساد" وكثيرٌ من "أصحاب الرأي" المختلفين مع الجهات الرسمية إلى الانتقام والإضرار بوضعهم الإنساني، بل اسقاط كافة ما يتمتعون به من حقوق، كما يتعرض الكثير من "المستضعفين" في حال النزاع المسلح والحروب إلى مآسٍ إنسانية يندى لها الجبين؛ كل ذلك ناشئ من غياب قواعد وأخلاقيات تحمي هذه الفئات من الانتقام، وتحفظ للنزاهة وللعقوبات حدودها.
فكيف عالجت الأمم المتحدة هذه المسألة المؤرقة؟ ثم كيف نظرت الشريعة الإسلامية إلى معالجة هذه القضية الشائكة؟
يتناول هذا المقال مفهوم "الحماية من الانتقام" كما استعملته مواثيق الأمم المتحدة بالمقارنة مع ما جاءت به الشريعة الإسلامية وسيرة الرسول 9في هذا الشأن.
وقد صنف الباحث الفئات التي يمكن أن ينالها الانتقام عادة على النحو الآتي:
الفئة الأولى: الموظفون ويقابلها في زمن الرسول(ص) أصحابه والمحيطين به.
الفئة الثانية: أصحاب الرأي المخالف. ويشمل المدافعين عن حقوق الانسان في مصطلح الأمم المتحدة، ويقابلهم المخالفين للرسول في الرأي والمعتقد والسلوك وهم: " المنافقون" و "أهل الكتاب".
الفئة الثالثة: المستضعفون من المدنيين وغير القادرين على القتال، ويشمل هذا العنوان فئات عديدة منها (الطواقم الطبية، والنساء والأطفال، والمرضى و الأسرى، والعجزة وغيرهم).
وقد بدأ الباحث بعرض مفهوم وتطبيقات "الحماية من الانتقام" وفق مستندات الأمم المتحدة للفئات الثلاث، ثم بين معالجة ذلك المفهوم وفقاً لسيرة رسول الإنسانية(ص).
مفهوم الانتقام لغة واصطلاحاً
في اللغة:
يتكون جوهر عنوان المقال "الحماية من الانتقام.." من مفردتين أساسيتين "الحماية" و " الانتقام" أولهما "الحماية" وهي في اللغة بمعنى (الدفاع والمنع) [1]. وثانيهما "الانتقام" وهي في اللغة بمعنى المكافأة بالعقوبة [2].
فالمفاد اللغوي لعنونة المقال بجملة "الحماية من الانتقام" كما هي منضدة في العنوان هو: ما به الدفاع ومنع المعاقبة.
أما في الاصطلاح:
فإن الانتقام: هي إجراءات ضغط تنتقص من قيمة الأحكام الطبيعية.[3]
والحماية هي: وضع قانوني - للفرد - تكفله القوانين الوطنية والدولية.[4]
ومنه يتضح مفاد المفهوم الاصطلاحي لعنوان المقال هو البحث في الإجراءات والتدابير المتخذة لحماية الأفراد من ما ينتقص وضعهم القانوني واحكامهم الطبيعية.
فارق:
وبناء على ما تقدم صار واضحاً أن الفارق بين المفهومين اللغوي والاصطلاحي، هو استنادُ الاصطلاحي إلى مجموعة من الخطابات القانونية والأعراف الانسانية، التي تعين مكانة "الفرد" في الظروف الاجتماعية المتنوعة، إذ يترتب بموجبها سلوك الأطراف الأخرى تجاه الفرد، إقراراً بما ترعاه تلك الخطابات من حقوق واعتبارات وكرامات يجب عدم الإخلال بها، وحمايتها من الانتقاص.
كان ذلك هو التعريف اللغوي والاصطلاحي لما نحن بصدده، فما هي التدابير التي اتخذتها الأمم المتحدة لتجسيد وتطبيق مفهوم الحماية من الانتقام؟
القسم الأول: مفهوم الحماية من الانتقام في تطبيقات الأمم المتحدة.
التطبيق الأول: تدابير "مكتب الأخلاقيات" لحماية الموظفين من الانتقام
تركز الأمم المتحدة حسب مواثيقها الداخلية على نزاهة موظفيها لضمان أن يكون أي نشاط للأمم المتحدة منسجمًا مع قيمه الأساسية ويلتزم بأعلى معايير السلوك الأخلاقي، من غير أي تورط في أي شكل من أشكال الممارسات الفاسدة أو الاحتيالية؛ فـ "الهدف الأسمى والمبدأ الأساسي لمكتـب الأخلاقيـات … هو غرس وتنشئة ثقافة للأخلاقيات والنــزاهة والمـساءلة، وبالتـالي تعزيز الثقة في الأمم المتحدة ومصداقيتها على الصعيدين الداخلي والخارجي[5]"
ولأننا في طريق الوقوف على تدابير "الحماية من الانتقام" في أوراق الأمم المتحدة في القسم الأول من المقال؛ باعتبارها مصدرا للتشريعات الأممية، و المرجعية الأكثر شيوعاً على الصعيد الرسمي الدولي، لذلك اخترنا أن تكون عينتنا الأولى هي (مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة) لمطالعة أولى التطبيقات لمفهوم "الحماية من الانتقام" والتدابير العملية المقررة لحماية كاشفي الفساد داخل المنظمة الأممية الشهيرة.
مكتب الأخلاقيات
يضع مكتب الأخلاقيات ثلاث كلمات في منشورات المؤسسة وهويتها في المنصات وهي (الاستماع، النصيحة، الاحترام) وهي كلمات موجهة لموظفي الأمم المتحدة، لتشجيعهم على القيام بواجبهم، تجاه الخروقات المضرة بنزاهة ومصداقية الأمم المتحدة.
إّذ أنهم سيحصلون على (الاستماع) والعناية ببلاغاتهم، و (المشورة) التي تساعدهم، في تجنب الأضرار والضغوط، لأن دور مكتب الأخلاقيات هو توفير الحماية و (الاحترام) ضمن آلياته ومساحة عمله، لما يقومون به من دور في الحفاظ على نزاهة منظمة الأمم المتحدة[6].
وعلى هذه الأساس يقدم مكتب الأخلاقيات أربعة برامج:
- توعية وتدريب الموظفين.
- المشورة في حالات تضارب مصالح الموظف مع قوانين الأمم المتحدة.
- إقرارات الذمة المالية للموظفين.
- الحماية من الانتقام.
و وفقا لما جاء في قرار إنشاء المكتب[7]، فإنه تم تأسيسه بناء على قيم أساسية منها :
- الحياد في طريقة التعامل مع الأفراد.
- الحفاظ على سرية المعلومات الموكلة إليه.
أما مجال الشكاوى المسموح بها:
- الكذب أو التزوير
- أو تقديم شهادات مزورة في سياق تقديم مطالبة أو طلب الحصول على استحقاق.
- أو السرقة أو الاختلاس.
- أو قبول الرشاوى أو طلبها.
- أو الابتزاز
- أو التهريب.
هذه الصورة المختصرة، لعمل مكتب الأخلاقيات التابع لمنظمة الأمم المتحدة، وفيما يلي خلاصة الإجراءات الخاصة ببرنامج "حماية الموظفين من الانتقام" الخاص بموضوع المقالة.
برنامج حماية موظفي الأمم المتحدة من الانتقام.
الحديث عن برنامجٍ لحماية الموظف من الانتقام، يعني الحديث عن إطار تنظيمي يستمدُ شرعيته من أخلاقيات المؤسسة وأنظمتها ولوائحها الداخلية. وقد عرف مكتب الأخلاقيات مقصودهُ من " الانتقام من الموظف" أنه:
"أي إجراء له ضرر مباشر او غير مباشر من شأنه أن يؤثر سلبًا على ظروف العمل أو العمل الخاصة بك، حيث يُوصى بإجراء أو يُهدد به أو يُتخذ لغرض معاقبتك أو تخويفك أو الحاق الضرر بك بسبب مشاركتك في نشاط يتمتع بالحماية من الانتقام. ويجب عليك تقديم طلب للحماية إلى مكتب الأخلاقيات في غضون ستة أشهر من معرفتك بحدوث الانتقام.[8](
ويقوم مكتب الأخلاقيات بمهمة الحماية من الانتقام عبر مرحلتين، رسمية وغير رسمية، حيث تناط مسؤولية معالجة البلاغات والشكاوى بمسوؤل مكتب الاخلاقيات التابع لكل جهاز، الذي بدوره يدرس معطيات القضية ويناقش حيثياتها محاولاً إنهاء النزاع قبل أن تتخذ شكلاً قانونياً في مكاتب "إقامة العدل الداخلية" ، وقد تبلغ مراجعاتها عاماً كاملا.
ومع ما تتخذه المعالجة من طابعٍ إجرائي طويلٍ، تغلب عليه البيروقراطية الإدارية، إلا أنه من المهم ملاحظة عناصر هذه الإجراءات:
العنصر الأول: تلقي البلاغ[9] .
الإبلاغ عن قضية تزوير في تقارير الأمم المتحدة، أو الشكوى من محاولات الاغراء بالرشوة والهدايا، أوما شابهها، يخضع لإجراء مهمٍ للتحرزِ من التضليل والافتعال، فيشترط في صحة البلاغ وقبوله أمران ضروريان:
- أن يتم تقديم الشكوى بنية سليمة.
- أن يكون الادعاء ذا مقومات وجيهة.
وتقدير هذين الأمرين خاضعٌ لمدير مكتب الأخلاقيات، وعند توفر الشرطين تحال الشكوى لمكتب آخر يسمى (مكتب خدمات الرقابة الداخلية) للتحقيق فيها، والذي بدوره يقدم تقريراً في صدقية المعطيات وخطورة البلاغ.
العنصر الثاني: الحماية المؤقتة[10]
يصدرُ عن لجنة تلقي البلاغ أمراً بالحماية المؤقتة، متزامنا مع مدة مراجعة البلاغ، وهو أمر ذو طابعٍ أولي وبِدوي، وهو يختلف كلياً عن توصيات الحماية بعد التحقيق وإثبات وجود التهديدات وحقيقتها.
العنصر الثالث: السرية[11].
يعتمدُ مكتب الأخلاقيات السرية التامة لحماية الموظف من الانتقام، ولك في مرحلتين:
الأولى عندما يطلب الموظف "مشورة سرية" للاستفادة من التوجيهات وإدارة بلاغه بشكل آمن.
والثانية بعد أن يقوم الموظف بتقديم البلاغ وقد تعهد مكتب الأخلاقيات في لائحة إجراءات تقديم البلاغات الداخلية: "يحتفظ مكتب الأخلاقيات بجميع المراسلات الواردة بصورة سرية من أصحاب الشكوى الذين يطلبون الحماية. ولن نناقش مشكلتك مع أطراف ثالثة دون الحصول على موافقتك أولاً.[12]"
وبناءً على جميع ما تقدم من أهداف برنامج الحماية من الانتقام ومجالات الشكوى والعناصر الأساس لتكوين الإجراءات نلاحظ أمرين:
الأول: النظرة الأداتية لمفهوم الحماية من الانتقام.
الثاني : حاكمية الصورة الإعلامية للمؤسسة.
فإذا لاحظنا مبادئ تأسيس برنامج الحماية من الانتقام، نجد أن مركز تحديداته وإجراءاته هو ضمان حماية مصداقية المؤسسة الأممية بالدرجة الأولى، فمفهوم الحماية من الانتقام في نظر مكتب الأخلاقيات ضرورة لاستمرار المؤسسة. حيث تقول في تعريفها بمكتب الأخلاقيات، تأسيساً لبرامجها الأربعة:
(...لذا يجب أن نطبّق ما نعظ به. ونحتاج إلى صون أهم ثرواتنا وأن نستـثمر فيها، ألا وهي مصداقيتنا الأخلاقية. في العمل الذي نقوم به، لا غنى عن التحلي بالسمعة الحسنة من حيث الصدق والنـزاهة)[13].
إذن ما يجب أن يحققه مكتب الأخلاقيات من هذه الإجراءات والبرامج، هو الحفاظ على سمعة الأمم المتحدة، وعدم سقوطها، من عين الجماهير، ومشاعر الأمم.
وهذا المنظور "استثماري" حسب تعبيرهم، فمكتب الأخلاقيات يلتزم بالحماية من الانتقام لأجل أن يربح المصداقية والسمعة النزيهة، وليس الأمر سيئاً عند هذا الحد، إلا أنه لا يمنعُ الفساد داخل المؤسسة ولا يمنع الانتقام أيضا.
فزاوية النظر تلك تسلبُ مفهوم "الحماية من الانتقام" واقعيته وصدقيته، ثم تكسوهُ بالطابع الدعائي، فهو هنا لا يؤدي الدور الأخلاقي، بل يؤدي دور التغطية على عيوب المؤسسة، بل لا مانع من استعمال قصص "الحماية" للحفاظ على صورة المؤسسة، وإن كانت مفتعلة.
وبعبارة أوضح، سيؤدي هذا المنظور إلى أن يكون المركز هو "رصيد المؤسسة من المصداقية" أما نفس قيمة "الحماية من الانتقام" فلا يعدو كونها أداة لرفع المصداقية أمام الرأي العام .
قد تنجح المؤسسة من الحفاظ على سمعتها ومكانتها، بمعاقبة الموظف الفاسد، كما فعلت في إقالة كارينا بيريللي رئيسة وحدة المساعدة الانتخابية بالأمم المتحدة بسبب سوء السلوك، وكذلك في توفير الحماية اللازمة للموظفِ النزيهة.
ثم أن الأمر الأكثر خطورة هو أن تفرز مفاعيل برنامج "الحماية من الانتقام" بصورته هذه، فكراً فاسداً موازياً، فتؤدي هذه النظرة الأداتية وحاكمية الصورة الدعائية إلى دفع الموظفين باتجاه البحث عن دهاليز سرية جديدة، للكذب والتزوير وكافة أنواع الفساد ، وتوحدهم في بناء عالم خفي لتحقيق المصالح، لأن المهم هو الالتزام بشرط واحد ، مفاده الحفاظ على سمعة المؤسسة .
فإن كل موظفٍ حين يفشل في إخفاء سلوكه السيء، في تزوير أو كذب أو ارتشاء، سيكون فرصة جاهزة لتلميع صورة المؤسسة، أما الموظف الماكر و القوي، سيتمكن من الإفلات من العقاب، ما دام محافظاً على مصداقية المؤسسة وسمعتها.
فالحقيقة أن هذا التطبيق، لا يعبرُ إلا عن رياء اجتماعي ودعائي، ومحاولة صورية، لا تشفُّ عن مضمون أخلاقي أو قيمة إنسانية، وإنما تحول المفهوم إلى لعبة صارمة لأجل اقناع الرأي العام بنزاهة المؤسسة ليبقى رصيدها صالحاً لكل الأغراض المحتملة.
التطبيق الثاني : تدابير حماية أصحاب الرأي و المعارضين
من هم أصحاب الرأي حسب مواثيق الأمم المتحدة ؟
"المدافعون عن حقوق الإنسان - هم الأشخاص الذين يكافحون فرادى أو مع آخرين لتعزيز وحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية - كثيراً ما يتعرضون للمضايقات والتهديد والاحتجاز التعسفي والاعتداء عليهم."
وتستندُ حماية فئة أصحاب الرأي، من المعارضين والإعلاميين والمفكرين والدعاة، إلى ميثاق حقوق الانسان بالدرجة الأولى وما تحتوي عليه من مبادئ حرية التفكير و التعبير و الوجدان كما في المادة (18) من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدينة وأمثالها من الحقوق الطبيعية، كما تشكلُ المادتان ( 32 و33 ) من قانون مكافحة الفساد مصدر تأييدٍ و احتجاج قانوني و إعلامي.
إلا أنه لا يتوفر بندٌ خاص يحمي هؤلاء من الانتقام على الرغم من أنها الفئة الأكثر تعرضاً للضغوط والعذابات و سلب كل ما منحهم القانون الأممي من حقوق .
والحقيقة أن تدابير الحماية من الانتقام تعود بجذورها لمشكلة الفساد، فإذا كانت مؤسسات الدولة باعتبارها الحامي الأول للعدالة والقانون ولو نظرياً، فإن فساد القاضي والجندي والمفتش الصحي، والإعلامي، والطبيب معناه انتهاك حقوق انسان ما لا محالة.
وقد ذكرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة مارغريت سيكاغيا المعنية بأحوال المدافعين عن حقوق الانسان ما نصه (من الاتجاهات التي تبعث على القلق بوجه خاص تزايد وصف سـلطات الدولـة، ووسائط الإعلام المملوكة لها للمدافعين عن حقوق الإنسان بأنهم "إرهـابيون" أو "أعـداء، إذ يُستخدم هذا الوصف بانتظام لنفي الصبغة الشرعية عـن خصوم سياسيين" للدولة" أو "عمل المدافعين ولزيادة إضعافهم)[14]
إذا على صعيد الاختلاف مع السلطة، ونقد الهيمنة فإن التهديد بالانتقام و أساليبه و أدواته ، قد تكون أكثر عنفاً وقسوة ومرارة . ولا يخفى أن الجهات المسؤولة عن مثل هذه التهديدات والانتقام جهتان أساسيتان كما تحددهما "صحيفة الوقائع" لتعزيز حقوق الانسان رقم (29) الصادرة عن الأمم المتحدة تحت عنوان (مرتكبو الانتهاكات ضد المدافعين عن حقوق الانسان) :
- سلطات الدولة، كالقضاء والشرطة والجيش وكافة المؤسسات الرسمية.
- الجهات الفاعلة غير التابعة للدولة. وهي كافة الشركات والمؤسسات الأخرى التي تعمل على رعاية مصالحها الشخصية بصورة غير نزيهة.
وفي كلا الحالين فإن الدولة – نظريا- هي المعنية بحماية الوضع الطبيعي للأفراد والكيانات، من أي انتهاك أو إضرار بها مادي أو معنوي، وهو ما يطرح أهم الإشكالات العميقة على زاوية نظر الأمم المتحدة ومواثيقها الدولية إلى مسألة الحماية من الانتقام.
فقد خاض قانون حماية المدافعين من الانتقام مخاضا عسيرا وطويلا بدأ في العام 1984م إلى أن أقرته الأمم المتحدة في عام 1998م، أي ما يقارب أربعة عشر عاماً ليتولد في النهاية عنه مجموعة من الحقوق السطحية لهؤلاء المدافعين، أوردتها صحيفة الوقائع (29) تحت عنوان (الحقوق والحماية المتاحة للمدافعين عن حقوق الانسان) من أمثال: تشكيل رابطات ومنظمات خاصة للمدافعين، الالتقاء والتجمع السلمي، توجيه انتقادات للهيئات الحكومية وأمثالها، ومحاكمتهم محاكمة عادلة بحضور دولي.. إلخ) [15]
تبدو هذه الأمور بديهية وسطحية جداً، لأنها في الحقيقة لا تؤسسُ لحماية، وإنما تعيد انتاج شكل الانتقام، فبدلاً من أن يكون انتقاماً وحشياً لا مبررات له، إلى أن يكون انتقاماً ذكياً يمكن تجهيز مبرراته، للانتقام من المدافعين والمعارضين بعد انكشاف وجوههم وأسمائهم للجهات الرسمية.
وفي الحقيقة وزعت الأمم المتحدة قواعد حماية أصحاب الرأي والمدافعين عن العدالة، في عدد من الإعلانات والمواثيق، ثم عادت تستجمع مفرداته في قانون حماية المدافعين الصادر 1984م، قسمت إجراءات الحماية على عنوانين "حقوق المدافعين"، وهي بنود اعتبارية تشجع فيها هذه الفئة تشجيعاً معنوياً[16] لنقد الدولة وكشف انتهاكاتها، من غير آليات فعلية يمكنها حمايتهم من الانتقام[17] .
ومن جهة أخرى أحالت دور رعاية حقوق المدافعين إلى الدولة نفسها، وهي أمر في غاية الغرابة، فليس أغرب من أن يكون المتهم بالانتهاكات راعياً لحقوق نقاده ومهاجميه.
تلك كانت تشريعات الأمم المتحدة الماسة بالحماية من الانتقام في حالات السلم، وفيما يلي نستعرض التطبيق الثالث لهذا المفهوم في وثائق الأمم المتحدة في حالة النزاعات والحروب.
التطبيق الثالث: الحماية من الانتقام حال النزاعات والحروب.
شهد العالم منذ فجر التاريخ حروبا طاحنة، بين شعوب مختلفة أو بين شعب واحد فيما سمي بالحروب أو النزاعات الداخلية أو الحروب الأهلية. وقد اندلعت هذه الحروب بدوافع مختلفة ويعتبر دافع الانتقام واحدا من أهم أسباب بدء شرارتها واستمرارها، فابن خلدون يرى أن الأصل في الحرب إرادة انتقام بعض البشر من بعض، ويتعصب لكل منها أهل عصبيته[18].
فالحروب - حسب ابن خلدون - تقوم بسبب الانتقام في الأكثر:
- إما غيرة ومنافسة وإما عدوانا، إما غضب لله ولدينه؛ وهو المسمى في الشريعة الجهاد.
- إما غضب للملك وسعي في تمهيده؛ وهو حروب الدول مع الخارجين عليها والممانعين لطاعتها.
فهذه أربعة أصناف الأولان منها حروب بغي وفتنة، والصنفان الأخيران حروب جهاد وعدل). [19]
ومع التحفظ الشديد على ابن خلدون في اطلاقه بعض الأحكام واعتباره أن الغضب للمُلك، والسعي في تمهيده وشن الحرب لأجل ذلك يعتبر جهاداً وعدلا؛ مما يبرر لأهل الملك والسلطان ولو كانوا على الخطأ أن يشنوا الحروب ضد مناوئيهم، بغض النظر عن موافقة ذلك لمبادئ الدين وقواعد العدل الا أن ما تركز عليه المقالة هو أن ابن خلدون يرى الانتقام هو السبب الأهم لوقوع الحروب .
والمتتبع لتاريخ الحروب حتى وقتنا الحالي يجد أن الأكثر مرارة فيها، هو التشفي من جنود الخصوم، وقتلهم بأبشع الطرق، وقتل الأسرى والنساء والأطفال، وهدم المنازل.
لقد وضع الإسلام قوانين للحروب ومبادئ إنسانية قبل أن تتولى الأمم المتحدة ذلك بمئات السنين، ولا تزال قوانين الإسلام التي جاء بها رسول الإنسانية (ص) من عند ربه في هذا المجال أكثر القوانين رحمة وكمالا وشمولية من القوانين الوضعية وسيدلل على ذلك في القسم الثاني من المقالة.
الا أن البشرية ونتيجة لابتعادها عن منهج السماء ذاقت مرارة وويلات الحروب البعيدة كل البعد عن أبسط المبادئ والحقوق.
ويتحدث التاريخ عن أسباب تأسيس بعض المنظمات العالمية المرتبطة بالامم المتحدة كالصليب الأحمر وأنها أنشئت بعد أن شهد العالم الماسي والويلات نتيجة لانعدام الاخلاق الانسانية في الحروب فقد ذكر
في تاريخ تأسيس هذه المنظمة أنها أنشئت في أعقاب معركة " سولفرينو " في " لومبارديا" حيث جرت معركة بين الجيش الفرنسي-الذي تقاتل مع النمساويين شمالي إيطاليا، وهي المنطقة التي قرر " هنري دونان " مؤسس منظمة الصليب الأحمر أن يبحث فيها عن الإمبراطور، وكان هذا هو سبب حضوره نهاية هذه المعركة، وصل دونان إلى "سولفرينو" مساء يوم 24 يونيو 1859، حيث وقعت في نفس اليوم معركة بين الجانبين في مكان قريب. وبقي 23 ألف مصاب ومحتضر وقتيل في ساحة المعركة، ولم يكن هناك سوى محاولة ضئيلة لتوفير الرعاية. وكان هذا سببا لإنشاء هذه المنظمة الدولية. (1) المصدر غير مذكور
وقد كان الدافع الرئيس لإنشاء الأمم المتحدة بحسب أدبياتها هو إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، حيث شهد مؤسسو المنظمة الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الأولى والثانية الى أن تم توقيع اتفاقيات جنيف والتي تعتبر نواة لما سمي بالقانون الدولي الانساني، وتم اعتماد صيغة الاتفاقيات الحالية في 12 آب/أغسطس 1949 عشية الحرب العالمية الثانية، فأصبحت تعرف "باتفاقيات جنيف الأربع" وصارت موضع تصديق عالمي.
ويغطي القانون الدولي الإنساني مجالين رئيسيين هما حماية الأشخاص الذين لا يشاركون أو كفّوا عن المشاركة في القتال، والقيود التي تنظم استعمال وسائل الحرب وأساليبها كالأسلحة والاستراتيجيات التكتيكية.
وتتعلق اتفاقية جنيف الأولى لعام 1949 بتوفير الحماية والرعاية لجرحى ومرضى القوات المسلحة في ميدان المعركة، وتوفر اتفاقية جنيف الثانية الحماية والرعاية لجرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار، في حين تتصل اتفاقية جنيف الثالثة بمعاملة أسرى الحرب، وأما اتفاقية جنيف الرابعة فهي تعالج حماية المدنيين في أوقات الحرب.
وأُلحقت إلى اتفاقيات جنيف ثلاثة بروتوكولات إضافية منذ عام 1949، ينص البروتوكول الأول لعام 1977 على حماية ضحايا النزاعات الدولية المسلحة. ويحكم البروتوكول الثاني الذي وضع في السنة نفسها حماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية. ويتضمن ما سمي بالقانون الدولي الإنساني أيضا سلسلة من المعاهدات التي تنظم استخدام أسلحة أو استراتيجيات تكتيكية معينة أو تتعلق بالحماية الممنوحة إلى الأشخاص أو الأعيان. ومن بين هذه المعاهدات، اتفاقية عام 1954 بشأن حماية الملكية الثقافية خلال النزاعات المسلحة، واتفاقية عام 1972 بشأن الأسلحة البيولوجية، واتفاقية عام 1980 بشأن الأسلحة التقليدية، واتفاقية عام 1993 بشأن الأسلحة الكيميائية، واتفاقية أوتاوا لعام 1997 بشأن الألغام المضادة للأفراد.[20]
وبالإضافة إلى قانون المعاهدات، يوجد صرح مهم من القانون الدولي الإنساني العرفي تولت اللجنة الدولية للصليب الأحمر جمع قواعده وتدوينها في دراسة رئيسية أصدرتها دار النشر بجامعة كامبردج. وتقدم هذه الدراسة تحليلا شاملا للقواعد العرفية التي تطبق في النزاعات المسلحة بالاستناد إلى ممارسة الدول. [21]
بعد هذ الاستعراض السريع للقوانين والمعاهدات الدولية المتعلقة بالحروب نستنتج أنها نبعت من واقع المعاناة الإنسانية التي تجرعتها البشرية جراء نبذ القيم الإنسانية والتي ما زالت تَتَسببُ في اندلاع الحروب نتيجة عدم اللجوء الى العقل والحكمة ، أو الرغبة في السيطرة وغيرها من الأهداف البعيدة عن قيم السماء مما يؤدي الى انسياق الانسان وراء شهواته البهيمية واستيلاء القوى الغضبية عليه فينساق وراء الانتقام والتشفي بكل الأساليب والطرق ممن يعتبره عدوه بل ويتعدى ذلك ليصب جام غضبه على الأبرياء ومن لا علاقة لهم بالصراع .
بالإضافة الى ذلك فان تطبيق هذه المبادئ ولاسيما حال الحروب غالبا ما يكون رهن موافقة ما يسمى بالقوى العظمى والتي تمتلك حق النقض (الفيتو) مما يؤدي إلى كون الجانب الأخلاقي في الحروب مرتهنا بيد هذه القوى.
وتعتبر كثير من القوانين والمعاهدات الدولية لا قيمة لها فقادة الحرب والعسكريون الذين تدربوا على القتال وأصبحوا مستعدين للتضحية بحياتهم عند الضرورة من أجل أداء واجباتهم القتالية قد لا يكونون على استعداد للاهتمام بقواعد لا يرون فيها سوى نظريات جميلة من صنع قانونيين يجهلون حقائق الحرب الواقعية.
وفي أفضل الحالات فإن هؤلاء الجنود وإن توافرت لديهم النية للالتزام ببعض المبادئ الإنسانية الأولية يعتريهم الشك في أن عدوهم سيفعل مثل فعلهم ومن ثم فإنهم يعتبرون أنفسهم في حل من مثل هذا الالتزام ، وهكذا فأي نوع من التعليم السليم لقانون المنازعات المسلحة لا بد وأن يأخذ في الاعتبار زرع القيم الأخلاقية النابعة من الدين في نفوس هؤلاء العسكريين والتي تشكل الرادع الأنجع للحد من الممارسات المخالفة للقوانين المنظمة للحروب .
والباحث يتفق مع العديد من فقهاء القانون الدولي[22] الذين يرون أنه لا زال بالإمكان الاستفادة من الشريعة الإسلامية في مجالين رئيسيين لم يصل القانون الدولي حتى الآن إلى المستوى المأمول فيهما حيث سبقت فيه الشريعة الإسلامية.
المجال الأول: اعتبار الفرد شخصا قانونيا دوليا بمعنى أن يكون رقيبا على نفسه في التطبيق.
المجال الثاني: ادراج جملة من المبادئ الأخلاقية والاحكام للديانات السماوية بشكل عام والدين الإسلامي بشكل خاص في القانون الدولي ففي كل من المجالين نجد أحكاما متقدمة لا يمكن للقوانين الوضعية أن تحل محلها[23].
مفهوم الحماية من الانتقام في تطبيقات ومواقف من حياة رسول الإنسانية (ص)
أولا : نماذج من مواقف الرسول الأكرم من أصحابه والمحيطين به.
هذه بعض المواقف التي نريد استنطاقها لاستيضاح مفهوم الحماية من الانتقام كما تعامل معه الرسول الأكرم، لأنه لا شك بأن فعل الرسول وتعاطيه هو نموذجُ الأحكام، ومثالها الأعلى، وانعكاس الوحي الرباني الذي لا ريب فيه .
الموقف الأول : اتهام الرسول باخفاء القطيفة الحمراء[24]
وخلاصة هذا الموقف أنه حين انجلى غبار معركة بدر عن انتصار ساحقٍ لصالح المسلمين، وحان لكل محارب من المسلمين أن يفرح بالنصر والغنيمة معاً، كانت عيون بعض المسلمين على "بردة حمراء" لكنهم حين أرادوا تناولها وقت التقسيم لم يجدوها فسارع بعضهم لإساءة الظن برسول الله واتهامه بأنه قد استأثر بها خفية.
التشكيك في نزاهة القائد، واتهامه بسوء استغلال المنصب لمصالح شخصية، كما هو فحوى الرواية، لا يمكن أن يمرُّ دون انتقام لو لم يكن القائدُ هو رسول الله(ص) .
الموقف الثاني : حاطب وافشاء أسرار المسلمين[25]
أما خلاصة هذا الموقف فهو إن حاطب بن أبي بلتعة قد أفشى نية الرسول بمباغتة قريش في فتح مكة، حين أمر بتجهيز الجيش، حيث كتب حاطبٌ كتاباً يكشف لكفار قريش ما عزم عليه الرسول9،وقد نزل جبريل يخبر الرسول9 بفعلته. وفي هذا الموقف استحق حاطب العقوبة الشديدة جراء فعلته التي تعتبر خيانة عظمى في كافة الأعراف والقوانين، إلا أن رسول الله (ص) تعاطى مع الأمر بعيداً عن روح الانتقام والتشفي[26].
هذان موقفان يوضحان كيف نزع الرسول الأكرم 9 روح الانتقام من جذورها وذلك من خلال طبيعة شخصيته الإنسانية البعيدة كل البعد عن أساليب الانتقام والتشفي .
ولا يخفى أن هناك العديد من المواقف المؤيدة والدالة على ماذكرته، وقد أعرضت عنها رعاية للاختصار.
ثانيا: نماذج من مواقف الرسول الأكرم من المنافقين المعارضين له والمتجرئين عليه
- ليخرجن الأعز منها الأذل:[27]
وخلاصة ما ذكره أهل السير والمفسرون أنه وقع خلاف إثر ازدحام على الماء كاد أن يؤدي إلى فتنة بين المهاجرين والأنصار وهنا وجه عبد الله بن أبي رأس المنافقين كلاماً قاسياً إلى المهاجرين وإلى شخص الرسول وقال قولته الشهيرة: "ليخرجن الأعز منها الأذل" ، قاصداً إهانة الرسول الأكرم ، وقد أنكر ذلك عندما سأله رسول الله لاحقا.
إلا أن رسول الله 9 قد عالج الموقف بلياقة وتأني بعيداً عن المسارعة في الحكم أو الاتهام، وذلك من خلال سلوكين، الأول مجاراته حين الإنكار، و الثاني توجيه الأوامر لابن عبد الله بن أبي لأن يرفق بأبيه ولا ينتقم منه رغم علمه باساءته لشخصه الكريم.
حقوق اليهود كمعارضين في وثيقة المدينة:
لقد تعامل النبي مع أهل الكتاب بطريقةٍ حسنةٍ، فلم يتوانَ عن دعوتهم إلى دين التوحيد بشتى الطرق، إلا أنه لم يظلمهم ولم يسلب منهم حقوقهم، بل على العكس من ذلك، فعندما وصل المدينة المنورة مهاجراً نظّم علاقة المسلمين باليهود الموجودين فيها وبيّن حدود كل طرفٍ منهم. وما يهمُّني مما جاء في هذه الوثيقة، على عظمةِ ما حوت، ما يتعلَّق فيها باليهود، فقد نصَّت فيما نصَّت عليه[28]:
" وإنَّه من تَبِعَنا من يهود فإنَّ له النَّصْرَ والأُسوة غير مظلومين ولا مُتناصرين عليهم لليهود دينُهم وللمسلمين دينُهم، مواليهم وأنفسهم إلا من ظَلَم وأَثِمَ، فإنَّه لا يُوتغ[29] إلا نفسه وأهل بيتِه "، " وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النَّصْرَ على من حارب أهلَ هذه الصَّحيفة، وإن بينهم النُّصْح والنَّصيحة والبِرَّ دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤٌ بحليفه، وإن النَّصْر للمظلوم، وإنَّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإنَّ يثرب حرامٌ جوفُها لأهل هذه الصَّحيفة ، " وإنَّ بينهم النَّصْرَ على من دَهَمَ يثرب "، " وإنَّه لا يحولُ هذا الكتابُ دون ظالمٍ أو آثم، وإنَّه من خرج آمنٌ، ومن قعد آمنٌ بالمدينة، إلا من ظَلَمَ أو أَثِمَ ".
هذان موقفان من السيرة يوضحان كيف تمتع المعارضون في دولة الرسول بحقوقهم الطبيعية رغم اختلافهم في الرأي والمعتقد مع تعدي هذا الاختلاف من كونه خلافا إلى طعنٍ في شخصية الرسول9 وافتراء، بينما استثمر اليهود هذه المعاهد استثماراً سيئاً بالتحالف والتآمر مع أعداء الرسول والإسلام.
ثالثا: نماذج من أخلاقيات الحرب وبنودها كما وردت عن رسول الإنسانية 9
قد يبدو مصطلح أخلاق الحرب فيه تناقض إجمالاً إلا أنه أًصيل في الدين الإسلامي وللحرب قواعدها وبنودها، وترتكز أخلاقيات الحرب في الإسلام على ما يلي: مفاهيم محورية أهمها: رعاية العهود العسكرية، وعدم الاعتداء، والجنوح للسلم إن جنح العدو إليه، رعاية الأحكام الإنسانية في الحرب كالتعامل مع الأسرى والإجارة واللجوء وغيرها.
وسأقتصر فيما يلي على عرض مجموعة قليلة جدا من الإجراءات تختص برعاية الأحكام الإنسانية أثناء الحروب.
- النهي عن قتل النساء والعجّزة والأطفال
فعن حفص بن غياث أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام عن النساء كيف سقطت الجزية عنهنّ ورفعت عنهن؟ قال: فقال عليه السلام: "لأنّ رسول الله (ص) نهى عن قتل النساء والولدان في دار الحرب إلا أن يقاتلن.[30]
- النهي عن إلقاء السمّ في الماء والغذاء
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "قال أمير المؤمنين عليه السلام: نهى رسول الله 9 وسلم أن يُلقى السُمُّ في بلاد المشركين".[31]
- عدم إتلاف الزرع
فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: "إنّ النبي (ص) كان إذا بعث أميراً له على سرية أمره بتقوى الله عزّ وجل في خاصّة نفسه، ثمّ في أصحابه عامّة ثم يقول: (... ولا تُمثِّلوا... ولا تحرقوا النخل، ولا تُغرِقوه بالماء، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تُحرِقوا زرعا)ً[32].
- عدم التمثيل بجثث القتلى
حيث نهى الإسلام عن التمثيل في جثث قتلى العدو على لسان النبي (ص)، فقدروي عنه (ص): (إيّاكم و المُثلة ولو بالكلب العقور[33](.
- عدم الاعتداء
حيث يقول تعالى:﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾[34].
وفي آية أخرى ﴿الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾[35].
الجنوح للسلم
إنّ الإسلام دين الصلح والهدوء والأمن والمسالمة. فللحرب والجهاد بُعد محوري يهدف إلى إرساء الصلح وقلع الفتنة وإيقاف الحروب، ولهذا يسعى الإسلام بقدر ما يمكنه إلى منع التقاتل والقتل، وهو لهذا أيضاً يقبل عرض الصلح ووقف إطلاق النار بسهولة عند توافر فرصته الحقيقية. حيث يقول تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا﴾[36].
وفي آية أخرى، يقول تبارك وتعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾[37].
خلاصة حول منطلقات ومواقف رسول الإنسانية (ص)
مقارنة بمواقف ومنطلقات مُنظِّري الأمم المتحدة
وخلاصة ما ذكر من مواقف في تطبيقات الرسول الأكرم على الفئات الثلاث من الأتباع والمخالفين وحال الحرب والنزاع، يتضح أن مفهوم الحماية من الانتقام في السلوك الإسلامي قائم على نزع روح التشفي، وإيقاظ البعد الإلهي في شخصية المسلم ليكون قوياً على التسامح، عاقلاً في المجازاة، ولا يكون بأي حال من الأحوال مصدر تهديد وانتقام إلا في مواضع الحق والانتصاف، فلا يمكن فصل هذه الأسس عن المفهوم الإسلامي للحماية من الانتقام.
في حين أننا نجد مفهوم الحماية من الانتقام تختلف أسسه وتتباين في كل تطبيق من تطبيقات الأمم المتحدة، فهو يتأسس على حاجة الأمم المتحدة للسمعة والمصداقية في التطبيق الأول، ويتأسس مرةً أخرى على ضغط الشعوب والأمم لتهذيب السلوك الحربي وتخفيف معاناة المستضعفين حال النزاعات، ثم يفتقد المفهوم مفعوله تماماً عند الحديث عن حماية المدافعين عن حقوق الانسان والمعارضين للجهات الرسمية من الانتقام.
وذلك مدعاة لمراجعة وثائق الأمم المتحدة في هذا الشأن للتأكد من جدية هذه المواثيق وصدقية أخلاقيتها وإنسانيتها.
أهم توصيات الدراسة:
- متابعة البحوث التي تعالج البعد الأخلاقي والنفسي لمفهوم الانتقام وطرق معالجته وفق المفاهيم الأخلاقية القرآنية وما ورد عن الرسول الأعظم (ص).
- الاقتداء بسيرة الرسول الأعظم (ص) في عدم الانتقام والتشفي ممن يختلفون معنا في بعض الأفكار أو يرتكبون بعض المخالفات الشرعية وهذا درس للدعاة وأصحاب القرار والقادة الدينيين وفي مختلف مجالات العمل السياسي و الاجتماعي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
.............................................
المصادر والمراجع
الكتب
- القرآن الكريم - كتاب الله عز وجل .
- الميزان في تفسير القران - السيد محمد حسين الطباطبائي - مطبعة اسماعيليان - قم - ايران -الطبعة الخامسة - 1412هج .
- السيرة النبوية - ابن هشام – تحقيق : مصطفى السقا واخرين- منشورات محمد علي بيضون - بيروت - لبنان - الطبعة الأولى 1422هج- 2001م .
- شرح أصول الكافي- محمد صالح المازندراني – مع تعاليق الميرزا الشعراني - ضبط وتصحيح السيد علي عاشور- دار احياء الثراث – بيروت – لبنان – الطبعة الأولى 1421-2000م .
- صحيح سنن الترمذي تحقيق ناصر الدين الالباني ، النسخة الإلكترونية .
- مجمع البيان في تفسير القران - الطبرسي – تعليق وتحقيق مجموعة من المحققين –– دار احياء التراث العربي – بيروت- 1379هج .
- مقدمة بن خلدون - تحقيق عبدالله الدرويش - الطبعة الأولى دار يعرب – دمشق ، 1425- 2004م
- موسوعة التاريخ الإسلامي –محمد هادي اليوسفي الغروي – مجمع الفكر الإسلامي – ايران – الطبعة الخامسة 1438هج .
- لسان العرب - ابن منظور - تحقيق اليازجي وجماعة من اللغويين - نشر دار صادر –بيروت – الطبعة الثالثة- 1414هج .
- مقاييس اللغة – ابن فارس- تحقيق عبد السلام هارون - دار الفكر – بيروت -1399هج .
- وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة - الحر العاملي – تحقيق وطباعة مؤسسة ال البيت لإحياء التراث – بيروت – الطبعة الثانية 1414هج .
- الوسيط في القانون الدولي العام، جعفر عبدالسلام علي- دار الكتاب المصري١٩٧٥- الجزء 1 .
مقالات :
- مقال بعنوان: دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية في القانون الدولي الإنساني - جان ماري هانكارتز- 02/09/2003 موقع صفحة الصليب الأحمر الدولي على الانترنت.
- مقالة بعنوان: معاملة الاسرى في ضوء الشريعة الإسلامية والقانون الدولي- د. يوسف محمد عطاري- المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية- المجلد الثامن العدد الأول 1433- 2012م.
وثائق الأمم المتحدة
- "إعمال الاخلاقيات على نطاق الأمم المتحدة- الوثيقة رقم ST / SGB/2007/11
ST/SGB/2007/11 - A - ST/SGB/2007/11 -Desktop (undocs.org)
- الوثيقة " ترجمة الأخلاقيات إلى أفعال" - الأمم المتحدة .
- الوثيقة "صحيفة الوقائع رقم (29)" -حماية حق الدفاع عن حقوق الانسان - موقع الأمم المتحدة - مكتب المفوض السامي. pdf (ohchr.org)
- الوثيقة "إعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان" - رقم الوثيقة A/RES/53/144
declaration_ar.pdf (ohchr.org)
- الوثيقة " تقرير المقررة الخاصة - مارغريت سيكاغيا بمجلس حقوق الانسان- الدورة الثالثة عشر
- القاموس العملي للقانون الإنساني– فرانسواز بوشيه- ترجمة محمد مسعود - دار العلم للملايين 2006 –
- راجع النسخة الإلكترونية التي أشرفت على نشرها منظمة أطباء بلا حدود –فرنسا .
Médecins Sans Frontières | القاموس العملي للقانون الإنساني (guide-humanitarian-law.org)
- "المبادئ الدولية لقانون حماية المبلغين" – نسخة PDF .
- دليل الموظف إلى تسوية النزاعات – إقامة العدل الداخلي الأمم المتحدة – نسخة PDF .
- دليل الموظف إلى المكان الصحيح .
- مكتب الأخلاقيات –الأمم المتحدة- الموقع الرسمي
مكتب الأخلاقيات - لمحة عامة (un.org)
- قاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي - أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر - نشرتها مطبعة جامعة كامبردج في 2005. تتألف الدراسة من مجلدين: المجلد الأول (القواعد) والمجلد الثاني (الممارسة). تتيح قاعدة البيانات الاطلاع على القواعد، والممارسة الكامنة وراءها، عبر الإنترنت.
مصادر مساعدة
- حماية المبلغين والشهود عن المخالفات في التشريع المصري - الدكتور أبو العلا علي أبو العلا النمر -أستاذ ورئيس قسم القانون الدولي الخاص ومدير المحكمة التدريبية الإلكترونية بكلية الحقوق – جامعة عين شمس.نسخة pdf سنة النشر غير مذكورة .
- الفريضة الغائبة – حماية الشهود والمبلغين.. آلية مهمة لمكافحة الفساد و إهدار المال العام- نشر المجموعة المتحدة محامون ومستشارون قانونيون - تحرير محمود بسيوني2010. نسخة PDF .
- أدلة الحوكمة الرشيدة رقم 3 -سياسات وهيئات مكافحة الفساد – نشرها مركز النزاهة في قطاع الدفاع – نسخة PDF .
- الإعلان العالمي لحقوق الانسان. موقع الأمم المتحدة على الانترنت .
OHCHR |
- اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.
UNITED NATIONS CONVENTION AGAINST CORRUPTION (Arabic) (unodc.org)
- الوثيقة رقم AHRC/44/43 – الأمم المتحدة - علاقة الترابط بين الأعمال التجارية ومكافحة الفساد وأهداف حقوق الانسان . نسخة PDF
......................................
[1] لسان العرب - ابن منظور – المجلد 14 - مادة نقم -ص 198 – نشر دار صادر -بيروت.
[2] لسان العرب - ابن منظور – المجلد 21 - ص 590 – نشر دار صادر -بيروت./ مقاييس اللغة – ابن فارس- الجزء 5 - ص464 – طباعة دار الفكر
[3] قد توجه هذه الضغوطات نحو "الشخص الطبيعي" أو ما في حكمه كالكيانات الأهلية، وقد يكون الضغط موجهاً من دولة باتجاه دولة أخرى، ولكلِّ من هذين النوعين أحكامه ومجراه القانوني الخاص، إلا أن القانون الدولي أكثر عناية بالنوع الثاني.
[4] القاموس العملي للقانون الإنساني– فرانسوا بوشيه- ترجمة محمد مسعود - دار العلم للملايين 2006 – راجع النسخة الإلكترونية التي أشرفت على نشرها منظمة أطباء بلا حدود – فرنسا.
[5]اوثيقة "إعمال الاخلاقيات على نطاق الأمم المتحدة" - نشرة الأمين العام - المادة (1) من الوثيقة رقم ST / SGB/2007/11
[6] "ترجمة الأخلاقيات إلى أفعال"– دليل لموظفي الأمم المتحدة – دور مكتب الأخلاقيات / راجع الشعار في واجهة الموقع الرسمي لمكتب الأخلاقيات أيضا.
[7] وثيقة "إعمال الاخلاقيات على نطاق الأمم المتحدة" - نشرة الأمين العام - المادة (1) المبدأ (2) – رقم الوثيقة ST / SGB/2007/11
[8] الموقع الرسمي لمكتب الأخلاقيات - سياسة الحماية من الانتقام / انظر أيضا- القاموس العملي للقانون الإنساني– فرانسوا بوشيه- ترجمة محمد مسعود - دار العلم للملايين 2006 – راجع النسخة الإلكترونية التي أشرفت على نشرها منظمة أطباء بلا حدود – فرنسا.
[9] "دليل الموظف إلى تسوية النزاعات" - نظام إقامة العدل الداخلي – الأمم المتحدة – نسخة PDF
[10] نفسه / انظر أيضا وثيقة "إعمال الاخلاقيات على نطاق الأمم المتحدة" - نشرة الأمين العام - المادة رقم (3) الفقرة (هـ).
[11] نفسه / انظر أيضا "المبادئ الدولية لقانون حماية المبلغين" – نسخة PDF – منظمة الشفافية الدولية
[12] سياسة الحماية من الانتقام – مكتب الأخلاقيات - الموقع الرسمي
[13]وثيقة "إعمال الاخلاقيات على نطاق الأمم المتحدة" - نشرة الأمين العام - المادة (1) من الوثيقة رقم ST / SGB/2007/11
/ انظر أيضا عنوان"المبادئ التعريفية بمكتب الأخلاقيات" - لماذا تحتاج الأمم المتحدة إلى مكتب للأخلاقيات؟ - الموقع الرسمي
[14] الوثيقة " تقرير المقررة الخاصة - مارغريت سيكاغيا بمجلس حقوق الانسان– أمن المدافعين عن حقوق الانسان – ص7
[15] وثيقة " صحيفة الوقائع رقم (29) – من سلسلة صحائف وقائع حقوق الانسان- طبعت في الأمم المتحدة – جنيف برقم ISSN 1014-5567
[16] وثيقة "إعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان" - المواد (11) - (12( -) 13) - (18) نموذجا- رقم الوثيقة A/RES/53/144
[17]وثيقة "إعلان حماية المدافعين عن حقوق الانسان" - المواد (3) - (14( -) 15) نموذجا - رقم الوثيقة A/RES/53/144
[18] مقدمة بن خلدون - تحقيق عبدالله الدرويش - ص457 - الطبعة الأولى دار يعرب - دمشق 1425هج- 2004م
[19] المصدر السابق ص458
[20] قاعدة بيانات القانون الدولي الإنساني العرفي - وتمثل هذه القاعدة النسخة الإلكترونية من الدراسة التي أجرتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القانون الدولي الإنساني العرفي - نشرتها مطبعة جامعة كامبردج في 2005. تتألف الدراسة من مجلدين: المجلد الأول (القواعد) والمجلد الثاني (الممارسة). تتيح قاعدة البيانات الاطلاع على القواعد، والممارسة الكامنة وراءها، عبر الإنترنت .
[21] مقال بعنوان : دراسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن القواعد العرفية في القانون الدولي الإنساني - جان ماري هانكارتز- 02/09/2003 موقع صفحة الصليب الأحمر الدولي على الانترنت .
[22] الوسيط في القانون الدولي العام - جعفر عبد السلام علي- دار الكتاب المصري١٩٧٥- الجزء الأول - ص12 - مع تصرف في العبارات والصياغة.
[23] مقالة بعنوان: معاملة الاسرى في ضوء الشريعة الإسلامية والقانون الدولي- د. يوسف محمد عطاري- المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية- المجلد الثامن العدد الأول 1433- 2012م .
[24] حدثني إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مقسم، عن ابن عباس: " وما كان لنبي أن يغل "، قال: كان ذلك في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر، فقال أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " فلعل النبي أخذها "! فأنـزل الله عز وجل: " وما كان لنبي أن يغُل " = [قال سعيد: بلى والله، إنّ النبي ليُغَلّ ويُقتل]. (24) صحيح سنن الترمذي تحقيق ناصر الدين الالباني ، النسخة الإلكترونية رقم الحديث 3009 خلاصة حكم المحدث : صحيح، وقد أورد جمهور المفسرين هذا الحديث عند تفسير الآية، منهم الطبري، والبغوي، وابن عطية، والقرطبي، وابن كثير، وابن عاشور.
[25] تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي – الجزء 19 - ص234 – فيها نقل عن تفسير القمي - الجزء 2 - ص391 :
في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَا﴾ الآية: نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، ولفظ الآية عام ومعناها خاص وكان سبب ذلك أن حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم وهاجر إلى المدينة وكان عياله بمكة، وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فصاروا إلى عيال حاطب وسألوهم أن يكتبوا إلى حاطب ويسألوه عن خبر محمد هل يريد أن يغزو مكة؟
فكتبوا إلى حاطب يسألونه عن ذلك فكتب إليهم حاطب أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يريد ذلك، ودفع الكتاب إلى امرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها ومرت فنزل جبرئيل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبره بذلك.
فبعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين والزبير بن العوام في طلبها فلحقوها فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): أين الكتاب؟ فقالت: ما معي شيء ففتشاها فلم يجدا معها شيئا فقال الزبير: ما نرى معها شيئا فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): والله ما كذبنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا كذب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على جبرئيل، ولا كذب جبرئيل على الله جل ثناؤه والله لتظهرن الكتاب أو لأردن رأسك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: تنحيا عني حتى أخرجه فأخرجت الكتاب من قرونها فأخذه أمير المؤمنين وجاء به إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا حاطب ما هذا؟ فقال حاطب: والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيرت ولا بدلت، وإني أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله حقا ولكن أهلي وعيالي كتبوا إلي بحسن صنيع قريش إليهم فأحببت أن أجازي قريشا بحسن معاشرتهم، فأنزل الله على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ ﴾. سورة الممتحنة م اية 1-9
وقد ورد مضمون الرواية مع اختلاف في ألقاظها وذيلها في معظم كتب تفاسير العامة والخاصة .
[26] موسوعة التاريخ الإسلامي – المحقق الغروي – الجزء 3 - ص183 . فقد تتبع الرواية وبين أسباب عدم القبول بهذا الذيل.
أعرضتُ عن الرواية التي تنص على أن عمر بن الخطّاب قال : يا رسول اللّه مرني بقتله فإنه قد نافق، فقال النبي (ص) : إنّه من أهل بدر ، ولعلّ اللّه اطّلع عليهم فغفر لهم . فقد تتبع ذلك العلامة الطباطبائي في تفسير سورة الممتحنة وبين أسباب عدم قبول الرواية بأدلة من مصادر الفريقين.
[27] مجمع البيان - الشيخ الطبرسي - الجزء ١٠ - الصفحة ٢٤- سبب نزول الآية.
[28] سيرة ابن هشام – الجزء 2 – ( ص 147 – 148)
[29] لا يوتغ: أي لا يهلك - والوَتَغُ: الهلاك - ينظر لسان العرب مادة ( وتغ )
[30] وسائل الشيعة - الحر العاملي - الجزء 15- الباب 18 من أبواب الجهاد – الحديث 1 - ص64.
[31] وسائل الشيعة ، للحر العاملي ، باب 16 من أبواب الجهاد، ح1، ص62
[32] - وسائل الشيعة، ج15، باب 15 من أبواب الجهاد، ح3، ص59.
[33] شرح أصول الكافي- المازندراني - الجزء 6 - ص 150
[34] سورة النحل - الآية 126
[36] سورة النساء - الآية 90
[37] سورة الأنفال – الآية 61