نادر الملاح
9 محرم 1444 هـ، 8 أغسطس 2022
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لكل شيء وجهٌ، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشينن أحدكم وجه دينه" (بحار الأنوار، للعلامة المجلسي، ج81 ص373).
من الثابت المعلوم أن منزلة الصلاة في شريعة السماء المحمدية هي الأعلى بين كل العبادات التي فرضها الله سبحانه وتعالى على خلقه، لا يصح بغيرها إسلامٌ ولا عمل. فهي كما عَبَّر عنها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "عمود الدين"، حيث قال: "إن عمود الدين الصلاة، وهي أول ما يُنظر فيه من عمل ابن آدم، فإن صحَّت نُظر في عمله، وإن لم تصِح لم يُنظر في بقية عمله" (ميزان الحكمة، للريشهري، ج5 ح10569)، وأنها "رأس الإسلام"، حيث قال: "ليكن أكثر همك الصلاة، فإنها رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين" (ج2 ح2265)، وأوصى بها أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: "الله الله في الصلاة، فإنها عمود دينكم" (ح10549)، و"الصلاة حصن من سطوات الشيطان" (ح10531).
جاء ذكر الصلاة في القرآن الكريم إحدى وستون مرة في مواضع وموارد عديدة، أغلبها في إقامة الصلاة وأنها من صفات عباد الله الصالحين والمؤمنين. ومن هذه المواضع، قوله تعالى: "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا…" (طه:132)، و"الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ" (البقرة:3) كصفة رئيسىة للمتقين الذين لا ارتياب لهم في كتاب الله المجيد "ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ" (البقرة:2)، "…فَأَقِيمُواْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا" (النساء:103) وبهذه الآية يُستدل أولاً على وجوب الصلاة، وثانياً على وقتيتها. ومن أدلة وجوب الصلاة أيضاً قوله تعالى "مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ" (المدثر:42-43)، في بيان عاقبة تارك الصلاة، وفي عِلَّة فرضها قال تعالى: "وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ" (العنكبوت:42). وجاء في خطبة سيدة نساء العالمين عليها وأبيها أفضل الصلاة وأزكى السلام، المعروفة بالخطبة الفدكية: "فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر".
فشريعة محمد صلى الله عليه وآله ترتكز على ركيزة أساسية هي الصلاة، ثم بقية العبادات. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "جعل الله جل ثناؤه قُرَّةَ عيني في الصلاة، وحَبَّبَ إلي الصلاة كما حَبَّبَ إلى الجائع الطعام، وإلى الظمآن الماء، وإن الجائع إذا أكل شبع، وإن الظمآن إذا شرب روي، وأنا لا أشبع من الصلاة" (مكارم الأخلاق، ج2 ص366)، و"إن الصلاة قربان المؤمن" (كنز العمال، ح18907).
وعلى نهج محمد صلى الله عليه وآله وسلم، كان الحسين عليه السلام، لم تفارق الصلاة ذاكرته طرفة عين، بل لما استبانت نية القوم الإغارة على معسكر الحسين في ليلة العاشر من المحرم، أرسل أخاه العباس عليهما السلام إلى القوم قائلاً: "ارجع إليهم واستمهلهم هذه العشية إلى غدٍ، لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثرة الدعاء والاستغفار". وبالفعل قضى الحسين ومن معه هذه الليلة بين راكع وساجد، وقائم وقاعد، يتزود ومن معه من الصلاة تزوُّد المودِّع لها.
ولمَّا كان يوم العاشر من المحرم، فاشتبكت السيوف والأسنة، واستمر القتال بين معسكر الحق والباطل حتى زوال الشمس وحلول وقت الصلاة، فلما رأى أبو ثمامة الصيداوي قرب وقت الصلاة، توجه نحو الإمام الحسين في وسط المعركة قائلاً: "يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء، هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك، وأُحِبُّ أن ألقى الله ربي وقد صليتُ هذه الصلاة"، فرفع الحسين عليه السلام رأسه إلى السماء وقال: "ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها"، ثم قال: "سلوهم أن يكفوا عنا حتّى نصلي". أما أهل الباطل فكان من جوابهم قول الحصين بن نمير: "إن الله لا يقبل صلاتك"، فأي صلافة وأي جرأة على الله تعالى كانت تملأ قلوب هؤلاء الظلمة، حتى يزعموا أن الله لا يقبل الصلاة من سيد شباب أهل الجنة ويقبلها منهم هم وقد اجتمعوا لقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظلماً وبغياً وعدوانا.
لقد كانت كلمة الحسين عليه السلام: "أمضي على دين النبي" متجسدةً تجسيداً عملياً على أرض الواقع، فهذا هو دين النبي وهذه هي شريعته السمحاء. وكذا كانت كلمة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم "وأنا من حسين" في دلالة على إحياء الحسين عليه السلام شريعته صلى الله عليه وآله، التي يميتها الظالمون، فيبعث الحسين بدمه الشريف فيها الحياة. فالحسين عليه السلام يتوقف في أوج المعركة ليصلي، بينما أهل الضلال لا يكترثون بالصلاة، فلا هم صلوا ولا احترموا صلاة الحسين ومن معه، إذ سرعان ما نقضوا عهدهم بعدما ما وافق أميرهم اللعين عمر بن سعد على إيقاف الحرب لكي يصلي الحسين ومن معه، فيأمر الجند برشق المصلين بالسهام، حتى إذا انقضت الصلاة خر سعيد بن عبدالله شهيداً بين يدي الحسين عليه السلام لكثرة ما أصابه من نبال القوم.
نعم، لو كان الانتصار في يوم كربلاء ليزيد وأتباعه كما يظن أهل السفاهة، لما كان اليوم للصلاة التي هي عمود الدين من ذِكْر، وأي ذِكرٍ ومؤسس الدولة الأموية في خطبة استيلائه على الحكم قد أعلنها: "إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتحجوا ولا لتزكوا، إنكم لتفعلون ذلك، إنما قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون" (بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج44 ص53). فهذه الصلاة التي تقام اليوم في كل أرجاء الأرض إنما تشهد بانتصار الحسين عليه السلام الذي أحيا دين جده المصطفى صلى الله عليه وآله، ومضى رغم فداحة المصاب وقساوة القلوب "على دين النبي" صلى الله عليه وآله وسلم.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين. أشهد أنك قد أقمت الصلاة، وآتيت الزكاة، وأمرت بالمعروف، ونهيت عن المنكر، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجاهدت في الله حق جهاده، حتى أتاك اليقين، فجاورت رب العالمين.
اللهم ثبتنا على ولاية الطاهرين، واهدنا سواء السبيل، وأحسن خواتيم أعمالنا إلى خير ما تحب وترضى، إنك أنت السميع المجيب، وصلي يا رب وزد وبارك على محمد وآله الطاهرين، وارزقنا في الدنيا ولايتهم، وفي الآخرة شفاعتهم، وتوفنا على هذا العهد برحمتك يا أرحم الراحمين.