هذه مجموعة من مسائل فقه الحج لآية الله العظمى الشيخ حسين العصفور(قدس سره) قام بتهذيبها يراع أستاذنا الفاضل حجة الإسلام العلامة الشيخ محمد ميرزا الخرسي، بحكم خبرته في مجال الإرشاد الديني في الحج، وبحكم اطلاعه على فتاوى المبرور الشيخ حسين العصفور وتدوينها فقد أوعز لجنابه المشاركة بورقة عمل في مؤتمر الشيخ حسين العصفور والذي عقد قبل فترة، فكانت هذه الورقة التي كان لي شرف تقريرها من الأستاذ الخرسي دامت إفاضاته بمثابة قراءة نقدية في نقل فتاوى الشيخ في فقه الحج من قبل بعض العلماء في البحرين، نسأل المولى أن يتم بها فائدة المؤمنين سيما مقلدي الشيخ في البحرين، وأترككم مع الأستاذ الشيخ الخرسي وهو يتحدث:
إطلالة:
لا نريد في هذه الورقة طرح تمام آراء الشيخ حسين آل عصفور في الحج على غرار المناسك المعروفة فإن هذا الأمر تكفلت به أقلام الشيخ (ره) في مناسكه وأقلام العلماء والمؤلفين الناقلين للفتاوى المطابقة لآرائه. وإنما نريد أن نثير بعض المسائل في الحج التي وقعت مثاراً للجدل حول فهم رأي الشيخ (ره) ومعرفة فتواه. ومسلكنا في هذا الأمر هو خصوص ما يفهم من كلمات الشيخ (ره) وفتواه مما هو صريح في ذلك، أو ظاهر لعموم حجية الظواهر في ما يفهم من كلام العقلاء، ويحاول البعض أن يفهم آراء الشيخ (ره) وفتاواه من خلال أدلته التي يسوقها ويذكرها أو من خلال مبانيه في الأصول مع عدم التصريح بالفتوى منه.
وهذه المحاولة غير صحيحة لأنها اجتهاد واستنباط في آرائه وفتاواه من مبانيه فلا يصح نسبتها إلى الشيخ (ره) لأن الاستنباط والإفتاء كما يحتاج إلى العناصر المشتركة في عملية الاستنباط، فكذلك يحتاج إلى العناصر الخاصة في العملية المذكورة، وقد يتفق الفقهاء في العناصر المشتركة الكلية، ولكن قد يختلفون بسبب العناصر الخاصة الداخلة في عملية الاستنباط. وعلى ضوء ذلك لدينا عدة مسائل:
المسألة الأولى:
ادعى بعض الفضلاء من علماء البحرين (ره) بأن الشيخ حسين آل عصفور(ره) يرى لزوم الإحرام بالصبيان إذا أريد إدخالهم إلى الحرم أو مكة.
الجواب: إن تمام التكاليف مرفوعة عن الصبي حتى يبلغ ومنها لزوم الإحرام لدخول مكة أو الحرم فلا يجب على الصبي الإحرام للدخول ولا يجب على الولي الإحرام به للدخول إلى الحرم أو مكة. ولم يتمسّك هذا الفاضل إلا بعبارة الشيخ (ره) في السداد ص: 19 حيث قال: [وللولي أن يحرم عن الذي لا يميّز] وهذه العبارة لا دلالة لها على المطلوب فإنها غاية ما تدل عليه جواز الإحرام عن غير المميز لا لزوم الإحرام على الولي عند إدخال الصبي للحرم أو مكة.
المسألة الثانية:
الإحرام لحج التمتع من مكة، هل يشمل مكة الحديثة أم لا؟ وادعى البعض شمولها لمكة الحديثة لإطلاق عموم كلماته (ره).
الجواب: لا إشكال على رأي الشيخ (ره) من الإحرام بحج التمتع من مكة القديمة التي حدها من عقبة المدنيين وهي المسمّاة بـ(ثنية الحجون) لمن جاء عن طريق المدينة وعقبة ذي طوى لمن جاء من أسفلها، ووادي ذي طوى بين مقبرة الحجون بالمعلاة وربع الكحل المسمّى بـ(الثنية الخضراء)، ويعرف وادي طوى اليوم بـ(بير الهندي) _ بناء على ما ذكره محقق كتاب أخبار مكة _ فلا مانع من الإحرام بحج التمتع من أي موضع منها سواء كان من مسجدها أو مساجدها الأخرى أم كان من بيوتاتها وفنادقها ولو من سككها وطرقها.
وأفضل المواضع من المسجد الحرام، وأفضل مواضعه مقام إبراهيم أو تحت الميزاب، وأما الإحرام من مكة المستحدثة فلا يُعلم من الشيخ (ره) جوازه ولا يمكن التمسّك بإطلاق كلامه لأنه ليس في مقام البيان من جهة الحدود وإنما هو في مقام بيان أصل المكان الذي يحرم منه لحج التمتع لا أنه في مقام حدود هذا المكان. فالأحوط لمقلديه عدم الاجتزاء بالإحرام من مكة الجديدة كالعزيزية والمعابدة.
المسألة الثالثة:
وهي مسألة تقديم الطوافين _ طواف الحج وطواف النساء _ والسعي على الموقفين للمتمتع اختياراً، وهو ما يأمر بعض المرشدين لمقلديه (ره).
الجواب: بالنسبة إلى المضطر والخائفة للحيض والنفاس ونحوهما من أهل الأعذار فلا إشكال في جواز تقديم الطوافين والسعي على الموقفين في حج التمتع، وأما بالنسبة إلى المختار فلا إشكال في جواز تقديم طواف الحج وصلاته والسعي على الموقفين في حج التمتع على رأي الشيخ (ره).
وإنما الكلام في جواز تقديم طواف النساء معها فعبارته في الابتهاج ص : 94 جواز تقديمه، ولكن رأيه في السداد ص : 17، وص : 179 والابتهاج ص: 93، والأنوار الوضية ص : 181 ليس واضحاً إذ يحتمل أن الألف واللام للجنس فيجوز تقديم الطوافين والسعي، ويحتمل أن الألف واللام للعهد فيحمل على طواف الحج دون طواف النساء فالأحوط لمقلديه في حال الاختيار عدم تقديم طواف النساء على الموقفين والله العالم.
المسألة الرابعة:
وهي مسألة الإحرام قبل الميقات بالنذر، فبعض المرشدين يأمر مقلديه (ره) بالإحرام قبل الميقات في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية.
والجواب: لا إشكال على رأي الشيخ من جواز الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في أشهر الحج أو عمرة التمتع في أشهر الحج أيضاً.
وأما الإحرام بالنذر قبل الميقات للحج أو العمرة المفردة في غير أشهر الحج: ففي الابتهاج ص:10 جواز الإحرام به ولكن في السداد: ص: 37، تخصيص الجواز بالعمرة دون الحج وأن تكون العمرة في أشهر الحج والعمل على ما في السداد لأنه هو المتأخر عن الابتهاج.
فما يفعله البعض من الإحرام قبل الميقات بالنذر في العمرة المفردة في غير أشهر الحج كالعمرة الرجبية والشعبانية والرمضانية فمشكل، فيلزم مقلديه في وادي قرن المنازل من الإحرام من وادي السيل الكبير والإحرام من وادي محرم في طريق الهدا.
المسألة الخامسة:
وهي مسألة ضمّ الوضوء لغسل الإحرام فيأمر البعض بضم الوضوء للغسل مقدماً للوضوء على الغسل أو للغسل على الوضوء.
الجواب: فتوى الشيخ (ره) إن غسل الإحرام يجزي للصلاة والطواف بوحده، ولا يجب ضم الوضوء له، ولكن يستحب ضم الوضوء له فإذا أراد ضم الوضوء معه فالأحوط عنده تقديم الوضوء على الغسل لا تأخيره عن الغسل.
وهذا جارٍ في مطلق الأغسال المستحبة كغسل الجمعة ونحوه، فالأحوط لمن أراد ضم الوضوء مع الغسل من تقديم الوضوء على الغسل.
المسألة السادسة:
يأمر بعض المرشدين بالطواف بالبيت بين البيت والمقام عند الشيخ حسين (ره) فتضيق المسافة عند حجر إسماعيل فلا يبقى منه إلا خمسة أشبار من بعد الحجر فلا يجوز الطواف في أكثر من ذلك ولو كان بسبب الزحام.
الجواب: إن الخمسة الأشبار قد صرّح بها الشيخ (ره) في كتاب السداد ص: 76، والمنهاج ص: 23، وفي الابتهاج ذكر بأن المتبقي خمسة أقدام والقدم أكبر من الشبر.
وما ينبغي أن يقال أن المسألة ليست من قبيل الأحكام التي يجب الرجوع فيها إلى الفقيه ولا من قبيل الموضوعات المستنبطة كالغناء في أنه مطلق الترجيع أو الترجيع المطرب، فإن هذا الأمر لا بد من الرجوع فيه إلى الفقيه، بل هي من الموضوعات المحضة التي لا علاقة للاستنباط بها ولا يجب التقليد فيها فإن الواجب هو الطواف بين البيت والمقام من جميع الجهات وأما مقدار ما يبقى فهذا موكول إلى العرف، إذ يبقى من بعد الحجر ستة أذرع ونصف على ما قاله الكثير من المحققين وصرّح به الأزرقي في أخبار مكة. والمسافة من جدار الكعبة إلى نهاية الحجر عشرون ذراعاً فيبقى ستة أذرع ونصف ذراع يجوز الطواف فيها عند الحجر.
وليعلم أن التحديد بذلك إنما هو عند وسط الحجر وشيء مما يحيط به من الجانب الشرقي والغربي، وأما بدايته ونهايته فيجوز الابتعاد عنه بأكثر مما ذُكر.
المسألة السابعة:
يأمر بعض المرشدين بإعادة الطواف من جديد لو شك في عدد الأشواط كما هو فتوى المشهور.
الجواب: رأي الشيخ حسين (ره) في هذه المسألة من أنه إذا شك الطائف في عدد الأشواط وكان الشك في النقيصة كما لو شك بين الخامس والسادس فهو مخيّر بين البناء على الأقل والإتمام والإعادة، وبين الإعادة من رأس _ وهو الأحوط _ استحباباً. وهو اختياره في السداد، ص : 77، والابتهاج ص: 35. وذهب في الأنوار: ص: 180، والمنهاج: ص : 24، إلى بطلان الطواف ووجوب الإعادة تعييناً ولكن الفتوى المتأخرة هي ما ذكرناه من التخيير.
المسألة الثامنة:
يأمر بعض المرشدين بعدم الالتفات بصفحة الوجه في حال الطواف والسعي.
الجواب: المراد من الوجه المذكور في الطواف بحيث لو استقبل بوجهه الكعبة أو استدبرها بظهره بطل طوافه، هو وجه البدن بقرينة المقابلة بالظهر، ووجه البدن مقاديمه وهي الصدر والبطن ولا يشمل الرأس، فلا مانع من الالتفات بالرأس يمنة ويسرة في حال الطواف.
وكذلك الكلام في السعي حيث أفتى الشيخ (ره) بوجوب استقبال الجبل المطلوب بوجهه فإن المراد به وجه البدن وهي مقاديمه، أعني الصدر والبطن فلا يضر الالتفات بصفحة الوجه يميناً وشمالاً.
المسألة التاسعة:
وهي الوقوف مع العامة إذا حكم قاضيهم بثبوت هلال ذي الحجة ولم يثبت ذلك عند الشيعة، فهل للمكلف أن يقف في عرفات والمشعر الحرام معهم أم لا؟ وهل يصح الوقوف معهم كذلك أم لا؟
الجواب: وهذه مسألة مهمة وقد صرّح الشيخ خلف حفيد الشيخ حسين بكفاية ذلك عند الشيخ حسين في كتاب الأنوار الجعفرية في شرح الأنوار الوضيّة حيث قال: ومراده من ذلك الهلال الظاهري عند المواقف ولو بحسب التقية عملاً بحكم الظاهر كما قدم تتمة الكلام في مبحث التقية موافقاً لقول الإمام حيث ذكر إن دارنا اليوم دار تقية، وهي دار الإسلام لا دار كفر ولا دار إيمان.
فظهر من كلامه (ع) وكلام الجد (ره) الوقوف في عرفات منزل على ما يثبت الهلال في الحجاز بحكم الشياع لا بطريق البينة العادلة وذلك بحكم الظاهر، ولا تكليف بالفحص عن الواقع ونفس الأمر فالبحث في عصرنا خطأ محض، بل إلقاء النفس في المهالك وهي محرمة _ انتهى كلامه زيد مقامه _ وهذا الكلام واضح الدلالة وصريح المقالة في الاجتزاء بالوقوف معهم وحفيده أكثر اطلاعاً ووقوفاً برأي الشيخ (ره).
وأما قول الشيخ في السداد: ص: 125 حيث قال: فلوا وقفوا ثامنة غلطاً لم يجز، ولو وقفوا عاشره فكذلك على الأشهر.
وكذلك قوله في الابتهاج: ص: 56 حيث قال: فلو وقف بثامنه لم يجز، وكذلك العاشر في الأصح.
فالجواب عنه أن هذه الكلمات ناظرة إلى الحكم الأولي للمكلف، وأما التقيّة فهي حكم ثانوي لها أحكام خاصة كما لا يخفى على من جاس خلال الديار ونظر في الآراء والآثار.
المسألة العاشرة: ذكر بعض المرشدين أن رأي الشيخ حسين (ره) في الصرورة هو التخيير بين الحلق والتقصير.
الجواب: المراد من الصرورة هو الذي يحج لأول مرة ولم يحج قبل هذه الحجة لا واجباً ولا مستحباً، لا عن نفسه ولا نائباً عن غيره.
وحكم الصرورة عند الشيخ حسين (ره) هو تعيّن الحلق عليه، وعدم كفاية التقصير له. وهو صريحه في الأنوار الوضيّة: ص: 185، والمنهاج : ص : 103، وظاهره في السداد ص: 170.