هذه الكلمة للعلَّامة السَّيِّد عبد الله الغريفي، والتي ألقيت بمناسبة افتتاح الموسم الشَّباب الثَّاني تحت عنوان (عرِّفني حُجَّتك)، والذي أقيم بمنطقة الدِّير بمشاركة مؤسَّسات المنطقة، وقد تمَّ بثُّها عبر البثِّ الافتراضي في يوم السبت بتاريخ: (12 جمادى الآخرة 1443 هـ – الموافق 15 يناير 2022 م)، وقد تمَّ تفريغها من تسجيل مرئيٍّ، وتنسيقها بما يتناسب وعرضها مكتوبةً للقارئ الكريم.
أعوذ باللَّه السَّميع العليم من الشَّيطان الغوي الرَّجيم
بسم الله الرَّحمن الرَّحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وأفضل الصَّلوات على سيِّدِ الأنبياء والمرسلين، سيِّدنا ونبيِّنا وحبيبنا وقائدنا محمَّد، وعلى آله الطَّيِّبين الطَّاهرين المعصومين المنتجبين الأخيار الأبرار الهُداة الميامين.
السَّلام عليكم أيُّها الأحبَّة جميعًا ورحمة الله وبركاته.
كنت أتمنَّى أن أكون حاضرًا في هذا الملتقى الإيماني الطَّيِّب، إلَّا أنَّ مؤشِّرات الظُّهور الجديد لفيروس الوباء المرعب فرضت ضرورة التَّحفُّظ والاحتراز.
وهنا أؤكِّد على الأحبَّة المؤمنين أن يلتزموا كلَّ الضَّوابط الوقائيَّة، هكذا توصينا توجيهاتُ الشَّرع، وتعليمات الجهات المختصَّة.
نسأله تعالى أن يحمينا جميعًا من كلِّ الأسواء والأوباء، ويحمي كلَّ العالم من هذا الوباء الخطير المرعب.
وقفة مع عنوان الموسم الشَّبابي (عرِّفني حجَّتك)
أيُّها الأحبَّة الكرام: عنوان برنامجكم الشَّبابي يحمل مضمونًا في غاية الأهميَّة، فيما هي دلالاته الكبيرة جدًّا، وفيما هي معطياته العقيديَّة والفكريَّة والرُّوحيَّة والعمليَّة، هذا العنوان هو (عرِّفني حُجَّتَك)؛ وهو مقطع من دعاءٍ رواه النَّائب الأوَّل من نوَّاب صاحب الزَّمان (عثمان بن سعيد العمري)، ويقول هذا المقطع:
«اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي نَفْسَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، اللَّهُمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي. اللَّهُمَّ لَا تُمِتْنِي مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلَا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، …».
أحاول أن ألقي الضَّوء على هذا المقطع، وماذا يحمل من دلالات؟
جاء في الحديث المعتبر عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) أنَّه قال: «مَن ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
هذا الحديث اتَّفق المسلمون جميعًا على صدق صدوره عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، بصيغ متعدِّدة إلَّا أنَّ المضمون واحد، ولذلك دوَّن هذا الحديث مصادر حديثيَّة معتمدة لدى الطَّرفين السُّنَّة والشِّيعة.
دوَّن هذا الحديث من مصادر السُّنَّة:
1- مسند الإمام أحمد بن حنبل: 2/83، 3/446.
2- مسند أبي داود: ص 259.
3- المعجم الكبير للطَّبراني: 10/350.
4- المستدرك للحاكم النِّيسابوري: 1/77.
5- حلية الأولياء لأبي نعيم: 3/224.
6- سنن البيهقي: 8/156.
7- شرح صحيح مسلم للنَّووي: 12/440.
8- مجمع الزَّوائد للهيثمي: 5/218.
ومصادر أخرى كثيرة دوَّنت هذا الحديث بصيغ متعدِّدة.
ودوَّن هذا الحديث من مصادر الشِّيعة الإماميَّة:
1- قُرب الإسناد للحميري: 351، 1260.
2- بصائر الدَّرجات للصَّفار: 259، 509، 510.
3- أصول الكافي للكليني: في عدَّة أبواب.
4- الإمامة والتَّبصرة للقمِّي: ص 219.
5- رجال الكِشِّي: ص 235.
6- كمال الدِّين لأبي جعفر الصَّدوق: 2/412.
ومصادر أخرى كثيرة.
إذًا يتَّفق المسلمون على صدور هذا الحديث عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم): «مَن ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً»، ومقطع «عرِّفني حُجَّتَك» له علاقة بهذا الحديث.
كيف نستدل بهذا الحديث؟
نلقي الضَّوء على هذا الحديث الذي اتَّفق المسلمون على صدوره عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) بصيغ متقاربة جدًّا.
الصِّيغة الاستدلاليَّة للحديث
ما هي الصِّيغة الاستدلاليَّة بهذا الحديث؟
مجموعة خطوات أوجزها بشكلٍ عاجل وسريع يتناسب مع ملتقى ثقافي وعلمي.
هناك مجموعة خطوات في هذا الاستدلال:
الخطوة الأولى: البرهنة على صحَّة هذا الحديث
وقد تناولت في كتابي (الإمام المنتظر قراءة في الإشكاليَّات، الجزء الثَّالث، صفحة 221 – 251) إثبات صحَّة هذا الحديث بصيغه المتعدِّدة.
كتاب (الإمام المنتظر (عجَّل الله تعالى فرجه الشَّريف) قراءة في الإشكاليَّات): كتاب أُلِّف لمعالجة الإشكالات التي تواجه قضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام)، يتكوَّن من ستَّة مجلَّدات، في المجلد الثَّالث عالجت هذا الحديث، وأثبتُّ صحَّة صدور الحديث من خلال مصادر المسلمين، قرأت أسناد الحديث الواردة في المصادر السُّنيَّة والمصادر الشِّيعيَّة، فرأيت أن أسنادها أسناد صحيحة ومتينة وقويَّة.
الخطوة الثَّانية: دلالة الحديث
هذا الحديث يحمل مجموعة دلالات مهمَّة جدًّا:
الدَّلالة الأولى: وجوب معرفة الإمام
وهذا ما أكَّدت عليه الصِّيغ المتعدِّدة لهذا الحديث:
- «مَن ماتَ لا يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
- «مَن ماتَ وليس عليه إمامٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
- «مَن ماتَ وليس لَه إمامٌ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
- «مَن ماتَ بغير إمامٍ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
- «… مَن ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً».
كلُّ الصِّيغ مفادها واحد وهو ضرورة معرفة الإمام.
الدَّلالة الثَّانية: وجود الإمام في كلِّ عصر
فما دامت معرفة الإمام واجبة على كلِّ مسلم، وفي كلِّ زمان حتى لا يموت بغير إمام، فمن الضَّروري جدًّا وجود إمام في كلِّ عصر، وإذا افترضنا فراغَ عصرٍ مِنْ وجود إمام فهذا يعني أن يموت النَّاس في ذلك العصر بغير إمام.
الدَّلالة الثَّالثة: ماذا تعني الميتة الجاهليَّة؟
«مَنْ ماتَ ولم يعرف إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليَّة».
هناك تفسيران:
التَّفسير الأوَّل: «ماتَ ميتةً جاهليَّة» أي على غير دين الإسلام.
يعني مات كافرًا، وهذا يُسمَّى الكفر العقيدي، والضَّلال العقيدي، والارتداد العقيدي.
التَّفسير الآخر: هناك فهم آخر للميتة الجاهليَّة وهو أنَّه ربما لا يراد من (الميتة الجاهليَّة) الكفر العقائدي، والضَّلال العقيدي، والارتداد العقيدي، وإنَّما يُراد من الميتة الجاهليَّة الكفر العملي، والضَّلال العملي، والارتداد العملي.
كما في قوله تعالى: {… وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}. (آل عمران/97)
ففي بعض الأقوال: إنَّ الكفر في هذه الآية هو الكفر العملي، بمعنى ترك التَّكليف، وليس الكفر العقيدي.
وكما في بعض الأحاديث:
- «مَا آمَنَ باللهِ واليومِ الآخِرِ مَنْ بَاتَ شَبعانَ وجارُهُ جائِعٌ».
- «مَا آمَنَ بي مَنْ باتَ شَبعانَ وأخوهُ المسلمُ طاوٍ».
وأمثال هذه التَّعبيرات لا يُراد منها المعنى العقيدي.
فالميتة الجاهليَّة في حديث «مَن ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ ماتَ ميتَةً جاهِلِيَّةً» تأتي في هذا السِّياق.
هذا رأيٌّ، إلَّا أنَّه هناك رأيٌّ آخر يتَّجه إلى تفسير (الميتة الجاهليّة) تفسيرًا عقيديًّا استنادًا إلى بعض الرِّوايات الواردة عن أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام).
الدَّلالة الرَّابعة: ماذا تعني هذه العبارات؟
– «ماتَ ولَم يَعرِف إمامَ زَمانِهِ».
– «مات لا يعرف إمامه».
– «مات بغير إمام».
– «مات ليس له إمام».
المعنى الأعمق لهذا النَّمط من التَّعبيرات:
أوًّلًا: المعنى العقيدي
فيما يُعبِّر عنه من (إيمان واعتقاد).
ثانيًا: المعنى الرُّوحي
فيما يُعبِّر عنه من (حبٍّ وولاء).
ثالثًا: المعنى العملي
فيما يُعبِّر عنه من (اقتداء ومتابعة وممارسة وسلوك).
إذا يؤمن بالإمام، ويوالي الإمام، ويقتدي بالإمام، هذا معنى «من مات ولم يعرف إمام زمانه».
الدَّلالة الخامسة: ماذا تعني كلمة (إمام) في هذه الرِّوايات؟
هناك تفسيران عند المسلمين، مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام) والمدرسة الأخرى التي يتبنَّاها المسلمون غير المنتمين إلى مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
التَّفسير الأوَّل: يتَّجه هذا التَّفسير إلى أنَّ كلمة (إمام) في هذا الأحاديث تعني (كلَّ من يتصدَّى للسُّلطة والحكم من خليفة أو أمير أو سلطان، وسواء كان ذلك بالبيعة أو بدونها)
- جاء في صحيح مسلم الحديث القائل: «مَنْ خَرَجَ مِنْ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ فَمَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
التَّفسير الثَّاني: ويتَّجه هذا التَّفسير إلى مفردة (إمام) في هذه الأحاديث تعني الإمام من أهل البيت (عليهم السَّلام).
هذا الرَّأي الذي يذهب إليه أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السَّلام).
واعتمد هذا التَّفسير مجموعة روايات صادرة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) والتي أكَّدت أنَّ الأئمَّة اثنا عشر.
ولست هنا بصدد مناقشة هذا التَّفسير أو ذاك التَّفسير، فقد أشبعت الدِّراسات العقيديَّة والتَّاريخيَّة هذا الموضوع ولا تتَّسع كلمة في احتفالٍ إلى هذه المعالجات.
ضرورة صناعة الوعي بقضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام)
وِفق التَّفسير الثَّاني أنَّ المقصود بالإمام هو الإمام من أهل البيت (عليهم السَّلام)، هنا ننطلق إلى الحديث عن الإمام المنتظر (عليه السَّلام) وهو الإمام الثَّاني عشر من أئمَّة أهل البيت (عليهم السَّلام)، وضرورة صناعة الوعي بقضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
غياب هذا الوعي أنتج أشكالًا متخلِّفة للانتظار، وأشكالًا منحرفة.
أشكال الانتظار:
توجد ثلاثة أشكال للانتظار مرفوضة، وشكل واحد مقبول.
الشًّكل الأوَّل: الانتظار الرَّاكد
يفهم الانتظار مجرَّد دعاء، ومجرَّد نذور، بدون عمل، وبدون إنتاج وجود حقيقي للانتظار.
الشًّكل الثَّاني: الانتظار المعطِّل
يرى أنَّ الانتظار هو أن نعطِّل كلَّ فعَّاليَّاتنا الدِّينيَّة: كالأمر بالمعروف، والنَّهي عن المنكر، والجهاد، وصناعة الوعي الدِّيني فكلُّ هذا يتعطَّل في زمن الغَيبة؛ لأنَّ هذا مرجأ إلى ظهور الإمام، فالإمام يظهر ويصنع كلَّ شيئ، ويغيِّر كلَّ شيئ فلا داعي أن نتعب، هذا انتظار معطِّل.
الشًّكل الثَّالث: الانتظار المنحرف
يرى أنَّ الانتظار هو أن نروِّج للواقع الفاسد، وهذا ما وصلت إليه الصِّيغ في كثير من الأعصر، وُجد دعاة للانتظار وإذا بهم ينحرفون انحرافًا كاملًا عن الإسلام، وعن قِيم الدِّين، وعن قِيم القرآن باسم الانتظار.
الشًّكل الرَّابع: الانتظار الواعي
هو الانتظار الذي له دلالاته.
ما هي الأسباب التي أنتجت الألوان الخطأ من الانتظار؟
هناك أسباب أنتجت الأشكال الرَّاكدة والمعطِّلة والمنحرفة.
مِنْ أهمِّ الأسباب:
السَّبب الأوَّل: الفراغ الثَّقافي لدى أجيالنا حول قضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
مَنْ المسؤول عن وجود هذا الفراغ؟
1- حوزاتنا
2- منابرنا
3- مثَّقفونا
4- مؤسَّساتنا الدِّينيَّة
5- العزوف لدى أجيالنا عن الثَّقافة الجادَّة وهيمنة الثَّقافة التَّرفيَّة واللَّهويَّة. (أجيال الإنترنت)
هؤلاء كلُّهم مسؤولون عن هذا الفراغ.
ومطلوب أن نملأ هذا الفراغ، فوجود الفراغ يسمح لوجود ألوان من الانتظار الفاسد والمنحرف والمعطِّل.
ولذا أنا أشدُّ على ملتقاكم، وعلى أمثال هذه الملتقيات لإنتاج هذا الوعي ولإنتاج هذه الثَّقافة، فغياب هذا الوعي وغياب هذه الثَّقافة أنتج هذا اللَّون من الانتظارات الفاسدة والمنحرفة عن الإسلام وعن الدِّين.
السَّبب الثَّاني: وجود سُرَّاق خطيرين للانتظار.
انحرفوا بقضيَّة الإمام المهدي (عليه السَّلام) عن مساراتها الأصيلة، وخدعوا أعدادًا كبيرة من العوام والبسطاء.
دخلوا على خطِّ الإمام المنتظر (عليه السَّلام) فسرقوا قضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام) وسرقوا الانتظار، وانحرفوا بمسار الأجيال انحرافاتٍ بعيدةٍ عن الدِّين، وعن الإسلام، وعن القِيَم، وعن خطِّ أهل البيت (عليهم السَّلام)، هؤلاء أسمِّيهم سُرَّاق، سرقوا الانتظار، أدخلوا النَّاس بعنوان الانتظار وبعنوان الإمام المهدي (عليهم السَّلام)، فآمن بهم سُذَّج وجهلاء وبسطاء من رجال ونساء وشباب وشابات باسم الإمام المنتظر (عليه السَّلام)، وتدرَّجوا معهم إلى أن أبعدوهم عن خطِّ الإيمان وخطِّ الإسلام وخطِّ الدِّين، وإذا بهم يطرحون أفكارًا علمانيَّة وليبراليَّة بعيدة عن خطِّ الإيمان، كلُّ ذلك باسم الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
إذًا وجود هؤلاء السُّرَّاق الخطيرين للانتظار انحرف بقضيَّة الإمام المهدي عن مساراتها الأصيلة، وهكذا خدعوا أعدادًا كثيرة من العوام والبسطاء.
فالحذر الحذر من أيِّ دعوة مهما حملت من عناوين وشعارات.
إلَّا إذا كانت مؤيَّدة من مرجعيَّات دين وعلماء موثوقين.
مِن أجل إنتاج انتظار واعٍ:
الانتظار الواعي يحتاج إلى:
1- إعداد عقائدي (رجال عرفوا الله حقَّ معرفته)
المنتظرون كما في الحديث «رجال عرفوا الله حقَّ معرفته»، عقائديُّون، يؤمنون بالعقيدة الإيمانيَّة باللَّه عزَّ وجلَّ، وبالرَّسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وبالأئمَّة (عليهم السَّلام)، وبالقرآن الكريم، وبالمفاهيم الدِّينيَّة.
المنتظرون عقائديون، وليس معنى ذلك أنَّهم يمارسون العُنف والتَّطرُّف والإرهاب، لا، بل هم عقائديون أي يملكونه درجة كبيرة جدًّا من الإيمان بالعقيدة.
2- إعداد ثقافي (أصحاب البصائر)
المنتظرون (أصحاب بصائر)، يعني يملكون وعيًا دينيًّا حقيقيًّا، ليس وعيًا مزيَّفًا وليس وعي ضلالٍ، وليس وعي انحراف، بل وعي بالإسلام، ومن مصادر الوعي الحقيقيَّة.
ممَّن آخد وعيي بالإمام، وبقضيَّة الإمام؟
من علماء أجلَّاء معروفين، ومن فقهاء معتمدين، هكذا ينصنع الوعي، ولا آخذ مفهوم الانتظار ومعاني الانتظار من أفَّاقين وسُرَّاق للانتظار.
فإذًا نحتاج إلى إعداد عقائدي حتى نصنع الانتظار الواعي ونحتاج ثانيًا إلى إعداد ثقافي.
3- إعداد روحي، (رهبان باللَّيل)
المنتظرون درجات عالية من الارتباط الرُّوحي والوجداني باللَّه سبحانه، ربَّانيُّون.
4- إعداد سلوكي وأخلاقي
«من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر»، تقوى، ورع، صلاح.
5- إعداد رسالي
«رهبان باللَّيل ليوثٌ بالنَّهار»، جهاد، عطاء من أجل الإسلام، ومن أجل الدِّين.
مكوِّنات الانتظار
هنا أشير بإيجاز إلى مكوِّنات الانتظار، وهي مكوِّنات مهمَّة أرجو الانتباه لها:
المكوِّن الأوَّل: التَّرقُّب الدَّائم لظهور الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
الحضور الدَّائم لقضيَّة الإمام المنتظر (عليه السَّلام).
مسؤوليَّة إنتاج هذا الحضور.
دائمًا أحمل هاجس الانتظار، وأنَّ الإمام سيخرج، فلعلَّه في لحظة تأتي الأوامر من الله أن يخرج الإمام.
قد يقول شخص: إنَّ الانتظار له علامات فلماذا أبقى دائمًا منتظرًا ليلًا ونهارًا؟
نقول: إنَّ علامات ظهور الإمام (عليه السَّلام) على نحوين:
1- علامات عامَّة: ظهور فساد، انحراف، حروب، قتل، هذه لا تدل على قرب الظُّهور، فقد تكون بعيدة عن زمن الظُّهور.
2- علامات خاصَّة: الصَّيحة في السَّماء، ظهور السُّفياني، ظهور اليماني، الخسف بالبيداء، قتل النَّفس الزَّكيَّة، هذه خمس علامات متزامنة مع ظهور الإمام (عليه السَّلام)، وهذه قد تحدث فجأة.
إذًا أنا بحاجة إلى أن أكون منتظرًا في كلِّ اللَّحظات ما دمنا لا نعرف متى تحدث هذه العلامات.
المكوِّن الثَّاني: الاستعداد الدَّائم
تقدَّم الحديث عن مكوِّنات هذا الإعداد، (إعداد عقيدي، ثقافي، روحي، أخلاقي، سلوكي، رسالي)
التَّرقُّب يعني الاستعداد، مثل مَنْ يترقَّب الامتحان يعني يستعدُّ له، يترقَّب العمل يستعدُّ له، أيُّ عمل تترقَّبه ترقُّبًا حقيقيًّا يعني تستعد له.
أمَّا إذا لم تستعد، إذًا أنت لست مترقِّبًا ترقُّبًا حقيقيًّا.
كيف أصنع عقلي الانتظاري؟
كيف أصنع وجداني الانتظاري؟
كيف أصنع أخلاقي الانتظاريَّة؟
كيف أصنع روحانيَّتي الانتظاريَّة؟
كيف أصنع سُلوكي الانتظاري؟
كيف أصنع جهادي الانتظاري؟
إذًا هناك استعداد.
يكذب من يقول أنا منتظر وهو لا يستعد، انظر ماذا قد حقَّقت من الاستعدادات، فأنت ترتقي في سلَّم منظومة المنتظرين، فإنَّ المنتظرين مستويات، المستوى الأرقى من الانتظار هو الذي يملك مستوى أرقى من الاستعداد، كلَّما امتلكنا مستوى أرقى من الاستعداد العقيدي الثَّقافي الفكري الوجداني الرُّوحي الأخلاقي العملي الجهادي، إذًا نحن المنتظرون الحقيقيُّون.
المكوِّن الثَّالث: الارتباط بالقيادة النَّائبة
وهذه القيادة يمثِّلها (الفقهاء الصَّالحون المؤهَّلون).
وقد بدأت هذه المرحلة بوفاة السَّفير الرَّابع (علي بن محمد السَّمري – 328هـ أو 329هـ).
- جاء في النَّص الصَّادر عن الإمام المعصوم (عليه السَّلام):
«فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِنًا لِنَفْسِهِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُخَالِفًا لِهَوَاهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ».
وقد تشكَّلت في عصرنا (دعوات منحرفة) حاولت أن تكرِّس الانفصال بين الأُمَّة والقيادة المرجعيَّة.
هذه نقطة مهمَّة أقف قليلًا عندها، (الانتظار) يعني الارتباط بقيادة، إمام غائب، يعني توجد قيادة.
عندما ندرس مراحل حركة الإمام نجد هناك مراحل:
المرحلة الأولى: مرحلة الغيبة الصُّغرى، حيث يوجد نواب وسفراء، والتي استمرت ما يقرب من سبعين سنة، وقد عيَّن الإمام فيها سفراء:
السَّفير الأوَّل: عثمان بن سعيد العمري
السَّفير الثَّاني: محمَّد بن عثمان العمري
السَّفير الثَّالث: الحسين بن روح
السَّفير الرَّابع: علي بن محمَّد السَّمري
وانتهت السَّفارة بموت السَّفير الرَّابع.
لماذا الغَيبة الصُّغرى؟
تهيئة الأُمَّة استعدادًا للغيبة الكبرى، حتى لا تُفاجأ الأُمَّة بغيبة الإمام.
المرحلة الثَّانية: مرحلة الغيبة الكبرى التي ابتدأت من سنة ثلاثمائة وثمانية وعشرين أو تسعة وعشرين، ولا زالت مستمرَّة إلى الآن.
المرحلة الثَّالثة: مرحلة الظُّهور بعد الغيبة الكبرى، حيث يظهر الإمام ويكوِّن دولته العالميَّة الكبرى التي تطبِّق الإسلام؛ حتى لا يبقى موقع في الدُّنيا إلَّا ويعلن فيه شهادة أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسول الله، وينتشر العدل في الأرض، هذه المرحلة الأخيرة.
ونحن الآن في المرحلة الثَّانية وهي مرحلة الغيبة الكبرى.
هل ترك الإمامُ الأُمَّةَ بدون قيادة؟
لا، هنا قيادة الفقهاء الصُّلحاء، الارتباط بالقيادة النَّائبة في مرحلة الغيبة الكبرى هذه تُسمَّى النِّيابة العامَّة، وليست نيابة خاصَّة.
في المرحلة الأولى مرحلة الغيبة الصُّغرى النِّيابة خاصَّة، الإمام يعين النَّائب باسمه.
ولذلك بعد الغيبة الصُّغرى لو جاء شخص وادَّعى أنَّه نائبٌ خاصٌّ معيَّنٌ من قِبَلِ الإمام نقول له: أنت كذَّاب مفترٍ، كما في التَّوقيع الصَّادر عن الإمام (عليه السَّلام)، فلا يأتي شخص ويقول: أنا رأيت الإمام وقد أعطاني وكالة أن أكون نائبًا عنه، هذا كذب وافتراء باتفاق علماء الطَّائفة، لا توجد نيابة خاصَّة في عصر الغيبة الكبرى، هؤلاء دجَّالون وكذبة، الحديث يقول: «فهو كاذب مفتر».
ما معنى النِّيابة العامَّة؟
«فَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ صَائِنًا لِنَفْسِهِ، حَافِظًا لِدِينِهِ، مُخَالِفًا لِهَوَاهُ، مُطِيعًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ فَلِلْعَوَامِّ أَنْ يُقَلِّدُوهُ»، هذا هو النَّائب الذي ترجع الأُمَّة إليه، ويقودها في مساراتها الدِّينيَّة الإيمانيَّة الرُّوحيَّة الأخلاقيَّة السُّلوكيَّة الفقهيَّة.
هنا يأتي الحديث عن الفقهاء في عصر الغيبة، وهنا برز سُرَّاق الانتظار حتى يفصلوا الأُمَّة عن الفقهاء، فأحد أهداف هؤلاء السُّرَّاق الكبار هو فصل الأُمَّة عن القيادة المرجعيَّة الأصيلة الصَّحيحة، ولا توجد حاجة إلى مراجع فنحن كلنا نفهم القرآن ونفهم الدِّين، فلماذا نرجع إلى فقهاء؟
فلأرجع لفلان المدلِّس الذي لم يدرس الدِّين، ولا يفهم اللُّغة، ولا يفهم القرآن فيُصبح هو القائد والموجِّه لي وهو إمامي في عصر الغيبة، اليوم هذه لغة السُّراق الكبار للانتظار: أنَّه لا داعي لأن ترتبط الأُمَّة بالمرجعيَّة الدِّينيَّة، فديني آخذه من السُّرَّاق، ديني آخذه من العابثين بالقِيم، ديني آخذه من المحرِّفين للقرآن، والقرآن فيه خرافات، فنفصل الأُمَّة عن القرآن، ونفصل الأمَّة عن القيادة الأصيلة، وتصبح الأُمَّة مسروقة لهذه القوى الضَّالة المُضِلَّة.
إذًا الحذر الحذر من أيِّ صوت يرتفع، فإذا وجدنا هذه النَّغمة التي تفصل الأُمَّة وأجيالنا عن مراجعهم،
والمراجع وفق الضَّوابط والأصول والشُّروط التي جاءت في النُّصوص، وليس كل مَنْ يتصدَّى للمرجعيَّة.
فالحذر الحذر من أيِّ صوت يرتفع ويُشمُّ منه أو يصرِّح فيه بفصل الأُمَّة وفصل الأجيال عن القيادة المرجعيَّة، هذه أحد أهداف سُرَّاق الانتظار الذين ينحرفون بالأُمَّة في مساراتها.
فإذًا الانتظار:
أوَّلًا: أن نترقَّب دائمًا ظهور الإمام.
ثانيًا: أن نُعدَّ أنفسنا إعدادًا كاملًا للانتظار.
ثالثًا: أن نرتبط بالقيادة المرجعيَّة.
هذا هو الانتظار الأصيل، وهذا هو الانتظار الحقيقي.
وأكتفي بهذا القدر، وأتمنَّى أن يلقي هذا الملتقى أضواء تفصيليَّة على قضيَّة الانتظار وقضيَّة الإمام المهدي (عليه السَّلام)، وأتمنَّى أن يتحرَّك وعي الانتظار في كلِّ عصر وفي كلِّ زمان، وأن تنشط الحوزات، وأن ينشط العلماء، وأن تنشط المساجد، وأن تنشط المنابر، وأن ينشط المثَّقفون في التَّرويج الأصيل للانتظار الأصيل.
وَآخِرُ دَعْوَانا أَنِ الحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ العَالَمِينَ.
والسَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته