أكتب هذه الخاطرة الرجالية تعقيباً على النقاش الذي دار اليوم في حلقة الدرس وبالتحديد في حصة الإلهيات مع سماحة الأستاذ الشيخ جاسم الخياط (أيده الله)، فقد أثار سماحة الشيخ مسألة رجالية ترتبط بصفوان بن يحيى بعد أن وجد اسمه في سند إحدى الروايات التي أوردها المؤلف. وهذه السطور تتميماً للفائدة التي قدمها سماحة الشيخ فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
المشهور باسم صفوان رجلان وكلاهما ثقة.
الأول: صفوان بن مهران الجمال. وهو من أصحاب الإمام الصادق
الثاني: صفوان بن يحيى البجلي (بياع السابري) وهو من أصحاب الإمام الكاظم والرضا، فهو متأخر طبقة عن صفوان بن مهران. وإذا جاء في السند (صفوان) مجردة فيكون مردد بين صفوان بن مهران وصفوان بن يحيى والأكثر أنه صفوان بن يحيى بياع السابري ويمكن تمييز ذلك بالنظر للراوي والمروي عنه. والأمر سهل لأن كلا الرجلين ثقة. وأما إذا جاء صفوان بن مهران فهو منصرف لصفوان بن مهران الجمال لا غير. وكذلك إذا جاء صفوان بن يحيى فهو منصرف إلى صفوان بن يحيى البجلي بياع السابري لا غير.[1]
إشكال ورد:
قد تقول ما هو المبرر في صرف اسم صفوان بن يحيى إلى بياع السابري حصراً مع أن هناك من الرواة من يشترك مع صفوان بن يحيى في الاسم كصفوان بن يحيى الأزرق أو صفوان بن يحيى الجمال فيكون الراوي مردداً بين هؤلاء الثلاثة والشاهد على ذلك ما جاء في كتاب من لا يحضره الفقيه:
1/ رَوَى صَفْوَانُ بْنُ يَحْيَى الْأَزْرَقُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي الرَّجُلِ يُقْتَلُ وَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَأَخَذَ أَهْلُهُ الدِّيَةَ مِنْ قَاتِلِهِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ هُوَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً قَالَ إِنَّمَا أَخَذُوا دِيَتَهُ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ.[2]
2/ رَوَى الْحَسَنُ بْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى الْجَمَّالِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع يَقُولُ مَنْ وَجَدَ ضَالَّةً فَلَمْ يُعَرِّفْهَا ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهَا لِرَبِّهَا وَ مِثْلُهَا مِنْ مَالِ الَّذِي كَتَمَهَا[3]
أقول:
بالنسبة لما جاء في الرواية الأولى المقيدة برقم 1 فالمقصود بها هو صفوان بن يحيى عن يحيى بن الأزرق وحصل خطأ في السند الذي جاء في كتاب من لا يحضره الفقيه حيث شُبك اسم صفوان بن يحيى مع يحيى بن الأزرق مما يجعل القارئ يتوهم بوجود شخصية باسم صفوان بن يحيى الأزرق والشاهد على ذلك ما جاء في الكافي حيث نقل الرواية وفرق بين صفوان بن يحيى ويحيى الأزرق:
أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَحْيَى الْأَزْرَقِ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ ع فِي الرَّجُلِ قُتِلَ وَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَ لَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَأَخَذَ أَهْلُهُ الدِّيَةَ مِنْ قَاتِلِهِ عَلَيْهِمْ يَقْضُونَ دَيْنَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ وَ هُوَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئاً قَالَ إِنَّمَا أَخَذُوا الدِّيَةَ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا دَيْنَهُ.
ومما يعضد ذلك وجود روايات أخرى بنفس هذا السند صفوان بن يحيى عن يحيى الأزرق مما يدلل على وجود خطأ في السند الموجود في كتاب من لا يحضره الفقيه. وإليك بعض الشواهد.
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيه عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَحْيَى الأَزْرَقِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه ع قَالَ إِنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فَمِنْ رِفْقِه بِعِبَادِه تَسْلِيلُه أَضْغَانَهُمْ ومُضَادَّتَهُمْ لِهَوَاهُمْ وقُلُوبِهِمْ ومِنْ رِفْقِه بِهِمْ أَنَّه يَدَعُهُمْ عَلَى الأَمْرِ يُرِيدُ إِزَالَتَهُمْ عَنْه رِفْقاً بِهِمْ لِكَيْلَا يُلْقِيَ عَلَيْهِمْ عُرَى الإِيمَانِ ومُثَاقَلَتَه جُمْلَةً وَاحِدَةً فَيَضْعُفُوا فَإِذَا أَرَادَ ذَلِكَ نَسَخَ الأَمْرَ بِالآخَرِ فَصَارَ مَنْسُوخاً .[4]
أبُو عَلِيٍّ الأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَحْيَى الأَزْرَقِ قَالَ قُلْتُ لأَبِي الْحَسَنِ ع الرَّجُلُ يَحُجُّ عَنِ الرَّجُلِ يَصْلُحُ لَه أَنْ يَطُوفَ عَنْ أَقَارِبِه فَقَالَ إِذَا قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجِّ فَلْيَصْنَعْ مَا شَاءَ.[5]
أَبُو عَلِيٍّ الْأَشْعَرِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى عَنْ يَحْيَى الْأَزْرَقِ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ ع عَنْ مُتَمَتِّعٍ كَانَ مَعَهُ ثَمَنُ هَدْيٍ وَ هُوَ يَجِدُ بِمِثْلِ ذَلِكَ- الَّذِي مَعَهُ هَدْياً فَلَمْ يَزَلْ يَتَوَانَى وَ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ النَّهَارِ غَلَتِ الْغَنَمُ فَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِالَّذِي مَعَهُ هَدْياً قَالَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.[6]
هناك المزيد من الشواهد، ولكن أكتفي بهذا المقدار فقد اتضح لنا التباين بين الشخصيتين فصفوان بن يحيى البجلي يروي عن يحيى الأزرق ولم يثبت وجود شخصية باسم صفوان بن يحيى الأزرق.
وأما بالنسبة للرواية الثانية التي أوردها الشيخ الصدوق والتي تتضمن اسم صفوان بن يحيى الجمال فقد حصل خطأ في سندها هي الأخرى حيث أن المقصود هو صفوان الجمال وزيدت كلمة يحيى سهواً والشاهد على ذلك ما جاء في كتاب الكافي.
سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ، عَنِ ابْنِ مَحْبُوبٍ، عَنْ صَفْوَانَ الْجَمَّالِ: أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: مَنْ وَجَدَ ضَالَّةً فَلَمْ يُعَرِّفْهَا، ثُمَّ وُجِدَتْ عِنْدَهُ، فَإِنَّهَا لِرَبِّهَا، وَمِثْلَهَا مِنْ مَالِ الَّذِي كَتَمَهَا[7].
يقول السيد الخوئي في معجم رجال الحديث: الظاهر أن كلمة (ابن يحيى) زيدت اشتباها، و الشاهد على ذلك: أن الكليني (قدس سره) روى عين هذه الرواية بعين هذا السند عن صفوان الجمال. الكافي: الجزء 5،[8] كتاب المعيشة 2، باب اللقطة و الضالة 49، الحديث 17. و كذلك رواها الشيخ في التهذيب: الجزء 6، باب اللقطة و الضالة، الحديث 1180. و يزيد ذلك وضوحا: أن صفوان بن يحيى لم يكن جمالا على ما يأتي، و إنما الجمال صفوان بن مهران. و أيضا الرواية صريحة في أنها كانت بطريق السماع، و صفوان بن يحيى ليس من أصحاب الصادق(ع)جزما.[9]
والنتيجة الختامية التي نصل إليها أنه متى ما جاء صفوان بن يحيى فالمقصود به بياع السابري حصراً ومتى ما جاء صفوان بن مهران فالمقصود به الجمال لا غير.
السيد حسن مرتضى المرخي
الثلاثاء 6 ربيع الآخر 1444
1/11/2022
..........................................
[1] انظر: أصول الرجال، السيد محمد جواد شبيري، ص101.
[2] من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص 225.
[3] المصدر السابق، ج3، ص293
[4] الكافي، الشيخ الكليني، ج ٢، ص ١١٨
[5] المصدر السابق ج ٤، ص ٣١١
[6] المصدر السابق،ج4، ص ٥٠٨
[7] الكافي، الكليني، ج ٩، ص ٧٣٨
[8] قد تجد اختلافاً بين الجزء الذي أشار له السيد الخوئي والمصدر الذي أدرجته في الهامش العلوي وذلك لاختلاف طبعات الكتاب.
[9] معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج10، ص140