بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الخلقِ والمرسلين محمّدٍ وعلى آلِه ِالطيبينَ الطاهرينَ، ولعنةُ اللهِ على أعدائهم أجمعين مِن الآنِ حتى قِيامِ يومِ الدينِ.
نشوءُ الحاجةِ إلى هذا المطلب:
إنَّ طالبَ العلمِ يبدأُ دراستَهُ لمادةِ الفقهِ، وقد تغيبُ عنهُ بعضُ المسائلِ المتعلقةِ بالعلمِ نفسَهُ، إمّا لعدمِ وجودِها في الكتابِ الذي يدرسُ مِنهُ، أو لِعدمِ التطرقِ إليها مِن قبلِ الأستاذِ، وهي مسائلٌ يحتاجُ إلى فهمِها الطالبُ في بدايةِ مرحلةِ دراستِهِ الحوزويةِ. ومِن هنا أحببتُ أنْ أجمعَ بعضَ النقاطِ المهمةِ حولَ العلمِ مِن بعضِ الكتبِ الفقهيةِ، وأقدّمُها بينَ يدي الطالبِ سائلاً المولى عزّوجلّ أنْ يتقبّلَها وأنْ ينتفعَ بها الطالبُ.
ما هو المقصود من الفقه؟
يُعرِّفُ اللغويون الفقهَ بـالفهم والفطنةِ[1]، فتقولُ: فقِه العلمُ أي فهمه. وقـد استعـملَها القرآنُ الكريمُ فيهما في قوله تعالى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا}[2].
ووردتْ في آيةٍ أخرى بمعنى التبصر بأمور الدين (وهي أعمُّ مِن العلم بالأحكام الشرعيةِ) في قولِهِ تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[3].
هذا ما ورد في اللغةِ، أما عندَ اصطلاحِ الفقهاءِ فقد عرّفُوه بـ " العلم بالمسائل العملية أو الأحكام الشرعية الخمسة "، ويُقصدُ من الأحكام الشرعية الخمسة: الواجب، المستحب، المباح، المكروه، الحرام.
- الواجبُ: ما يلزمُ على المكلفِ الإتيان به، وتركُه يُعدُّ معصية ويستحقُ العقابَ على تركِهِ.
- المستحبُ: ما يكونُ فعله راجحاً ومرغوباً فيه، فإذا أتى به نالَ الثوابَ وإذا تركه لم يستحق العقابَ.
- المباحُ: ما يكونُ متساوٍ في فعله وتركه.
- المكروه: ما يكون تركه راجحاً ومرغوباً فيه، وفعله ليس بمعصية.
- الحرام: ما يكون فعله معصية، ويجب الاجتناب عنه.
ما هُو موضوعُ علمِ الفقهِ؟
إنَّ موضوعَ علمِ الفقهِ هو أعمالُ المكلفِ.
ما هي غايةُ علمِ الفقهِ؟
غايةُ علم الفقهِ هي معرفة التكليفِ الإلهي وتطبيقه لينالَ المكلفُ السعادة الدنيوية و الأخروية.
ما هو المقصودُ مِن التكليفِ؟
في اللغة: كلفه تكليفاً أي أمره بما يشق عليه، وأما في الاصطلاح الفقهي فهو: الإلزام بأحكام الله تبارك وتعالى، والمراد به إلزام المسلم البالغ العاقل المقتدر بالأحكام الشرعية[4].
ما هي شروطُ التكليفِ؟
لدينا شروطُ عامةُ وهي: التي يلزمُ وجودُها في كلِّ إنسانٍ حتى يصح منه امتثال الحكم الشرعي الموجه إليه بالخطاب الشرعي، وهي تعم جميع الأحكام ولهذا سميت بالشروط العامة، وأما الشروط الخاصة فهي: التي تختص بتكليف معين مضافاً إلى الشروط العامة، ومثال ذلك: الاستطاعة في الحج، وبلوغ النصاب في الزكاة، وعدم السفر لوجوب الصوم... وغيرها.
نبيّن الشروط العامة المهمة التي ورد ذكرها في التعريف وهي: البلوغ، العقل، القدرة.
- البلوغ: الدخول في سن التكليف- أي انتهاء حد الصغر والوصول إلى بدء التكليف[5].
وتعرف عند الطرفين – الذكر والأنثى – بظهور أمارات تدل عليها وهي:
إنزال المني عند الذكر، سواء كان الإنزال في يقظة أو منام بجماع أو غيره.
ظهور الشعر الخشن على العانة (وهي من السرّة إلى العورة).
إكمال تسع سنين قمرية عند الفتاة و خمسة عشر سنة قمرية عند الصبي.
- العقل: ويقصد به أن يكون لديه من الرشد ما يمكن أن يعي به كونه مكلفاً ويحس بالمسئولية تجاه ذلك، فلا تكليف للمجنون أو الأبله الذي لا يدرك الواضحات لبلاهته وقصور عقله[6].
- القدرة: وهي القوة سواء كانت بدنية أو مالية أو غيرهما، التي يقتدر بها الإنسان على امتثال التكليف.
ما هي الغاية من التكليف؟
وتجدر الإشارة إلى أن تكليف الإنسان من قبل الله سبحانه بمجموعة من الأحكام – واجبات ومحرمات – ليس الغرض منه إرهاق الإنسان وتحميله المشاق، بل إن التكليف في روحه عبارة عن تشريف من الله سبحانه وتعالى للإنسان وتكريم له، وسوق له نحو الكمال في الدنيا و الآخرة، وحل لما يعترض طريقه في الحياة من مشكلات مختلفة ؛ نظير أمر الأستاذ طلابه بحل مسألة علمية، فهو لا يريد أن يثقل كاهلهم بمثل هذه التكاليف، وإنما الغرض هو إيصال الطلاب إلى درجة الكمال العلمي، وكذا الحال بالنسبة إلى التكليف الشرعي ؛ فإنه يرمز إلى ما يميز الله به الإنسان من عقل وقدرة على بناء نفسه والتحكم في غرائزه، وقابليتة لتحمل المسئولية خلافاً لغيره من أصناف الحيوانات ومختلف كائنات الأرض، فإن أدى الإنسان حق هذا التشريف وأطاع وامتثل شرفه الله تعالى بعد ذلك بعظيم ثوابه وبملك لا يبلى، ونعيم لا يفنى، وإن قصر في ذلك وعصى كان جديراً بعقاب الله سبحانه وسخطه؛ لأنه ظلم نفسه وجهل حق ربه، ولم يقم بواجب الأمانة التي شرفه الله بها، وميزه عن سائر مخلوقات الأرض، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}[7].
ما هي الطرق لأداء التكليف؟
إن كل مكلف يعلم بوجود عدة تكاليف إلزامية (أوامر ونواهي) في الشريعة، وهو مسؤول عنها يوم القيامة، فيحكم عقله بلزوم امتثال كل ما يريده المولى سبحانه وتعالى من عباده، ولابد له من أن يتيقن بالفراغ مما في عهدته من ذلك، وأنه قد أطاع ربه في أمره واتقاه في نهيه، ولا وسيلة لتحصيل هذا اليقين إلا إذا كان المكلف في جميع أفعاله وتروكه مجتهداً في أحكام الشريعة، أو مقلداً لمن هو أهل للتقليد و الاقتداء به، أو محتاطاً على أن يستند في احتياطه إلى عمله هو واجتهاده أو إلى تقليد مجتهد معين.
ولا وزن لعمل عامل غير مجتهد في أحكام الله تعالى ولا محتاط فيها ولا مقتدٍ بمجتهد عادل، فإنه مع تركه لهذه الطرق الثلاثة لا يتيقن بفراغ ذمته أمام الله سبحانه، حتى ولو كان العامل جاهلاً بوجوب التقليد أو تستثنى بعض الحالات النادرة حيث يحكم فيها بالصحة.
وسنوضح هذه الطرق الثلاثة بتفصيل أكثر:
الطريق الأول: الاجتهاد
وهو القدرة العلمية على استخراج الحكم الشرعي من دليله المقرر له.
ومن الواضح أن مصدر التشريع هو الكتاب الكريم والسنة المطهرة، إلا أن جملة كبيرة من هذه الأحكام لم تبين ضمن صيغ واضحة وصريحة، وإنما وردت منثورة في المجموع الكلي للكتاب والسنة بحيث صار استنباطها يتوقف على بذل جهد علمي، ويزداد هذا الجهد العلمي ضرورة كلما ابتعدنا عن زمن صدور النص، وذلك لعدة أسباب:
1/ ضياع مجموعة من الأحاديث.
2/ تغيّر أساليب التعبير وتطور اللغة.
3/ تعرّض الأحاديث إلى الدسّ والافتراء والتحريف.
4/ تطور الحياة وبروز حوادث و موضوعات جديدة لم يرد فيها نص خاص.
وهذا ما جعل التعرف على الحكم الشرعي في كثير من الحالات عملاً علمياً معقداً وبحاجة إلى بحث وعناء كبيرين، وإن لم يكن كذلك في بعض الحالات القليلة التي يكون فيها الحكم الشرعي واضحاً كل الوضوح.
وبما أن الاجتهاد قضية ضرورية ولازمة في الشريعة الإسلامية، فقد فُتح باب الاجتهاد والبحث الفقهي في مذهب أهل البيت (ع) لكل قادر عليه ولا يزال مفتوحاً إلى الآن، مما أكسب هذا المذهب عمقاً وثراءً علمياً، حيث تتلاقح الأفكار والنظريات.
ومع الأسف الشديد برزت في التأريخ الإسلامي بعض المواقف غير السليمة وغير المبررة – من الناحية الشرعية – تبريراً مقنعاً أدت إلى غلق باب الاجتهاد وحصره في المذاهب الأربعة المعروفة: الحنفي والشافعي والحنبلي والمالكي، وتباطأت حركة البحث الفقهي أو توقفت في إطار هذه المذاهب. إلا أن الغيارى من أهل السنة أخيراً أخذوا يطالبون وينادون بفتح باب الاجتهاد، قال أحدهم: (إن القول بحرمة الاجتهاد وإقفال بابه جملة وتفصيلاً لا يتفق مع الشريعة نصاً و روحاً، وإنما المقولة الصحيحة هي إباحته، بل وجوبه على من توفرت فيه شروطه، لأن الأمة في حاجة إلى معرفة الأحكام الشرعية فيما جدّ من أحداث لم تقع في العصور القديمة)[8].
وهذا الكلام متين جداً وإن كان التعليل المذكور لا يمثل إلا جانباً واحداً من جوانب الحاجة إلى الاجتهاد، فإن الاجتهاد مبدأ مستمر باستمرار الشريعة وما دام هناك مكلّف وتكليف في مختلف العصور والظروف، مضافاً إلى أن بقاء الشريعة وإحياء أمرها يتوقف على الاجتهاد، وإلا فسوف لا يبقى من الإسلام والفقه إلا الاسم وبعض الأحكام التي يتداولها العامة من دون دليل والتي تتحول بالتدريج إلى تقاليد اجتماعية موروثة لا روح فيها.
الطريق الثاني: الاحتياط
وهو أن يأتي المكلف بكل شيء يحتمل فيه الأمر بالوجوب ولا يتحمل تحريمه على الإطلاق، وأن يترك كل شيء يحتمل فيه النهي والتحريم ولا يحتمل فيه الوجوب بحالِ.
ويشترط في العمل بالاحتياط العلم بموارده، وربما يتعذر في بعض الحالات، ولهذا فإن الاحتياط ليس ميسوراً لأغلب الناس.
الطريق الثالث: التقليد
إن التقليد هو الطريق المتيسر عادة لجلّ الناس، فقد اعتاد الناس في كل مجال على الرجوع إلى ذوي الاختصاص والخبرة بذلك المجال، والتقليد واجب على كل مكلف لا يتمكن من الاجتهاد. ويتحقق بمجرد العمل أو بمجرد الجزم والعزم على العمل بقول مجتهد معيّن، فأحد هذين كافٍ في صحة التقليد.
في ماذا يجب التقليد؟
لا تقليد في البديهيات الدينية والمسلمات الواضحة كوجوب الصلاة والصوم وحرمة الزنا والربا وكالمسائل القطعية التي يمكن العلم بها بلا جهد ودرس، كبعض الواجبات وكثير من المستحبات وأكثر المباحات التي يعرف حكمها الكثير من الناس الذين يعيشون في البيئات الدينية، ومنها (على سبيل المثال) أكل الرمان، استحباب الأذكار و الدعوات، فإن هذا النوع من الأحكام لا اجتهاد فيها ولا تقليد ولا احتياط، فإن حكم العقل بلزوم أحد هذه الطرق إنما هو بالنسبة للحكم غير المعلوم.
هل يجوز التقليد في الموضوعات أم في الأحكام؟
لا تقليد في الموضوعات، بل التقليد في الأحكام فقط، الموضوعات من قبيل أن هذا المائع السائل هل هو خمر أم خلّ؟ فقد يجهل المرجع أنه خمر، ولكنه يعطيك الحكم، فإن كان خمراً قال بحرمته وإن كان خلاً قال بحليته.
(والموضوعات تنقسم إلى قسمين: موضوعات صرفة كتشخيص أن هذا المائع خمر مثلاً: وهذا بيد المكلف، هو يشخص ويأخذ الحكم من الفقيه، و موضوعات مستنبطة: وهي التي يعود تشخيصها إلى صلاحية المجتهد، كتشخيص أن الغناء هو الصوت اللهوي لا كل صوت اشتمل على ترجيع من غير لهو.
والموضوعات المستنبطة على نوعين، الأول: هو الثابت بحيث لا يتغير باختلاف الزمان والمكان، ومثاله الغناء، والثاني: هو المتغير بحيث يتأثر بالظروف المحيطة، وبما أن الأحكام تتغير بتغير المواضيع، وتدور مدارها فمن هنا كان تشخيص الموضوعات المستنبطة المتغيرة له دخل في الاجتهاد)[9].
هل يجوز التقليد في أصول الدين؟
المقصود من أصول الدين هي المسائل الاعتقادية، مثل: الإيمان بالله ورسوله والأئمة من بعده والمعاد، هناك أيضا فروع الدين (وهي التي يجب التقليد فيها) وهي عشرة فروع:
1/ الصلاة. 2/ الصوم. 3/ الزكاة. 4/ الخمس. 5/ الحج. 6/ الجهاد. 7/ الولاية. 8/ البراءة. 9/ الأمر بالمعروف. 10/ النهي عن المنكر.
فلا بد لكل إنسان أن يبذل جهداً مباشراً في البحث عنها واكتشاف حقائقها[10]، والنصوص الشريفة نهت عن التقليد في العقائد، فقد عنّف القرآن الكريم أولئك الذين يعتمدون في اعتقاداتهم على تقليد الآخرين تقليداً أعمى بدافع التعصب وبدافع الكسل عن البحث والهروب من تحمل المسؤولية، قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ}[11].
والاجتهاد في أصول الدين ليس بالتكليف الصعب، بل أمر متيسر لأغلب الناس، وذلك: لأن العقائد الأساسية محدودة عدداً، ولكونها منسجمة مع الفطرة.
ولو واجهت الإنسان أحياناً صعوبات في هذا السبيل، فإنه جدير ببذل الجهد لتذليل تلك الصعوبات؛ لأن عقيدة الإنسان هي أهم شيء لديه.
رجوع الجاهل إلى العالِم.
إن التقليد ومراجعة ذوي الخبرة والأخصائيين في الأحكام الفرعية، سنّة من سنن الحياة التي تشمل جميع المجالات، ففي المجال الصحي نرى كثيراً من أساليب الوقاية والعلاج لا يعرفها الإنسان العادي غير المتخصص إلا بالرجوع إلى الطبيب الذي لم يعرفها إلا بعد البحث وبذل الجهد في تحصيلها. وقد جرى الإسلام على ذلك فوضع مبدأي الاجتهاد والتقليد، فالاجتهاد هو التخصص في علوم الشريعة والتقليد هو الاعتماد على قول الأخصائيين وخبرتهم، وليس ذلك من التقليد الأعمى، بل هو من تقليد الواعي.
وأصل مشروعية التقليد ليس أمراً يثبت بالتقليد، فالواجب على كل مكلف لم يقدر على الاجتهاد، أن يفتش عن فقيه يقطع بأن قوله حجة بينه وبين الله، ولكي يتيقن من امتثال التكاليف الموجهة إليه.
ولا يجوز التساهل في هذا الأمر والتقليد من غير فحص ولا بصيرة استرسالاً مع الوضع الموروث أو مجاراة لبني قومه، فإن المسلم لأجلُّ شأناً من أن يكون كذلك، ولابد له من أن يهتم بأمر دينه قبل أي شيء آخر. ومن هذا المنطلق يلزم في المرجع أن يكون واجداً لمواصفات معينة حتى يصح تقليده وأخذ الأحكام منه.
ما هي شروط مرجع التقليد؟
إن المرجعية في الفتوى مذهب إلهي مقدّس وخطير جداً، وهذا الأمر واضح ومرتكز في أذهان المؤمنين و المتشرعة ومن هنا اعتبرت بعض الشروط في من يُرجع إليه في الفتوى:
1/ الاجتهاد.
2/ البلوغ.
3/ العقل.
4/ الذكورة.
5/ طيب الولادة.
6/ الإيمان بإمامة الأئمة الإثني عشر(ع).
7/ العدالة.
8/ الحياة؛ أي يجب في سائر الأحوال أن يبدأ التقليد بالعمل أو الالتزام بقول الحي دون الميت، فإن النصوص الدالة على مشروعية التقليد ظاهرة في الفقيه الحي لا الميت كقوله تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}[12]. واشتراط الحياة في مرجع التقليد يجعل الرابطة بين المرجع الديني رابطة حية متجددة باستمرار.
9/ الأعلمية: المقصود منه: الأقدر على استنباط الأحكام الشرعية من المدارك المقررة. وإذا تعدد المجتهدون الذين تتوفر فيهم الشروط السابقة وعلم المقلد بأنهم مختلفون في آرائهم فيجب عليه أن يقلد الأعلم من المجتهدين في هذه الحالة.
10/ معرفة أمور الزمان والمكان، والاهتمام بأمور المسلمين: وهذا الشرط أوضحه وكشف عنه الإمام الخميني (قده) قائلاً: يجب على المجتهد أن يكون ملمّـاً بأمور زمانه، ليس مقبولاً للناس والشباب أن يقول مرجعهم ومقلَّدهم أنا لا أعطي رأياً في المسائل السياسية[13].
ما هي الطرق لمعرفة المجتهد والأعلم؟
لدينا ثلاث طرق لمعرفة الأمرين (أي الاجتهاد والأعلمية)، يكفي تحقق طريق واحد منها:
الأول: شهادة عدلين من المجتهدين الأكفاء أو الأفاضل القادرين على التقييم العلمي.
الثاني: الخبرة والممارسة الشخصية من المقلد إذا كان له من الفضل والعلم ما يتيح له ذلك وإن لم يكن مجتهداً.
الثالث: كل سبب يؤدي إلى يقين المقلد وإيمانه بأن فلاناً أعلم، فإن ذلك يحتم عليه أن يقلده دون سواه، ومن ذلك الشياع بين أهل العلم والفضل، أو الشياع في صفوف الأمة إذا أدى إلى يقين المقلد بأن من شاع أنه أعلم هو الأعلم حقاً.
ويجب على المقلد الفحص والبحث عن الأعلم في كل مظنة وسبيل ممكن، وأيضاً يجب على المكلف أن يحتاط في أعماله مدة البحث والفحص.
ما هي طرق أخذ الفتوى؟
يستطيع المقلد أن يتعرف على فتوى مقلَّده بإحدى الوسائل التالية:
أولاً: أن يسمع منه مباشرة.
ثانياً: أن ينقل الفتوى إليه شاهدان عادلان (المسماة بالبينة).
ثالثاً: أن يخبره بها شخص واحد عادل أو ثقة يعرفه بصدق اللهجة والتحرّج عن الكذب، حتى لو لم يكن عادلاً وملتزماً دينياً في كل سلوكه.
رابعاً: أن يجد الفتوى في كتاب ألفه المرجع أو أقرَّه، كالرسالة العملية الصادرة منه[14].
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين محمد وعلى آله الغرّ الميامين وأصحابه المنتجبين.
.............................................
* موقع كتابات: نُشر المقال في مجلة رسالة القلم بتاريخ 6 أغسطس 2005 للميلاد.
[1] - المعجم الفقهي/ المصطلحات((الفقه))
[2] - سورة الأعراف: 179
[3] - سورة التوبة: 122
[4] - المعجم الفقهي/ معجم ألفاظ الفقه الجعفري (التكليف)
[5] - المصدر السابق / (البلوغ)
[6] - الفتاوى الواضحة / الشهيد السيد محمد باقر الصدر(قده). / شروط التكليف ص137
[7] - سورة الأحزاب: 72
[8] - (الموسوعة الفقهية الكويتية)، نقلا عن مجلة فقه أهل البيت 23
[9] - أجوبة الاستفتاءات للإمام القائد الخامنئي (دام ظله): ج1 كتاب التقليد – الطرق الثلاثة – مسألة5
[10] - فكل شخص يكتفي بحسب حاله وقابليته العلمية، سواء كان من أهل الاختصاص أولًا
[11] - سورة المائدة: 104
[12] - سورة التوبة: 122
[13] - سبيل المعرفة للشيخ خليل رزق ص 200
[14] - المصدر الأساسي للبحث: محلة فقه أهل البيت (ع) العدد 23 ص 233، وأكثره مقتبس من كتاب (الفتاوى الواضحة) للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده)