أعوذ بالله من الشّيطان الرّجيم، بسم الله الرّحمن الرّحيم، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد الهادي الأمين، وآله الأطهار الميامين.
أورد الشّيخ الكلينيّ رحمه الله رواية في كافيه الشّريف بهذا السّند: (مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ الْبَرْمَكِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ عَبَّاسٍ الْجَرَاذِينِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرٍ الْجَعْفَرِيِّ، عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ[1]) وقد جرى النّقاش في تحديد محمّد بن أبي عبد الله والحسن بن راشد، وما ذلك إلَّا لإخراجهم من الجهالة، فشرعتُ في تتبع أسناد الكافي الشّريف وغيره لتحديدهما. وقلتُ مستعينا بالله:
«محمّد بن أبي عبد الله»
وهو من مشايخ الكلينيّ، ورد بهذا العنوان من دون واسطة في ثلاثة وأربعين موردًا.
وروى عنه باسم محمد بن أبي عبد الله الكوفيّ في مورد واحد، وهو الحديث الثّالث والثّلاثين من باب الظّهار، قال: "مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ صَفْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ الْحَجَّاجِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُول:..[2]"، والدّال على كونه نفسه بعنوان آخر؛ تكررّ السّند بعنوان محمّد بن أبي عبد الله، ففي الحديث الأوّل من باب الخيار قال: "مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ صَفْوَانَ[3]"
وكنيته أبو الحسين؛ فقد جاء في التّوحيد للشّيخ الصّدوق رحمه الله: "حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ اَلدَّقَّاقُ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ اَلْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ اَلْحَسَنِ اَلْكُوفِيُّ..[4]"
وقد أكثر من الرّواية عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ؛ إذ روى عنه الكلينيّ رحمه الله تسع روايات عن محمّد بن إسماعيل البرمكيّ ولم يروِ عن البرمكيّ محمّد بن أبي عبد الله غير الكوفيّ، وقد دلّنا هذا على لقب آخر له، فقد جاء في الأمالي للشّيخ الصّدوق رحمه الله: "حَدَّثَنَا عَلِيّ بنُ أَحمد الدّقّاق رَضِيَ الله عنهُ قال: حَدّثَنا مُحَمَّدُ بنُ أَبي عَبْدِ اللهِ الكُوفيّ الأسديّ قالَ: حَدَّثني مُحَمّدُ بنُ إسمَاْعيلَ البَرْمَكيّ، ..[5]".
وبدلالة روايته عن البرمكيّ كذلك، وبقرينة كنيته المتقدّمة نستكشف اسم أبيه من رواية الشّيخ الصّدوق رحمه الله في معاني الأخبار، قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَشَّارٍ اَلْقَزْوِينِيُّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ: حَدَّثَنَا اَلْمُظَفَّرُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَك حَدَّثَنِي أَبُو اَلْحُسَيْنِ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْكُوفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ اَلْبَرْمَكِيُّ ..[6]"
وكذلك في مشيخة الفقيه قال: "وَمَا كَانَ فِيهِ عَنْ إسْماعِيلَ بنِ الفَضلِ مِنْ ذِكرِ الحُقوقِ عَنْ عَليِّ بنِ الحُسينِ سَيّدِ العابدينَ عَليْهِما السّلامُ فَقَدْ رَويتُهُ عَنْ عَليِّ بنِ أَحمَدَ بنِ مُوسَى رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: حَدّثَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعفر الكُوفيّ الأَسديّ قالَ: حَدَّثَنَا محمدُ بنُ إسماعيلَ البَرْمَكيّ ..[7]"
وبنفس سّند معاني الأخبار إليه روى الشّيخ الصّدوق في العلل قال: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَشَّارٍ اَلْقَزْوِينِيُّ رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو اَلْفَرَجِ اَلْمُظَفَّرُ بْنُ أَحْمَدَ اَلْقَزْوِينِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ اَلْكُوفِيُّ اَلْأَسَدِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ زِيَادٍ اَلْآدَمِيُّ..[8]" ويعضّد كونه شخصًا واحدًا روايته عن سهل فقد روى الشّيخ الكلينيّ عن محمّد بن أبي عبد الله أربع روايات عن سهل بن زياد.
وبذلك يكون اسمه: أبو الحسين محمّد بن جعفر الكوفي الأسديّ.
وقد ترجم له النّجاشيّ: قائلا: "محمّد بن جعفر بن محمّد بن عون الأسديّ أبو الحسين الكوفيّ، ساكن الري، يقال له محمّد بن أبي عبد الله، كان ثقة، صحيح الحديث، إلّا أنّه روى عن الضّعفاء، وكان يقول بالجبر والتشبيه -وكان أبوه وجها روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى-.
له كتاب الجبر والاستطاعة. أخبرنا أبو العباس بن نوح قال: حدثنا الحسن بن حمزة قال: حدثنا محمد بن جعفر الأسدي بجميع كتبه قال: ومات أبو الحسين محمد بن جعفر ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة.
وقال ابن نوح: حدثنا أبو الحسن بن داود قال: حدثنا أحمد بن حمدان القزويني عنه بجميع كتبه.[9]"
وادّعي اتّحاده مع محمّد بن جعفر الخزّاز أو الرّزاز، ولا دليل على الاتّحاد بل الدّليل على خلافه فإنّ كنية الخزّاز أبو العبّاس كما جاء في آخر الاستبصار للشّيخ الطّوسيّ رحمه الله قال: "وَأَخْبَرَنيْ أَيضًا الحُسينُ بنُ عُبَيْدِ اللهِ عَن أَبيْ المُفَضّل محمّدِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ مُحمّدِ بنِ عُبَيْدِ اللهِ بنِ المُطّلبِ الشّيْبانيّ عَنْ أبي العَبّاس مُحَمّد بنِ جَعفر الرّزّاز ..[10]" وقد عرفت أنّ كنية الكوفيّ الأسديّ أبو الحسين، ولم نرَ فيما وجدناه كنية أخرى له، ولو قيل بتعدّد كناه لطالبنا بشاهد على ذلك، ولعلّ منشأ هذا التّوهّم اتّحاد الطّبقة، وتشابه الأسماء فكلاهما محمّد بن جعفر بن محمّد وكلاهما كوفيّان.
«الحسن بن راشد»
ورد الحسن بن راشد في الكافي وغيره في روايات متعدّدة يروي عن يعقوب بن جعفر ويروي عنه القاسم بن يحيى -وهو ابن ابنه- ففي الكافي: "عَنْهُ[11] عَنِ اَلْقَاسِمِ بْنِ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ اَلْحَسَنِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ اَلْجَعْفَرِيِّ..[12]" وروى القاسم بن يحيى عن جدّه في المحاسن ما يربو على أربعين موردًا.
ومن خلال ترجمة القاسم بن يحيى نستطيع تحديد الحسن بن راشد، فقد قال ابن الغضائريّ: "القاسم بن يحيى بن الحسن بن راشد مولى المنصور، روى عن جدّه، ضعيف[13]" وبه يتّضح أنّ الحسن بن راشد هنا هو من قال فيه البرقيّ: "مولى بني العبّاس، وكان وزير المهديّ، وموسى، وهارون، بغداديّ[14]".
وقد حدّده السيّد غيث شبّر حفظه الله بالطّفاويّ اعتمادًا على الطّبقة وبمراجعة الرّوايات الّتي ذكرناها يتّضح الاشتباه في ذلك، وأمّا الرّجوع للطّبقات فلا ينفع في التّحديد لتساوي الاحتمالين.
السيّد علي بن السيّد محمّد العلوي
فجر الأربعاء الثّامن عشر من شهر جمادى الأخرة ١٤٤٤هـ
عراد - البحرين
...................................
[1] الكافي ج١، باب الحركة والانتقال من كتاب التوحيد، ح١، ص٣١٠ - ط دار الحديث.
[2] الكافي ج١١، باب الظّهار من كتاب الطّلاق، ح٣٣، ص٧٣٥ - ط دار الحديث.
[3] الكافي ج١١، باب الخيار من كتاب الطّلاق، ح١، ص٦٧٤ - ط دار الحديث.
[4] التّوحيد، باب النّهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عزّ وجلّ، ح١٨، ص٤٥٧ - ط جماعة المدرّسين.
[5] أمالي الصّدوق، المجلس ٩٥ ،ح١٣، ص٧٦٨ - ط مؤسّسة البعثة.
[6] معاني الأخبار، باب معنى السّكّة المأبورة والمهرة المأمورة، ح١، ص٢٩٢ - ط جماعة المدرّسين.
[7] من لا يحضره الفقيه ج٤، ص٥١٢ - ط جماعة المدرّسين.
[8] علل الشّرائع ج٢، باب العلّة الّتي من أجلها صار يوم عاشوراء أعظم الأيّام مصيبة، ح١، ص٤٠ - ط مؤسّسة آل البيت عليهم السّلام لإحياء التّراث.
[9] رجال النّجاشيّ، باب الميم، تحت رقم١٠٢٠، ص٣٧٣ - ط جماعة المدرّسين.
[10] الاستبصار ج٤، ص٣٣٧ - ط دار الكتب الإسلاميّة.
[11] والضمير راجع للعدّة عن أحمد بن محمّد بن خالد.
[12] الكافي ج٩، باب فضل ارتباط الخيل وإجرائها والرّمي من كتاب الجهاد، ح٤، ص٤٦٢ - ط دار الحديث.
وبنفس السند ج١٣، باب نوادر في الدّوابّ من كتاب الدّواجن، ح١٣، ص٢٧٠ - ط دار الحديث.
وبنفس السّند ج١٣، باب الحمام من كتاب الدّواجن، ح٩، ص٢٩١ - ط دار الحديث.
وبنفس السّند ج١٣، باب الدّيك من كتاب الدّواجن، ح٣، ص٢٩٩ - ط دار الحديث.
[13] رجال ابن الغضائريّ، باب القاف، تحت رقم ١١٢، ص٨٦ - ط دار الحديث.
[14] رجال البرقي، أصحاب الصّادق عليه السّلام، تحت رقم ٢٥٢، ص١٦٨ - ط مؤسّسة الإمام الصّادق عليه السّلام.