المقدِّمة
اختلفت المناهج التَّفسيرية للقرآن الكريم على مرِّ التَّاريخ، وبعضها كانَ جامعاً لأكثر من منهج، ومنهم من اتَّخذ منهجاً وخطَّأ المناهج الأخرى، وحيث إنَّ المنهج التَّفسيري قضية مهمَّة ولها دورٌ أساس في فهمِ القرآن الكريم ومدى الاستفادة منه ومن معارفه وتحقيق أهدافه التي من أجلها أُنزل لا يمكن أن نتصوَّر بأنَّ النَّبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) وأهل بيته الطَّاهرين(عليهم السَّلام) قد أهملوا هذه المسألة وتركوها عرضة للاجتهادات الشَّخصية، ولهذا قد نجد كلَّ فريقٍ يستدلُّ على صحَّةِ منهجِه ببعض الرِّوايات والتَّطبيقات التي صدرت من المعصومين (عليهم السَّلام)، وهذا ما يدعونا للنَّظر في دور هذه الرِّوايات في التَّأسيس لهذه المناهج.
ولهذا سيكون البحث حول هذه الأدوار ومحاولة تحليلها والنَّظر في التَّطبيقات لهذه المناهج التي مارسها أهل البيت (عليهم السَّلام) في عملية التَّفسير. والكلام في عدِّة محاور:
المحور الأوَّل: المقصود من المنهج والتَّفسير لغةً واصطلاحاً
لا بدَّ من تحديد معنى التَّفسير والمنهج المراد هنا، حتى نرى بأنَّ الإمام (عليه السَّلام) هل أسَّس لمثل ذلك التَّفسير أم لا؟
التَّفسير لغة واصطلاحاً:
أمَّا التَّفسير لغة: فهو بيان وتوضيح وكشف المراد عن الألفاظ المشكلة والغريبة، وكشف وإظهار المعنى المراد للمتكلِّم[1].
وأمَّا اصطلاحاً: فقد ذُكرت تعاريف مختلفة، وحيث إنَّ موضوع التَّفسير هو القرآن الكريم الذي هو كلام الله تعالى فيمكن أن يكون الجامع للتَّعاريف المختلفة أنَّ التَّفسير هو (بيان مراد الله تعالى)[2]، مع الاختلاف في بعض تفاصيل هذا البيان، وإليك تعريفين:
الأوَّل للسيد الخوئي (قدَّس الله نفسه) فقال: "التَّفسير هو كشف القناع.. فلا يكون منه حمل اللفظ على ظاهره، لأنَّه ليس بمستور حتى يكشف" و"التَّفسير هو إيضاح مراد الله تعالى من كتابه العزيز"[3].
والثَّاني للعلَّامة الطباطبائي (قدَّس الله نفسه) وعرَّفه بأنَّه: "بيان معاني الآيات القرآنية، والكشف عن مقاصدها ومداليلها"[4].
وأمَّا المنهج في اللُّغة فهو "الطَّريق الواضح"[5].
والمنهج التَّفسيري هو الطَّريقة التي يعتمدها المفسِّر في عملية التَّفسير من حيث الأدوات والوسائل والمصادر، فقد يعتمد على العقل وقد يعتمد النَّقل، وفي النَّقل قد يعتمد على الكتاب العزيز وقد يعتمد على الرِّوايات والنُّصوص[6].
وقد قُسِّمت المناهج بتقسيمات مختلفة، فبعضهم قسَّمها إلى التَّفسير بالمأثور أو بالرَّأي، وفرَّع عليهما الأقسام الأخرى، وبعضهم قسَّمها إلى التَّفسير بالعقل أو النَّقل، وفرَّع عليهما بقية الأقسام، وبعضهم قال بأنَّ التَّفسير إمَّا بالمأثور، أو باللغة، أو بالعقل، أو بالاجتهاد، أو بالإشارة[7].
وبين هذه التَّقسيمات تداخل، وهي تصبُّ في مصبٍّ واحد، وكلُّ منهج له مراتب متعدِّدة، ويمكن أنْ يكون تداخل بين منهجين فيكون تفسيراً مثلاً بالأثر والنَّقل لكن مع شيء من الاجتهاد وإعمال النَّظر. وقد يكون المنهج جامعاً لكلِّ هذه المصادر كلٌّ في محلِّه وبحسب الآية المبحوثة.
المحور الثَّاني: منهج أهل البيت (عليهم السَّلام) في التَّفسير
تارة ننظر إلى أهل البيت (عليهم السَّلام) كمفسِّرين للقرآن الكريم حيث كانوا يوضِّحون ويبينون للنَّاس ما استشكل عليهم من غوامض القرآن الكريم، وهذا هو دورٌ أساسي لهم (عليهم السَّلام)، فهم على -أقلِّ التَّقادير- ليسوا بأقلَّ من غيرهم في جواز التَّفسير، بل قد يقال بأنَّهم هم وحدهم المفسِّرون الحقيقيون للقرآن الكريم حيث لا يخطئون ولا يشتبهون في الوصول إلى حقائق القرآن الكريم، بل هم القرآن الناطق، وأمَّا غيرهم فهم متعلِّمون على سبيل نجاة.
وتارة -بناء على أنَّ غيرَهم يجوز لهم التَّفسير أيضاً- ننظر إلى أهل البيت (عليهم السَّلام) باعتبارهم معلِّمين ومبيِّنين للمناهج الصَّحيحة للتَّفسير لأصحابهم حتى لا يقعوا في التَّفسير بالرَّأي وما شابه ذلك. وهناك علاقة بين الجهتين المنظورتين، والكلام فعلاً في الجهة الأُولى وهي منهج أهل البيت (عليهم السَّلام) في تفسير القرآن الكريم، وفي المحور الآتي نتحدَّث عن الجهة الثَّانية (كونهم -عليهم السَّلام- مؤسِّسين ومعلِّمين للمناهج).
ولا نريد التَّوسع في الجهة الأوَّلى لأنَّ الثَّانية هي أساس البحث، وإنَّما هي إشارةٌ فقط حيث لها علاقة بأصل البحث، فنقول:
1/ التَّفسير العقلي:
بعض المناهج لا يمكن أن تنسب إلى المعصومين (عليهم السَّلام)، كمثل التَّفسير العقلي إذا كان بمعنى (الاجتهاد وإعمال القوَّة العقلية في الفهم)، فهو خاصٌ بغيرِ المعصوم؛ لأنَّه قابلٌ للخطأ والاشتباه، ويعتمد على الظَّواهر، وأمَّا المعصوم (عليه السَّلام) العارف -كما قلنا- بحقيقة القرآن الكريم فلا يجتهد، بل يستخرج المعاني بشكلٍ يقينيّ.
ويدخل في ذلك الاعتماد على الظَّواهر القرآنية، فإنَّها لا تفيدُ إلا الظَّن، وجوازُ الاعتماد على الظَّواهر -عند غير المعصوم- تعبُّداً لا يعني أنَّ المعصوم بنفسه يعتمد على الظَّواهر بنفس الطَّريقة؛ فإنَّ الظَّاهر:
إمَّا أن يوافق الواقع فالاعتماد هنا على الواقع ولو عن طريق التَّمسُّك بالظَّاهر.
وإمَّا أن لا يوافق الواقع، وحينئذٍ نقول: إنَّ الفرض أنَّ المعصوم عالم بالواقع المراد، (وحجية الظَّاهر إنَّما لأجل طريقيته العرفية للوصول إلى الواقع) فكيف يعتمد العالِمُ بالواقع على ذلك الظَّاهر المعلوم مخالفته له؟! بل لا بدَّ للمعصوم (عليه السَّلام) حينئذٍ من بيان أنَّ هذا الظَّاهر غيرُ مرادٍ هنا.
نعم، إنَّ المنهج العقلي إذا أُريدَ به البرهان والحجَّة القطعية فهو لازمٌ؛ حيث إنَّ حجية القطع ذاتية، ولا يمكن أن يخالف القرآنُ الكريم العقلَ القطعي.
2/ التَّفسير الرِّوائي:
هنا نقول أيضاً بأنَّ التَّفسير الرِّوائي لا يصحُّ نسبتُه إلى المعصوم كمنهج تفسير؛ لأنَّ التَّفسير بالرِّواية يعني الاعتماد على الرِّواية الواردة من المعصوم (عليه السَّلام) تعبُّداً، فمتى ثبتت الرِّواية وصحَّت ولم يكن مانع من الأخذ بها يعمل على طبقها تعبُّداً، وقد لا تكون الرِّواية في الواقع واردةً أصلاً، أو واردة، ولكن تقيَّة، أو أنَّ المراد منها غير ظاهرِها وهكذا، وكلُّ ذلك يعني أنَّها لا تفيد القطع واليقين دائماً. وأمَّا نفس المعصوم (عليه السَّلام) وهو صاحب النَّص والبيان، فلا معنى أن يعتمد على الرِّوايات، بل هو نفسُه المبيِّن، وبعبارة أخرى: إنَّ التَّفسير الرِّوائي يعني أنْ يكون المصدر للتَّفسير هو الرِّواية -جوازاً أو وجوباً عند من يقصر التَّفسير على الرِّواية- تعبُّداً حيث لا تفيد القطع واليقين، بينما المعصوم هو المصدر نفسه فلا معنى لأنَّ يتعبَّد بقول نفسه أو بقول غيره من المعصومين (عليهم السَّلام).
ثمَّ إنَّه لو صحَّ نسبة التَّفسير الرِّوائي إلى المعصومين (عليهم السَّلام)، فما هو منهج النبي (صلَّى الله عليه وآله) الذي لم يسبقه معصوم حتى يعتمد على روايته؟! بالتَّأكيد إنَّه يعتمد على أمرٍ آخر غير الرِّواية، فهل يصحُّ أن نقول بأنَّ للنَّبي منهجاً خاصاً في التَّفسير يختلفُ عن بقيَّة الأئمة (عليهم السَّلام)؟!
وما نجدُه من الاستشهاد من قِبل بعض المعصومين (عليهم السَّلام) ببعض الرِّوايات لا بدَّ أن يكونَ راجعاً إلى علمهم بقطعيَّة تلك الرِّواية سنداً ومعنىً، ومجرَّد ذلك لا يستوجب نسبة التَّفسير الرِّوائي -بالمعنى المعروف، وهو التَّعبد بالرِّواية- إليهم (عليهم السَّلام)؛ فإنَّ الاستشهاد بالرِّواية -مع كون المعصوم (عليه السَّلام) يتساوى مع غيره من المعصومين (عليهم السَّلام) في الحجيَّة- لا يتناسب مع عصمته وعلمه. وهذه الطَّريقة نراها موجودة في الرِّوايات الفقهية أيضاً، ولعلَّ هناك أسباباً أخرى من ذلك الاستشهاد.
3/ تفسير القُرآن بالقرآن:
وأمَّا منهج تفسير القرآن بالقرآن، فإنَّه -كما يأتي في المحور القادم- قد ادّعي أنَّ أهل البيت (عليهم السَّلام) قد مارسوه، فعلى فرض صحِّة ذلك هل يصحُّ أن يقال بأنَّ هذا هو منهجهم في التَّفسير أم لا؟
وهنا أيضاً، يمكن القول بأنَّ هذا المنهج لا يصحُّ نسبته إلى الأئمة(عليهم السَّلام) كمنهجٍ خاصٍ بهم وإن مارسوه، مثله مثل التَّفسير الرِّوائي الذي مارسوه؛ بمعنى أنَّهم كانوا يفسِّرون القرآن الكريم بنفس ما يصدر منهم، فالإمام حينما يفسِّر للآخرين آيةً معينةً معتمداً على علمه الخاص، فكأنَّه يقول بأنَّ الدَّليل على هذا المعنى من الآية الفلانية هو نفس قولي فيها، لأنَّني أنا القرآن النَّاطق، وهنا لن يكون هناك اشتباه أو خطأ أو ما شابه، بينما لو اعتمد غيرُ المعصوم على الرِّواية فإنما سيعتمد عليها من باب التَّعبُّد بالظَّن، فقد يشتبه، وقد يخطأ الواقع.
وهنا الأمر كذلك، فإنَّ الإمام (عليه السَّلام) حينما يستدلُّ على معنى آيةٍ بآيةٍ أخرى، فإنَّما ذلك من خلال علمه الخاص الذي لا يشاركه فيه أحد، ولذلك قد يستدلُّ الإمامَ بشيءٍ لا يمكن للآخرين الوصول إليه أو الاقتناع به حسب القواعد العادية.
ولمزيد توضيح نقول: إنَّ الأئمة (عليهم السَّلام) لعلمهم أنَّ شيعتهم لن يصلوا إلى الواقع في كلِّ مسألةٍ فقهية مثلاً فإنَّهم رسموا إليهم قواعد عامَّة في الفقه (أصول الفقه) وأمروهم بالتعبُّد بها، فقالوا لهم اعملوا بظواهر القرآن، واعملوا بخبر الثَّقة، وبالظُّهور في العمومات والإطلاقات والمفاهيم إلى آخر القواعد الأصولية، وهذا إنَّما هو خاصٌ بغيرِ المعصوم؛ لأنَّ المعصوم لا يشكٌّ ولا يجهل الواقع حتى يحتاج إلى طريقٍ ظنيٍّ تعبُّديٍّ يسلكُه، ولكنَّه أحياناً قد يستدلُّ على حكمٍ شرعيٍّ بحديث من أحاديث النَّبي(صلَّى الله عليه وآله)، أو إمامٍ معصومٍ آخر، ولكنَّ هذا لا يعني أنَّه يعتمد على ظهور الرِّوايات والأخبار، بل للتَّعليم أو لإلزام الخصم الذي ينكر عصمتَه وهكذا.
فكذلك الحالُ في التَّفسير، فإنَّهم إذا مارسوا هذه الطَّريقة، فإمَّا أن يكون للتَّعليم لشيعتهم، وإمَّا لأجل الاحتجاج على الآخرين، ولا يعني أبداً أنَّ هذه هي طريقتُهم، وإلَّا فما معنى أنَّهم القرآنُ النَّاطق، وأنَّهم عدلُ القرآن، والثِّقلُ الأصغر الذي لا يفارقون فيه القرآنَ الكريم؟!
وحينئذٍ يأتي السُّؤال: إذن ألا يوجد لأهل البيت (عليهم السَّلام) منهج خاص في التَّفسير بعد نفي المناهج المعروفة عنهم؟!
الجواب -والله العالم بحقائق الأمور-: أنَّ المنهج بما أنَّه الطَّريقة في الاعتماد على المصدر التَّفسيري، فإنَّ أهل البيت (عليهم السَّلام) باعتبارهم هم المصدر للتَّفسير وهم عدلُ القرآن، وروح القرآن يسكن بين أرواحهم، بل هم القرآن النَّاطق فلا معنى للبحث عن مصدرٍ لهم في معرفة القرآن الكريم، بل هم أنفسهم المصدر، أي أنَّهم (عليهم السَّلام) يعتمدونَ على علمهم الخاص اللَّدنيِّ الذي لا يخطأ، ولأجل ذلك كان كلامُهم مصدراً من مصادر التَّفسير.
فالصَّحيح: أنَّ منهجهم في التَّفسير منهجٌ خاصٌ بهم، ولا يشاركهم فيه أحدٌ لعدم عصمة غيرهم، وإذا ما رأيناهم يطبِّقون في بعض الموارد بعض المناهج التَّفسيرية فإنَّما يطبِّقونها بطريقتهم الخَّاصة أيضاً، أي المعتمِدة على العلم والقطع واليقين، فلو فسَّر المعصومُ آيةً بأخرى فإنَّما ذلك لأنَّه يعلم ابتداءً معنى كلِّ آيةٍ لوحدها، ويعلم ناتج الاثنتين حينئذٍ أيضاً. يقول الفيض الكاشاني: "وليُعلم أنَّ علوم الأئمة (عليهم السَّلام) ليست اجتهادية ولا سمعية أخذوها من جهة الحواس، بل هي لدنيّة أخذوها من الله سبحانه ببركة متابعة النَّبي (صلَّى الله عليه وآله)"[8].
وجاء في نهج البلاغة عن الأمير (عليه السَّلام) في وصف أولياء الله -ولعلَّه يريد خصوص المعصومين (عليهم السَّلام)-: "بهم عُلِمَ الكتابُ وبه عَلِمُوا، وبهم قام الكتابُ وبه قاموا"[9]. وجاء في رسالة الإمام الصادق(عليه السَّلام) للشِّيعة المروية في روضة الكافي: "قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كلِّ شيء، وجُعلَ للقرآن ولتعلِّم القرآن أهلاً، لا يسع أهلُ علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوى ولا رأي ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصَّهم به، ووضعه عندهم كرامةً من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذِّكر الذين أمر الله هذه الأمَّة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم -وقد سبق في علم الله أنْ يصدَّقهم ويتبع أثرهم- أرشدوه وأعطوه من علم القرآن، ما يهتدي به إلى الله بإذنه وإلى جميع سبل الحقِّ، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشَّقاء في أصل الخلق تحت الأظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم"[10].
ويدخل ضمن منهجهم (عليهم السَّلام) أيضاً المنهج التَّأويليُّ بمعنى باطن القرآن الكريم، فإنَّ العلم اللَّدنيَّ الخاص بهم يشمل التَّأويل، حيث دلَّت الرِّوايات الكثيرة على علمهم بتأويل القرآن، بل اختصاصهم به، ومن راجع التَّفاسير الرِّوائية يتبيَّن له ذلك بوضوح.
عن سماعة بن مهران قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: "إنَّ اللهَ أنزل عليكم كتابه الصَّادق النَّازل، فيه خبركم، وخبر ما قبلكم، وخبر ما بعدكم، وخبر السَّماء، وخبر الأرض، فلو أتاكم من يخبركم عن ذلك لعجبتم"، وعن مرازم، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: "إنَّ الله (سبحانه وتعالى) أنزل في القرآن تبياناً لكلِّ شيء حتى والله ما ترك شيئاً يحتاج إليه العبد، حتى والله ما يستطيع عبد أن يقول: (لو كان في القرآن هذا) إلا وقد أنزله الله فيه"[11]. وحيث إنَّ ظاهر القرآن لا يشمل كلَّ شيء نحتاجه، فيكون المقصود هو باطن القرآن وتأويله.
المحور الثالث: دور أهل البيت (عليهم السَّلام) في التَّأسيس للمناهج التَّفسيرية
نصل إلى صلب البحث، وهو دور روايات أهل البيت (عليهم السَّلام) في بيان مناهج التَّفسير لشيعتهم وللمسلمين عموماً.
وهنا عدِّة مباحث:
المبحث الأوَّل: بيان صلاحية غيرهم في التَّفسير
من المعروف وجودُ رأي يحصر جواز التَّفسير بأهل البيت (عليهم السَّلام)، اعتماداً على بعض الرِّوايات التي تحصر علم القرآن بهم (عليهم السَّلام)، وحينئذٍ يكون دور رواياتهم هو توفير مادة التَّفسير للمفسِّر فحسب، دون أن يكون للمفسِّر مصدرٌ آخر من العقل أو القرآن، ووظيفته فقط فهم هذه الرِّوايات الواردة في التَّفسير، سواء ببيان هذه الرِّوايات والمقصود منها، أو بمجرَّد إيرادها دون التَّعليق عليها كما نراه في تفسير البرهان مثلاً.
وأمَّا بناءً على عدم انحصار جواز التَّفسير بهم (عليهم السَّلام) فيأتي الكلامُ عن أيِّ الطُّرق والمناهج التي بيَّنها أهلُ البيت (عليهم السَّلام) للعلماء؟ فهنا لا بدَّ من أخذِ المنهج منهم (عليهم السَّلام)، وإلا كان التَّفسير مصداقاً للعمل بالرَّأي، وهو نظير الاجتهاد في الفقه؛ حيث إنَّه وإن جاز الاجتهادُ أو وجبَ إلا أنَّ المنهجَ الاجتهادي يجبُ أن يأخذَ من صاحبِ الشَّريعة والممثِّلين الحقيقيين عنه، وهم أهل البيت (عليهم السَّلام). ولهذا كان أصحابُ المذاهب الأخرى الذين تركوا طريقَ أهلِ البيت (عليهم السَّلام) واعتمدوا في الفقه والأصول والتَّفسير على غيرهم من مصاديق العاملين بالرَّأي ولا حجيَّة لأقوالهم ولا لما يصلون إليه من نتائج فقهيَّة أو أصوليَّة أو تفسيريَّة.
المبحث الثَّاني: المناهج التي منعت منها الرِّوايات الشَّريفة
بالإضافة إلى تشديد الرِّوايات في المنع عن الخوض في القرآن الكريم لكلِّ من هبَّ ودبَّ، وأنَّه لا بدَّ من معرفة القواعد التَّفسيرية أولًا والتَّوفُّر على جملة من العلوم، من معرفة النَّاسخ والمنسوخ وعلوم اللُّغة إلى آخر ما يحتاجه المفسِّر، فإنَّها شدَّدت أيضاً على المنع من بعض المناهج أهمُّها:
1/ التَّفسير بالرَّأي:
لا شكَّ وريب في المنع عن هذا المنهج الذي وردت في النَّهي عنه والتَّحذير منه نصوص متكثِّرة منها ما رواه الصدوق بسنده عن الرَّيان بن الصَّلت، عن علي بن موسى الرَّضا (عليه السَّلام)، عن أبيه، عن آبائه، عن أمير المؤمنين (عليهم السَّلام)، قال: "قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): قال الله جلَّ جلالُه، ما آمن بي من فسَّر برأيه كلامي، وما عرفني من شبّهني بخلقي، وما على ديني من استعمل القياس في ديني"[12].
وروى العياشي مرسلاً عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: "من فسَّر القرآن برأيه فأصاب لم يؤجر، وإن أخطأ كان أثمُه عليه"[13].
وعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: "من فسَّر القرآن برأيه إن أصاب لم يؤجر وأن أخطأ فهو أبعد من السِّماء"[14].
وعن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: سئل عن الحكومة قال: "من حكم برأيه بين اثنين فقد كفر، ومن فسَّر [برأيه] آية من كتاب الله فقد كفر"[15]. وغيرها بمضمونها كثير.
وقد اختلف في معنى التَّفسير بالرَّأي؛ حيث طبَّقُه البعض على كلِّ منهجٍ غير روائي فيدخل فيه الأخذ بظاهر القرآن أيضاً، ولكن لعلَّ الصحيح أنَّ المقصود من الرَّأي هو معناه في الفقه أيضاً، أي العمل دون مستند شرعي ودون الرُّجوع إلى أهل البيت (عليهم السَّلام)، فمن يفسِّر القرآن دون علم، ودون الرُّجوع أصلاً إلى أهل البيت (عليهم السَّلام) فإنِّه يعتبر قد عمل برأيه، وأمَّا من يرجع إلى الرِّوايات ويحاول فهمها وإعمال القواعد الأصولية المأخوذة سلفاً عنهم (عليهم السَّلام) فإنَّه لا يصدق عليه أنَّه قد عمل برأيه، وعليه لو أراد المفسِّر فهم آية معينة لم ترد فيها رواية خاصَّة، ولكن كان وفق المنهج الذي أصَّله وبيَّنه أهلُ البيت(عليهم السَّلام) كان ذلك مصداقاً للرُّجوع إليهم، حاله حال الفقيه الذي يعتمد على أصل عملي أو قاعدة أصولية في استنباط حكمٍ شرعي لم ترد فيه رواية خاصَّة، فإنَّ ذلك ليس عملاً بالرَّأي بل بما ورد عنهم (عليهم السَّلام).
وقد ذكر الشَّيخُ الأعظم وغيرُه -في الجواب على من استدلَّ على عدم جواز العمل بظواهر الكتاب لكونه من التَّفسير بالرَّأي- جوابين:
الأوَّل: المنع من الصُّغرى أي أنَّ العمل بالظَّاهر لا يسمَّى تفسيراً أصلاً فإنَّ العمل "بالظواهر الواضحة المعنى بعد الفحص عن نسخها وتخصيصها وإرادة خلاف ظاهرها في الأخبار.. لا يسمَّى تفسيراً، فإنَّ أحداً من العقلاء إذا رأى في كتاب مولاه أنَّه أمره بشيء بلسانه المتعارف في مخاطبته له -عربياً أو فارسياً أو غيرهما- فعمل به وامتثله، لم يعد هذا تفسيراً، إذ التَّفسير كشف القناع".
الثَّاني: مع التَّسليم بكونه تفسيراً، ولكن لا يصدق عليه أنَّه تفسير بالرَّأي.
والمراد حينئذ من التَّفسير بالرَّأي: "إمَّا حمل اللَّفظ على خلاف ظاهره أو أحد احتماليه، لرجحان ذلك في نظره القاصر وعقله الفاتر، ويرشد إليه: المروي عن مولانا الصادق (عليه السَّلام)، قال في حديث طويل: "وإنَّما هلك النَّاس في المتشابه؛ لأنَّهم لم يقفوا على معناه ولم يعرفوا حقيقته، فوضعوا له تأويلا من عند أنفسهم بآرائهم، واستغنوا بذلك عن مسألة الأوصياء(عليهم السَّلام) فيعرفونهم".
وإما الحمل على ما يظهر له في بادئ الرَّأي من المعاني العرفية واللغوية، من دون تأمل في الأدلة العقلية ومن دون تتبع في القرائن النقلية، مثل الآيات الأخر الدَّالة على خلاف هذا المعنى، والأخبار الواردة في بيان المراد منها وتعيين ناسخها من منسوخها. وممَّا يقرب هذا المعنى الثَّاني وإن كان الأوَّل أقرب عرفا: أنَّ المنهي في تلك الأخبار المخالفون الذين يستغنون بكتاب الله تعالى عن أهل البيت (عليهم السَّلام)، بل يخطئونهم به، ومن المعلوم ضرورة من مذهبنا تقديم نص الإمام (عليه السَّلام) على ظاهر القرآن، كما أنَّ المعلوم ضرورة من مذهبهم العكس"[16].
وذكر ما يقرب من هذين الاحتمالين من معنى التَّفسير بالرَّأي الغزاليُّ في إحيائه، ونقله عنه مجموعة -منهم ابن ميثم البحراني- موافقاً له في ذلك، وننقل كلامه لأهميَّته:
"الواجب أن يحمل النَّهى عن التَّفسير بالرَّأي على أحد معنيين: أحدهما أن يكون للإنسان في الشَّيء رأيٌ وله إليه ميل بطبعه فيتأوَّل القرآن على وفق رأيه حتّى لو لم يكن له ذلك الميل لما خطر ذلك التَّأويل له..، الثَّاني أن يتسرَّع إلى تفسير القرآن بظاهر العربيَّة من غير استظهار بالسُّماع والنَّقل فيما يتعلَّق بغرائب القرآن وما فيها من الألفاظ المبهمة وما يتعلَّق من الاختصار والحذف والإضمار والتَّقديم والتَّأخير والمجاز فمن لم يحكم ظاهر التَّفسير وبادر إلى استنباط المعاني بمجرّد فهم العربيّة كثر غلطه ودخل في زمرة من يفسِّر بالرَّأي.."[17].
وقال المحقِّق الأردبيلي: "وبالجملة المراد من التَّفسير الممنوع برأيه وبغير نصٍ هو القطع بالمراد من اللفظ الذي غير ظاهر من غير دليل، بل بمجرَّد رأيه وميله، واستحسان عقله من غير شاهد معتبر شرعا"[18].
وذكر العلامة الطباطبائي في معنى التَّفسير بالرَّأي هو: "أن يستقلَّ المفسِّر في تفسير القرآن بما عنده من الأسباب في فهم الكلام العربي فيقيس كلامه تعالى بكلام النَّاس"[19].
وخلاصة الأمر هنا: أنَّ التَّفسير بالرَّأي لا شكَّ في النهي عنه ولا ريب لكثرة الرِّوايات الواردة فيه، ولكن ليس معناه الأخذ بالظَّاهر ولا مطلق الاجتهاد حتى المعتمد على الأسس الصَّحيحة، بل هو إمَّا الأخذ بغير الظَّاهر، أو الأخذ بالظَّاهر دون الرُّجوع إلى القرائن الأخرى، ودون الرُّجوع إلى روايات أهل بيت العصمة والطَّهارة (عليهم السَّلام).
2/ التَّفسير العقلي:
وردت بعض الرِّوايات تمنع من تحكيم العقل في التَّفسير، ففي تفسير العياشي عن عبد الرَّحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: "ليس أبعد من عقول الرَّجال من القرآن"[20]، وهذا يعني أنَّ القرآن حيث لا يتمكَّن العقل من إدراك معانيه فإنَّه لا يصحُّ الاعتماد عليه في التَّفسير.
وفي محاسن البرقي عن جابر بن يزيد الجعفي، قال: سألت أبا جعفر (عليه السَّلام) عن شيءٍ من التَّفسير فأجابني، ثمَّ سألته عنه ثانية فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلتُ فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: "يا جابر، إنَّ للقرآن بطناً، وللبطن بطناً، وله ظهر وللظَّهر ظهر، يا جابر، ليس شيء أبعد من عقول الرَّجال من تفسير القرآن، إنَّ الآيةَ يكون أوَّلها في شيء وآخرها في شيء، وهو كلام متَّصلٌ، منصرفٌ على وجوه"[21]. وفيه عنه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عمَّن حدثه، عن معلَّى بن خنيس قال: قال أبو عبد الله (عليه السَّلام): "ما من أمرٍ يختلف فيه اثنان إلا وله أصلٌ في كتابِ الله، ولكن لا تبلغه عقول الرَّجال"[22]. ولا يصحُّ حينئذٍ الاعتماد في التَّفسير على ما لا يمكنه بلوغ المعنى وبيان المراد من الآيات القرآنية.
ولكن الكلام هنا أيضاً في معنى التَّفسير العقلي المنهي عنه، فهو مورد خلاف في كونه هو التَّفسير الاجتهادي، أو هو من مصاديق التَّفسير بالرَّأي أو أمر آخر[23]، ومنه نتج الخلاف نظرياً في قبوله وعدم قبوله.
والذي ينبغي أن يقال:
إن كان المقصود من التَّفسير بالعقل هو التَّحليل العقلي والاجتهاد الصِّرف الذي لا يفيد سوى الظَّن والذي لم يدلُّ عليه دليلٌ شرعي معتبر فهو مرفوض؛ حيث إنَّ الظنَّ لا يغني من الحقِّ شيئاً.
وإن كان المقصود من العقل هو ما يفيد القطع واليقين -لو أمكن ذلك في بعض الآيات- فإنَّه لا يمكن النَّهي عن العمل به، حيث إنَّ حجية القطع ذاتية ولا تحتاج إلى دليل، نعم، الكلام كلُّ الكَلام في إمكان القطع في التَّفسير اعتماداً على العقل، ونفس الكلام جارٍ في علم الأصول، حيث يبدو أنَّ الخلاف إنمَّا في تمكُّن العقل من القطع بالحكم الشَّرعي، لا عدم حجية العقل لو فرض قطعه بذلك. والحديث الأخير الذي ذكرناه "ولكن لا تبلغه عقول الرَّجال" يدلٌّ على عدم تمكُّن العقل من استخراج كلِّ شيءٍ من القرآن الكريم، وهو واضح لعدم كون المسائل القرآنية كلِّها عقلية، بل الغالب يحتاج إلى السَّمع والنَّقل. والعقل القطعي خاصٌ بالموارد النَّظرية التي يكون للعقل مسرحاً فيها، ولا يشمل الموارد التَّعبدية أو الآيات الأخرى غير المرتبطة بالجانب العقلي، فمورده يكون قليلاً نسبة إلى كلِّ القرآن الكريم، وعلى كلِّ حال لا يكون مقصوداً حينئذٍ لهذه الرِّوايات.
وإن كان المقصودُ من العقل هو إعمال القوَّة العاقلة التي قد تسمَّى اجتهاداً بالمعنى اللُّغوي، فهو أمرٌ لازمٌ كذلك -بناء على جواز التَّفسير لغير المعصوم (عليه السَّلام)-؛ حيث لا يمكن فهم النُّصوص والآيات القرآنية واستخراج معانيها الظَّاهرية والجمع بين القرائن اللفظية والخارجية إلا من خلال هذه القُّوة. وهو حينئذٍ غير مقصود من هذه الرِّوايات.
فيكون المقصود هو المعنى الأوَّل وهو التَّحليل العقلي والاجتهاد الظنِّي غير المعتمد على الدَّليل والضَّوابط والقواعد الصَّحيحة.
يقول المولى المازندراني -عند شرحه لقوله (عليه السَّلام) "ولكن لا تبلغه عقول الرَّجال"-: "أي عقول أكثرهم، أو بدون إلهام إلهيّ وتعليم نبوي، وليس ذلك لنقصان الكتاب في الدَّلالة عليه؛ لأنَّ الكتاب نور لا يطفى بلجه، ومنهج لا يطمس نهجه، بل لقصور عقولهم، ونقصان أفهامهم، وضعف أذهانهم بحيث لا يدركون من بحر القرآن إلاّ ظاهره، وهم عن إدراك ما في قعره قاصرون، ولا يسمعون من تموّجه إلاّ صوتاً، وهم عن سماع نداء معالمه غافلون فلا يجوز لهم إذ كانوا من وراء الحجاب أن ينظروا إلى الآيات ويعمدوا فيها إلى التَّأويلات ويحملوها على الوهميّات والخيالات بمقتضى آرائهم الفاسدة وأوهامهم الباطلة بل يجب عليهم العكوف على أبواب أصحاب الحكمة وأرباب المعرفة الذين ينظرون بنور بصائرهم وصفاء ضمائرهم إلى ظواهر القرآن وبواطنه ومظاهر الأحكام ومواطنه ويعلمون حقائق كلّ شيء ومقاماته وحدود الشرع وسياساته اُولئك الذين آتاهم الله الحكم وفضلاً كبيراً (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا)"[24].
3/ تأويل القرآن الكريم:
وردت روايات تنهى عن تأويل القرآن الكريم، منه ما نقله الشَّهيد الثَّاني في منية المريد عن النَّبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله): "أكثر ما أخاف على أمَّتي من بعدي رجل يتأوَّل القرآن يضعه على غير مواضعه"[25]. ويبدو أنَّ الرِّواية من مصادر العامَّة، وإن كان معناها مقبولاً. ومنها ما يفهم منه انحصار التَّأويل بهم (عليهم السَّلام)، وتأتي بعض الرِّوايات ضمناً، فإنَّ التَّأويل له معانٍ متعدِّدة:
الأوَّل: أنَّه بمعنى التَّفسير كما قد يقال بأنَّه كذلك عند القدماء[26] فيأتي فيه ما تقدَّم.
الثَّاني: بمعنى الباطن وما يقابل الظَّاهر كما في بعض الرِّوايات والكلمات، فعن فضيل بن يسار قال: سئلتُ أبا جعفر (عليه السَّلام) عن هذه الرِّواية، "(ما من القرآن آية إلا ولها ظهر وبطن)، فقال: ظهره تنزيلُه، وبطنه تأويلُه، منه ما قد مضى ومنه ما لم يكن، يجري كما يجري الشَّمس والقمر، كما جاء تأويل شيء منه يكون على الأموات كما يكون على الأحياء، قال الله: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، نحن نعلمه"[27]. وهذا المعنى الظَّاهر أنَّه منهي عنه، حيث لا يعلم باطن القرآن إلا المعصوم، فمن يزعم معرفته بالباطن دون الرُّجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السَّلام) فإنَّما سيكون بدعوى الانكشاف والعرفان، وهو ليس بحجة إلا على نفس الشَّخص لو فُرِضَ صدقُه.
وممَّا يدلُّ عليه من الرِّوايات ما رواه الكليني والصَّفار عن أبي الصباح قال: والله لقد قال لي جعفر بن محمَّد (عليه السَّلام): "إنَّ اللهَ علَّمَ نبيّه التَّنزيلَ والتَّأويل، فعلَّمه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عليّاً، قال: وعلَّمنا والله"[28].
وعن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السَّلام) قال: "تفسير القرآن على سبعة أوجه، منه ما كان ومنه ما لم يكن بعد ذلك تعرفه الأئمَّة"[29].
وعن بريد بن معاوية، عن أحدهما (عليهما السَّلام) في قوله الله (سبحانه وتعالى): "(وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ)، فرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أفضل الرَّاسخين في العلم، قد علَّمه الله(سبحانه وتعالى) جميع ما أنزل عليه من التَّنزيل والتَّأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئاُ لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كلَّه، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيهم بعلم، فأجابهم الله بقوله: (يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)، والقرآن خاص وعام، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ، فالرَّاسخون في العلم يعلمونه"[30]. وظاهره اختصاص ذلك بهم، وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: "نحن الرَّاسخون في العلم، ونحن نعلم تأويله"[31].
الثالث: بمعنى المصداق، فعن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السَّلام) يقول: "إنَّ للقرآن تأويلا، فمنه ما قد جاء، ومنه ما لم يجئ، فإذا وقع التَّأويل في زمان إمام من الأئمة عرفه إمام ذلك الزَّمان"[32]، وظاهر التَّأويل في هذه الرِّواية هو مصداق الآية، ولعلَّ ذلك من باب أنَّ هذا المصداق حيث إنَّه خلاف الظَّاهر فهو من المعاني الباطنية للآية فيكون تأويلاً، ولأجل ذلك لا يعرف أنَّ هذا المصداق هو المقصود من الآية إلا الإمام المعصوم (عليه السَّلام). وهذا أيضاً منهي عنه وفق هذه الرِّواية حيث لا يمكن معرفة المصداق الحقيقي إلا بالنَّقل والتعبُّد بقول المعصوم (عليه السَّلام).
الرَّابع: وقد ذكر معنى للتَّأويل يقرب من الأخذ بالرَّأي، وبالتَّلاعب بالمعنى القرآني، وهو ما كتبه أمير المؤمنين (عليه السَّلام) إلى معاوية: "فعدوت على الدُّنيا بتأويل القرآن.."[33]، يقول ابن ميثم البحراني في شرحه: "ومعنى ذلك أنَّه إنّما طلب (أي معاوية) بخروجه عليه الدُّنيا، وجعل السَّبب إلى ذلك تأويل القرآن كقوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى) وغيره من الآيات الدالَّة على وجوب القصاص، فتأوّلها بإدخال نفسه فيها وطلب القصاص لعثمان، وإنَّما كان دخوله في ذلك بالتأويل؛ لأنَّ الخطاب خاصٌّ بمن قتل وقتل منه. ومعاوية بمعزل عن ذلك؛ إذ لم يكن من أولياء دم عثمان، ففسَّر الآيةَ بالعموم ليدخل فيها"[34].
وعلى كلِّ حال، فإنَّ المعاني الثَّلاثة الأخيرة للتَّأويل، وهي باطن القرآن، والمصداق الحقيقي للآية، والعمل بالرَّأي، كلُّها معانٍ منهي عن العمل بها دون الرُّجوع إلى النَّقل المعتبر، ومعنى الباطن والمصداق خاص بأهل البيت (عليهم السَّلام).
ثمَّ إنَّ العلامة الطباطبائي بعد أن أورد عدَّة معانٍ للتَّأويل وناقشها ذهب إلى معنى آخر يبدو أنَّه اختص به، فمن أحبَّ فليراجع[35].
المبحث الثَّالث: المناهج التي شرَّعتها الرِّوايات الشَّريفة
بعدما تبين أنَّ هناك مناهج تفسيرية نهت عنها الرِّوايات، يأتي الكلام فيما تبقَّى من مناهج لنرى هل أنَّ الرِّوايات لأئمة الهدى (عليهم السَّلام) أسَّست لهذه المناهج أم لا؟ وبناء على ما تقدَّم تتبيَّن بعض الأمور التي من خلالها يمكن الجواب على السُّؤال المذكور.
فنذكر هنا عدَّة أمور:
الأمر الأوَّل:
حينما نقول بأنَّ الرِّوايات أسَّست لمنهجٍ معين، فالمقصود من ذلك تشريعها لهذا المنهج بالنِّسبة لغير المعصومين (عليهم السَّلام)، لا مجرَّد ممارسة الأئمة (عليهم السَّلام) لذلك المنهج في موارد معينة، فإنَّ مجرَّد الممارسة لا يكفي للحكم بأنَّ غير المعصوم يجوز له أن يتَّخذ ذلك المنهج ويسلكه في التَّفسير، فلعلَّ هناك غرضًا آخر، إلا إذا فُهِمَ من ممارسة المعصوم (عليه السَّلام) ذلك بنحو واضح.
نعم، إذا وردت روايات معيَّنة يُفهم منها تشريع ذلك المنهج لغيرهم (عليهم السَّلام)، فإنَّه يكون دليلاً على صحَّة ذلك المنهج.
الأمر الثَّاني:
الرِّوايات التَّفسيرية التي تصدَّى فيها الأئمة (عليهم السَّلام) للتَّفسير التَّفصيلي للآيات الشَّريفة ينبغي تحليلها بشكلٍ جيَّد، حيث قلنا في المحور الثَّاني إنَّنا تارة ننظر إلى أهل البيت (عليهم السَّلام) كمفسِّرين للقرآن، وتارة كمعلِّمين للمنهج التَّفسيري، فالثَّاني على فرض وجود رواياتٍ فيه يكون واضحاً في استفادة شرعية ذلك المنهج، وأمَّا نفس تصدِّي الإمام (عليه السَّلام) للتَّفسير، فإنَّه قد لا يشير إلى أكثر من أحقيَّة أهل البيت (عليهم السَّلام) في التَّفسير أو كونهم هم المفسِّرون للقرآن، ولهذا ينبغي لنا تدقيق النَّظر في هذه الرِّوايات ومحاولة اقتناص المنهج المرتضى والمقبول عندهم (عليهم السَّلام) لغير المعصوم.
الأمر الثَّالث:
الرِّوايات الواردة من أهل البيت (عليهم السَّلام) المتعلِّقة بالمنهج التَّفسيري يمكن جعلها -نظرياً- على صنفين:
الصِّنف الأوَّل: وهي الرِّوايات المتصديَّة لتفسير الآيات والتي يمكن أن يفهم منها منهجٌ معين.
والصِّنف الثَّاني: وهي الرِّوايات المشيرة بشكلٍ مباشر إلى منهج معين، وهي الرِّوايات التي تذكر عادة في علوم القرآن باعتبار أنَّها ليست في مقام التَّفسير، بل في مقام بيان المنهج أو تكون في مقام التَّفسير وبيان المنهج معاً.
1/ التَّأسيس للمنهج الرِّوائي
ومقصودنا من التَّفسير الرِّوائي هو جواز الاعتماد على الرِّواية في التَّفسير من باب التَّعبُّد بها بعد توفُّر شروط قبولها.
وهنا يأتي الصِّنفان المتقدِّمان من الرِّوايات، فالرِّوايات المتصدِّية للتَّفسير في أغلبها يفهم منها أنَّ ذلك التَّفسير إنَّما هو حجة من باب التَّعبُّد بقول المعصوم (عليه السَّلام)، وليس من باب اعتماد المعصوم (عليه السَّلام) نفسه على الظُّهور أو أمر آخر، وهذا واضح وجليُّ لمن قرأ التَّفاسير الرِّوائية.
ووجه الدَّلالة فيها: أنَّ المعصوم (عليه السَّلام) إنَّما يفسِّر الآيات الشَّريفة لغيره من النَّاس، وهذا يعني أنَّ عليهم قبول ما يقوله الإمام (عليه السَّلام) والأخذ والعمل به، فلو كان الأخذ بقول المعصوم (عليه السَّلام) في التَّفسير غير جائز لكان لازماً على الإمام (عليه السَّلام) بيان ذلك، وحيث إنَّ هذه الرِّوايات -كما تقدَّم- لم تعتمد في التَّفسير إلا على كون التَّفسير صادراً من المعصوم (عليه السَّلام) فيكون نفس قوله مصدراً من مصادر التَّفسير، وهو المطلوب.
ولو قيل: بأنَّ ذلك إنَّما يصحُّ للمتلقِّين المباشرين من الإمام (عليه السَّلام) حيث القطع بصدور الرِّواية والاطمئنان ممَّا فهموه من الإمام (عليه السَّلام)؛ إذ لو كان فهمهم خاطئاً لنبَّههم الإمام (عليه السَّلام) على ذلك، وأمَّا بالنِّسبة لغير المتلقِّي المباشر حيث تصله الرِّواية بالواسطة فيحتمل عدم صدورها أو صدورها تقية دون قرينة تدلُّ على ذلك، أو اشتباه النَّاقل في نقله، أو الفهم الخاطئ للرِّواية حيثُ اختفاء القرائن وما شاكل.
فيجاب عنه: أنَّ الرِّوايات التَّفسيرية لا تختلف من حيث المبدأ عن الرِّوايات الفقهية في كونها عامَّة شاملة لكلِّ المكلَّفين المعاصرين للمعصوم(عليه السَّلام) ولمن يأتي بعدهم، فتشملها أدلَّة حجيَّة الأخبار، وأمَّا احتمال عدم الصُّدور، أو احتمال الخطأ في الفهم، أو احتمال الصًّدور تقية أو غياب القرائن فإنَّ هذه المحتملات وإن كانت واقعيَّة وصحيحة في الجملة إلا أنَّها لا تمنع من الأخذ بالرِّواية، بل تشملها الأصول العقلائية النَّافية لهذه المحتملات، حالها حال الرِّوايات الفقهية.
وأمَّا الصِّنف الثَّاني فهي الرِّوايات التي تؤكِّد على الرُّجوع إلى أهل البيت (عليهم السَّلام) في تفسير القرآن وتحذِّر بشكلٍ شديدٍ من الاستقلال في التَّفسير دون الرُّجوع إليهم، وهي إمَّا تدلُّ على حصر التَّفسير بالتَّفسير الرِّوائي مع إعطاء الضَّوابط في كيفية الاستفادة من الرِّوايات التَّفسيرية حيث الحاجة إلى التَّوفيق بين الرِّوايات المتعارضة ولعلَّ الفيض الكاشاني طبَّق مقداراً من هذه الطَّريقة في تفاسيره وإن ضمَّ إليها تفسير القرآن بالقرآن والتَّفسير الاجتهادي أيضاً حيث يرى أنَّه يمكن لغير المعصوم التَّفسير[36]، أو الاكتفاء بنقل الرِّواية دون تصرُّف كما في التَّفسير الرِّوائي المحض والذي طبَّقه صاحبُ البرهان ونور الثَّقلين، وإما أنَّها تحرِّم الاستقلال بالتَّفسير دون الرُّجوع إلى الرِّوايات، بمعنى أنَّها تشرِّع بعض المناهج الأخرى، ولكن بشرط أن تكون الرِّوايات هي الأساس.
ومن هذه الرِّوايات على سبيل المثال:
ما رواه البرقي في المحاسن في المرسلة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في رسالة: "لأنَّ القرآن ليس على ما ذكرت، وكلُّ ما سمعتَ فمعناه غير ما ذهبتَ إليه، وإنَّما القرآنُ أمثالٌ لقوم يعلمون دون غيرهم، ولقوم يتلونه حقَّ تلاوته، وهم الذين يؤمنون به ويعرفونه، فأمَّا غيرهم فما أشدُّ إشكاله عليهم وأبعده من مذاهب قلوبهم، ولذلك قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): ليس شيء بأبعد من قلوب الرَّجال من تفسير القرآن، وفي ذلك تحيَّر الخلائق أجمعون إلا من شاء الله، وإنَّما أراد الله بتعميته في ذلك أن ينتهوا إلى بابه وصراطه، وأن يعبدوه وينتهوا في قوله إلى طاعة القُوَّام بكتابه، والنَّاطقين عن أمره، وأن يستنطقوا ما احتاجوا إليه من ذلك عنهم لا عن أنفسهم ثم قال: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)[37]، فأمَّا غيرهم فليس يعلم ذلك أبداً ولا يوجد.. وإياك وإياك وتلاوة القرآن برأيك، فإنَّ النَّاس غير مشتركين في علمه كاشتراكهم فيما سواه من الأمور، ولا قادرين عليه ولا على تأويله إلا من حدِّه وبابه الذي جعله الله له، فافهم إن شاء الله واطلب الأمر من مكانه تجده إن شاء الله"[38].
هذه الرِّواية واضحة في عدم جواز الاستقلال في تفسير القرآن الكريم كلِّه، بمعنى أنَّ بعض القرآن لا أقل لا يمكن تفسيره إلا من خلال الرُّجوع إلى الرِّواية، فهي تدلُّ على جواز الاعتماد على الرِّواية في الجملة.
عن النَّبي الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) في خطبة الغدير: "معاشر النَّاس: تدبَّروا القرآن وافهموا آياته وانظروا إلى محكماته ولا تتَّبعوا متشابهه، فوالله لن يبيِّن لكم زواجره ولا يوضِّح لكم تفسيره إلا الذي أنا آخذ بيده ومصعده إليَّ - وشائل بعضده - ومعلمكم إن من كنت مولاه فهذا علي مولاه، وهو علي بن أبي طالب(عليه السَّلام) أخي ووصيي، وموالاته من الله(سبحانه وتعالى) أنزلها علي، معاشر الناس، إنَّ علياً والطَّيبين من ولدي هم الثِّقل الأصغر، والقرآن الثِّقل الأكبر، وكلُّ واحد منهم مبيِّن عن صاحبه موافق له لن يتفرقا حتى يردا على الحوض بأمر الله في خلقه وبحكمه في أرضه"[39].
وهذه الرِّواية تأمر بالتدبُّر في القرآن الكريم -حال الرِّوايات الأخرى الآمرة بالرُّجوع إلى القرآن وعرض الرِّوايات عليه- وفي نفس الوقت تأمر بالرُّجوع إلى المعصوم (عليه السَّلام)، وقد يكون ظاهرُها أنَّ الرُّجوع إلى المعصوم (عليه السَّلام) إنَّما في خصوص المتشابه والغامض من الآيات دون سائر القرآن الكريم، نعم إذا ورد من المعصوم ما يفسِّر غير المبهم فحيث إنَّه الأعلم والأعرف وجب الأخذ بقوله دون ما يظهر ابتداء للقارئ.
محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن صفوان بن يحيى، عن منصور ابن حازم قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السَّلام): "إنَّ الله أجلُّ وأكرم من أن يعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله، قال: صدقت، قلت: إنَّ من عرف أنَّ له رباً، فينبغي له أن يعرف أنَّ لذلك الرَّبِّ رضاً وسخطاً، وأنَّه لا يعرف رضاه وسخطه إلا بوحي أو رسول، فمن لم يأته الوحي فقد ينبغي له أن يطلب الرَّسل، فإذا لقيهم عرف أنَّهم الحجَّة وأنَّ لهم الطَّاعة المفترضة.، وقلتُ للنَّاس: تعلمون أنَّ رسول الله(صلَّى الله عليه وآله) كان هو الحجَّة من الله على خلقه؟ قالوا: بلى، قلتُ: فحين مضى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) من كان الحجَّة على خلقه؟ فقالوا: القرآن، فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم به المرجي والقدري والزَّنديق الذي لا يؤمن به حتى يغلب الرَّجال بخصومته، فعرفت أنَّ القرآن لا يكون حجَّة إلا بقيِّم، فما قال فيه من شيء كان حقاً، فقلت لهم: من قيِّم القرآن؟ فقالوا: ابن مسعود قد كان يعلم، وعمر يعلم، وحذيفة يعلم، قلت: كلَّه؟ قالوا: لا، فلم أجد أحداً يقال: إنَّه يعرف ذلك كلَّه إلا علياً (عليه السَّلام)، وإذا كان الشَّيء بين القوم فقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدرى، وقال هذا: أنا أدري، فأشهد أنَّ عليا (عليه السَّلام) كان قيِّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة وكان الحجَّة على النَّاس بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وأنَّ ما قال في القرآن فهو حقُّ، فقال: رحمك الله"[40].
وتقرير الإمام (عليه السَّلام) لما قاله منصور بن حازم يدلُّ على صحَّته، وقوله يدلُّ على عدم جواز الاستقلال بالتَّفسير دون الرُّجوع إلى المعصوم (عليه السَّلام) ولو في الجملة، خصوصا قوله: "فعرفت أنَّ القرآن لا يكون حجَّة إلا بقيِّم"، وهذا كما قلنا يدلُّ على لزوم الأخذ بالرِّواية في التَّفسير، ولا أقل في غير الظَّواهر من الآيات.
نعم، إذا ضممنا الرِّوايات الكثيرة الآمرة بالتدبُّر في القرآن وخصوصاً روايات العرض، فإنَّنا نصل إلى نتيجة أنَّ القرآن ممكن أن يفهمه -في الجملة- غيرُ المعصوم وفهمه حجَّة، وأنَّ الحاجة للرِّواية لا يمكن أن يكون في كلِّ آيةٍ آية وإلا لزم الدَّور في ذلك، فنحن مثلاً نفهم العموم والإطلاق من الآيات وينبغي العمل بها لو لم يرد شيء من الرِّوايات تخصِّص وتقيِّد ذلك، وهكذا بقية الظُّهورات.
والمنهي عنه هو الادِّعاء بمعرفة القرآن كلِّه ظاهره وباطنه دون الرُّجوع إليهم (عليهم السَّلام)، كما عن إمامنا الباقر (عليه السَّلام): "ما ادعى أحدٌ من النَّاس أنَّه جمع القرآن كلَّه كما أنزل إلا كذَّاب، وما جمعه وحفظه كما نزله الله تعالى إلا علي بن أبي طالب (عليه السَّلام) والأئمة من بعده (عليهم السَّلام)"[41]، وعن إمامنا الصَّادق (عليه السَّلام): "قد ولدني رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وأنا أعلم كتاب الله وفيه بدء الخلق، وما هو كائن إلى يوم القيامة، وفيه خبر السَّماء وخبر الأرض، وخبر الجنَّة وخبر النَّار، وخبر ما كان، و [خبر] ما هو كائن، أعلم ذلك كما أنظر إلى كفي، إنَّ الله يقول فيه: (تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)[42]"[43].
والنَّتيجة في هذا المنهج الرِّوائي، أنَّ الرِّوايات الشَّريفة لا شكَّ ولا ريب أنَّها قد أسَّست له إمَّا من خلال نفس الرِّوايات التَّفسيرية، أو الرِّوايات الثَّلاث المتقدِّمة وغيرها العشرات في الأمر بالرُّجوع إليهم (عليهم السَّلام) في التَّفسير.
2/ المنهج العقلي الاجتهادي العرفي
والمقصود به هنا، المقابل للتَّفسير النَّقلي المعتمد على الرِّواية وعدم إعمال شيء من العقل في استخراج المعاني والمطالب القرآنية، وللتَّفسير العقلي الاجتهادي تفسيرات متعددِّة ليست من مهمَّة البحث هنا التَّعرض إليها بالتَّفصيل[44]، وأشرنا في المحور الثَّاني والثَّالث إلى أنَّ العقل إن كان بمعنى البرهان القطعي فلا شكَّ في حجيته، ولكن من المعلوم أنَّه خاصٌ بمواضع معينة في التَّفسير وهي الموارد التي يكون للعقل مسرحاً في إدراكها والقطع بنتائجها، دون غيرها التي هي أكثر وأغلب.
وإن كان العقل بمعنى بذل الجهد في استخراج النَّتائج فهذا أمر صحيح ولازم لأيِّ شيء في فهم الأمور بشكلٍ عام فضلًا عن فهم القرآن وفهم الرِّوايات الواردة في تفسيره، وجمع القرائن، وهذه العملية (الاجتهادية) يعمل بها كلُّ النَّاس حتى النَّافين لحجية العقل كما هو حال الأخباريين في استنباط الحكم الشَّرعي ومع ذلك فهم يمارسون حين الاستنباط عملية اجتهادية في فهم النُّصوص والجمع بينها وحل تعارضها واستظهار ذلك. وقد ذهب البعضُ إلى أنَّ تسمية هذا المعنى من العقل والاجتهاد بالمنهج العقلي فيه مسامحة[45].
وعلى كلِّ حال قد يفهم من البعض عدم جواز هذا المقدار من إعمال العقل كما في تفسير البرهان الذي لم يكد يعلِّق على شيءٍ من الآيات والرِّوايات التَّفسيرية، وكذلك ما نقل عن السِّيد نعمة الله الجزائري عن بعضهم، يقول السِّيد الجزائري بعض رسائله: "إنِّي كنت حاضرا في المسجد الجامع من شيراز، وكان الأستاذ المجتهد الشَّيخ جعفر البحراني، والشيخ المحدِّث صاحب (جوامع الكلم) يتناظران في هذه المسألة، فانجرَّ الكلام بينهما حتى قال له الفاضل المجتهد: ما تقول في معنى: (قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ)، فهل يحتاج في فهم معناها إلى الحديث؟ فقال: نعم، لا نعرف معنى الأحدية، ولا الفرق بين الأحد والواحد، ونحو ذلك إلَّا بذلك"[46]. وجعل صاحب الحدائق -عند نقله هذه القصة- هذا القول نحواً من الإفراط في المنع من فهم القرآن الكريم، وقد اعترف بوجود روايات تدلُّ على إمكانية فهم القرآن دون الرُّجوع إلى الرِّواية إلا أنَّ روايات المنع حيث كانت أكثر وأدلَّ عنده فمنع من الاعتماد على غير الرِّواية، وإن قال بعد ذلك بأنَّه لا يمنع مطلق الفهم كما في آيات الوعد والوعيد والزَّجر والترغيب والرَّهيب، وخلُص إلى أنَّه يتوافق مع رأي الشَّيخ الطُوسي وما أفاده في (التبيان) من الطَّريقة في التَّفسير وتقبَّله جملة من العلماء[47]. وإن كان في تفسيره لكلام الشيخ الطوسي بعض الخَفاء.
وعلى كلِّ حال، يمكن الاستشهاد ببعض الرِّوايات التي يظهر منها إمكانية الاعتماد على ما يفهمه القارئ للقرآن -بعد توفر الشُّروط من الاطلاع ومعرفة قواعد التَّفسير-، نذكر بعضها:
1/ ما رواه العيَّاشي: عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السَّلام) في قوله: "(فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)[48]، قال: فقال: ما أبينها لمن عقلها، قال: من شهد رمضان فليصمه، ومن سافر فليفطر"[49]، وفي الكافي عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السَّلام): "قول الله (سبحانه وتعالى): (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)؟ قال: ما أبينها، من شهد فليصمه ومن سافر فلا يصمه"[50].
وظاهرها تجويز إعمال العقل في فهم المراد الظَّاهر من الآية وإن كان المعنى يحتمل في نفسه أكثر من معنى، حيث إنَّ الآية ليست صريحة في المعنى وإلا لما سأل زرارة عنها، كما أنَّ الظاهر أنَّ الاعتماد على هذا المقدار من العقل جائز لغير المعصوم.
2/ ما رواه الكليني في الكافي عن زرارة قال: "قلت لأبي جعفر (عليه السَّلام): ألا تخبرني من أين علمتَ وقلتَ: إنَّ المسحَ ببعض الرَّأس وبعض الرَّجلين؟ فضحك، ثمَّ قال: يا زرارة، قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ونزل به الكتاب من الله لأنَّ الله (سبحانه وتعالى) يقول: (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ)، فعرفنا أنَّ الوجه كلَّه ينبغي أن يغسل، ثمَّ قال: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ثمَّ فصَّل بين الكلام، فقال: (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) فعرفنا حين قال: (بِرُءُوسِكُمْ) أنَّ المسح ببعض الرَّأس لمكان الباء، ثمَّ وصل الرَّجلين بالرَّأس كما وصل اليدين بالوجه: فقال: (وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فعرفنا حين وصلها بالرَّأس أنَّ المسح على بعضها، ثمَّ فسَّر ذلك رسولُ الله (صلَّى الله عليه وآله) للنَّاس فضيَّعوه، ثمَّ قال: (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)، فلمَّا وضع الوضوء إن لم تجدوا الماء أثبت بعض الغسل مسحاً لأنَّه قال: (بِوُجُوهِكُمْ)، ثمَّ وصل بها (وَأَيْدِيكُمْ) ثم قال: (مِنْهُ)، أي من ذلك التيمم؛ لأنَّه علم أنَّ ذلك أجمع لم يجرِ على الوجه؛ لأنَّه يعلق من ذلك الصَّعيد ببعض الكفِّ، ولا يعلق ببعضها، ثمَّ قال: (مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ)، والحرج الضِّيق"[51].
وهذه من الرِّوايات المهمَّة في هذا الباب، ولنقف قليلا لتحليلها:
أولاً: يفهم من سؤال زرارة (وهو الفقيه الذي تدلُّ أسئلته على طلب القواعد والأصول العامَّة) أنَّه كان يعتقد بأنَّ الحكم الشَّرعي -في الوضوء لا أقل- له أصل في الكتاب، وأنَّه معلوم عند الإمام (عليه السَّلام).
ثانياً: استجابة الإمام (عليه السَّلام) لزرارة قد يظهر منها أنَّه (عليه السَّلام) يشرِّع لزرارة طريقة الاستدلال، ومن الواضح أنَّ طريقة الاستدلال كانت أشبه بالعملية الاجتهادية بمعناها العام، ولهذا قد ذكر السِّيد الإمام الخميني (قدَّس الله نفسه) الرِّواية ضمن الاستدلال على وجود الاجتهاد زمن الأئمة (عليهم السَّلام)[52]. نعم ذكر صاحب البحار ما نصُّه: "ويمكن أن يقال: المعنى أخبرني عن مستند علمك وقولك من الكتاب والسنة الذي تستدلُّ به على المخالفين المنكرين لإمامتك، حتى أحتجّ أنا أيضاً عليهم به عند المناظرة"[53]. فهو أخذ للدليل فقط حيث إنَّ هذه المسألة ممَّا طال الحديث والخلاف فيها بين أصحاب المذاهب، وكانت الآية أهمَّ الأدلَّة على ذلك، فلا دلالة فيها حينئذٍ على تشريع الاجتهاد مطلقاً في تفسير القرآن الكريم.
3/ في الكافي بإسناده إلى أبي الجارود قال: قال أبو جعفر (عليه السَّلام): "إذا حدَّثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله. ثمَّ قال في بعض حديثه: إنَّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) نهى عن القيل والقال، وفساد المال، وكثرة السُّؤال. فقيل له: يا ابن رسول الله أين هذا من كتاب الله؟ قال: إنَّ اللهَ (سبحانه وتعالى) يقول: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) وقال: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ التي جَعَلَ اللهُ لَكُمْ قِيَامًا) وقال: (لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)"[54].
والرِّواية تدلُّ على وجود أصلٍ في القرآن لكلِّ شيء، وأنَّ أهل البيت (عليهم السَّلام) يعلمون ذلك، ولكن في دلالتها على جواز الاجتهاد بهذا الشَّكل لغيرهم (عليهم السَّلام) خفاء، بل لولا الرِّواية لقيل لمن يستدلُّ بهذه الطَّريقة إنَّه عمل بالظَّنِّ والرَّأي، ولهذا ذكر المحدِّث البحراني في درره هذه الرِّواية ضمن ما ورد "من استنباطهم (عليهم السَّلام) جملة من الأحكام من الآيات ما لا يجسر عليه سواهم ولا يهتدي إليه غيرهم"[55].
3/ منهج تفسير القرآن بالقرآن:
إنَّ منهج تفسير القرآن بالقرآن يقتضي القول بأنَّ بعض القرآن يمكن فهمه وأنَّ هذا الفهم حجَّة، ولولا ذلك لما صحَّ الاستناد في تفسير آية إلى آية أخرى؛ إذ تفسيرها حينئذٍ يقتضي فهم الآية المفسِّرة، أو فهم مقدار من الآيتين معاً.
وقد ذكر الرِّضائي تحت عنوان تأريخية تفسير القرآن بالقرآن بعض الموارد عن أهل البيت (عليهم السَّلام) ويقول معلِّقاً: "تبيَّن من خلال هذا الحديث والأحاديث المشابهة أنَّ الرَّسول (صلَّى الله عليه وآله) استخدم هذا المنهج في التَّفسير، وأنَّه قام بتعليم اتباعه عملياً على استخدامه"[56]. وذكر الرِّضائي ذلك في التَّفسير العقلي أيضاً[57].
كما يفهم ذلك أيضاً من كلام العلامة الطَّباطبائي حيث يقول: "وقد كانت طريقتُهم في التَّعليم والتَّفسير هذه الطريقة بعينها على ما وصل إلينا من أخبارهم في التَّفسير"[58]، وقال في مورد آخر: "على أنَّ جماً غفيراً من الرِّوايات التَّفسيرية الواردة عنهم (عليهم السَّلام) مشتملة على الاستدلال بآية على آية والاستشهاد بمعنى على معنى ولا يستقيم ذلك إلا بكون المعنى ممَّا يمكن أن يناله المخاطب ويستقلَّ به ذهنه لوروده من طريقه المتعيِّن له.. وقد تبيَّن أنَّ المتعيِّن في التَّفسير الاستمداد بالقرآن على فهمه، وتفسير الآية بالآية، وذلك بالتدرُّب بالآثار المنقولة عن النبي وأهل بيته (صلى الله عليه وعليهم) وتهيئة ذوق مكتسب منها، ثمَّ الورود والله الهادي"[59]. فهو يستفيد من ممارسة أهل البيت (عليهم السَّلام) لهذه الطريقة تشريعها للآخرين.
وعن أمير المؤمنين (عليه السَّلام): "كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض"[60].
ويقول العلامة الطباطبائي في مقدمة تفسيره: "وقد كانت طريقتهم في التَّعليم والتَّفسير هذه الطريقة بعينها على ما وصل إلينا من أخبارهم في التَّفسير. وسنورد ما تيسر لنا مما نقل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل بيته في ضمن أبحاث روائية في هذا الكتاب.. وقال علي (عليه السَّلام) (يصف القرآن على ما في النَّهج): (ينطق بعضه ببعض ويشهد بعضه على بعض. الخطبة). هذا هو الطَّريق المستقيم والصِّراط السَّوي الذي سلكه معلِّمو القرآن وهداته صلوات الله عليهم"[61].
وورد عن الإمام الحسين (عليه السَّلام): "نحن حزب الله الغالبون، وعترة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الأقربون، وأهل بيته الطَّيبون، وأحد الثَّقلين اللذين جعلنا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ثاني كتاب الله تبارك وتعالى، الذي فيه تفصيل كلِّ شيء، لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، والمعوَّل علينا في تفسيره، لا يبطينا تأويله، بل نتَّبع حقايقه"[62].
ومن الممكن تقسيم الرِّوايات في هذا الباب إلى طائفتين وقع فيهما الكلام، الأولى في الرِّوايات التي مارس أهل البيت (عليهم السَّلام) فيها هذا المنهج، والطَّائفة الثَّانية ما قيل بأنَّها تنهى عن هذا المنهج.
الطَّائفة الأولى:
وهي روايات متعدِّدة، نذكر منها بعض الأمثلة لننظر هل تدلُّ على التَّأسيس لهذا المنهج من قبلهم (عليهم السَّلام)، أم أنَّها لا تدلُّ على أكثر من صحَّة ذلك بالنِّسبة للمعصوم (عليهم السَّلام) حيث هو العالم بالكتاب ظاهره وباطنه:
1/ ما رواه القمي في تفسيره عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السَّلام): "في قوله (الحمد لله) قال: الشكر لله، وفي قوله (ربِّ العالمين) قال: خلق المخلوقين، (الرَّحمن) بجميع خلقه، (الرَّحيم) بالمؤمنين خاصَّة، (مالك يوم الدين) قال: يوم الحساب، والدِّليل على ذلك قوله (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدِّين، يعني يوم الحساب)..". وعن حماد عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) في قوله (الصِّراط المستقيم) قال: هو أمير المؤمنين (عليه السَّلام) ومعرفته، والدليل على أنَّه أمير المؤمنين قوله (وإنَّه في أمِّ الكتاب لدينا لعلي حكيم)، وهو أمير المؤمنين (عليه السَّلام) في أم الكتاب.."[63]. بناء على أنَّ قوله "والدليل على ذلك.." من قول الإمام (عليه السَّلام) لا من قول علي بن إبراهيم فإنَّه قد روى الصَّدوق الرِّواية الثَّانية مع هذا المقطع أيضاً، ومع ذلك فإنَّ هذا النَّمط من تفسير القرآن بالقرآن فيه اعتماد على التَّأويل أيضاً خصوصاً في الرِّواية الثَّانية[64].
2/ ما ورد عن الأمير -في حديث: "إذ كان اللهُ قد خطر على من ماسه الكفر تقلد ما فوضه إلى أنبيائه وأوليائه، بقوله لإبراهيم: (لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي: المشركين، لأنَّه سمَّى الظُّلم شركاً بقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، فلما علم إبراهيم (عليه السَّلام) أنَّ عهد الله تبارك وتعالى اسمه بالإمامة لا ينال عبدة الأصنام، قال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ)"[65]. فالظُّلم هنا بمعنى الشِّرك، واستشهد الأمير (عليه السَّلام) بقوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، وقد يقال هنا إنَّ هذه الآية عبَّرت عن الشِّرك بأنَّه ظلمٌ، ولم تحصر معنى الظُّلم بالشِّرك، وهناك آيات أخرى وصفت أعمالاً أخرى بالظُّلم كقوله تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا)[66]، وقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ)[67]، وقوله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللهِ)[68]، فهل يصحُّ وفق هذا المنهج أن نفسِّر الظَّالمين في آية العهد بهذه الأمور؟ وما هو المعيار؟ فيدلُّ ذلك على اختصاص هذه الطِّريقة بالمعصوم (عليه السَّلام) في مثل هذه الموارد على أقلِّ تقدير.
ونفس الكلام يجري في ما ورد عن ابن مسعود من طرق العامَّة أنَّه قال: "لمَّا نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) شقَّ على النَّاس، وقالوا: يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسَه، فقال: إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)"[69].
3/ وروي عن يونس، عن الحسن: "أن عمر أتي بامرأة قد ولدت لستة أشهر فهمَّ برجمها، فقال له أمير المؤمنين (عليه السَّلام): إن خاصمتك بكتاب الله خصمتك، إنَّ الله (سبحانه وتعالى) يقول: (وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا)[70] وقول تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ)[71] فإذا تمَّمت المرأة الرَّضاعة سنتين، وكان حمله وفصاله ثلاثين شهرا، كان الحمل منها ستة أشهر»، فخلى عمر سبيل المرأة وثبت الحكم بذلك، يعمل به الصحابة والتابعون ومن أخذ عنه إلى يومنا هذا"[72].
وهذا أيضاً وإن كان تفسيراً للقرآن بالقرآن، ولكن ليس فيه ما يدلُّ على تأسيس هذا المنهج لغيرهم (عليهم السَّلام)؛ فإنَّ التَّفسير المذكور يتوقَّف على استفادة أنَّ المقصود من قوله: <وَفِصَالُه> هو تمام مدَّة الرَّضاعة لا بعضها حتى تتمَّ النَّتيجة المذكورة، وهذا ما لا يتوصَّل إليه إلا المعصوم (عليه السَّلام)، لاحتمال أن يكون المقصود من الحمل هو الحمل الطَّبيعي الذي هو تسعة أشهر، وأنَّ الفصال هو واحد عشرون شهراً.
هذه نماذج قليلة وغيرها الكثير ممَّا يحتاج إلى الفحص والتمعُّن أكثر، والمقام لا يسع ذلك.
الطَّائفة الثَّانية: روايات ضرب القرآن بالقرآن
وهي ما روي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) قال: قال أبي (عليه السَّلام): "ما ضرب رجل القرآن بعضَه ببعضٍ إلا كفر"[73]، وقد أدرجها صاحب الوسائل في باب: "باب عدم جواز استنباط الأحكام النَّظرية من ظواهر القرآن، إلا بعد معرفة تفسيرها من الأئمة (عليهم السَّلام)"[74]، فكأنَّه فهم منها ذلك، وقد نقل ما ذكره الشَّيخ الصدوق حيث قال: "وسألت محمد بن الحسن (قدَّس الله نفسه) عن معنى هذا الحديث فقال: هو أن تجيب الرَّجل في تفسير آية بتفسير آية أخرى"[75]، ومن غير المعلوم أن يكون مراد محمد بن الحسن هو تفسير القرآن بالقرآن.
وفي الوسائل: علي بن الحسين المرتضى في رسالة (المحكم والمتشابه) نقلاً من (تفسير) النَّعماني بإسناده الآتي، عن إسماعيل بن جابر، عن الصَّادق (عليه السَّلام) قال: "إنَّ الله بعث محمداً، فختم به الأنبياء، فلا نبي بعده، وأنزل عليه كتاباً، فختم به الكتب، فلا كتاب بعده -إلى أن قال: - فجعله النَّبي (صلَّى الله عليه وآله) علماً باقياً في أوصيائه، فتركهم النَّاس، وهم الشُّهداء على أهل كلِّ زمان حتى عاندوا من أظهر ولاية ولاة الأمر، وطلب علومهم، وذلك أنَّهم ضربوا القرآن بعضه ببعض واحتجُّوا بالمنسوخ وهم يظنون أنَّه النَّاسخ، واحتجُّوا بالخَّاص وهم يقدرون أنَّه العام، واحتجُّوا بأوَّل الآية، وتركوا السُّنة في تأويلها، ولم ينظروا إلى ما يفتح الكلام، وإلى ما يختمه، ولم يعرفوا موارده ومصادره، إذ لم يأخذوه عن أهله، فضلُّوا وأضلُّوا"[76].
وعلى كلِّ حال: ذكرت وجوه لمعنى هذا الحديث، احتمل المولى المازندراني وجهين:
"الأوّل: أن يُراد بالضَّرب المعنى المعروف؛ فإن كان من باب الاستخفاف فهو كفر جحود، وإلاّ فهو كفر النِّعمة وترك الأدب[77]. الثَّاني: أن يُستعمل الرَّأي في المجمل، والمؤول، والمطلق، والعامّ، والمجاز، والمتشابه، وغيرها من المعضلات، ويجمع بينها باعتبارات خيالية، واختراعات وهمية ويستنبط منها أحكاماً يعمل بها ويفتي بها من غير أن يكون له مستند"[78]، والاحتمال الثَّاني يقرب من منهج تفسير القرآن بالقرآن، ولكن عن هوى ورأي دون رعاية القواعد المؤصَّلة في التَّفسير. وأجاب السِّيد الخوئي عن معنى الرِّواية الأولى بأنَّه "خلطٌ القرآن بعضه ببعض، وعدم التَّمييز بين المحكم والمتشابه والعام والخاص، كخلط بعضه ببعض، والمراد من الكفر حينئذ هو معناه العام لا الخاص، على أنَّ الرِّواية ضعيفة، حيث إنَّ المعمر بن سليمان لا وجود له في كتب الرَّجال، هذا مضافاً إلى أنَّ الرِّواية مرسلة، والله العالم"[79].
وخصَّ المجلسي الأوَّل الرِّواية بالآيات المتشابهات بعد أن استظهر أنَّ المراد منها هو "تفسيره بالرَّأي وجمعه الآيات المتعارضة ظاهراً بالرَّأي كما هو شأن المفسرين من العامة ويتبعهم الخاصة، بل الواجب التَّوقف حتى يصل الجمع أو التَّفسير عن الأئمة (عليهم السَّلام). وأمَّا المحكمات الواضح الدلالة فالظاهر جواز ذلك"[80]. كما ذكر الفيض في الوافي احتمال إرادة "تأويل بعض متشابهاته إلى بعض بمقتضى الهوى من دون سماع من أهله أو نور وهدى من الله تعالى"[81].
وعلى كلِّ حال، فإنَّ الرِّواية إن كان المقصود منها هو تفسير القرآن بالقرآن، فليس من الواضح أنَّ ذلك في مطلق الآيات حتى المحكمات، أو أنَّ المقصود هو الجمع بينها بناء على الهوى والرَّأي، فلا تدلُّ على النَّهي عن هذا المنهج.
وفي مقابل هذه الرِّواية قد يستدلُّ على الجواز برواية أخرى أوضح وأصرح، وهي ما روي عن الأمير (عليه السَّلام) في نهج البلاغة في وصف الكتاب: "كتاب الله تبصرون به، وتنطقون به، وتسمعون به وينطق بعضه ببعض، ويشهد بعضه على بعض"[82]. قال ابن ميثم في شرحه: "ينطق بعضه ببعض. أي يفسِّر بعضه ببعض كالمبيّن المفسّر للمجمل، والمقيّد المبيّن للمطلق، والمخصّص المبيّن للعامّ. الخامس: ويشهد بعضه على بعض: أي يستشهد ببعضه على أنَّ المراد بعض آخر وهو قريب ممَّا قبله"[83].
وممَّا يعضد جواز هذا الطَّريقة هو الأصل العقلائي في فهم أيِّ كلام، فإنَّه لا بدَّ له من جمع كلِّ الكلام حتى يستنتج المراد، كما يصنعه الفقهاء في عملية استنباط الأحكام الشرعية في الرِّوايات الشَّريفة.
الخاتمة
يتبيَّن من خلال ما مضى -رغم عدم التَّمكن من ذكر كلِّ ما يرتبط بالبحث حيث يحتاج إلى مزيد تأمُّل وتحليل- بعض النَّتائج المهمَّة:
1/ أنَّ أهمّ أدوار أهل البيت (عليهم السَّلام) هو تصدِّيهم لعملية التَّفسير، وتعليمهم شيعتَهم لمناهج التَّفسير الصحيحة من السقيمة.
2/ أنَّ أهل البيت (عليهم السَّلام) لهم منهجٌ خاص غير ما يعلِّمونه لأصحابهم، والسَّبب هو علمهم الخَّاص وعصمتهم ممَّا يقتضي عدم الاعتماد على المناهج الظنيَّة، فلا يصح نسبة التَّفسير الرِّوائي والاجتهادي وتفسير القرآن بالقرآن إليهم كمفسِّرين. بل اعتمادهم على العلم اللَّدنيِّ الإلهيِّ وما أخذوه عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).
3/ هناك عدَّة مناهج نهت عنها الرِّوايات، وهي التَّفسير بالرَّأي، والتَّفسير العقلي الظني، وتأويل القرآن الكريم، أمَّا الأوَّلان فلا يجوزان مطلقاً، وأمَّا الثَّالث فهو خاص بهم (عليهم السَّلام).
4/ أنَّ الرِّوايات الشَّريفة أسَّست بعض المناهج لغيرهم، أهمُّها التَّفسير الرِّوائي، بمعنى التَّعبُّد بالرِّواية التَّفسيرية مع توفُّر الشُّروط، وكذلك المنهج العقلي العرفي الذي يكون بمعنى إعمال القوَّة العاقلة في الوصول إلى النَّتائج والاعتماد على القرائن، وليس بمعنى الاجتهاد الظنيِّ المنهي عنه، وكذلك يمكن استفادة تفسير القرآن بالقرآن من رواياتهم (عليهم السَّلام).
والحمد لله ربَّ العالمين، وصلَّى الله على محمَّد وآله الطَّيبين الطَّاهرين.
.........................................
[1] - راجع: كتاب العين، ج7، ص247، وتاج اللغة وصحاح العربية (الصحاح)، ج2، ص781، ولسان العرب، ج5، ص55، ومعجم مقاييس اللغة، ص818.
[2] - راجع: تفسير البحر المحيط، الأندلسي، أبو حيان، ج 1 ص121، البرهان في علوم القرآن، الزركشي، ج1، ص13، مجمع البحرين، الطريحي، ص998،، التَّفسير والمفسرون في ثوبه القشيب، محمد هادي معرفة.ج1، ص18-19.
[3] - البيان في تفسير القرآن = (موسوعة الإمام الخوئي)، ج50، ص267 و397.
[4] - الميزان في تفسير الميزان، العلامة الطباطبائي، ج1، ص4.
[5] - كتاب العين، ج3، 392، ومفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، ص825.
[6] - راجع: المناهج التَّفسيرية في علوم القرآن، الشيخ جعفر السبحاني، ص75-76، دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، الرضائي، ص18-19.
[7] - راجع: المناهج التَّفسيرية عند الشيعة والسنة،محمد علي أسدي نسب، ص24.
[8] - الأصول الأصيلة، الفيض الكاشاني، ص30-31.
[9] - نهج البلاغة (باب الحكم والكلمات القصار)، ج4، ص101.
[10] - الكافي للشيخ الكليني، ج 8 ، ص 5-6
[11] - المحاسن، البرقي، ج1، ص278.
[12] - التَّوحيد، الصدوق، ص68، عيون أخبار الرضا، ج1، ص107.
[13] - تفسير العياشي، ج1، ص17.
[14] - تفسير العياشي، ج1، ص17.
[15] - تفسير العياشي، ج1، ص18.
[16] - فرائد الأصول، الشيخ الأعظم، ج1، ص142-143، وانظر: كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص284، والبيان في تفسير القرآن (موسوعة الإمام الخوئي (50)، السيد الخوئي، ص269-270.
[17] - شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج1، ص213-215، وانظر: كلام المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج6، ص247، ففيه بعض ما يقرب مما مر.
[18] - زبدة البيان في أحكام القرآن، المحقق الأردبيلي، ص3.
[19] - الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص76.
[20] - تفسير العياشي، ج1، ص17-18.
[21] - المحاسن، البرقي، ج2، ص300.
[22] - المحاسن، البرقي، ج2، ص278.
[23] - انظر: دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، محمد علي الرضائي، ص115-121.
[24] - شرح أصول الكافي، المولى محمد صالح المازندراني، ج2، ص286-287.
[25] - منية المريد، الشهيد الثاني، ص369، والمعجم الوسيط، الطبراني، ج2، ص243.
[26] - انظر: علوم القرآن، السيد محمد باقر الحكيم، ص226، ومنطق تفسير القرآن (أصول وقواعد التَّفسير)، محمد علي الرضائي ج1، ص157، والميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج3، ص44.
[27] - بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص216.
[28] - الكافي، الكليني، ج7، ص442، وبصائر الدرجات، الصفار، ص215.
[29] - بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص216.
[30] - الكافي، الكليني، ج1، ص213، وبصائر الدرجات، الصفار، ص224.
[31] - الكافي، الكليني، ج2، ص213.
[32] - بصائر الدرجات، محمد بن الحسن الصفار، ص215.
[33] - نهج البلاغة، (شرح محمد عبده)، ج3، ص112.
[34] - شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج5، ص191.
[35] - الميزان في تفسير القرآن، العلامة الطباطبائي، ج3، ص49.
[36] - انظر: التَّفسير الصافي، الفيض الكاشاني، المقدمة الخامسة، ص35.
[37] - سورة النساء:83.
[38] - المحاسن، البرقي، ج1، ص268.
[39] - الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص75، وروضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص94.
[40] - الكافي، الكليني، ج1، ص169.
[41] - الكافي، الكليني، ج1، ص288.
[42] - سورة النحل:89.
[43] - الكافي، الكليني، ج1، ص61.
[44] - للتفصيل انظر: دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، محمد علي الرضائي، ص109-122.
[45] - دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، محمد علي الرضائي، ص109-122.
[46] - الدرر النجفية، المحدث البحراني، (درة نجفية38: جواز استنباط الحكم الشرعي من القرآن) ج2، ص339.
[47] - انظر: الدرر النجفية، المحدث البحراني، (درة نجفية38: جواز استنباط الحكم الشرعي من القرآن) ج2، ص340و349 وما بعدها.
[48] - سورة البقرة: 185.
[49] - تفسير العياشي، ج1، ص81.
[50] - الكافي، الكليني، ج4، ص126.
[51] - الكافي، الكليني، ج3، ص30، من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج1، ص103، والتهذيب، الطوسي، ج1، ص61.
[52] - انظر: تهذيب الأصول، تقرير بحث الإمام الخميني، للشيخ جعفر السبحاني، ج3، ص186.
[53] - بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج77، ص290.
[54] - الكافي، الكليني، ج1، ص60.
[55] - الدرر النجفية، المحدث البحراني، ج2، ص347-349.
[56] - دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، محمد علي الرضائي، ص43.
[57] - دروس في المناهج والاتجاهات التَّفسيرية للقرآن، محمد علي الرضائي، ص114.
[58] - الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص12.
[59] - الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص87.
[60] - نهج البلاغة، ج2، (الخطبة:133)، ص17.
[61] - الميزان في تفسير القرآن، ج1، ص11-12.
[62] - الاحتجاج، الطبرسي، ج2، ص23.
[63] - تفسير القمي، ج1، ص28-29.
[64] - معاني الأخبار، الصدوق، ص33.
[65] - الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص373.
[66] - سورة الكهف:15.
[67] - سورة البقرة: 114.
[68] - سورة البقرة: 140.
[69] - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ابن جرير الطبري، ج7، ص332.
[70] - سورة الأحقاف: 15.
[71] - سورة البقرة: 233.
[72] - الإرشاد، الشيخ المفيد، ج1، ص206.
[73] - الكافي، ج2، ص632.
[74] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج15، ح22، ص135.
[75] - معاني الأخبار، الشيخ الصدوق، ص190.
[76] - وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج27، ص200.
[77] - واحتمله المجلسي الأول في روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج13، ص135.
[78] - شرح أصول الكافي، المولى المازندراني، ج11، ص83.
[79] - صراط النجاة، السيد الخوئي، ج2، ص450.
[80] - روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، الشيخ محمد تقي المجلسي، ج13، ص135.
[81] - الوافي، الفيض الكاشاني، ج9، ص1783.
[82] - نهج البلاغة، ج2، ص17.
[83] - شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني، ج3، ص160.