إذا أطلقت كلمة (آداب) فإنها غالبًا ما تكون ذات دلالة عامة تشمل الواجبات والمستحبات، بل قد يُقصد بها ما هو أعم من ذلك؛ فتطلق على كل الأمور التي يجب توافرها في الشخص الذي يؤدي العمل؛ الطواف وغيره، فتكون شاملة للواجبات والمستحبات، والمكروهات والمحرمات، والشرائط والمبطلات؛ سواء من حيث حكم العمل في نفسه أو من حيث الموضوعات والظروف المحيطة به؛ مثل حكم العمل من الوجوب أو الاستحباب، ثم ما يتعلق بالكيفية والزمان والمكان والمستلزمات الأخرى كاللباس والطهارة وما إلى ذلك، وبناءً على هذا المعنى العام فإن آداب الطواف تشمل أمورًا كثيرة؛ منها: شروط الطواف، وواجباته، ومستحباته، ومكروهاته، ومحرماته، مبطلة أو غير مبطلة، كما تشمل أمورًا لا تدخل فيه ولكنها تتعلق به.
شروطه وواجباته
فأما ما يشترط فيه فأمران: الأول هو الختان؛ إذ يشترط في صحة الطواف أن يكون الطائف بالبيت مختونًا، ولعلها العبادة الوحيدة التي يشترط فيها هذا الشرط. والشرط الثاني هو الطهارة من الخبث والحدث، والمقصود أن يكون جسمه وثوبه طاهرَيْنِ عن النجاسات، وأن يكون على طهارة رافعة للحدث بالوضوء أو الغسل.
ويجب فيه النية، وهي قصد الطواف بالبيت وإكمال سبعة أشواط، وعدم البعد عن الكعبة بعدًا يخرجه عن سمت الطائفين، ومشهور الفقهاء تحديده بالمقام.
كما يجب أن يُدخل الحِجْر في طوافه، وإن لم يكن من الكعبة ولا قلامة ظفر كما في الرواية، وأن يجعل البيت على يساره حين الطواف؛ أي أن يطوف بعكس اتجاه عقارب الساعة كما هو تعبير أهل العلوم، وأن يعقبه بركعتين.
مكروهاته ومبطلاته
وأما مكروهاته؛ فإنه يكره له الكلام بغير الذكر والدعاء والتلاوة كما سيأتي، ويكره له أن يقرن بين طوافين في الفريضة؛ أي أن يُتبع الطواف بطواف آخر بغير فاصل من صلاة ركعتين، كما يكره للطائف أن يلبس البرطلة لأنها زي اليهود، كما يكره للمرأة أن تطوف متنقبة.
وأما مبطلاته؛ فهي انتقاض الطهارة، وكذلك دخول الكعبة في أثناء الطواف؛ فقد سئل (عليه السلام) عمن وجد خلوة فدخل البيت قال: "نقض طوافه وخالف السُنّة".
مستحباته
وأما المستحبات فهي على نوعين: مستحبات تتعلق بالطواف في نفسه وبكيفيته، وأخرى تتعلق بأمور عامة، ومن هذه الأمور العامة:
1/ أن الطواف قبل الوقوف بعرفة أفضل منه بعد الوقوف، والمقصود بذلك الطواف المستحب؛ فمن ذلك قوله (عليه السلام): "طواف في العشر أفضل من سبعين طوافًا في الحج"، ومن ذلك قوله (عليه السلام): "مقام يومٍ قبل الحج أفضل من مقام يومين بعد الحج"، وقوله (عليه السلام): "طوافٌ قبل الحج أفضل من سبعين طوافًا بعد الحج".
2/ يستحب الطواف عن الوالدين والأقارب؛ فقد ورد: "من وصل أبًا أو ذا قرابة له فطاف عنه كان أجره كاملًا، وللذي طاف عنه مثل أجره، ويفضل هو بصلته إياه بطواف آخر"، وورد أنك إذا أردت الطواف عنه تأتي الحجر الأسود وتقول: بسم الله، اللهم تقبل من فلان.
3/ من مستحباته العامة أيضًا ألا يزاحم صاحبُ النافلة صاحبَ الفريضة، حتى ورد أن أول ما يُظْهِر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف بالبيت.
4/ من المستحبات العامة المتعلقة بالطواف حفظ متاع من ذهب ليطوف، وقد قال رجل للإمام الصادق (عليه السلام): إذا قدمنا مكة ذهب أصحابي يطوفون ويتركوني أحفظ متاعهم، قال: "أنت أعظمهم أجرًا".
5/ يستحب للحاج أن يكثر من الطواف بالبيت ما استطاع، وفي كل وقت. وقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يطوف بالليل والنهار عشرة أسابيع؛ ثلاثة أول الليل، وثلاثة آخر الليل، واثنين إذا أصبح، واثنين بعد الظهر، وكان بين ذلك راحته.
وقد ورد أنه يستحب للحاج أن يطوف ثلاثمائة وستين طوافًا، فإن لم يقدر فثلاثمائة وستين شوطًا، فإن لم يستطع فما قدر عليه من الطواف. كما ورد أنه يستحب أن يطاف بعدد أيام السنة؛ كل أسبوع لسبعة أيام فذلك اثنان وخمسون أسبوعًا. هذه مجموعة من الآداب العامة.
الآداب الخاصة
أما الآداب الخاصة بذات الطواف فهي أيضًا متعددة؛ جمعتْها أو كادت أن تجمعها رواية وردت عنهم، وهي قولهم (عليهم السلام): "ما من طائف يطوف بهذا البيت حين نزول الشمس حاسرًا عن رأسه، حافيًا، يقارب بين خطاه، ويغض بصره، ويسلّم الحجر في كل طواف من غير أن يؤذي أحدًا، ولا يقطع ذكر الله عن لسانه، إلا كتب الله له بكل خطوة سبعين ألف حسنة، ومحا عنه سبعين ألف سيئة، ورفع له سبعين ألف درجة، وأعتق عنه سبعين ألف رقبة".
فقد جمعت هذه الرواية مجموعة من المستحبات؛ منها:
1/ كيفية المشي؛ أي أن يمشي حافيًا يقارب بين خطاه؛ أي يمشي على سكينة ووقار من غير رمل ولا هرولة، ولا تباطؤ أيضًا كما في رواية أخرى، قال رجل للصادق (عليه السلام): في الطواف أسرع أو أبطئ؟ قال "مشي بين المشيين"، وفي رواية أخرى قال: "كلٌّ واسع ما لم يؤذ أحدًا"؛ أي كلاهما يسعه.
2/ من المستحبات التي وردت أيضًا استلام الحجر والأركان وتقبيل الحجر، وقد ورد عنهم قولهم (عليهم السلام): "استلموا الركن، فإنه يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه"، ويستحب إلصاق البطن به، وأن تمسحه بيدك، وإن كان في بعض الروايات قولهم (عليه السلام): كنا نقول لابد أن تستفتح بالحجر وتختم به، فأما اليوم فقد كثر الناس... فيكفي حينئذ الإيماء إليه.
3/ وورد أنه يستحب له استلام الركن اليماني، والركن الذي فيه الحجر، ويقبلهما، ويضع خده عليهما، وورد أيضًا أن الركن اليماني باب من أبواب الجنة.
4/ يستحب الالتزام، والمقصود به التزام المستجار في الشوط السابع، مقرًّا بالذنوب، مستغفرًا لما مر، كما سيأتي.
5/ يستحب النظر إلى الكعبة على كل حال، فهو مما ورد الحث عليه، ومن ذلك ما ورد من قوله (عليه السلام): "إذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك، واحمد الله، وأثنِ عليه، وصلّ على النبي (صلى الله عليه وآله)، واسأل الله أن يتقبل منك، ثم استلم الحجر وقبّله، فإن لم تستطع أن تقبّله فاستلمه بيدك، فإن لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر إليه وقل: (اللهم أمانتي أدّيتُها، وميثاقي تعاهدتُه، لتشهد لي بالموافاة، اللهم تصديقًا بكتابك، وعلى سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنَّ محمدًا عبده ورسوله، آمنتُ بالله، وكفرتُ بالجبت والطاغوت، وباللات والعزى وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يُدعى من دون الله)".
المستجار
وقد قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا فرغت من طوافك وبلغت مؤخر الكعبة وهو بحذاء المستجار دون الركن اليماني بقليل، فابسط يديك على البيت، وألصق بدنك وخدك بالبيت، وقل: (اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك، وهذا مكان العائذ بك من النار)، ثم أقرَّ لربك بما عملت، فإنَّه ليس من عبد مؤمن يقرُّ لربه بذنوبه في هذا المكان إلا غفر الله له إن شاء الله. وتقول: (اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللهم إنَّ عملي ضعيف فضاعفه لي، واغفر لي ما اطلعت عليه مني وخفي على خلقك)، ثم تستجير بالله من النار، وتخير لنفسك من الدعاء".
وروي أنه (عليه السلام) لما انتهى إلى الملتزم قال لمواليه: "أميطوا عني حتى أقر لربي بذنوبي في هذا المكان".
وقد ورد عنهم (عليهم السلام): "أقِرّوا عند الملتزم بما حفظتم من ذنوبكم، وما لم تحفظوا فقولوا: (وما حفظتْه علينا حفظتكَ ونسيناه فاغفره لنا)، فإنه من أقر بذنبه في ذلك الموضع وعدّه وذكره واستغفر الله منه، كان حقًّا على الله أن يغفر له". ويسمى هذا الالتزام كما في الروايات.
الآداب الباطنية
وهذه الآداب التي ذكرناها هي الآداب الظاهرية، وأما الآداب الباطنية فهي انعكاس صحيح لكل ما يظهره من الخشوع والوقار والطهارة؛ بأن يفرغ قلبه من أمور الدنيا ومن أدرانها، وأن يكون ذاكرًا لله بقلبه، مفرغًا له من الأحقاد وسوء الظن والضغينة والغضب، وأن يكون مشعرًا قلبه الخشوع، ملتفتًا إلى أنه في طوافه مع الملائكة الطائفين بالبيت المعمور المحاذي للبيت الحرام، مؤمنًا بالثواب الجزيل، والغفران من الله إذا التزم وطهّر نفسه، متواضعًا لله، مقرًّا له بالعبودية، شاكرًا لنعمائه.
كما ينبغي له أن يصبر على ما قد يصيبه من زحام الطائفين، محتسبًا ذلك كله عند الله الذي لا يضيع عنده عمل عامل.
وكل ذلك مشروط في الروايات أولًا وآخرًا بالإيمان بالله، وبتحقيق شروط الإيمان. والحمد لله رب العالمين