قال تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم [وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق (٢٧) ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير (٢٨)] سورة الحج
المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
إن فريضة الحج عبادة من العبادات التي أوجبها الله سبحانه وتعالى على عباده، [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا](١)، وبكرمه ولطفه عز وجل جعل لهذه الفريضة منافع جمة كثيرة، [ليشهدوا منافع لهم](٢)، وبين بعض من تلكم المنافع في كتابه العزيز كما ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه المعصومين عليهم السلام، وسيتناول المقال هذه المنافع وحدودها ومصاديقها، بيانا لما في فريضة الحج من منافع دنيوية وأخروية اقتصادية وصحية واجتماعية وأخلاقية وروحية نفسية منافع ينتفع بها جميع الخلق ممن يحج وممن لا يحج وبالله الاستعانة وعليه التوكل.
ليست الغاية من ذكر المنافع هنا إلا التعريف بخطر هذه الشعيرة وعظمها وزيادة في الحث عليها حيث أن المطلوب من الإنسان تجاه هذه الفريضة التسليم والإيمان بوجوبها وأنها فريضة فرضها الله على الناس بشروطها، [ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا]، ولكن من منطلق أن الله عز وجل ذكر لها منافع وأشار إليها كما أوضحها الحجج المعصومون عليهم الصلاة والسلام وبينوها حاولنا جمعها وترتيبها لتكون في نظام يسهل الوصول إليها والوقوف عليها من قبل المؤمنين آملين من الله عز وجل أن ينفع بها المؤمنين وينفعنا بها يوم لا ينفع مال ولا بنون ويجعلها خالصة لوجهه الكريم.
المنافع الدنيوية
المنافع الاقتصادية
للحاج نفسه
إن من تلك المنافع التي أشار لها القرآن وبينها أهل البيت عليهم السلام منافع يتحصلها الحاج نفسه ومنها ما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ما يبين الفائدة الكبيرة والمنفعة العظيمة في أداء فريضة الحج في الجانب المادي من نفي الفقر والغنى والعوض من الله وسعة الرزق وكفاية المؤونة فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وآله: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر)(٣)، وعنه صلى الله عليه وآله: (معاشر الناس حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا استغنوا ولا تخلفوا عن إلا افتقروا)(٤)، وعن إمامنا الصادق عليه السلام: (ويعوضون بالدرهم ألف ألف درهم)(٥)، وعن مولانا زين العابدين عليه السلام: (حجوا واعتمروا - إلى أن قال - وتتسع أرزاقكم - إلى قوله - وتكفون مؤونات عيالكم)(٦).
لعامة الناس:
ومنها المنافع الدنيوية الاقتصادية التي يتحصل عليها عامة الناس من غير الحاج نفسه ما ورد عنهم عليهم السلام، فعن الصادق عليه السلام: (ومصلحتهم من أمر دنياهم فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب ليتعارفوا وليتربح كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد ولينتفع بذلك المكاري والجمال – إلى أن قال ع – ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخرجت البلاد وسقط الجلب والارباح وعميت الاخبار ولم يقفوا على ذلك فذلك علة الحج)(٧).
المنافع الصحية:
ومن تلك المنافع الدنيوية منافع لها علاقة مباشرة بالجانب الصحي، ومنها ما ورد عن أهل العصمة عليه السلام، فعن الإمام السجاد عليه السلام: (حجوا واعتمروا تصح أجسامكم)(٨)، وعن النبي صلى الله عليه وآله: (للحاج والمعتمر إحدى ثلاث خصال - إلى أن قال - وإما يقال له قد حفظت في أهلك وولدك ، وهي أخسهن)(٩).
المنافع الاجتماعية والأخلاقية:
ومن تلك المنافع الدنيوية بالغة الأهمية والتي تعم الناس ويكون بها قوام نظام المجتمعات ، قوله تعالى: [مثابة للناس وأمنا](١٠)، وقوله عز وجل: [حرما آمنا](١١)، حيث أن الأمن والأمان من الأمور الأساسية في حياة الإنسان التي لا تستقيم إلا به فلو سلب الأمن والاستقرار والأمان لانفصمت حياة البشرية، وقال تعالى: [وأطعموا البائس الفقير](١٢)، وقوله: [وأطعموا القانع والمعتر](١٣)، وتطال المنافع البشر ضعفاء الحال منهم، على أنه أمر فرضه الله من مناسك الحج ففيه من الآثار ما يشبع الجائع من الفقير البائس والقانع والمعتر، وقوله جل جلاله: [ولا فسوق ولا جدال في الحج](١٤)، وقوله: [واجتنبوا قول الزور](١٥)، وقوله عز وجل: [ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم](١٦)، تربية للناس على حسن المعاشرة وطيب المخالطة والتنزيه عن كل ما يفسد ترابط المجتمع وألفته، فيشدد وأكد الدين على هذه الحقيقة المهمة في حياة الإنسان، إضافة لما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام لما سأل عن قوله تعالى [ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم] قال ع: (كل ظلم إلحاد، وضرب الخادم في غير ذنب من ذلك الإلحاد)(١٧)، وعن الصادق عليه السلام: (فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا)(١٨)، وعن الباقر عليه السلام: (ما يعبأ بمن يؤم هذا البيت - إلى قوله - وحلم يملك به غضبه وحسن الصحابة لمن صحبه)(١٩)، فواضح جدا مما مر من الروايات والآيات أن للحج منافع لنظام الحالة الاجتماعية للبشر، وأن الدين الإسلامي اهتم أيما اهتمام للجانب الاجتماعي في حياة المؤمنين وأولاه عناية بالغة من خلال الأمر بما يصلح النفس والمجتمع وأثاب عليه، ومن خلال النهي عن ما يفسد النفس والمجتمع وعاقب عليه.
المنافع الروحية:
ورد عن سيدنا ومولانا السجاد عليه السلام في ما ورد: (ويصلح إيمانكم)(٢٠)، وعن الباقر عليه السلام: (الحج تسكين القلوب)(٢١)، وعنه ع (ورع يحجزه عن معاصي الله)(٢٢)، وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (جعله سبحانه علامة لتواضعهم لعظمته وإذعانا لعزته)(٢٣)، وعن الصادق عليه السلام: (ولتعرف آثار رسول الله ص وتعرف أخباره ويذكر ولا ينسى)(٢٤)، وعن الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام: (إنما أمروا بالحج - إلى قوله - مع ما فيه من التفقه ونقل أخبار الأئمة ع إلى كل صقع وناحية كما قال عز من قائل [فلولا نفر من كل فرقة طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون](٢٥))(٢٦)، وعن الصادق عليه السلام: (الحاج والمعتمر وفد الله إن سألوه أعطاهم وإن دعوه أجابهم وإن شفعوا شفعهم وإن سكتوا ابتدأهم)(٢٧)، فتلاحظ أن من الفوائد التي ذكرت في الروايات وهي من أهمها جانب تربية النفس وتزكيتها ومجاهدتها وترويضها على طاعة الله وترك معصيته والإقرار بالعبودية لله عز وجل، ولذك ينبغي للإنسان أن يجعل من هذه الفريضة مسلكا وطريقا للخلوص لله عز ذكره.
المنافع الأخروية:
وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (للحاج والمعتمر إحدى ثلاث خصال، إما أن يقال له، قد غفر لك ما مضى وما بقي، وإما أن يقال له قد غفر لك ما مضى فاستأنف العمل)(٢٨)، وعن الرضا عليه السلام: (إنما أمروا بالحج، لعلة الوفاة إلى الله وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترفه العبد تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل)(٢٩)، وعن أمير المؤمنين عليه السلام: (يحرزون الأرباح في متجر عبادته ويتبادرون عنده موعد مغفرته)(٣٠)، وعن الصادق عليه السلام: (فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه)(٣١)، وعن أبي جعفر عليه السلام: (إن الحاج إذا أخذ في جهازه لم يحط خطوة في شيء من جهازه إلا كتب الله عز وجل لع عشر حسنات ومحى عنه عشر سيئات ورفع له عشر درجات حتى يفرغ من جهازه متى ما فرغ فإذا استقبلت به راحلته لم تضع خفا ولم ترفع إلا كتب الله عز وجل له مثل ذلك حتى يقضي نسكه فإذا قضى نسكه غفر الله له ذنوبه ، وكان ذا الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول أربعة أشهر تكتب له الحسنات ولا تكتب عليه السيئات إلا أن يأتي بموجبة ، فإذا مضت الأربعة الأشهر خلط بالناس)(٣٢).
هذه بعض من الآثار لشعيرة الحج ونحث الأخوة المؤمنين بالرجوع للموروث الروائي وما ورد عن أهل بيت العصمة صلوات الله عليهم للتعرف أكثر على هذا الشأن.
وأريد أن أوقف القارئ العزيز على رواية عظيمة في فريضة الحج وهي:
(عن الفضل بن يونس قال كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد فقيل له ترك مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة فقال إن صاحبي كان مخلطا كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه قال ودخل مكة تمردا وانكارا على من يحج وكان يكره العلماء مسائلته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد سريرته فأتى جعفر بن محمد (ع) فجلس إليه في جماعة من نظرائه ثم قال له يا أبا عبد الله ان المجالس أمانات ولا بد لكل من به سعال أن يسعل أفتأذن لي في الكلام فقال أبو عبد الله (ع) تكلم بما شئت فقال إلى كم تدوسون هذا البيدر وتلوذون بهذا الحجر وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر وتهرولون هرولة البعير إذا نفر ان من فكر في الامر قد علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نظر فقل فإنك رأس هذا الامر وسنامه وأبوك اسمه ونظامه فقال أبو عبد الله (ع) إنَّ من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه صار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ثم لا يصدره وهذا بيت استعبد الله تعالى به خلقه ليختبر به طاعتهم في اتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدى إلى غفرانه منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال خلقه الله تعالى قبل دحو الأرض بألفي عام وأحق من أطيع فيما أمر وانتهى عما نهى عنه وزجر، الله المنشئ للأرواح والصور)(٣٣).
وختاما:
أوصي نفسي وإخواني المؤمنين بالتأمل في هذه الفريضة وما لها من حدود وأن نؤديها على أكمل وجه وأن نكون من المنتفعين بفيوضات الله من خلالها.
هذا ونسأله سبحانه وتعالى أن يرزقنا حج بيته الحرام في عامنا هذا وفي كل عام ويغفر لنا الذنوب العظام إنه على كل شيء قدير والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين.
الفقير إلى الله
محمد منصور حمادة
..................................
الهامش:
١ – سورة آل عمران آية ٦٩
٢ – سورة الحج آية ٢٨
٣ – وسائل الشيعة ج١١ ص١٢٣
٤ – الاحتجاج ج١ ص٨١
٥ – تهذيب الأحكام ج٥ ص٢٤
٦ - الكافي ج٤ ص٢٥٢
٧ – علل الشرائع ج٢ ص٤٠٥
٨ – الكافي ج٤ ص٢٥٢
٩ – وسائل الشيعة ج١١ ص١٠٦
١٠ – سورة البقرة آية١٢٥
١١ – سورة القصص آية٥٧ ، سورة العنكبوت آية ٦٧
١٢ – سورة الحج آية ٢٨
١٣ – سورة الحج آية ٣٦
١٤ – سورة البقرة آية ١٩٧
١٥ – سورة الحج آية ٣٠
١٦ – سورة الحج آية ٢٥
١٧ – الكافي ج٤ ص ٢٢٧
١٨ – علل الشرائع ج٢ ص٤٠٥
١٩ – الصدوق الخصال ص١٤٨
٢٠ – الكافي ج٤ ص٢٥٢
٢١ – أمالي الصدوق
٢٢ – الصدوق الخصال ص١٤٨
٢٣ – نهج البلاغة ج١ ص٢٧
٢٤ – علل الشرائع ج٢ ص٤٠٦
٢٥ – سورة التوبة آية ١٢٢
٢٦ - علل الشرائع الصدوق ج١ ص٢٧٣
٢٧ – التهذيب الطوسي ج٥ ص٢٤
٢٨ – قرب الإسناد ص١٠٨
٢٩ – عيون أخبار الرضا ع ج١ ص١٢٦
٣٠ – عيون أخبار الرضا ع ج١ ص١٢٦
٣١ – وسائل الشيعة ج١١ ص١١
٣٢ – الكليني الكافي ج٤ ص٢٥٥
٣٣ – علل الشرائع ج ٢ ص٤٠٣