
الشيخ رائد الستري
النذر شرعا:
حقيقة النذر شرعا تتلخص في أن المكلف يجعل لله في ذمته فعل شيء أو تركه، وهذا الجعل في أصل إنشائه مكروه إلا أنه يلزم الوفاء به متى ما تحقق متعلق النذر أو إذا كان النذر مطلقا.
وحديثنا مرتكز على النذور المالية بالخصوص.
إشكالات تفرضها طبيعة النذر:
من أحكام النذر الواضحة أنه يجب الوفاء بالنذر بالنحو الذي عقد، ولا يجوز تبديله بعد ذلك بل لابد من الوفاء به وللجهة المنذور لها.
وهذا الحكم يشكّل إشكالية، من جهة أن الجهة المنذور لها قد تكون في غنى وليست في حاجة، وعندها نواجه مشكلة في هذا الخصوص، تتعلق بإمكانية صرفها في موارد أخرى أو لا؟
حركة النذور وحجمها:
إن حركة النذور في المجتمع الشيعي حركة ذات حجم كبير جدا لا سيما النذور المالية، وليس لدينا رصد فعلي دقيق لحجم هذه الحركة، ولكن يمكن أن نكتشف حجم هذه النذور عندما نطالع حجم الأطعمة التي تقدم وفاء لنذور، والمجالس الحسينية العديدة التي تقام وفاء لنذور، وتقوم أضرحة بعض الأولياء بالنذور التي تبذل لها وغير ذلك من العناصر التي تكشف حجم النذور المالية.
سلبيات الحركة الفعلية للنذور:
إنّ الحركة الفعلية للنذور مبتلية بجملة من العيوب والسلبيات نذكر منها:
1- ضبابية بعض النذور: نواجه عيب في بعض النذور أن النذر ليس واضحا في مضمونه، ولما ترجع إلى الناذر لا تجده يمتلك الوضوح فيما نذر له ولا في مضمون ما نذر مما يحتم صرفه في الجهة المتيقنة.
1- عدم تنوع الجهة المنذور لها: حيث نجد تركّزا للنذور على جهة واحدة بمضمون واحد.
2- عدم التناسب بين ما يُصرف والمصروف فيه: إذ نرى صرفا للنذور على جهات تساهم في خدمة الدين والمذهب ولكن حجم مساهمتها لا يتناسب وما يصرف عليها، والحال أنّ هناك جهات تقدم خدمة أكبر هي ما تزال بحاجة لمساهمات ومصروفات.
فمثلا لو أردنا أن نقيس حجم ما يصرف من نذور على المأكولات في عاشوراء، وما يصرف على طباعة كتاب عن القضية الحسينية مثلا نجد آلاف الدنانير في مقابل بضع الدنانير في الجانب الآخر بل ربما تكون لا شيئ أصلا.
3- النذور النسائية: كثيرة هي النذور النسائية، والتي تصرف في قراءات متواصلة بشكل يومي في القرى والمناطق دون أن تتنوع أو ترتقي، فهي وإن كانت تساهم في خدمة الأهداف الحسينية لتغذيتها للجانب العاطفي الذي يبقي المؤمن والمؤمنة على مستوى إرتباط وثيق بالأئمة (ع) وهو جانب مهم للغاية، ولكن التنوع مطلوب لأنّه يضفي ثراء معرفيا ووعيا عقليا يصل بالمؤمن إلى أهداف الثورة الحسينية في عمقها لتترجم بعد ذلك على واقع حياته.
4- فقد البصيرة في الموكّل على النذر: عادة يقوم الناذر بإيصال النذر إلى جهة هي التي تتولى صرف النذر، وهنا قد يكون مضمون النذر واسعا وفيه إمكانية للصرف في جهات عديدة، كما لو كان النذر مثلا في سبيل الله، أ وللمأتم أو للمسجد، ونحوه.
فهنا السعة قد تكون موجودة ولكن لضعف بصيرة الموكّل في صرف النذور تجده يصرفه دوما في جهة واحدة متكررة ومشبعة.
ضرورة توجيه النذور:
بعد ملاحظة السلبيات السابقة ندرك الحاجة الماسة لتوجيه حركة النذور لتصبّ في بناء الدين والإسلام بشكل أجدى وأنفع.
وذلك من خلال ما يلي:
1- استغلال المنبر الحسيني ومنابر الصلاة والفضائيات.
2- إصدار مطبوعات توعوية ترشد الناس وتوجههم في نذورهم نحو جهات إضافية لنذورهم، لإحداث تنوع في النذور ينعكس إيجابا على واقع الحركة الثقافية والتوعوية.
عناصر مهمة في توجيه النذور:
لابد وأن تتركز حملة التوجيه على ملاحظة العناصر التالية:
1- لابد من ربط النذور دوما بأهل البيت (ع) والأولياء والصالحين، لأنّ ثقافة (التوجيب)[1] هي الثقافة الطاغية والعقيدة الراسخة عند أتباع مدرسة أهل البيت (ع)، فليس من المجدي دعوة الناس مثلا بجعل النذر بهذه الصورة (لله علي إن حصل كذا أن أطبع كتابا أو كتيبا إسلاميا)، بل لابد أن يضاف الإمام الحسين (ع) أو الولي الصالح بأن يُدعى المؤمنون لتنويع مضمون نذوراتهم مع الحفاظ على الجهة المنذور إليها، كمثل النذر بهذه الصورة: (لله علي إن حصل كذا أن أطبع كتابا إسلاميا عن روح الإمام الحسين (ع)).
وتصاغ بذلك نموذجات لأنّا إذا أردنا أن نروج للنذر الواعي لابد أن تروجه مع صيغته.
2- التنبيه على تضمين النذور حيثيتين (المنذور له) و (جهة الصرف بصفتها العامة والواسعة) فهو يجعل مثلا منسوبا للإمام الحسين (ع) أو لأم البينن (ع) وتجعل جهة الصرف مثلا ما يعود بالنفع على المذهب والإسلام، ليمكن الإستفادة منها بشكل أكبر.
3- توجيه النذور النسائية بشكل خاصة لتوجه وتتنوع.
4- تثقيف المآتم والمساجد في كيفية التصرف في النذور.
5- عدم المساس بما هو موجود فعلا من حركة للنذور والجهات المتبرع لها والمنذور لها، لأنّ المساس بها سيثير الكثير من اللغط والإشكالات، فلا داعي للحديث الصريح عن الأخطاء الموجودة، فمجرد التوجيه نحو الصواب في هذا الموضوع في حد ذاته يعد كافيا بحسب وجهة نظرنا، وسيكون لها التأثير المطلوب.
........................................
[1] - وهذا اصطلاح يستعمله البحارنة للتعبير عن أن الجهة المنذور لها تفي في قضاء الحوائج.