وجوب البحث عن العقائد الحقة والأفكار الصائبة
إذا أمعنا النظر جيداً سنجد أنَّ المحرك الحقيقي في كلِّ إنسان هو مجموعة الأفكار التي يؤمن بها ويعتقد صوابيَّتها، وهذه الأفكار ترسم له دائرة حدوده ومساحة حركته، وتفرض عليه أسلوب معيشته، فتكون حاكمةً على تصرفاته وأفعاله، بل يمكن القول أنَّ سلوك الإنسان وتصرفاته ليس إلَّا مرآةً تعكس حقيقة ما يؤمن به من أفكار.
على سبيل المثال: إذا اعتقد المريض الشفاء في الدواء، فلا ريب أنَّه سيسابق الريح لأخذ هذا الدواء، وعلى النقيض تماماً إذا اعتقد عدم نافعيَّته وفائدته فلن تجد له عزماً في شربه.
ومن هنا يظهر لنا خطورة أن يؤمن الإنسان بفكرةٍ خاطئة ويعتقد بصوابيَّتها، كما لو آمن بعدم نافعيَّة الدواء، في حين أنَّه لازمٌ لشفائه، فترتب على ذلك عدم شربه له، فيكون ذلك سبباً في موته مثلاً.
بعد هذه المقدِّمة، نقول: يمكن الاستدلال على وجوب البحث عن العقائد الحقة والأفكار الصائبة بثلاثة أدلة:
الدليل الأوَّل: الدليل العقلي، ومفاده:
إذاً تحصَّل – كما تبيَّن في المقدِّمة – أنَّ الإيمان بالأفكار الخاطئة واعتقاد صوابيَّتها، يقود الإنسان إلى أفعالٍ تعود عليه بالخسارة والضرر، وكلَّما كانت الخسارة أكبر والضرر أبلغ وأشد، كان الإيمان بتلك الأفكار أمراً أكثر خطورة، بل لعله يكون شديد الخطورة إذا ترتب عليه – أي على الإيمان بالأفكار الخاطئة – خسارة فادحة جداً وضرر بليغ لا يمكن أن يوصف ولا أن يعوَّض.
إذا علمنا هذا، وأضفنا له الحكم العقلي القاضي بلزوم دفع الضرر المحتمل، أمكن أن نشكِّل قياساً من الشكل الأوَّل بديهي الإنتاج، مفاده:
المقدِّمة الصغرى: عدم تنقيح المعتقدات والأفكار يلزم منه الضرر المحتمل.
المقدِّمة الكبرى: كل ما يلزم منه الضرر المحتمل لازم الدفع.
النتيجة: عدم تنقيح المعتقدات والأفكار لازم الدفع.
ويمكن صياغة النتيجة بشكلٍ أوضح فنقول: العقل يحكم بلزوم تحقيق المعتقدات وتنقيحها، حتى لا يترتب على الإيمان بها ضررٌ محتمل. فنحصل بهذا على حكمٍ عقلي يقضي بلزوم البحث والتحري عن الأفكار الصحيحة المطابقة للواقع، وتنقيح المعتقدات التي يؤمن بها الإنسان، ليدفع بذلك الضرر المحتمل.
الدليل الثاني: سيرة العقلاء، ومفاده:
إنَّ العقلاء – بما هم عقلاء – أجمعوا في كلِّ زمانٍ ومكان على الاهتمام بما يحملونه من أفكار ومعتقدات، وسعوا جاهدين للكشف عن صوابيَّتها ومطابقتها للواقع، وهذا كاشفٌ على أنَّ الاهتمام بذلك أمر عقلائي.
الدليل الثالث: إرشاد القرآن الكريم، ومفاده:
لقد حملت الآيات المباركة، إرشاداً للإنسان مفاده وجوب طلب العقائد الحقة والبحث عن الأفكار الصائبة المرتبطة بالدين، لتوقف مصير الإنسان عليها، ولخطورة أن يكون الإنسان غير محصِّلٍ لتلك العقائد الحقة فيكون مصيره النار والعياذ بالله.
وقد احتلَّت هذه الدعوى موقعاً شاسعاً ومساحةً واسعةً من آياته، وبشتَّى الأساليب حرص القرآن على استنهاض الجانب العقلي والفكري في شخصيِّة الإنسان، حيث أراد القرآن من الإنسان أن يكون إنساناً متعقِّلاً، متفكراً، متدبراً، سديد النظر، ثاقب البصيرة.
يقول العلامة الطباطبائي رحمه الله في تفسيره: "وإنَّك لو تتبعت الكتاب الإلهي ثمَّ تدبرت في آياته وجدت ما لعله يزيد على ثلاثمائة آية تتضمن دعوة الناس إلى التفكر أو التذكر أو التعقل، أو تلقن النبي (ص) الحجة لإثبات حق أو لإبطال باطل." ([1])
وهذا الكمُّ الهائل من الآيات الداعية إلى التعقُّل والتفكُّر، وبلحاظ أسلوب الخطاب، يمكن أن نقسِّمها إلى خمسة أقسام:
أوَّلاً: الآيات التي حملت الدعوى للتعقُّل والتفكُّر بشكلٍ مباشر، نظير قوله تعالى: )أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ(، )أَفَلَا تَعْقِلُونَ(، )أَفَلَا تُبْصِرُونَ(، )أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ(، وهذه الدعوى تكررت في مجموعة كبيرة من الآيات القرآنيِّة، وهذا التكرار المستفيض دالٌ على الأهميَّة البالغة التي يعتبرها القرآن للتعقُّل والتفكُّر.
ثانياً: الآيات الذامَّة لعدم التعقُّل، نظير: قوله تعالى: )إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ(([2])، وقوله تعالى: )وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ(([3]).
ثالثاً: الآيات المادحة للمتعقلين، نظير: قوله تعالى: )الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ(([4])، وقوله تعالى: )قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ(([5]).
رابعاً: استعمال أسلوب القصص القرآني في بيان أهميَّة الفحص والتحقق عن العقائد، وهذا ما نجده في قصَّة إبراهيم عليه وعلى نبينا وآله أفضل الصلاة والسلام، إذ يقول تعالى: )وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَٰذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَٰذَا رَبِّي هَٰذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ (78) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (79) وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(([6]).
فنجد أنَّ إبراهيم عليه السلام أراد أن يوصل إلى قومه – الذين يعبدون الكواكب والأصنام – رسالةً تنص على وجوب تنقيح معتقداتهم وتصحيحها، مسترشدين في ذلك بعقولهم وما تمليه عليهم، فكيف يعبدون كواكبَ أضعف من أن تبقى في مكانها وتصمد في موقعها، فهي بذلك ليست أهلاً لأن تكون معبوداً، لأنَّ المعبود لا يغيب ولا يتغير، وهكذا هو الله الأحد الصمد سبحانه وتعالى.
وفي موردٍ آخر، يقول تعالى: )وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(([7]).
إنَّ تصرُّفَ إبراهيم عليه السلام هذا، ليس إلَّا ليدفع قومه للتفكير والتعقل في معتقداتهم، فكيف يعبدون أصناماً أعجز من أن ينفعوا أنفسهم، فكيف يمكن أن ينفعوا غيرهم! فهو هنا يستنهض عقولهم للفحص والتحري عن صحة هذا الاعتقاد الباطل، علَّ وعسى أن يكتشفوا فسادها وبطلانها.
ونحن بدورنا لا بدَّ أن نقرأ هذه القصص القرآنيَّة بنظرةٍ فاحصةٍ عما فيها من عِبر ومفاهيم أراد القرآن الكريم أن يوصلها لنا في صورة القصص، يقول تعالى: )لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ(([8]).
ونكتفي بهذين الموردين، وإلَّا فإنَّ القصص القرآنيَّة مليئة بمثل هذا.
خامساً: الآيات التي ذمت التقليد في العقائد، والمراد بالتقليد هنا، أخذ العقائد من الغير دون الفحص عنها أو تحقيقها، والتصديق بها دون الاعتماد على دليلٍ ناهضٍ، ومن هذه الآيات، قوله تعالى: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَىٰ مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ(([9])، وقوله تعالى: )وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ(([10])، وغيرهما من الآيات الناهية عن أخذ العقائد من دون فحص وتحقيق.
وقد جاءت كلمات أهل بيت العصمة – الذين هم عِدْلُ القرآن – موافقةً لموقف القرآن المرشد والداعي إلى التعقل والتفكر في تصحيح العقائد وتنقيحها وعدم تركها دون تحقيقها، ومن هذه الكلمات:
⦁ ما ورد عن رسول الله صل الله عليه وآله، قال: (اِسْتَرْشِدُوا اَلْعَقْلَ تُرْشَدُوا وَ لاَ تَعْصُوهُ فَتَنْدَمُوا)([11]).
⦁ وفي الرواية عن الصادق عليه السلام لأبي حمزة الثمالي: (إِيَّاكَ وَ اَلرِّئَاسَةَ وَ إِيَّاكَ أَنْ تَطَأَ أَعْقَابَ اَلرِّجَالِ. قَالَ: قُلْتُ جُعِلْتُ فِدَاكَ أَمَّا اَلرِّئَاسَةُ فَقَدْ عَرَفْتُهَا وَ أَمَّا أَنْ أَطَأَ أَعْقَابَ اَلرِّجَالِ فَمَا ثُلُثَا مَا فِي يَدِي إِلاَّ مِمَّا وَطِئْتُ أَعْقَابَ اَلرِّجَالِ. فَقَالَ لِي: لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ إِيَّاكَ أَنْ تَنْصِبَ رَجُلاً دُونَ اَلْحُجَّةِ فَتُصَدِّقَهُ فِي كُلِّ مَا قَالَ)([12]).
بعد بيان هذه الأدلة نقول:
تحصَّل من الأدلة الثلاثة وجوب الفحص عن العقائد الحقة التي من شأنها أن لا يقع الإنسان في الخسارة والضرر، هذا على نحوٍ عام، وعلى نحوٍ خاص الفحص والبحث عن العقائد والأفكار المرتبطة بالدين وبما جاء به الرسل والأنبياء عليهم السلام، لخطورة الموقف المترتب عليها، فإنَّ الخطأ فيها قد يوصل الإنسان للنار ويضعه موضع العذاب الشديد، وهو ضررٌ لا كمثله ضرر، فتكون خطورة الخطأ في هذه العقائد – أي المرتبطة بالدين – أكثر خطورةً من غيرها، بل قد لا يكون هناك مجالٌ للمقارنة بين هذه العقائد وبين غيرها، لما يترتب عليها من ضررٍ بالغٍ وشديد.
الرؤية الكونيَّة والأيديولوجية
تقدَّم في ما سبق أنَّ الأفكار التي يؤمن بها الإنسان ويعتقد صحتها هي الحاكمة على سلوك الإنسان وتصرفاته وأفعاله، بل سلوكه الخارجي ليس إلَّا انعكاسٌ لتلك المعتقدات التي يؤمن بها، وهذا المعنى جاء في المنقول عن أمير المؤمنين عليه السلام، إذ قال: (اَلْعُقُولُ أَئِمَّةُ اَلْأَفْكَارِ وَ اَلْأَفْكَارُ أَئِمَّةُ اَلْقُلُوبِ وَ اَلْقُلُوبُ أَئِمَّةُ اَلْحَوَاسِّ وَ اَلْحَوَاسُّ أَئِمَّةُ اَلْأَعْضَاءِ)([13]). وبهذا نفهم أنَّ الأفكار والمعتقدات مقدَّمةٌ رتبةً على السلوك والأفعال، فلا إشكال أنَّ الأفكار والمعتقدات الفاسدة ينتج عنها سلوكٌ وتصرفاتٌ فاسدة، وهذا قد تقدِّم بيانه.
هذا من جانب، ومن جانبٍ آخر نجد أنَّ الإنسان المفكِّر منذ أن وجد على هذه الأرض، اصطدم بالواقع الخارجي المجهول بالنسبة له، فنتج عن ذلك أن شُغِلَ باله وذهنه بتساؤلاتٍ وضعته موضع المحتار الخائف، وهي:
⦁ من أين أتيت؟
⦁ ولماذا أنا هنا؟
⦁ وإلى أين سأذهب؟
فهذا الكون وهذا الوجود، مليء بالغموض، محيِّرٌ للأذهان، باعثٌ على الإعجاب والدهشة، ومن هنا بدأ الإنسان رحلة البحث عن إجاباتٍ مقنعةٍ، تشفي غليله، وتهدئ من روعه، تطمئن باله.
ولِعلمِ الإنسان خطورة الإيمان بإجابات خاطئة على هذه الأسئلة الثلاثة، وما سيترتب على ذلك من خسارة وضرر بالغ لا يعوَّض، حمل على عاتقه البحث عن الإجابات بشكلٍ جدِّي ومن دون أيِّ تهاون أو تراخي.
وبهذا ظهرت العديد من التيارات الفلسفيَّة مختلفةِ المشارب، محاولةً فهم هذا الوجود، وفكَّ لُغزه المحيِّر، والوصول للإجابات التي يثق بها الإنسان ويطمئن لها، ومن ثمَّ تبني – التيارات الفلسفيَّة – على هذا الفهم المختار أسلوب الحياة الذي يتناسب معه ويدور في فلكه.
وعلى الجانب الآخر نجد أنَّ الأديان السماوية جاءت برسالة الله سبحانه وتعالى إلى الإنسان، لتقول له بأنَّ الذي تبحث عنه من إجاباتٍ موجودٌ عندي، ولا سبيل لك في النجاة من الوقوع في الخطأ – الذي سيجيء عليك بالضرر البالغ – في جواب هذه التساؤلات إلَّا باتباعي.
ومن هنا برز اصطلاح (الرؤية الكونيَّة)، والمراد منه: التصور العام الذي يقدِّمه كلُّ دين أو فلسفة عن الوجود، وبتعبير أدق هو: "مجموعة من المعتقدات والنظرات الكونيَّة المتناسقة حول الكون والإنسان، بل وحول الوجود بصورة عامَّة"([14]).
فكلُّ محاولة لتفسير الكون وتقديم فهم تصوري للكون والوجود والإنسان هي رؤية كونيَّة.
وقد وجدت العديد من الرؤى الكونيَّة المختلفة والمتنوِّعة، ولكن بلحاظ كون الرؤية الكونيَّة ماديَّة أو غير ماديَّة، فهي تنقسم إلى قسمين:
الأوَّل: الرؤية الكونيَّة الإلهيِّة، وهي التي تؤمن بعدم انحصار الوجود في المادة المحسوسة، بل ترى أنَّ الوجود أوسع من ذلك بكثير، فهناك وجود ليس بمادي، وهو الذي يعبَّر عنه بما رواء الطبيعة.
الثاني: الرؤية الكونيَّة الماديَّة، وهي التي تؤمن بانحصار الوجود في المادة، فكأنَّما الوجود مساوٍ للمادة، ولا شيء في البين غير المادة، فما يستطيع الحواس أن تلحظه وتجده، فهو موجود، وما لا تلحظه الحواس لا وجود له. "وكان يطلق في الأزمنة السابقة على من يتبنى الرؤية الكونيَّة الماديَّة اسم (الطبيعي)، و (الدهري)، وأحياناً (الزنديق)، و (الملحد)، وأمَّا في عصرنا فيطلق عليه (المادي)"([15]).
إذاً فالرؤية الكونيَّة هي مجموعة أفكار نظريَّة، فهي اعتقادات، وهذه الأفكار النظريَّة (الاعتقادات) هي التي تحكم الأفكار العمليَّة، ونقصد بالأفكار العمليَّة كلَّ ما من شأنه أن يحدد سلوك الإنسان وتصرفاته، وجميع أفعاله.
وقد يصطلح على مجموع الأفكار العمليَّة أو النظام الفكري المُحَدِّدُ لشكل سلوك الإنسان([16])، بـ (الأيديولوجية).
وعليه، فإنَّ سلوك الإنسان وكلَّ أفعاله وتصرفاته، محكومةٌ لرؤيته الكونيَّة، وتصوره عن الوجود وعن نفسه، فعلى سبيل المثال: من لا يؤمن بوجود الله سبحانه وتعالى، ولا يؤمن بالمعاد، وأنَّه سيحاسب على كلِّ تصرفاته وأفعاله، وأنَّه سائرٌ إلى جنَّةٍ أو نارٍ، سيختلف سلوكه تماماً عن ذلك الذي يؤمن بجميع ذلك.
فالفكرة النظريَّة: (وجود الله سبحانه وتعالى)، ينتج عنها الفكرة العمليَّة: (وجوب عبادة الله سبحانه وتعالى)، ومن هنا يسلك الإنسان طريق العبادة والخضوع والطاعة لله سبحانه وتعالى.
إذاً خُلاصة هذا هي أنَّ الفعل الخارجي الذي يصدر عن الإنسان هو في الحقيقة جاء من:
- فكرة نظريَّة: (أؤمن بكذا أو لا أؤمن بكذا).
- فكرة عمليَّة: (يجب أن أفعل كذا أو لا يجب أن أفعل كذا).
ولكن لا نستطيع أن نطلق على الفكرة النظرية الواحدة رؤية كونيَّة، بل الذي نطلق عليه رؤية كونيَّة هو مجموع الأفكار النظريَّة المتناغمة والمتناسبة مع بعضها البعض عن الكون والوجود والإنسان، وكذلك الأمر بالنسبة للفكرة العمليَّة الواحدة، فلا يمكن وصفها بالأيديولوجية، بل الذي يطلق عليه أيديولوجية هو مجموع الأفكار العمليَّة المستند على الرؤية الكونيَّة.
وعليه، أصبح لكلِّ تيار فلسفي أو دين – سماوي أو غير سماوي – رؤيته الكونيَّة الخاصة، والتي بنى عليها كلُّ واحدٍ منهم أيديولوجيَّته الخاصة المتناغمة مع رؤيته الكونيَّة، نعم الأديان السماوية لها رؤيةٌ كونيَّةٌ واحدة، وإن اختلفت أيديولوجياتها لاختلاف أزمنتها والمخاطب بها.
الرؤية الكونيَّة للدين الإسلامي وأيديولوجيته
إذا استوعبنا كلَّ ما تقدِّم، سنصل إلى نتيجةٍ مفادها أنَّ الإسلام بكونه أحد الأديان السماويَّة، والتي جاءت لتقدِّم تصوراً يرتبط بالكون والوجود والإنسان، وتحدد للإنسان أسلوب الحياة المتناسب مع ذلك التصور، لا بدَّ له من أن يمتلك رؤيةً كونيَّةً خاصَّةً به، ويبني عليها أيديولوجيَّته المتناسبة مع رؤيته.
وهذه النتيجة صحيحة، فإنَّ الإسلام دينٌ شاملٌ متناسقٌ، له رؤيته الكونيَّة المعبَّر عنها بالجانب الاعتقادي، وهي التي أُفرد لها علمٌ خاص يصطلح عليه بعلم الكلام أو علم أصول الدين، وعلى هذه القاعدة الاعتقاديَّة بنى أيديولوجيَّته المعبَّر عنها بالجانب العملي، والتي هي بدورها تنقسم إلى الجانب الفقهي والجانب الأخلاقي.
فالإسلام أشبه بالمثلث ذي الأضلاع الثلاثة، لا يكون مثلثاً دون أحد أضلاعه الثلاثة، والإسلام كذلك لا يكون إسلاماً دون أحد أركانه الثلاثة.
ولتقدُّم العقيدة على العمل – كما أسلفنا – نجد أنَّ الإسلام بدأ رسالته بتأصيل الجانب الاعتقادي وببنائه بناءً صلباً، ومن ثمَّ شيَّد الجانب العملي والسلوكي المتناسب مع الجانب الاعتقادي.
فلو تأمَّلنا جيداً في الآيات القرآنيَّة، من حيث ترتيب النزول، فسنجد أنَّ الآيات المكيَّة والتي نزلت أوَّل البعثة، تمتاز بالخطاب العقائدي وتثبيت هذا الجانب، في حين أنَّ القرآن المتأخر عن ذلك (الآيات المدنيَّة)، فيكثر فيه بيان الأحكام الشرعيَّة المرتبطة بالسلوك والعمل.
الحرب الأبديَّة بين الرؤية الكونيَّة الماديَّة (الإلحاديَّة) وبين الرؤية الكونيَّة الإلهيَّة
يقول تعالى في محكم كتابه وجليل خطابه حكايةً على لسان إبليس: )قَالَ أَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (15) قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(([17]).
وفي موضعٍ آخر: )قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (79) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (80) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (81) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (82) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(([18]).
يمكن أن نستفيد من هذه الآيات المباركة أنَّ الحرب بين إبليس وجنوده وبين عباد الله سبحانه وتعالى مستمرة إلى يوم البعث، وإذا نظرنا للواقع وقرأت التاريخ جيداً، سنعلم أنَّ هذا الفهم الذي استظهرناه صحيحٌ.
فإنَّ الحرب بين الرؤية الإلحاديَّة والرؤية الإلهيَّة لم تتوقف يوماً، ولا أخال أنَّها ستتوقف يوماً ما، وما استماتة الغرب في محاولة تغريب المجتمعات الإسلاميَّة وإلبِاسِهَا لِبِاسَهَا، إلَّا لوجود هذا النفس الشيطاني الصريح بنيَّة إغواء العباد.
لقد اعتقد البعض أنَّنا كمسلمين يمكن أن نسلك سلوك الغرب ونكون مثلهم، من دون أن نتخلِّى عن عقائدنا وما نؤمن به، والواقع كما يظهر مَّما تقدَّم أنَّ السلوك (الأيديولوجيَّة) لا يمكن أن ينفصل عن العقيدة (الرؤية الكونيَّة).
فكيف يمكن أن نأخذ من الغرب أيديولوجيَّتهم من دون رؤيتهم الكونيَّة؟
وكيف لنا أن نركِّب تلك الأيديولوجيَّة على رؤيتنا الكونيَّة وهما متناقضان تماما؟
من الواضح بأنَّ هذا مستحيل، وغير ممكن، فما اعتقده البعض من إمكان ذلك ليس إلَّا وهماً وسراباً يحسبه الظماءُ ماءً.
ووجود هذه الحرب بين الرؤيتين، يدفعنا أن نعزز ارتباطنا برؤيتنا الكونيَّة، وهذا يحتم علينا أن نجتهد أكثر وأكثر في تحصيل هذه العقائد، وتنقيحها أكثر وأكثر، وإحكام أدلَّتها وبراهينها، بحيث لا تكون سهلة المنال والسقوط، وهذا ما يسعى له الفكر الإلحادي.
الخلاصة
يظهر مما تقدَّم الأثر البارز للجانب الاعتقادي في بناء الشخصيَّة الإيمانيَّة، فإنَّ الفعل الخارجي الذي يصدر من الإنسان لن يكون إلَّا كاشفاً عن حقيقة اعتقاده وإيمانه، فالالتزام التام بما في الشريعة الإسلاميَّة لا يصدر إلَّا من المؤمن فعلاً لا اسماً.
ومن هنا نجد أنَّ الآيات القرآنيَّة ربطت بين الإيمان والعمل الصالح، بنحو لا يمكن أن ينفكَّا عن بعضهما البعض، كقوله تعالى: )وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(([19])، وليس هذا إلَّا لأنَّ العمل فرع الاعتقاد، والاعتقاد مقدِّمة العمل كما بيَّنَّا.
فكان لزاماً على المؤمن أن يبني عقيدته بجدٍّ واجتهادٍ، وأن يعمل دوماً على تنقيحها وتحقيقها، وأن لا يقبل معتقداته بلا دليلٍ وبرهانٍ يورث الثقة والاطمئنان بهذه العقيدة.
تنبيهٌ مهم
اعلم أيُّها العزيز أنَّ العلم بالعقائد عقلاً وتحصيل الدليل والبرهان عليها، لا يكفي في المقام لصدور السلوك المتناسب مع هذه العقيدة، فمجرد العلم بهذه العقائد لا يساوي الإيمان الفعلي بها، فأنت ترى كم من أحدٍ يدعي الإيمان بالله سبحانه وتعالى ولا ينكره قطعاً، فوجوده ثابتٌ لديه بالدليل والبرهان، إلَّا أنَّه غارقٌ في المعاصي والذنوب، مولعٌ بمخالفة أمر المولى عزَّ وجل، ليس في سلوكه ما يدلُّ على عقيدته وإيمانه.
والسبب في ذلك هو أنَّ العقائد موقعها القلب لا العقل، نعم إثباتها يكون بالعقل، ولكن موطنها بعد ذلك هو القلب، فلا بدَّ من إنزال تلك المعتقدات من كونها أفكار نظريَّة ثبتت بالدليل، إلى إيمان يستقر بالقلب، فإنَّ استقرار ذلك العلم النظري في القلب، هو المراد الأساس، لا مجرد العلم النظري الساكن في العقل.
وقد أجاد الإمام الخميني قدس الله نفسه الزكيَّة في بيان هذا المطلب، إذ قال:
"اعلم أنَّ الإيمان غير العلم بالله ووحدانيته وسائر الصفات الكمالية الثبوتية والجلالية السلبية، والعلم بالملائكة والرسل والكتب ويوم القيامة. وما أكثر من يكون له هذا العلم، ولكنه ليس بمؤمن. فالشيطان عالم بجميع هذه المراتب بقدر علمنا وعلمكم، ولكنه كافر. بل إنَّ الإيمان عمل قلبي، وما لم يكن ذلك فليس هناك إيمان. فعلى الشخص الذي علم بشيءٍ عن طريق الدليل العقلي أو ضروريات الأديان، أن يسلِّم لذلك قلبه أيضاً، وأن يؤدِّي العمل القلبي الذي هو نحو من التسليم والخضوع، ونوع من التقبل والاستسلام ـ عليه أن يؤدي ذلك ـ لكي يصبح مؤمناً.
وكمال الإيمان هو الاطمئنان. فإذا قوي نور الإيمان تبعه حصول الاطمئنان في القلب، وجميع هذه الأمور هي غير العلم. فمن الممكن أن يدرك العقل بالدليل شيئاً لكن القلب لم يُسلِّم بعد، فيكون العلم بلا فائدة. مثلاً أنتم أدركتم بعقولكم أنَّ الميت لا يستطيع أن يضرَّ أحداً، وأنَّ جميع الأموات في العالم ليس لهم حس ولا حركة بقدر ذبابة، وأنَّ جميع القوى الجسمانية والنفسانية قد فارقته، ولكن حيث أنَّ القلب لم يتقبل هذا الأمر ولم يُسلِّم أمره للعقل، فإنَّكم لا تقدرون على مبيت ليلة مظلمة واحدة مع ميت!!
وأما إذا سلَّم القلب أمره للعقل، وتقبَّل هذا الحكم منه، فلن يكون في هذا العمل ـ أي المبيت مع الميت ـ أي إِشكال بالنسبة إليكم، كما أنَّه وبعد عدة مرات من الإقدام، يصبح القلب مسلِّماً، فلن يبقى عنده بعدها بأس أو خوف من الميت.
إذاً؛ أصبح معلوماً أن التسليم ـ وهو من حظ القلب ـ غير العلم الذي هو من حظ العقل.
ومن الممكن أن يبرهن إنسان بالدليل العقلي، على وجود الخالق تعالى والتوحيد والمعاد وباقي العقائد الحقة، ولكن هذه العقائد لا تسمى إيماناً، ولا تجعل الإنسان مؤمناً، وإنَّما هو من جملة الكفار أو المنافقين أو المشركين. فاليوم العيون مغشَّاة، والبصيرة الملكوتيَّة غير موجودة، والعين الملكية لا تُدرك، ولكن عند كشف السرائر، وظهور السلطة الإلهية الحقة، وخراب الطبيعة وانجلاء الحقيقة، سيُعرف ويُلتفت بأنَّ الكثيرين لم يكونوا مؤمنين بالله حقاً، وأنَّ حكم العقل لم يكن مرتبطاً بالإيمان، فما لم تكتب عبارة «لا إله إلَّا الله» بقلم العقل على لوح القلب الصافي لن يكون الإنسان مؤمناً بوحدانية الله.
وعندما ترد هذه العبارة النورانية الإلهية على القلب، تصبح سلطة القلب لذات الحق تعالى، فلا يعرف الإنسان بعدها شخصاً آخر مؤثراً في مملكة الحق، ولا يتوقع من شخص آخر جاهاً ولا جلالاً، ولا يبحث عن المنزلة والشهرة عند الآخرين.
ولا يصبح القلب مُرائياً ولا مخادعاً حينئذٍ. وإذا رأيتم رياءً في قلوبكم، فاعلموا أنَّ قلوبكم لم تسلِّم للعقل، وأنَّ الإيمان لم يقذف نوره فيها، وأنَّكم تعدون شخصاً آخر إلهاً ومؤثراً في هذا العالم، لا الحق تعالى، وأنَّكم في زمرة المنافقين أو المشركين أو الكفار"([20]).
إذا اتضح هذا بقي أمرٌ واحد، وهو: كيف يمكن أن نُحصِّل العقائد الحقَّة ونُنَقِّحَ ما لدينا من عقائد، بحيث نثق ونطمئن بعدم وقوعنا في الخطأ المُكلف بالنسبة لنا؟
نُرجئ هذا السؤال وجوابه إلى بحثٍ منفصلٍ إن شاء الله.
........................................
([1]) الميزان في تفسير القرآن، العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي ج5، ص260.
([4]) سورة آل عمران، الآية 191.
([6]) سورة الأنعام، الآيات 75 – 81.
([7]) سورة الأنبياء، الآيات 57 – 67.
([9]) سورة المائدة، الآية 104.
([11]) ميزان الحكمة، الشيخ محمد الري شهري، ج7، ص2697.
([12]) تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، ج27، ص126.
([13]) بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار، محمد باقر المجلسي، ج1، ص96.
([14]) دروس في العقيدة الإسلاميّة، محمد تقي المصباح اليزدي ، ج1، ص22.
([15]) دروس في العقيدة الإسلاميّة، محمد تقي المصباح اليزدي ، ج1، ص23.
([16]) مقارنة الأيديولوجيات، الأستاذ محمد تقي مصباح اليزدي ، ص 10.
([17]) سورة الأعراف، الآيات 14 – 16.
([18]) سورة ص، الآيات 79 – 83.
([19]) سورة النساء، الآية 122.
([20]) الأربعون حديثاً، الإمام السيد روح الله الموسوي الخميني، ص61.