نادر الملاح
3 محرم 1445 هـ، 22 يوليو 2023
أم وهب بنت عبد، سيدة من النمر بن قاسط، زوجة عبد الله بن عمير الكلبي، من قبيلة بني عليم (تاريخ الطبري، ج5 ص429). وهي سيدة جليلة أدركت الحسين عليه السلام مع زوجها وابنها وهب واستشهدوا جميعاً بين يدي أبي عبدالله الحسين عليه السلام. وبحسب ما يذكر الطبري في تاريخه، تعلقت أم وهب بزوجها عبدالله بن عمير الكلبي لما عزم على الخروج من الكوفة لنصرة الحسين عليه السلام، وأصرت عليه للخروج معه لنصرة الإمام الحسين عليه السلام، فالتحقوا بأنصار الحسين ليلاً في كربلاء.
وكانت أم وهب أول امرأة استشهدت بين يدي الحسين عليه السلام، كما كان زوجها عبدالله بن عمير الكلبي وابنها وهب، من أوائل الشهداء الذين برزوا إلى القتال يوم عاشوراء، وكان كلٌّ منها مقاتلٌ شديد المراس.
كان بن عمير قد نزل الكوفة واتخذ عند بئر الجعد داراً فنزلها هو وزوجته، فرأى القوم يعرضون ليسرحوا إلى الحسين عليه السلام، فقال في نفسه: والله لقد كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصاً وإني لأرجو أن لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين، فدخل إلى زوجته فأخبرها بعزمه على الخروج لنصرة الحسين عليه السلام، وخرجا هو وزوجته وابنه وهب ليلاً، وورد في بعض المصادر أنه كان مع وهب زوجته أيضاً، وكان وهب حديث الزواج، حتى أتوا الحسين عليه السلام ليلة الثامن من المحرم (عبرات المصطفين، ج2 ص24).
أما ابنها وهب بن عبدالله الكلبي، والذي كانت بصحبته إلى جانب أمه وأبيه زوجته على ما ورد في بعض المصادر، فقد برز إلى القتال بعد مقتل الحر بن يزيد الرياحي وشيخ قراء الكوفة برير بن خضير رضوان الله تعالى عليهم أجمعين. وكانت أم وهب تحث ابنها على القتال، فلما حمل على القوم وقتل منهم جماعة كثيرة، رجع إلى أمه فقال: أرضيتِ يا أماه؟! فقالت: ما رضيت أو تقتل بين يدي الحسين، فرجع وقاتل ثانية حتى قُتل، فخرجت أمه تمسح التراب عن وجهه، فأرسل إليها شمر بن ذي الجوشن غلامه رستم فضربها على رأسها بعمود فقتلها. وورد هذا الموقف في بعض المصادر على أنها خرجت تمسح التراب عن وجه زوجها عبدالله بن عمير بعد استشهاده. وأياً كان من المقصود، فإن الثابت هو ذلك الموقف البطولي الذي سطَّرته هذه السيدة العظيمة بدءً بإصرارها على المضي إلى نصرة الحسين عليه السلام، مروراً بحميتها وغيرتها على الحسين ومبادرتها للذب عنه لما حملت عموداً وخرجت لقتال الأعداء، لولا أن أرجعها الحسين عليه السلام قائلاً: ليس على النساء جهاد، وصولاً إلى حث زوجها وابنها على الاستشهاد دون ابن رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم ما مَنَّ الله عليها به أن كانت أول شهيد من النساء بين يدي الحسين عليه السلام.
وقد أوردت بعض الكتابات أن أم وهب وابنها وزوجته كانوا على شريعة نبي الله عيسى عليه السلام، وقد أسلموا على يد الحسين عليه السلام لما حضروا كربلاء، إلا أننا رغم كثرة الكتابات التي أوردت ذلك لم نجد في المصادر المعتبرة ما يؤيدها، ووجدنا ما هذه مسألة مذكورةً إنشاءً دون الإحالة إلى مصدر يمكن التحقق من صحته. ولعل العبارة التي نقلتها الكتب المعتبرة عن زوجها عبدالله بن عمير حيث قال: "والله لقد كنتُ على جهاد أهل الشرك حريصاً وإني لأرجو أن لا يكون جهاد هؤلاء الذين يغزون ابن بنت نبيهم أيسر ثواباً عند الله من ثوابه إياي في جهاد المشركين"، ترجح أن أم وهب وأسرتها كانوا مسلمين قبل وصولهم أرض كربلاء لنصرة الحسين. أما كونهم من أتباع المسيح عليه السلام، فلعل ذلك كان قبل اعتناقهم الإسلام، بينما اشتبه الأمر على بعض الناقلين. وعلى أية حال، فإن الثابت هو أنهم في يوم عاشوراء كانوا جميعاً مسلمين مؤمنين لم يتخلف أيٌّ منهم عن نصرة أبي عبدالله الحسين عليه السلام.
لقد عَرَّى موقف هذه السيدة الجليلة ما كانت عليه جبهة العدو من انتهاك صارخ للإنسانية وأخلاقيات الحروب لاسيما عند العرب، وأظهر مدى اضطراب العدو وتخبطه حيال الإيمان الراسخ في نفوس أنصار الحسين عليه السلام، وتفانيهم في نصرة دين الله وابن رسول الله ومشروعه الإصلاحي، لدرجة أنَّه قد رأى في تلك المرأة الفاقدة عدوًا يخاف منه، فعاجلها بضربة غدر، ليُصيِّرها رغماً عنه وعلى خلاف إرادته أنموذجاً مُشرِّفاً يستضيء به الأحرار في مقارعة الظلم والجور والطغيان.
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين.
اللهم ثبتنا على ولاية الطاهرين، واهدنا سواء السبيل، وأحسن خواتيم أعمالنا إلى خير ما تحب وترضى، إنك أنت السميع المجيب، وصلي يا رب وسلم وزد وبارك على محمد وآله الطاهرين، وارزقنا في الدنيا ولايتهم، وفي الآخرة شفاعتهم، وتوفنا على هذا العهد برحمتك يا أرحم الراحمين.